رغم مرور أزيد من أربعين يوما على مذبحة حي حسان بالرباط، التي راح ضحيتها ثلاثة أبرياء (طالب ورجل أمن خاص وقنصل سابق)، وخمسة جرحى، مازالت الأسر تجتر المعاناة والمأساة، ولا يخفف من آلامها إلا مواساة قريب أو سؤال غريب. نظمت الأسر حفل تأبين «الأربعين يوما» في صمت بعدما أجهض مختل نفسيا أحلامها الوردية. أسرة مرتكب الجريمة بدورها لها رأي في ما حدث، فهي تعتبر الجاني مختلا نفسيا ويعاني من انفصام في الشخصية، وتحمل المسؤولية للمستشفى الذي كان يتابع علاجه به. وفي انتظار ما سيسفر عنه التحقيق القضائي والمحاكمة، فإن الجميع، سواء من أسر الضحايا أو من أسرة المتهم، ينتظر الكشف عن الحقيقة كما هي وتحميل المسؤولية لكل المتدخلين. تتأمل نزهة خفجي صور زوجها أحمد الحداوي بعد عودتها من المطار مودعة ابنها رفيق الذي غادر إلى فرنسا أول أمس بعد حضوره «أربعينية» والده. عادت الأم إلى منزلها وحيدة، وأخذت تتأمل صور رفيق حياتها الذي غادر إلى دار البقاء بعدما دهسته سيارة (حسن ب) الذي كان يقودها بسرعة جنونية بحي حسان يوم 26 مارس الماضي. صور تلخص مسار حياة أمضى منها أزيد من ثلاثين سنة في خدمة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، تقلد خلالها العديد من المناصب والمسؤوليات، كان آخرها قنصلا بفرنسا لمدة أربع سنوات وعاد إلى المغرب سنة 2006. البحث عن الحقيقة غادر رفيق الحداوي، ابن الضحية، المغرب بعدما يئس من البحث عن الحقيقة، خاصة التعرف على الوضع النفسي لمرتكب جريمة الرباط. تقول والدته، «قدم ابني لحضور أربعينية والده، ومنذ مجيئه وهو يبحث عن حقيقة الوضع الصحي للمجرم، فلم يجد من يقدم له أية معطيات، سواء من رجال الأمن أو مستشفى الرازي، وكان يتلقى جوابا واحدا هو أن القضية في مرحلة التحقيق، وهدفه من ذلك هو أن يعرف لمن سيحمل المسؤولية؟ هل للأمن أم للمستشفى؟». انتقدت أرملة الحداوي طريقة تعامل الإعلام المغربي مع الملف، الذي قالت إنه تحدث عند وقوع الحادث وصمت بعد ذلك، ولم يقدم أي تفاصيل حول حقيقة ما حدث، خاصة أن خبر وفاة الحداوي وقع كالصاعقة على الجالية المغربية بمونبولي بفرنسا، حيث قضى أربع سنوات وهو يشغل منصب قنصل عام إلى حدود 2006. تقول زوجته: «بعد وفاته نظمت العديد من الجمعيات بمونبولي صلاة الغائب حضرها 16000 شخص، وهذا يبين المكانة التي كان يحظى بها في أوساط الجالية المغربية، وهذا يخفف عنا بعض الشيء، ونتلقى العديد من الاتصالات من داخل المغرب وخارجه لمعرفة مسار القضية، ولكن لا جواب لنا يذكر». فتوى للسفر أخفت الأم خبر وفاة زوجها عن ابنها أمين، الذي يتابع دراسته بكندا، في البداية، لأن الحدث تزامن مع انقضاء صلاحية وثيقة إدراية، وبعد علمه بالخبر أصر على الحضور، لكن منعته والدته تفاديا لكل عرقلة له في الدراسة، التي تكلف الأسرة ماديا، ومن أجل التخفيف عنه، تعتزم زيارته نهاية الشهر الجاري رفقة أخيه حتى تقدم له سندا معنويا من أجل تحفيزه على التحصيل الدراسي . تقول خفجي: «أريد السفر عاجلا عند ابني إلى كندا من أجل التخفيف عنه، لأنه لم يحضر جنازة والده، وكنت أنتظر فتوى تبيح لي السفر لأن العديد من الفقهاء أفتوا بحرمة سفر المرأة في مرحلة العدة، واحد منهم فقط من أخبر أخي أن لا حرج في أن أسافر عند ابني لأن سفري لضرورة ومصلحة». قريب للراحل الحدواي أصر على أن يتحدث في الموضوع، فقال إن «الأسرة لم تتلق أي عزاء مالي من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، كما جرت العادة لدى مختلف الإدارات والمؤسسات، مضيفا أن هذا يفسر أن من مات مجرد «ذبابة»، وليس قنصلا سابقا أمضى أزيد من 30 سنة في خدمة الإدارة وكان يعمل حتى أيام السبت والأحد ولم يكن ينعم بعطلته السنوية». وختم قوله بالتعبير عن حنينه إلى زمن شرطة القرب، قائلا: «بغض النظر عن بعض الممارسات التي صدرت من بعض عناصر شرطة القرب فقد ساهموا في التخفيف من حدة الجريمة لأن ذهابهم بشكل جماعي وداخل الأحياء والدروب كان يخيف المجرمين، أما الآن فقد ساء الوضع الأمني كثيرا». «الصحافة متحيزة» أثناء المرور من أمام منزل (حسن. ب)، مرتكب «مذبحة العاصمة»، لا تسمع إلا نباح كلبه الذي كان يؤنسه. جارته تطلب من قريبة له الصبر على المصاب الذي لم يكن منتظرا. تنتفض قريبة (حسن ب) مجرد علمها بأن «المساء» ترغب في الحديث إليها، قائلة: «إن الصحافة لا تقوم بدورها وتكتب ما تشاء دون دليل، وبدون أن تستمع إلى جميع الأطراف ودون أن تكلف نفسها عناء التأكد من صحة كل الأحداث والوقائع. نشرت مقالات عن حسن تفيد أنه يتعاطى المخدرات والقرقوبي، وهذا غير صحيح، كيف لبطل في السباحة أن يفعل ذلك؟»، تقول قريبة ل(حسن ب) بانفعال شديد، بعدما أكدت أنه حاصل على دبلوم من المعهد العالي للأطر شبه الطبية بميزة مشرف جدا بيونيو 2007، وتلقى تداريب بالعديد من المستشفيات من بينها المستشفى العسكري بالرباط. قريبة حسن، التي لم ترغب في الحديث إلينا في البداية وتركتنا نطرق الباب دون جواب، أخبرتنا أن (حسن.ب) غاضب من أن تنشر وسائل الإعلام أن والدته أهملته وتركته يعيش وحيدا، وهذا يدخل ضمن الأكاذيب، حسب قولها، بعدما أطلعتنا على وثائق لسلف حصلت عليه من أجل تدريسه بالمعهد ويقارب 20 مليون سنتيم، إلى جانب مصاريف أخرى من بينها 1500 درهم كواجب للكراء وأزيد من 1000 درهم كواجب شهري لتدريس أخيه، رغم أن مبلغ معاش والده المتوفى لا يتعدى 4500 درهم شهريا. مسؤولية الطب النفسي غادر حسن مستشفى الرازي بعدما كان يخضع للعلاج يوم 19 من شهر دجنبر من السنة الماضية بعدما أدت أخته، طالبة بالطب، مبلغا ماليا قدره 3800 درهم، مقابل مكوثه بالمستشفى، كما هو مدون في فاتورة لمستشفى الرازي بسلا. لم يسلم الساهرون على علاج حسن للأسرة وصفة الدواء، حسب ما حكت قريبته ل«المساء»، لأنها رفضت تقديم مبلغ إضافي قدره 500 درهم، فعاد إلى منزلهم، وبعد ثلاثة أيام ألقى عليه رجال الأمن القبض فأحالوه على مستشفى الرازي ليتسلم وصفة الدواء. لم ترغب أسرته في أن يغادر مريضها المستشفى، غير أن أداء مبلغ 300 درهم يوميا أثقل كاهلها تقول قريبته التي فضلت عدم ذكر اسمها: «بعد مغادرة حسن المستشفى حاول الانتحار غير أن جارتنا أنقذته، وعندما سألته عن سبب ذلك أخبرني أنه لم يتقبل أن تؤدي أخته ثمن علاجه وهي طالبة». أسرة مرتكب جريمة العاصمة تقتسم مع العديد من المواطنين آراءهم حول تهميش الصحة النفسية ضمن مخطط وزارة الصحة، تقول قريبته: «إن المواطن الفقير بالمغرب لا يجد أي اهتمام في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية، فنحن لم نستطع تحمل نفقات العلاج النفسي بمستشفى تابع لوزارة الصحة، رغم أننا ننتمي إلى طبقة متوسطة، فبالأحرى الفقراء». وتتساءل قريبة حسن باستغراب عن سبب وضعه داخل السجن المحلي بسلا بالرغم من أنه مريض نفسيا وكل الوثائق تثبت ذلك، وترى أن مكان الاعتقال سيضاعف أزمته النفسية، متمنية أن يأخذ التحقيق مجراه الطبيعي ويسائل المسؤولين بمستشفى الرازي الذين سمحوا له بمغادرته، رغم أن حالته الصحية لم تكن تستدعي ذلك. ومن أجل التعرف على واقع المستشفيات بالمغرب، يمكن لوزارة الصحة أن تنصب كاميرات خفية لتعرف ما يجري ويدور، وحينها ستكتشف كوارث لا حصر لها، تقول قريبة حسن. حكم قاس ما زالت أسرة مهدي لحلافي، التي تقطن بمدينة القنيطرة، تعيش على وقع الصدمة، خاصة والدته مريم الأزرق التي لم تتحمل أن يغيب الابن البكر عن البيت إلى الأبد. بسمته ودعابته وحديثه لا يفارق مخيلة الأم المكلومة. حديثها اليومي إلى زوجها يدور حول ابنها الذي أحسنت تربيته وتعليمه وكان أملها أن يصل إلى أعلى المستويات، لكن اختطفته يد المنون فجأة. لا تقوى والدته على إلقاء ولو نظرة على أي وثيقة تهم المهدي ولا ملف القضية، كما قررت عدم متابعة جلسات المحاكمة لأنها تعجز عن سماع اعترافات قاتله أمام القضاء. أمل مريم الأزرق أن يتم تشديد الحكم على قاتل ابنها الذي قالت إنه اعترف أمام رجال الأمن بأنه أقدم على جريمته وهو في كامل قواه العقلية، وأن ادعاء أسرته المرض مجرد مبرر لإسقاط التهمة عنه. تقول وهي تبكي: «إذ كان المتهم مريضا نفسيا لماذا قتل ابني ولم يقتل أحد جيرانه. ربما ذنب ابني الوحيد أنه وسيم وطويل القامة ويتابع دراسته بالأقسام التحضيرية بمؤسسة الخوارزمي، وهذا سبب دفع الجاني إلى الانتقام منه لأنه لم يحظ مثله بمتابعة دراسته». صبت الأزرق، في حديثها ل«المساء»، جام غضبها على الجمعيات الحقوقية التي قالت إنها قلصت من هيبة رجال الأمن وأصبح الجميع يرتكب العديد من الأفعال التي لا يقبلها منطق ولا دين، باسم حقوق الإنسان حسب رأيها. جراح أسر الضحايا لم تندمل بعد وتتمنى أن يكون الحكم قاسيا في حق مرتكب الجريمة، وأن تتم محاسبة كل الأطراف التي تبين أنها أخلت بمسؤوليتها إذا تبين أن مرتكب الجريمة مريض نفسيا لأن الذي سمح له بمغادرة المستشفى يتحمل شقا من المسؤولية أيضا، حتى لا تتكرر جريمة هزت الرأي العام يوم 26 من شهر مارس الماضي وأدت إلى وفاة ثلاثة أشخاص: مهدي لحلافي (17 سنة، طالب بالأقسام التحضيرية) وسعيد قربوع (30 سنة، كان يعمل حارس أمن بالمحافظة العقارية بالرباط) وأحمد حداوي (56 سنة، موظف بوزارة الشؤون الخارجية وقنصل سابق بفرنسا) وإصابة مواطنين، من بينهم فتاة لازالت حالتها الصحية حرجة بعدما صدمها الجاني بالقرب من السفارة الإيطالية بسيارة قام بالاستيلاء عليها.