«جريمة ومذبحة مركبة ومتعددة الأبعاد، لم يفرق مرتكبها بين المغربي أو الأوربي أو الإفريقي، والضحايا كانوا نساء ورجالا، وهذا يعني أن انعدام الأمن داخل المجتمع المغربي يهدد الجميع دون استثناء», يقول أحد الذين قدموا لتقديم العزاء إلى أسرة مهدي لحلافي، الذي تلقى طعنات قاتلة على يد (حسن ب.) بالقرب من مؤسسة الخوارزمي الخاصة بشارع باتريس لومومبا بالرباط حيث كان يتابع دراسته بالسنة الأولى أقسام تحضيرية يوم الخميس الماضي. تعددت الروايات حول الحالة الصحية للجاني، بعض جيرانه بحي حسان، حيث يقطن، أكدوا أنه مختل عقليا ولكنه هادئ، وآخرون أكدوا أنه يفقد توازنه النفسي أثناء تناوله للمخدرات و«القرقوبي». الأخ الأصغر للجاني، رفض إعطاء أي تفاصيل في الموضوع، مكتفيا بالقول «على الساعة التاسعة صباحا أضرم أخي النار في غرفته وغادر المنزل، وهو سبق أن كان يتابع علاجا بمستشفى الرازي بسلا». أسر الضحايا رزئت في فلذات أكبادها، لكنها تفكر في مصير مجتمع بأسره، وتطرح السؤال التالي: كيف يمكن أن ينعم المواطنون بالاطمئنان في ظل انتشار المرضى عقليا والمجرمين واللصوص؟ يقول والد لحلافي. سؤال لا شك أنه ينتظر جوابا من وزارة الداخلية ومن وزارة الصحة التي وضعت الصحة العقلية من بين أولويات استراتيجيها لسنة (2008-2012). لقاء مفتوح بمدينة القنيطرة، تحولت فيلا أسرة مهدي لحلافي، التي امتلأت بالمعزين، إلى مجلس يناقش موضوع الأمن بالمؤسسات التعليمية، ويتساءل عمن يتحمل مسؤولية حماية المواطنين من السكارى ومدمني المخدرات والمشردين. لم يتوقف صديق مهدي الذي قدم من مدينة طنجة، حيث يتابع دراسته بالأقسام التحضيرية، عن الحديث عن وضعية الأمن بالمدينة، إذ لم يسلم هو ورفاقه من السرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض. يقول صديق الفقيد (19 سنة) «ينتشر العديد من «الشمكارا» واللصوص بالقرب من المؤسسة التي أتابع بها دراستي بطنجة وتعرضت للسرقة أكثر من مرة». أما أحمد لحلافي، عم الراحل، فيؤكد أن المؤسسات التعليمية أصبحت ملاذا للمنحرفين و»الشمكارا»، وأن مسؤولية الأمن بها يتحملها الجميع ابتداء من جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، التي تصمت أمام هذا الواقع ولا تحرك ساكنا يقول عم الفقيد، ومهنته أستاذ، «إن المجتمع المغربي استسلم للعديد من الظواهر السلبية، ولم يعد يقاومها، وهو ما أدى إلى ظهور أخطار تهدد أبناءنا، وهذا يتطلب أن يتحمل الجميع مسؤوليته وكل من موقعه». خوف من العنصرية تبكي مريم الأزرق، والدة مهدي، بمرارة وهي تحكي عن مناقب ابنها البكر «ضاع ابني الذي ترك طيوره المفضلة والنباتات»، تسكت برهة لتضيف «هذه غرفته التي تبين شخصية ابني المسالم حاسوبه وكتبه المتنوعة خاصة الفرنسية، وصور المدن المغربية المتنوعة». لم ترغب الأزرق في أن تبعث ابنها لمتابعة دراسته بفرنسا، ويقيم عند جدته هناك خوفا عليه من أن يكون من ضحايا العنصرية, «رفضت أن يذهب ابني إلى فرنسا لأنني خشيت أن يقتله المعادون للعرب والمسلمين وعوض أن يعود إلى المغرب حاملا معه شهادة عليا يعود جثة هامدة داخل صندوق». غير أن الأقدار شاءت أن تمتد أياد مغربية لقتله بالقرب من المؤسسة التي يتابع فيها دراسته بعدما خرج لنسخ بعض الأوراق قرب المؤسسة، حسب ما أكده زملاؤه في الفصل. تقول والدته «تملك أسرتي شقة فارغة وضعتها تحت تصرفي بالرباط، لكنني رفضت أن يقطن بها ابني، فاستأجرت له شقة قرب المؤسسة التي يدرس بها، وكنت مطمئنة عليه لأنه يسكن بالقرب من مقرات الوزارات والمؤسسات الأمنية، لكن ابني تلقى طعنات قاتلة وتأخرت عنه سيارة الإسعاف بالرغم من أن مكان الجريمة لا يبعد سوى ببضعة أمتار عن مقر وزارة الصحة». فرحة لم تكتمل اعتاد مهدي لحلافي أن يزور أسرته مساء كل يوم أربعاء بالقنيطرة، غير أن هذه المرة غير وجهته، وقام بزيارة أصدقائه الذين يتابعون دراستهم بشعبة الطب والهندسة المعمارية، فأمضى معهم أمسية ممتعة، وزف لهم خبر حصوله على النقطة الأولى بمادة الرياضيات. يقول إسماعيل بوزكراوي، سنة أولى طب، «كان فرحا بسبب نجاحه الدراسي، لكن رحمه الله وكأنه جاء لتوديعنا جميعا». هاتفت الأزرق ابنها مهدي مساء يوم الأربعاء الماضي وسألته عن سبب عدم مجيئه إلى القنيطرة فأخبرها أنه فضل زيارة أصدقائه. وبمجرد ما أنهت والدته المكالمة، كتب لها رسالة قصيرة على هاتفها المحمول يقول فيها: «أمي الحبيبة نسيت أن أقول لك أنني اليوم حصلت على النقطة الأولى في الرياضيات». غير أن فرحة الأم بابنها لم تكتمل، إذ تلقت مكالمة هاتفية من زملائه يخبرونها بضرورة الحضور الطارئ، لتجد ابنها مضرجا بالدماء. يتلقى والد مهدي التعازي وابنته صفاء بجانبه، يقول: «ابنتي ستؤدي ضريبة ضياع ابننا لأنني أصبحت أخاف عليها كثيرا من أن يصيبها أي مكروه لا قدر الله وهي الوحيدة التي بقيت لنا». يقول والد مهدي بأسى: «حياتي لم يعد لها طعم، لأن ثمرة حياتي قطفت قبل الآوان، ضحيت بمستقبلي المهني من أجل ابني، ففي كل مرة كنت أرفض الترقية في عملي كبنكي هذه الترقية كانت مرتبطة بتغيير مدينة العمل، كي لا أترك ابني الذي علمته كل شيء جميل، علمته كيف يحب الحياة ويحصل على أعلى النقاط». لم يخفف من حزن الأب سوى حفل تأبين نظمه أصدقاء الراحل أول أمس (السبت) بثانوية عبد الملك السعدي بالقنيطرة، التي درس بها لحلافي مرحلته الثانوية، فألقيت خلاله كلمات من لدن تلاميذ درسوا معه بالبكالوريا قدموا من مختلف المدن المغربية حيث يتابعون دراستهم الجامعية. تليت الفاتحة ترحما على الفقيد، وكل أساتذته وزملائه يثنون على سلوكه وتميزه الدراسي . من المسؤول؟ نصبت خيام العزاء بدوار دويسليم الذي يبعد بحوالي كيلموترين عن جماعة سيدي بوالقنادل، بمنزل أسرة سعيد قربوع (30 سنة) الذي كان يعمل حارس أمن بالمحافظة العقارية بالرباط. أجريت لسعيد عمليتان جراحيتان لكن دون أمل في حياة شاب كان يعيل ثمانية أفراد من أسرته، ورزق بأول مولودة منذ 13 يوما فقط. بعد صلاة العصر من يوم الجمعة الماضي، شيع جثمان سعيد حشد كبير من موظفي المحافظة العقارية وزملائه في شركة الأمن التي كان يعمل بها، بل حضر الجنازة أيضا مدير شركة أمن كان يعمل بها منذ خمس سنوات. يقول أحمد قربوع والد سعيد، «ابني مات مغدورا، و»المغدور شهيد»، أما والدته فانفجرت بالبكاء بمجرد ما تحدثنا إليها وأخذت تنوح قائلة «ولدي المرضي، ما يتباع بالمال ما يتشرى». أما عائشة الكدالي، زوجة الفقيد، فلم تستطع الأكل منذ الحادثة، تنصحها جارتها بتناول الطعام لإرضاع وليدتها «سارة»، لكنها ترفض ذلك، غير أن أختها تحاول إكراهها على الأكل مخاطبة إياها بالقول: «لا خيار لك أختي يجب أن تأكلي لإرضاع طفلتك، فقد توفي من كان سيجلب لها الحليب إذا جفت ثديك». وبعيدا عن جو العزاء وما يرتبط به من أحزان، تحمل نعيمة قربوع، ابنة عمة الراحل، مسؤولية وفاة قريبها للدولة التي لم تستطع حماية مواطنيها من الحمقى والمشردين والمجرمين، تتساءل قائلة ل»المساء»: «ألا توجد أماكن خاصة لهؤلاء، من الذي يستطيع بعد الآن أن يذهب في الشارع وهو مطمئن؟ كيف عجز رجال الأمن عن إلقاء القبض على الجاني بعد إحراقه بيته الذي لا يبعد سوى ببضع أمتار عن مركز رجال الأمن؟ ألم تبلغ أسرته أثناء الواقعة الأولى؟». توافقها إحدى النساء الرأي قائلة: «إذا حدثت كل هذه الجرائم في العاصمة، وفي واضحة النهار فكيف سينعكس هذا الخبر على نفسية من يقطنون بمدن تعاني انعدام الأمن»، وتختم قولها بسؤال : «لماذا عجز رجال الأمن عن إلقاء القبض على الجاني منذ ارتكابه الجريمة الأولى؟» السفير الإيطالي يطمئن على مغربية دهستها سيارة الجاني قرب مقر عمله على الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة من يوم الخميس الماضي، كانت مستعجلات المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط على استعداد لاستقبال أول حالة لضحايا الحادث، والتي بلغ عددها ست حالات، حسب مصدر طبي. ألغيت كل العمليات الجراحية غير المستعجلة التي كانت مبرمجة في ذلك اليوم، فبدؤوا في استقبال الحالات أولا بأول، أربع رجال وامرأتان. توفي سعيد قربوع، في اليوم الموالي بعدما خضع لعمليتين جراحيتين على مستوى البطن، غير أن نزيفا داخليا بالأمعاء عجل برحيله صباح يوم الجمعة الماضي. أما الفرنسي كريستيان، فهو أيضا أصيب على مستوى البطن وأجريت له عملية جراحية، لكن إصابته ليست بالغة، حسب المصدر ذاته، وحالته إلى حدود أمس مستقرة، ومازال يرقد بالمستشفى ترعاه زوجته، وحظي بزيارة قنصل فرنسا. والضحية الثالثة فتاة في العشرينات من عمرها صدمها الجاني بسيارة قام بالاستيلاء عليها بالقرب من السفارة الإيطالية، فبعث السفير الإيطالي موظفا بالسفارة من أجل الاطمئنان على أحوالها الصحية، ووعد بزيارتها قريبا، حسب ما أكده مسؤول بمستشفى ابن سينا. هذه الشابة نقلت إلى مستشفى الاختصاصات لأنها أصيبت على مستوى الأنف والحنجرة والأذن. كما أصاب الجاني إفريقيا من غانا على مستوى الرأس بعدما دهسه بالسيارة، فغادر المستشفى بعد تلقيه للعلاج. كما غادر المستشفى ضحية أخرى، وهي موظفة، أصيبت على مستوى البطن بجروح عادية. كما غادر الضحية السادس، وهو موظف بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، إلى مصحة خاصة غير أنه فارق الحياة هناك بعد تأثره بجراحه بعدما صدمه الجاني بسيارة، حسب ما أكده مصدر طبي، رفض الكشف عن هويته. أما الضحية السابع الذي فارق الحياة فور وقوع الجريمة، فهو مهدي لحلافي (18 سنة) الذي حمل إلى مستودع للأموات ولم يلج مستشفى ابن سينا. وبهذا تكون حصيلة الجريمة ثلاثة قتلى وأربعة مصابين تختلف حالتهم الصحية حسب إصابة كل واحد منهم.