"الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنيطرة.. بؤرة للاعتداءات بالسيوف والسرقات والاتجار في المخدرات بكل أنواعها
المواطنون يدعون إلى خلق مراكز أمنية جديدة وإعادة النظر في توزيع الشرطة بالمدينة
نشر في المساء يوم 29 - 09 - 2009

تعرضت جندية من أفراد القوات المسلحة الملكية، خلال شهر رمضان، بحي الوريدة بالقنيطرة، لاعتداء من طرف عناصر عصابة إجرامية، اعترضت سبيلها، فسلبت ما بحوزتها تحت التهديد بالأسلحة البيضاء، ثم لاذت بالفرار، مما أثار موجة من التساؤلات بشأن مآل الوضع الأمني بالمدينة، الذي أضحى فيه المجرمون لا يخشون القانون، ولا يهابون حماته، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى نجاعة الأجهزة الأمنية في توفير الحماية لعموم المواطنين، والحيلولة دون المساس بسلامتهم، وسلامة أبنائهم وممتلكاتهم، وحول القدرة على الاستجابة لنداء الاستغاثة في حالة تعرضهم لأي مكروه أو اعتداء، ومدى الاستعداد للقيام بخطوات استباقية تردع المشتبه فيهم، وتنسف مخططاتهم الإجرامية، قبل أن يصلوا إلى ضحاياهم.
وأثبتت معظم الحالات، التي سقط فيها المواطنون ضحايا في فخ قطاع الطرق، أن أغلبها ارتكب بمناطق تحتضن الأسر الأكثر فقرا على مستوى القنيطرة، وتفتقر إلى دوريات الأمن بشكل ملحوظ، إضافة إلى قصور الدوائر الأمنية المشرفة عليها في التعاطي مع نسب الإجرام المرتفعة التي تشهدها، وتنصل بعضها من الالتزام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، حيث إن العديد منها لا يتحرك إلا بعد فوات الأوان، رغم إشعارها بالخطر في حينه، اللهم بعض الاستثناءات القليلة جدا، التي تفعل فيها سياسة القرب على النحو الأنجع.
ويزداد الوضع سوءا، يقول أحدهم، حين يحظى بعض المجرمين من تجار المخدرات والأقراص المهلوسة والمطلوبين للعدالة في مثل هذه المناطق بحماية خاصة من طرف شخصيات معروفة، قد لا تتورع عن تحريك هواتفها النقالة حينما يتعلق الأمر بحملة تمشيطية، طالما أن وضعا مثل هذا يدر عليها أموالا طائلة، ويجعلها تحصل على امتيازات متنوعة.
وإذا كان المواطنون يشتكون من الانفلات الأمني في العديد من الأحياء، ويصوبون سهام نقدهم إلى المسؤولين الأمنيين بالولاية، محملين إياهم مسؤولية التهديد الذي قالوا، في تصريحات متفرقة ل«المساء»، إنه بات يحدق بهم على مدار اليوم كله، فإنه بالمقابل، هناك أطراف أخرى ترفض رفضا قاطعا وضع مصالح الأمن في قفص الاتهام، وتشير إلى أن هناك عوامل ومسببات عديدة، قد تتجاوز حدود إمكانيات الجهاز الأمني بالمدينة، تساهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الجريمة، بينها ضعف الموارد البشرية والمادية المتوفرة، وشساعة المساحة بالنظر إلى عدد الدوائر الأمنية الثمان المتواجدة بالمدينة، وعدم نجاعة العقوبات بخصوص الفعل الجرمي المرتكب، وتقاعس فعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المحلية عن القيام بأدوارها في تخليق وتأطير المواطنين، وأوضاع الفساد المستشرية داخل المؤسسات السجنية، التي أضحى يتخرج منها العديد من المحكومين بعقوبات سالبة للحرية وهم متشوقون لممارسة أنشطتهم الإجرامية عوض أن تكون فضاء من أجل إصلاحهم وتهذيبهم وإعادة تأهيلهم للاندماج في الحياة العامة مجددا بعد قضاء مدة العقوبة الحبسية.
أحياء تحت رحمة السيوف
وكلاب البيتبول
في منطقة معروفة لدى القنيطريين باسم «العلامة»، أحد أخطر النقط السوداء بالمدينة، يعتبر الكثير من المواطنين المرور عبر أزقتها ودروبها ضربا من المستحيل، أو يصنفونه في خانة المغامرة، سيما حين يرخي الليل سدوله، ويعم الظلام المكان، بفعل النشاط منقطع النظير للمنحرفين من ذوي السوابق. يقول محمد (23سنة) الذي يعمل مساعد تاجر: «إنني دائما أعيش على وقع الخوف والرعب، حين أضطر، حال الانتهاء من العمل، إلى شق طريقي إلى حي المسيرة عبر طريق العلامة، خاصة أن العديد من أبناء الحي سبق أن تعرضوا للسرقة والاعتداء بالسلاح الأبيض».
بعض الأسر القاطنة بهذه المنطقة أضحت تتربص بأي فرصة تمكنها من الرحيل بعيدا إلى مكان أكثر أمنا واستقرارا. وتشير تصريحات مستقاة من عين المكان إلى أن عشوائية السكن التي تسود الحي، وتهميشه، وحرمانه من أي مخطط تنموي يروم تحسين أوضاع ساكنته، ساهمت بشكل كبير في تفشي مظاهر الإجرام به، وتكشف سعيدة (52 سنة ربة بيت) أن فكرة الرحيل باتت تؤرق بال أفراد أسرتها، خاصة أن الزقاق الذي تسكن فيه يعج ببائعي القرقوبي والحشيش وبدور القوادة، فوجود مثل هذه البيئة غير الصالحة، توضح المتحدثة، يصعب مهمة تربية الأبناء، ويجعل الآباء يعيشون حالة قلق دائم.
يقول شباب هذا الحي إنه لا يكاد يمر يوم دون أن يتم تسجيل حوادث اعتراض سبيل المارة، والاعتداء عليهم بمختلف الأسلحة البيضاء، وتؤكد المصادر ذاتها أن ظاهرة حمل السيوف أضحت متفشية بشكل كبير بالمنطقة، إلى درجة أن بعضا ممن يحوزها لا يتورع عن إشهارها لأتفه الأسباب، ناشرا بذلك الرعب بين أوساط المواطنين، مضيفين بأن الخطر الأكبر هو أن بعض العصابات طورت أساليبها وإمكانياتها، وأصبحت تصطحب معها كلاب «البيتبول» المحظورة أثناء تنفيذها عملياتها الإجرامية، لإجبار الضحايا على الاستسلام والخضوع لرغبات عناصرها.
وغير بعيد عن «العلامة»، وجه مواطنون يقطنون بتجزئة الوفاء 1، الكائنة بحي الوريدة، شكايات عديدة إلى الدوائر المسؤولة، للتنديد بالتسيب الأمني الذي تعرفه جهتهم، مشيرين إلى أن بعض المقاهي المنتشرة بشكل مستفز بحيهم تحولت إلى أوكار لبيع وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة، وللعب القمار إلى وقت متأخر من الليل، مما يؤدي في الأغلب الأعم إلى نشوب مشادات وصراعات دامية قد تنتهي فصولها في أحايين كثيرة بمستعجلات المركب الاستشفائي الإدريسي، الذي أكد مصدر طبي من داخله أن أغلب الحالات الوافدة على المستشفى خلال الفترة المسائية تتعلق بضحايا الاعتداءات بالسلاح الأبيض، وأن الضحايا لا تتجاوز أعمارهم الخمسة والعشرين سنة، حيث إن معظمهم يعاني من جروح في الخد أو اليد، إما نتيجة عراك أو لتعرضهم لاعتداء مباغت بالحي نفسه، أو بالأحياء المجاورة من قبل منحرفين سلبوا منهم ما يملكون.
الحرمان من حافلات النقل الحضري بسبب الإجرام
التردي الأمني نفسه يعرفه حي «عين السبع»، ويكفي القول إن العديد من حافلات النقل الحضري، حسب ما أسر به مسؤولو إدارتها في لقاء مع الجمعيات، ترفض الوصول إلى المحطة النهائية الموجودة بالحي، إما بسبب تعرض سائقيها للعنف والاعتداء أو بسبب إلحاق خسائر جسيمة بالحافلات، وهي الذرائع التي يتمترس خلفها أيضا أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة، الذين يخشون من عمليات السطو والسرقة، التي كانت قد استهدفت في وقت سابق زملاء لهم في نفس المهنة.
مقاه للشيشة والمخدرات
تحت الحماية
وغير بعيد عن مقر ولاية أمن القنيطرة، لم يعد فضاء «الكورنيش»، الذي أراده مشيدوه أن يكون متنفسا حقيقيا لسكان المدينة، ملاذا آمنا للأسر وأبنائها، بعدما تعددت حوادث السرقات به، وتحولت جنباته إلى مرتع للمخمورين وعشاق الشيشة، ورغم الحملات الأمنية التي تشنها عناصر الشرطة القضائية من حين لآخر، فإن الوضع لم يتغير كثيرا، خاصة في ظل وجود مقاه مجاورة، تحولت إلى ما يشبه العلب الليلية وأوكار الدعارة، قد لا تطالها أيدي رجال الأمن، بفعل الحماية التي توفرها بعض الجهات لمالكيها، وهنا لا بد من الإشارة إلى ما وقع خلال شهر رمضان، حينما بادرت السلطات الأمنية إلى شن حملة تمشيطية على مقهى توجد في ملكية مستشار جماعي، أسفرت عن اعتقال العديد من الفتيات القاصرات، وحجز قنينات الشيشة، إضافة إلى أسلحة بيضاء كانت بحوزة الموقوفين، لكن جهات نافذة تدخلت، فتم إرجاع كل ما تم حجزه إلى أصحابه، وأطلق سراح جميع المعتقلين، بعدما باشر صاحب المقهى اتصالاته مع برلماني يدعي أنه يملك مفاتيح القضاء، لتعود الأمور إلى نصابها، وكأن شيئا لم يكن، في الوقت الذي شعرت فيه عناصر الأمن بخيبة كبيرة، وإحساس بالذل والمهانة، نتيجة هذه السلوكات التي تطاولت على اختصاصاتهم، وتدخلت بشكل سافر في المهام الموكولة إليهم بقوة القانون، وهذا ما اعتبره مصدر أمني عاملا آخر من العوامل التي يمكن أن تحد من الأداء الجيد لمصالح الأمن، حيث تتدخل سلطة المال والجاه والنفوذ لخدمة الفساد والمفسدين، حسب تعبيره.
مؤسسات تعليمية ملاذ
للمتسكعين والمنحرفين
من جانب آخر، دعا العديد من آباء وأولياء التلاميذ الجهات الأمنية إلى توفير الأمن بكثافة بمحيط المؤسسات التعليمية، وكشفوا من خلال شكاية توصلت «المساء» بنسخة منها أن الفضاء الخارجي لهذه المؤسسات بات ملاذا للمتسكعين والمنحرفين بسبب غياب دوريات مستمرة لرجال الأمن.
وأفادت جمعية آباء وأولياء تلاميذ ثانوية المهدي بن تومرت الإعدادية أن وجود الثانوية بالقرب من الغابة، وقصر سور المؤسسة، يجعلان هاته الأخيرة عرضة للمجرمين، ومرتعا خصبا لهم، رغم المجهودات التي يبذلها حراس الأمن التابعين للشركة، موضحة بأن انعدام الإنارة أمام الثانوية، وبالطريق المؤدية إليها، يساهم في تأزيم الأوضاع نتيجة التهديدات والمضايقات التي تلحق التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية من قبل المنحرفين.
الدعوة إلى المردودية
وخلق مراكز أمنية جديدة
دعت فعاليات من المدينة الإدارة العامة للأمن الوطني إلى الإسراع بخلق دوائر أمنية جديدة في العديد من المناطق الشاسعة التابعة للمدار الحضري، وطالبت بإحداث واحدة منها بمنطقة عين السبع، بحكم كثافتها السكانية الكبيرة، ومجاورتها لأحياء أخرى تعد من النقط الأمنية السوداء، التي تفتقر كليا إلى دوريات الأمن، وهذا ما ينطبق على حي الوفاء والإرشاد والمخاليف، مناشدة ولاية الأمن بضرورة إعادة النظر في توزيع رجال الشرطة بالمدينة، حيث شددت على مضاعفة عدد العناصر الأمنية بالمناطق التي تعد بؤرا للإجرام، بدل التركيز المبالغ فيه على الساحات المعروفة، وترصد حافلات المسافرين وشاحنات الرمال وسيارات النقل السري والباعة المتجولين، بدوافع وخلفيات قد لا تجد لها أدنى صلة بالجانب الأمني، حسب تعبيرها.
التأطير الأمني والمقاربة التنموية كحل لتردي الوضع الأمني
من جهته، قال عبد الله سعيد صلاحو، الكاتب المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن القنيطرة تعيش وضعا أمنيا مترديا يتسم بتراجعات خطيرة، تهدد أمن وسلامة المواطنين، نتيجة استفحال الكثير من المظاهر الخطيرة كالجريمة والمخدرات والسرقة والاعتداء على المواطنين، وكشف أن الجمعية استقبلت في هذا الإطار شكايات لمواطنين، بات الهاجس الأمني يشكل بالنسبة إليهم انشغالا حقيقيا.
وحمل صلاحو السلطات العمومية مسؤولية الانفلات الأمني، وأضاف بأن غياب سياسة اجتماعية حقيقية تضمن الكرامة للمواطنين، وتحفظ لهم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ونهج سياسات معاكسة لهذه الحقوق، لا يمكنها أن تنتج سوى الفقر والتهميش والإقصاء، وهي عوامل حاسمة، يوضح المتحدث، تدفع الكثير من ضحايا هذه السياسة إلى الارتماء في أحضان كل المظاهر السلبية سالفة الذكر، سيما في ظل فشل الأجهزة الأمنية، يضيف الكاتب المحلي للهيئة الحقوقية، في ضمان حق المواطنين في الأمن والسلامة الجسدية، نتيجة ما وصفها بالاختلالات المسجلة على مستوى التأطير الأمني للمدينة بشكل عقلاني وفعال، وعلى مستوى الأداء الذي يعرف، في نظره، انتقادات كثيرة من طرف الحقوقيين، ومن طرف الكثير من المواطنين والمواطنات.
واعتبر الفاعل الحقوقي أن غياب منظور جديد للسياسة الاجتماعية ببلدنا بشكل عام، وبمنطقة القنيطرة بشكل خاص، التي تزخر بالكثير من المؤهلات الاقتصادية والطبيعية، التي من شأن حسن استثمارها أن يؤدي، حسبه، إلى إحداث القفزة النوعية المطلوبة لمحاربة الفقر، ورفع التهميش والإقصاء عن سكان المنطقة، إضافة إلى غياب سياسة أمنية رشيدة، تخدم أولا وأخيرا المواطن، وتشتغل بمنظور عقلاني تنظيما وأداء، وتستحضر الأبعاد الاجتماعية والحقوقية في عملها، يصعب ويعقد إيجاد حل لكل المشاكل المطروحة، التي يبقى ضحيتها هو المواطن.
أما الأستاذ سعيد جابوريك، محام بهيئة القنيطرة، فأكد على أن ما يحمي الناس ويضمن أمنهم، هو تحقيق الدولة لهيبتها باحترامها للقانون وتوفيرها للحرية داخل مجال نفوذها، وليس القهر والقمع ولا حتى بناء السجون أو توفير مخافر الشرطة أو توظيف رجال الأمن بأدوات قادرة على تحقيق الأمن، وقال إنه في غياب مقومات الحرية والعدل والحياة الكريمة، فإن التمرد يصبح هو المعنى السائد في كل مناحي الحياة وبأشكال عدة.
وأوضح جابوريك أن ظاهرة انتشار الجريمة بكل ألوانها من اعتداءات جسدية، أو جرائم مالية، أو جرائم تخص المجتمع، لها أسبابها السوسيو إقتصادية المتفاقمة في المجتمع، من قبيل الفقر والعطالة والأمية والجهل، بالإضافة إلى الأسباب المرتبطة بفشل السياسة الجنائية التي تعتمد بشكل مركزي، بل ووحيد، على المقاربة الأمنية المتأسسة على الإستراتيجية العقابية، والحال، يضيف المتحدث، أن المقاربة الشمولية لمعالجة الظاهرة الإجرامية هي الواجبة على مستوى التطبيق والتفعيل.
وأضاف المصدر أن هناك العديد من المؤسسات والفاعلين متورطون هم أيضا في تفاقم هذه الظاهرة ، ولا أدل على ذلك، يكشف المحامي، ما أصدرته المحاكم المغربية في السنوات الأخيرة من أحكام في حق ضباط شرطة قضائية بمختلف أنواعها، وحراس السجون، وقيادات عسكرية من مختلف الدرجات، من أجل ما قدموه من تسهيلات لمجرمين مقابل أتاوات ورشاوى، منتقدا في نفس الوقت، الدور السلبي للمواطن نفسه، حيث قال إنه في كثير من الأحيان، ورغم حضور الكثير من الناس لوقائع إجرامية، فإنهم يفضلون الركون إلى زاوية المتفرج، بدل ممارسة دور فاعل أو على الأقل الإدلاء بشهاداته، وهو ما يمنح الجاني الثقة الزائدة بأن العقاب لن يطاله نظرا إلى انعدام الإثبات.
قلة الموارد البشرية واللوجستيكية والفساد يعيقان مجهودات الأمن في محاربة الجريمة
دأبت مصلحة الشرطة القضائية التابعة للأمن الولائي بالقنيطرة، على بذل مساع حثيثة لاحتواء الزحف المخيف للجريمة على كل مناطق القنيطرة، عبر نهج سياسة جديدة كان واضعوها يرومون من خلالها الحضور الميداني والقرب من المواطنين، بالتنسيق مع كافة الدوائر الأمنية والفرق الأمنية الأخرى المستحدثة بهذا الخصوص، لمواجهة تفشي الإجرام بالمدينة.
واضطر الرئيس الجديد لمصلحة الشرطة القضائية مباشرة بعد توليه مهامه، إلى إجراء هيكلة جديدة للمصلحة، مست بالأساس الموارد البشرية التي تشتغل تحت إمرته، حيث أعاد توزيعها وانتشارها بمختلف الأقسام حسب كفاءتها، في الوقت الذي تعمد فيه استبعاد بعض وجوه «الحرس القديم» من محيطه، وتعيين مساعدين جدد له، في محاولة منه لضمان نجاح مقاربته للأوضاع الأمنية للمدينة. وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الإستراتيجية الأمنية الجديدة التي شرع عبد الرحيم عفيفي في تجسيدها على أرض الواقع، انبنت، في مرحلة أولى، على إحداث ثلاث فرق أمنية متحركة تعمل على مدار اليوم، تضم عشرة عناصر، وتتوزع مهامها، حسب المناطق، بين التنسيق التام بصفة دائمة مع الدوائر الأمنية الثماني وفق أجندة موضوعة بدقة، حيث تم إحداث قطيعة مع مبدأ تعدد الاختصاصات وتداخلها، والتكليف العشوائي بالمسؤوليات، مقابل التركيزعلى إسناد مهام محددة لكل عناصر وفرق المصلحة، بينما تم فيه الإبقاء على فرقة دراجي الشرطة القضائية المعروفة باسم «الصقور»، كأحد العناصر التي يعول عليها كثيرا في محاربة الجريمة بمحيط المؤسسات التعليمية، والقيام بالحملات التمشيطية المطلوبة بمختلف النقط السوداء بالمدينة، هذا في الوقت الذي حافظت فيه فرقة مكافحة العصابات المعروفة اختصارا ب«لاباك» على الأدوار الموكولة لها في السابق بعدما أثبتت نجاعتها كضرورة أمنية ملحة في حالات عديدة، لتنضاف إليها أيضا مهمة الإشراف على كل ما يتعلق بفضاء المؤسستين السجنيتين الموجودتين بالمدينة.
بيد أن كل هذه المجهودات لم ترق إلى المستوى المطلوب، سيما مع ضعف الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية المرصودة لولاية أمن القنيطرة، وقلة المراكز الأمنية، وهزالة مردودية دوريات الأمن العمومي المكلفة بحفظ النظام العام، والضغط الكبير الذي تعاني منه مختلف الدوائر الأمنية المتواجدة بالمدينة، وكذا وجود فئة من العناصر الأمنية، تأبى إلا أن تغرد خارج السرب، وتصطاد في الماء العكر، وتلهث وراء الكسب غير المشروع بتواطؤ مع لوبيات الفساد في جميع المجالات، أضف إلى ذلك، شساعة مساحة المدينة، واستمرار هذه الأخيرة في التوسع في جميع الاتجاهات، دون أن تواكب ذلك الحركية الأمنية المطلوبة.
وضع كهذا بات يفرض على الإدارة العامة للأمن الوطني إعادة النظر في الخريطة الأمنية للقنيطرة، التي تفتقر إلى التوازن المطلوب، خاصة مع قرب التحاق منطقة قصبة المهدية، إحدى أشهر أسواق تجارة المخدرات، بنفوذ المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، وهو ما يتطلب ضخ دماء جديدة بالمصلحة، ومضاعفة عتادها، وإحداث تغييرات على مستوى بعض المناصب الأمنية بالولاية ككل، بما يتماشى وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الجهاز الأمني، الذي أضحت مهمته جد صعبة، حسب مصادر «المساء»، نظرا إلى الانفلات الأمني الخطير الذي تعرفه العديد من أحياء القنيطرة، التي أضحى فيها حضور رجال الشرطة شبه منعدم، من قبيل أحياء «السلام» و«الربيع» و«الوريدة» و«بئر الرامي» و«عين السبع» و«لعصام»، الأمر الذي شجع كثيرا، تقول المصادر، على تصاعد حالات الاعتداء على المواطنين، واعتراض سبيلهم، وتناسل نقط بيع المخدرات بكل أصنافها، بفعل العلاقات المشبوهة التي تربط بعض العناصر الأمنية بتجارها، حسب تعبيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.