ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



*مقدمة للمشروع التنويري النهضوي للحضارة الاسلامية والعربية
نشر في تطاوين يوم 15 - 12 - 2010

لا يمكن التفكير في مشروع النهوض الحضاري الإسلامي والعربي دون استدعاء مرجعيات محددة. قصد بناء المعطيات التي تمكننا من توضيح محتوى ما نحن بصدد التفكير فيه. وفي هذا السياق يمكن العودة إلى النموذج التاريخي الحضاري الغربي، كما يمكن استدعاء بعض عناصر مشروع النهضة العربية، كما تبلورت في التاريخ العربي المعاصر خلال القرنين المنصرمين.
*********
في موضوع النموذج الحضاري الغربي، يمكن القول: إن هذا المشروع قد تحكمت في بنائه وتأسيسه مرجعيات النهضة الأولى والثانية في القرنين 16 و 18 وهي مرجعيات فكرية فلسفية عامة، كما شكلت الثورات المعرفية والسياسية، ثم الثورات الصناعية والتكنولوجية المتواصلة في القرنين 19 و 20، النماذج المعرفية المنظمة لقواعده في البحث والإنتاج.
وقد تحكمت هذه المرجعيات والثورات لاحقا في عملية تركيب مشروع النهضة العربية، فلم يعد التفكير ممكنا في الفكر العربي المعاصر دون استدعاء هذه المرجعية. وحصلت ازدواجية في إيقاع التاريخ والفكر والمجتمع العربي، وبدا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، أن مشروع مواصلة التفكير في النهوض العربي أصبح يرتبط بمبدأ التأصيل الفكري الرامي إلى استحضار البعد التاريخي والنقدي في التعامل مع مقدمات ونتائج هذه المرجعية، وهو الأمر الذي يعبر عن تطور في الوعي الذاتي يتجه لإبراز أهمية الخصوصيات الفكرية والمجتمعية في بناء مشروع النهضة العربية المأمول والمرتقب.
تحضر إذن معطيات المشروع الحضاري الغربي عند التفكير في النهضة الإسلامية العربية والمشروع النهضوي الإسلامي العربي، وربما لهذا السبب يتم استبعاد مفهوم النهضة العربية واستبداله بالمشروع الحضاري النهضوي العربي، وذلك باستحضار مفهوم الحضارة، والحديث عن مشروع حضاري عربي. ولم ينفع التخفيف الذي حرص على المحافظة على نهضوي وعربي، من تقليص الشحنة القوية المرتبطة بكلمة "الحضاري".
في تمجيد اليوتوبيا:

نتصور أن مفهوم المشروع التنوير النهضوي للحضارة الإسلامية والعربية، يتضمن جملة من المعطيات الممتلِكة لأهم خصائص المنظور اليوتوبي، فهل الحديث عن مشروع حضاري عربي يعني أننا أمام يوتوبيا عربية؟
قبل الجواب عن هذا السؤال، ورفعا لكل التباس، نشير إلى أننا نستعمل هنا مفهوم اليوتوبيا في دلالته الإيجابية، بل إننا قد لا نجد أي حرج في تمجيد يوتوبيا عربية تبني مشروعا حضاريا جديدا، يهب أمتنا إمكانية امتلاك القوة وتحقيق النهضة والاستقلال، وإبداع التاريخ.
ستحضر مشروعنا الخطاطة العامة لمكونات المشروع الحضاري الإسلامي والعربي ويعددها كما يأتي: الوحدة والإستقلال والتحرير والتنمية والعدالة، بل إنه يفكر في الروافع القادرة على تحقيق المشروع. ونقله من دائرة الممكن إلى مستوى التحقق والتجسيد، بل ويذهب أبعد من ذلك، فيصوغ برنامج الأولويات، ويبحث في كيفيات تجسيد المشروع في الواقع.
في المتخيل اليوتوبي تكون الأرض جزيرة، ويتمتع المجتمع وسط هذه الجزيرة بكل مقومات مجتمع الوفرة والرفاهية، حيث يسود العدل ويحل الوئام...
التوتر بين الواقعي والمتخيل، رفض التناقض، رسم الصور المأمولة، اختزال التاريخ ثم استبعاده، البحث عن الإتساق والإنسجام، والنفور من الصراع والإختلاف، إغلاق مجال التفكير، بناء ثنائيات قابلة للتركيب التوافقي..نجد هذه الخصائص مجتمعة في الخطاطة الصورية لمحاور المشروع والذي يتوخى إصابة هدف محدد..
يحضر التكوين اليوتوبي في تصور المشروع الحضاري العربي كما تحضر الأحلام الوردية في الظلام، لكن التاريخ أعقد من التصور، رغم أن التصورات تملك القدرة أحيانا على توجيه التاريخ. إن تقليص المكون اليوتوبي في النظر يتطلب الإنخراط في نقد تجارب المشروع التنويري النهضوي الإسلامي العربي، والإنخراط في نقد سلبيات المشروع الحضاري الغربي، إلا أنه يقتضي قبل ذلك وبعده، التسليم بأهمية النموذج الحضاري الغربي، وهو الأمر الذي يكاد يختفي أو يحضر محتشما في تصور المشروع الحضاري العربي وذلك لطغيان الهواجس السياسية على الفكرة والمشروع.
التجدد الحضاري: في لزوم الاستيعاب النقدي لمكاسب الحضارة المعاصرة
إننا نعتقد أن إمكانية التجدد الحضاري في الفكر وفي الواقع العربي، تتطلب اعترافا بالقيمة التاريخية الكبرى للإنجازات التي بنتها الحضارة الغربية، في مختلف مجالات الحياة، وهذا الإعتراف يعد في نظرنا الخطوة الأساس في باب التفكير في تجاوز هذا المشروع، ودون ذلك يحصل الإنكفاء، وتنتعش المواقف المستندة إلى دوغمائيات مغلقة، وهو حال التصورات الرافضة للحضارة الغربية ولمشروعها التاريخي في المعرفة والتقنية، وفي تصورها للإنسان والمجتمع والقيم، سواء في بعض توجهات المشروع الأيديولوجي القومي، أو في مقدمات مشاريع تيارات الإسلام السياسي .
لا مفر هنا من الإشارة إلى لزوم التمييز بين الموقف من المكاسب الحضارية الغربية وبين المواقف السياسية التي ترتبط بالأوجه الأخرى لهذه الحضارة، وخاصة وجهها الإستعماري، بمختلف الصور التي اتخذ خلال التاريخ المعاصر. إن المنزع الإمبريالي الذي وجه إرادة القوة الأوربية، في إطار تطور المجتمع الصناعي، وتطور حاجاته وآليات عمله، ساهم في صياغة الأوجه المتعددة والمتناقضة للغرب. ولم يعد بإمكان المهتمين بتاريخ الفكر والسياسة والأخلاق في الغرب، أن يجدوا أي صعوبة في تبين ملامح وسمات التركيب المتناقص للمشروع الحضاري الغربي. صحيح أن أوربا صنعت لنفسها من الأقنعة، ما مكنها من ممارسة الأدوار المتناقضة، إلا أن مكر التاريخ كشف بكثير من القسوة، عن مختلف أشكال العنف الظاهرة والخفية، التي مارس بها الغرب وما زال يمارس أصناف طغيانه في كل القارات، ووسط كثير من شعوب المعمور.
إن المثاقفة النقدية وهي أمر حصل في كثير من مشاريع الفكر النهضوي العربي، كشفت محدودية النموذج الحضاري الغربي، ومنحته في الوقت نفسه فرصة بلوغ عتبة الكونية التي كان يبحث عنها، حيث أصبح انخراط الفكر العربي في إعادة تأسيس عناصر هذا المشروع مناسبة للمساهمة في بلورة مجموعة من النتائج التي أكدت جدارته ورجحانه التاريخيين.
لابد من الإشارة هنا أيضا إلى أن نقد التمركز الثقافي الغربي، وهو من المنتوجات السلبية للمشروع الحضاري الغربي، وقد حصل في الفكر الغربي، كما حصل في ثقافة محلية أخرى، لا ينبغي أن يوَلِّد انكفاءً ذاتياً، أو مركزية حضارية معكوسة، فمواجهة التحديات لا تكون بالهروب إلى الوراء، أو إعلان حرب الهويات والحضارات. صحيح أن التشبث بالحصون الذاتية، يشكل دعامة من دعامات المواجهة والنهوض. إلا أن نقد المشروع الحضاري الغربي، يكون أقوى وأعمق بقدر ما يكون نقدا داخليا، نقدا مستوعبا للآليات المعرفية والتاريخية الموضوعية، التي ساهمت في تبلور هذا المشروع، ثم محاولة كشف منطقه، ومحدودية نتائج معارفه، ونسبية قوانينه، حيث تصبح الفرص مواتية لصياغة البدائل القادرة على تحويل الكونية الحضارية المشروع والأفق، إلى فعل تاريخي يهم الغرب قد ما يهم غير الغربيين، وفي كل مكان.
المشروع التنويري النهضوي الإسلامي العربي: التفكير في المستقبل
يتضح من سياق تحديدنا لطبيعة التصورات التي انتظمت في إطارها المفاصل الكبرى للمشروع التنويري النهضوي للحضارة الإسلامية والعربية، أن الأمر يتعلق بطوبى تمكن المسلمين والعرب عند تحققها من الانتصار على ذاتهم التاريخية، وعلى واقع تأخرهم التاريخي المزمن..
لا يمكن إنكار أن التفكير في المستقبل مفتوح على ممكنات بحثية متنوعة، من التفكير الاستراتيجي إلى البحث في المستقبليات، إلا أن هذا التفكير الأخير يقترب من اليوتوبيا ويصنعها عندما يحدد الأهداف ويرتب سلم الأولويات، ثم يضع محتوى المرغوب فيه، ويجسده فعلا في مستوى التصور. لكنه يجسده بمنطق اليوتوبيا مغفلا أو متغافلا منطق التاريخ...
إنني أفكر هنا كما قلت آنفا بكثير من الإيجابية في اليوتوبيا، كما أنني أنظر إلى الأحلام كمؤشر هام على معطيات لها صلة ما بالواقع، وهذا التفكير لا يعود فقط للنتائج التي أبرزتها الدراسات النفسية المعاصرة ودراسات التخييل السياسي في حياة الأفراد والجماعات. بل لأن التفكير اليوتوبي يقوم بعملية تحصين للطموحات الكبرى، والأماني التاريخية للبشر، وهم يجابهون الإكراهات التاريخية والعوائق النظرية، التي تحد من طموحاتهم، وتحول دون تمكنهم من بلوغ المرامي التي يرسمونها لغدهم.
ما يؤكد ما نحن بصدده، الحديث المتسق عن تصور طلائع تاريخية منفعلة بواقع مجتمعاتنا، طلائع فاعلة في اتجاه بناء مشروع حضاري عربي في زمن الصراع المعولم. إن هذا الحديث يعبر بقوة عن قدرة النمط اليوتوبي في التفكير على اختراق أكثر الوقائع صلابة. فبعد المعارك العربية المتواصلة في الواقع من أجل مزيد من ترسيخ مقدمات الحداثة وآليات التحديث في الفكر وفي السياسة والاقتصاد في الوطن العربي، وهو الأمر الذي تنعكس نتائجه على المشروع التاريخي القومي العربي مشروع النهضة العربية، وذلك ضمن دائرة العمل في فلك الاستفادة من المتاح للبشرية جمعاء، بتمثل مكاسب التاريخ المعاصر، التي تأسست في إطار المشروع الحضاري الغربي، وبعد التحولات والمقاومات وأشكال الممانعة والتكريس الجارية في سياقات علاقتنا المتعددة والمختلفة مع منتوج هذه الحضارة، حيث يعاد تأسيس المشروع النهضوي الإسلامي العربي كما قلنا بحس أكثر تركيبا وأكثر نقدية وتأصيلا، حيث تنجز محاولات في الفكر العربي تتجاوز دائرة التبعية الفكرية، نحو المساهمة في إبداع ما يطور مكاسب الحضارة المعاصرة، في علاقاتها بثوابت ومتغيرات الخصوصية التاريخية للمجتمع العربي، نتجه مجددا للتفكير في مشروع تنويري نهضوي للحضارة الإسلامية والعربية، فهل يمكن تصور إمكانية لتجاوز منجزات الحضارة المعاصرة، خارج دائرة الانخراط فيها أولا؟
قد يكون من الضروري هنا الإشارة إلى أن حتمية التعلم من تجارب الآخرين، تعتبر جزءا من معاصرة التفكير في التجاوز، التفكير في المجابهة والمقاومة..
إن الصعوبات النفسية والتاريخية، والمعارك السياسية المتواصلة بيننا وبين الغرب تحول دون هذا الأمر إلا أن عدم تحققه، لا ينبغي أن يجعلنا نتراجع، ونكتفي ببناء اليوتابيا، حيث تتأرجح الجزيرة: حضارة عربية جديدة داخل البحر، مسكونة بكائنات لا نعرفها، وربما لا تعرف بعضها ولا يعرفها أحد..
فقد يكون التفكير الأكثر قوة في المشروع مرتبطا أولا وقبل كل شيء بتشريح ونقد عوامل القصور التاريخي الذاتي، ومحاولة استدراكها بالاستفادة من منجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات.
صحيح أن مشكلات الواقع العربي عديدة ومزمنة، وأن ضغوط الآخر الذي ما فتئ يؤسس ويعيد تأسيس مقومات المشروع الحضاري، تضيق إلى ضغوط الصراعات الداخلية الكبيرة والمعقدة عوائق جديدة، إلا أن تأملا هادئا وعقلانيا في مسار تطور الواقع العربي والفكر العربي، ومشروع النهوض العربي، يجعلها نتأكد من وجود متغيرات هامة لا نلتفت إليها كثيرا، ولا نثمنها بما يكفي من الحس التاريخي. فهل نستطيع إنكار التحولات التي تبلورت في الفكر العربي المعاصر في علاقاته بنموذج الفكر الغربي الحديث والمعاصر؟
إن مسافة ما يقرب من قرن من المنجزات الفكرية المتعلقة بسؤال النهضة العربية من فرح أنطون إلى عبد الله العروي، تكشف للمهتمين الطفرة النوعية الكبيرة التي حصلت في مجال النظر العربي، فالمفكران معا يتفقان على أهمية المشروع الحضاري الغربي، ويجمعان على ضرورة التعليم من دروس تجربته في النهضة والتقدم، ولكن الثاني لا يمكن تصنيفه بسهولة في خانة التغريب، رغم دفاعه القوي عن الحداثة والتاريخ، ورغم اعترافه وتسليمه المؤقت والنسبي بنزعته التغريبية.
لقد مكنت لحظة فرح أنطون من إدماج المكون الحضاري الغربي في جانبه الثقافي والسياسي في دائرة التكوين التاريخي للأمة، ولم يعد الغرب في فكرنا وواقعنا خارجا مطلقا، بل لعله أصبح جزءا من ذاتنا المتحولة في الزمن. (فرح أنطون وعبد الله العروي رمزان يشيران إلى لحظتين هامتين في تطور الفكر العربي المعاصر، كما يعبر فكرهما عن نماذج نظرية نهضوية).
ويمكن إعطاء أمثلة متعددة، وفي مجالات مختلفة، وبصدد ظواهر لا حصر لها، تبرز تطور نظام الفكر العربي في علاقته بمنظومة الحضارة الغربية والثقافة الغربية والمجتمع الغربي، وتظهر درجات الانخراط التاريخية والنقدية الحاصلة بيننا وبين مكاسب هذه الحضارة، وهو الأمر الذي يجعلنا نقر بأهمية المشروع التنويري النهضوي الإسلامي والعربي، الرامي إلى تغيير الواقع الإسلامي والعربي، وبلوغ درجة من التطور تمكننا من الحضور القوي في التاريخ، دون أن يقتضي الأمر بالضرورة الاستعانة بمسمى آخر ومفاهيم أخرى، فقد تبعدنا هذه المسميات الجديدة عن مرامينا التاريخية الواضحة.
من هنا وهناك، حاولنا من خلال كتاباتنا ومقالاتنا المسترسلة بعد لحظة وأخرى في أن نضع مشروعا يهتم بقضايا العرب والمسلمين، وهي قضايا معاصرة نحاول تحليل ظواهرها من إيجابيات وسلبيات على واقع الأمة العربية والإسلامية، بمنظور فكري عقلاني يتماشى والعصر الحالي مع مستجدات الواقع ومتغيرات المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.