البادية المغربية التي بقيت على المدى العصور عالما منسيا لدى المؤرخين و كتاب التاريخ ،و سجل أحداث مطويا لا يطلع عليه إلا في القليل الناذر ، لا يمكن مهما حدث إنكار إسهاماتها في مجال خدمة الوطن و مقدساته العليا سواء في مجال العلم و الثقافة أو في المجالات التي تتصل بعالم السياسة و الإدارة الترابية . و الملفت لنظر الباحث في تراث البادية و تاريخها الاجتماعي و السياسي هو وجود أنساب و أسر بعينها بذلت كل غال و تجشمت كل صعب ، فسهرت لينام الناس ، و لم تهدأ خواطرها ليطمئن الوطن ، كل ذلك خدمة لقطاعات واسعة من الأهالي الذين سكنوا البادية و هذه المنطقة الشاسعة من بلاد جبالة تحديدا التي سادتها في مراحل عدة من التاريخ أحوال من عدم الاستقرار خلطت الحابل بالنابل .. و تجدر الإشارة في هذا الصدد الى عائلة " آل أباطيس " و هي أحد تلك الأنساب و العائلات ممن سكن بلدة الشرافات من قبيلة الأخماس بإقليمشفشاون منذ هجرتها من الأندلس السليبة خلال القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي ،فاشتغلت بالعلم و الفلاحة و كل الأنشطة المرتبطة بالأرض و ساهمت في توجيه الأحداث بمنطقتها . غير أن بعضا من خلفسلالاتها ظل منذ القرن التاسع عشر الميلادي لكفاءتها و علمها و مهارتها محط عناية من قبل سلطة الدولة الشريفة من أجل الإسناد لها تدبير شؤون تراب قبيلة الأخماس الغمارية بفرقها العليا و السفلى ، و ما يزال لحد الساعة ببلدة الشرافات آثار المنزل الذي كان مقرا للقيادة و التوجيه . مما يؤكد أن هذه البلدة من إقليمشفشاون بالإضافة الى طابعها الروحي و العلمي لاحتضانها أقدم مؤسسة روحية بشمال المغرب و هي مسجد الشرافات الجامع الذي يعرف اليوم مرور ما يزيد على أربعة عشر قرنا منذ تأسيسه فإنها إلى جانب ذلك قد تحولت في بعض الفترات الحاسمة من تاريخ القبيلة الى مركز للقيادة و عاصمة إدارية لكل تراب الأخماس بشقيها العليا و السفلى . و بالنسبة لعائلة آل أباطيس فإنه قد تعاقب على مركز القيادة من أبنائها في فترات مختلفة من تاريخ الدولة العلوية رجالات ثلاث و هم : القائد السيد محمد بن الحسن أباطيس الذي كان قد عين قائدا على تراب قبيلة الاخماس مكلفا من لدن السلطان مولاي محمد بن عبد الرحمن .و القائد السيد أحمد بن محمد أباطيس الذي اسندت اليه مهمة النظر في امور القبيلة من قبل السلطان مولاي الحسن . ثم القائد السيد عبد السلام بن محمد أباطيس و قد تولى القيادة في فترة حكم مولاي عبد الحفيظ سنة 1326ه /1909م . و هذه الفترات التي تقلدت فيها اسرة أباطيس الخمسية مهام القيادة على قبيلتها تعتبر من أشد الفترات صعوبة و حرجا في التاريخ السياسي و الاداري المغربي للقرن التاسع عشر . و ذلك بسبب كثرة التحديات التي كان يواجهها المغرب نتيجة تزايد أطماع الدول الأجنبية من جهة ، و من جهة ثانية ، بفعل تردي الأوضاع الداخلية في الجانب الاقتصادي و الاجتماعي للبلاد . و للإشارة ، فإنه و لحد الساعة ما يزال أفراد من هذه العائلة المكافحة تحتفظ ببعض الظهائر الشريفة و الأختام الرسمية المصنوعة من الفضة ممن كان يمنح لوجهاء بلاد جبالة قصد شغل منصب قائد قبيلته و "خادم مقام العالي بالله" على ما كان يسك من عبارات رسمية داخل الاختام المسلمة للجهات المعنية باستعمالها نيابة عن السلطة المركزية المتمثلة في سلطان البلاد ورمز وحدتها . و بهذا يلاحظ أن هذه العائلة الجبلية النبيهة ككثير من العائلات و الانساب الجبلية المرموقة بالرغم من الادوار الطلائعيةالتي اضطلعت بها على الصعيدين العلمي و السياسي في حياة الدولة و المجتمع المغربي ، فإن النسيان ما يزال هو مصيرها ، و ذلك لقلة الكتابات التاريخية التي تتوخى التنقيب عن تراث البادية و تثمين عطاءاتها في المجالات المختلفة . فمتى ستتحرك أقلام الباحثين من أجل إنصاف أعلام البادية و روادها ، و بالتالي تكريم الانساب و العائلات التي أسدت المعروف الى وطنها ؟ و لم تدخر وسعا من أجل ذلك ؟ بقلم ذ/السعيد ريان ابو خير الدين