في البداية أود أن أطلع القارئ أن الدافع الأساسي الذي جعلني أنكب على كتابة هذا «الروبرتاج» على مدينة شفشاون وساكنتها هو جاذبيتها واستقبالها لعدد كبير من الزوار من مختلف جهات المملكة ومن دول أخرى أوربية على الخصوص. إنه إقبال كبير على هذه المنطقة بالرغم من كونها لا توجد على ضفاف ساحل بحري كما هو الشأن للمدن الشمالية الأخرى. لقد اتضح أن توافد الزوار عليها، وبحدة متصاعدة، خلال فصول السنة مرده إلى عامل أساسي يتجلى في كونها تشكل فضاء خصبا للسياحة الثقافية. كما اتضح لي من خلال المجهود التشخيصي البسيط الذي قمت به بالنسبة لمنطقة شفشاون كنموذج,أن غنى المغرب يتجلى في تاريخه وتنوع ثقافته وإبداع ساكنة مناطقه. إنه جزء من الرأسمال غير المادي للبلاد الذي دعا جلالة الملك في خطاب العرش الأخير إلى دراسته دراسة معمقة للوقوف على مكامن القصور المؤسساتي في آليات إبرازه والتعريف به وطنيا ودوليا. إن القيام بدراسة الرأسمال غير المادي سيشكل بلا شك فرصة سانحة لاكتشاف «المغرب المجهول» بكل مناطقه : الريف، جبالة، أمازيغ الأطلس بكل مستوياته، شلوح منطقة سوس، صحراوة أقاليمنا الجنوبية، دكالة وعبدة، الشرق، فاس سايس،....إلخ. فمدينة شفشاون، موضوع هذا الروبرتاج، تحتل على المستوى الجغرافي موقعا استراتيجيا في منطقة الشمال عموما، وداخل شبكتها الحضرية بشكل خاص (مناطق اجبالة). فهي تشكل أحد المحطات السياحية الأساسية إلى جانب مدن تطوان والمدن المحيطة بها (مارتيل، المضيق، الفنيدق،...)، وطنجة، وواد لاو،.... خاصيتها في هذه الشبكة السياحية مرتبطة بتاريخها وثقافتها وإمكانياتها الطبيعية الخلابة. لقد أصبحت محطة سياحية دولية يلجأ إليها السياح من مختلف المناطق المغربية ومن مختلف دول العالم. إنها المدينة الآمنة بسكانها البسطاء الذين يمتازون بالكرم، والتسامح، واللطف، والأصالة الثقافية والسلوكية، وبتمسكهم بالحرية والاحترام والاعتراف بالآخر. لقد لاحظنا فيهم انفتاحهم على زوار المدينة، وحرصهم الشديد على الحفاظ على تنظيمهم الاجتماعي المتماسك، وعلى جاذبية ملفوظ لهجتهم الجبلية الغنية بدلالاتها التاريخية والثقافية، والتي لا تعبر عن أي التباس في المعنى ولا عن أي سوء في الفهم. لم ألمس في ساكنتها أي تعبير عن التعصب أو الجهل أو التوحش. إن مفهوم «الترابية» في مدينة شفشاون، حسب ما استنتجناه من خلال أحاديثنا مع مجموعة من الفاعلين بها، يمثل لوحة إثنوغرافية وتاريخية بمداخيل وخلفيات تجسد نوعا من التداخل بين المعرفة والثقافة والسياسة. إنه واقع مدينة تاريخية تأسست في منطقة ذات تاريخ حافل، خاض سكانها صراعات مريرة ضد الأطماع الخارجية، صراعات صنعوا من خلالها ملاحم تحولت مع مرور الوقت إلى رادع مخيف أمام القوى الاستعمارية الدولية. واستحضارا لما قلناه أعلاه، سأحاول من خلال هذا الروبرطاج أن أربط ما بين ما تمتاز به مدينة شفشاون اليوم، وما راكمته من معطيات تاريخية وثقافية منذ فترات التأسيس. مدينة شفشاون: التسمية وتاريخ النشأة والتطور بالطبع، إن ما يثير ترابيا في مدينة شفشاون وساكنتها ليس وليد اليوم، بل هو، بطبيعته الجذابة، من صنع التاريخ المغربي بتنوعاته الثقافية والترابية. لقد نشأت هذه المدينة في نفوذ تراب قبيلة الخماس, المشهورة بكونها من أكبر القبائل الجبلية قوة وعلما (ضعف نسبة الأمية)، حيث تتوزع إلى عدة قرى نذكر منها بني يسف، غمارة، بني حسان، بني عروس، بني إيدر، رحونا، مصمودة، بني مسارة، سوماذة، غزاوة، بني احمد السراق،....إلخ. إنها قبيلة كبيرة موجودة بكتلة جبلية وغابوية، وتقدر مساحتها بثمان كيلومترات وعرضها بخمسة وعشرين. وتمتاز بغنى وديانها ومنابعها المائية المتعددة (أكبرها واد الشاون إلى جانب واد القلعة وواد الخماس) وبساتينها المزروعة بالخضر والفواكه والحبوب. وتعتبر قمة جبل الشاون أعلى قمم جبالة. إنه جبل شاهق ينتمي إلى سلسلة جبال الأخماس التي تلتقي بجبال بني عروس وبني حسان. وتنقسم القبيلة إلى ثمان فروع وهي : «سبع قبايل» والشاون، وبني دركول بالشمال، وبني جافن وبني صلاح وبني تليل بالغرب، وبني زرويل بالجنوب، وبني فلواط بالوسط. إن المؤسس، الذي يتداول اسمه واسم ابنته السيدة الحرة بكثرة في مدينة شفشاون، هو طبعا مولاي علي بن راشد الذي درس في مدينة الخزانة العتيقة (في الجامعة القديمة)، التي تضمنت آنذاك 1200 منزل على عدة كيلومترات. إنها مدينة عريقة تمتاز بأشجارها الباسقة التي جعلت منها فضاء حضريا عتيقا مغطى تحت رداء أخضر. وتعتبر هذه الأخيرة وصيفة مدينة شفشاون وامتدادا تاريخيا لها، وصيفة بمساجدها التسعة التي تشكل تراثا مدينيا أنتج الشخصية التاريخية المؤسسة ل»نوارة» منطقة الشمال كمدخل حضاري لفضاء قبائل الجبالة إلى جانب مدينة وزان التي كانت تابعة فيما سبق لإقليم سيدي قاسم (مدينة سيدي قاسم عاصمة قبائل الشراردة بقوادهما المنتمين إلى عائلة بني زروال، عائلة لا زالت جد مؤثرة في المشهد السياسي الإقليمي والوطني إلى جانب عائلة لكرافس بالنسبة لقبائل الغرب، وعائلة لكدادرة بالنسبة للجزء الأكبر من قبائل بني احسن). كما تبين من خلال البحث الذي أجريناه أن هناك في الشمال الغربي لمدينة شفشاون مركزا آخر، أكبر من مدينة الخزانة، يسمى مدينة بني زيد (مدينة كانت في تلك الفترة أكبر من شفشاون حيث يبلغ عدد سكانها آنذاك ما يعادل 8 إلى 10 آلاف نسمة). لقد شكلت هاتين المدينتين إلى جانب مدينتي الشرافات وتنغايا (مدينتين أقل حجما)، شبكة حضرية مهمة، على شاكلة حواضر قروية، برزت من خلالها مدينة الشاون كقطب حضري مؤطر لتراب قبيلة الأخماس. فيما يخص مصدر التسمية، فقد تبين لي من خلال بعض المصادر الموثوقة، أن أصل اسم المدينة أمازيغي، وأن تسميتها بشفشاون أو شفشاوين و شيشاون أو شيشاوين تم من طرف العرب والنصارى. إن كلمة «الشاون»، كما ينطقها حاليا جبالة، تعني بالأمازيغية، حسب البعض، القرون، وهناك من يربط إطلاق هذه الكلمة كإسم لهذه المدينة بتواجد رؤوس جبال تشبه قرون الحيوانات المجترة تحيط بالمدينة. كما يفسر البعض الآخر أن كلمة «شفشاون» هي كلمة مقتبسة من اسم العائلة القوية لأولاد أشفشاو التي اضطرت تحت تهديدات القوى الإسبانية بالأندلس إلى مغادرة هذه الأخيرة قبل سقوط غرناطة بفترة قصيرة. إنها عائلة معروفة نزحت إلى المنطقة وأخفت كنوزها بالمدينة التي أسسها مولاي علي بن راشد جنوبتطوان. ونظرا لقيمة ثرواتهم وكثرة أبنائهم، فقد كان الناس يفاخرون بانتمائهم إلى مدينة أولاد أشفشاو. ومع مرور الوقت، تمت اختصار التسمية بإزالة كلمة «أولاد»، وإضافة حرف نون الجمع لكلمة «أشفشاو»، وحذف الهمزة لتصبح التسمية «شفشاون». وهناك من يقول أن مؤسس مدينة «الشاون» هو علي بن موسى بن راشد وليس علي بن راشد، وان اختطاطها من جهة العودة في البداية (عودة واد شفشاون) من طرف شرفاء العلم بغمارة كان الهدف منه تحصين المسلمين من نصارى سبتة. لقد ورد في الروايات عدة أسماء مرتبطة بعملية التأسيس, حيث نذكر منها الشريف المجاهد أبو الحسن بن أبي محمد المعروف بأبي جمعة العلمي ابن القطب أبي عبد السلام بن مشيش الذي تم اغتياله ليقوم مقامه ابن عمه الأمير أبو الحسن علي بنموسى بن راشد بن علي بن سعيد. فهذا الأخير هو الذي بنى القصبة المعروفة بالمدينة وأوطنها بأهله وعشيرته. 2. الإمكانيات السياحية لمدينة شفشاون بشقيها الطبيعي والثقافي شفشاون: التقائية قوية بين المؤسسات والمواطنين في مجال التنظيف والتزيين . ما يثير الزائر من الوهلة الأولى في مدينة شفشاون هو نظافتها وبيئتها الصحية. وعندما يتم الحديث عن النظافة في البيئة الحضرية لهذه المدينة نعني بذلك النظافة الصحية في المنازل والأحياء والشوارع. إنها حالة مدينة تعبر بجلاء عن التقائية قوية بين كل الفاعلين من أجل جعل مدينتهم من أنظف المدن بالمملكة. فإضافة إلى المجهودات المبذولة من طرف المؤسسات العمومية، لا تدخر الساكنة جهدا في تلميع صورة مدينتها وجماليتها. فالنساء والرجال يقومون باستمرار بصبغ الجدران والأدراج وأرضية الأزقة بالجير الملون بالأزرق حيث يهدفون بذلك، إضافة إلى تزيين الفضاء العمومي في الأحياء ومرافق السير والجولان داخل المدينة القديمة، محاربة الحشرات والكائنات المضرة بالجير. وفي هذا الصدد، وأنا أتجول في ساحة «وطأ حمام»، المكتظة بالسياح، والتي تعرف نشاطا اقتصاديا كبيرا (مطاعم، متاجر لبيع منتوجات الصناعة التقليدية، متاجر لبيع المواد الغذائية،....)، صادفت قائد المنطقة ليلا وهو يخاطب أحد باعة أكلة «الحمص» و»السميدة» باسمه، ويطالبه بالرجوع إلى الوراء للحيلولة دون عرقلة المارة، وأمره بجمع كل ما أحدثه من نفايات على الأرض، حيث كان جواب البائع : «كن هاني سي القايد». وبعد أن تجاوزه القائد، المرفوق برجلين من القوات المساعدة، بادر التاجر إلى تنفيذ الأمر بكل جدية. شفشاون: مدينة الغنى الثقافي وقوة المجتمع المدني وأنا في طريقي إلى الساحة على بعد عشرة أمتار، لاحظت أن تسمية أحد المطاعم تتضمن عبارة «السيدة الحرة». ومباشرة بعد هذه الملاحظة، اتصلت بالهاتف بأحد الأصدقاء الشباب من أهل المدينة، وهو جمعوي وفاعل تربوي، متسائلا عمن تكون هذه السيدة؟، فأجابني إنها إحدى بنات مولاي علي بالراشد مؤسس شفشاون، التي تزوجت بالمنضري (القائد العسكري)، وحكمت مدينة تطوان. وعند وصولي إلى الساحة، التفتت إلى اليسار من جهة اصطفاف المطاعم، لأجد نفسي أمام المعلمة التاريخية المسماة «القصبة». وأنا أتأمل هذه البناية الشاهقة، اتصلت بالهاتف مجددا بنفس الصديق ليتحفني بالمزيد من المعلومات حول الإمكانيات السياحية للمدينة، لينصحني بزيارة المتحف الإثنوغرافي، ولقاء عدة شخصيات ثقافية معروفة بالمدينة كالفوتوغرافي محمد حقون الذي جسد تاريخ شفشاون عبر الصور منذ 1920. فبعدما خصص هذا الرجل كل جدران طوابق منزله لاحتضان هذه الصور وكل أشكال أجيال آلات التصوير، اكتفى، هو وزوجته وأبناؤه، بالطابع السفلي كفضاء للعيش. وبما أنني قد سبق لي منذ سنوات أن شاركت مجموعة من الفاعلين المحليين في مناقشة موضوع منزل السيد حقون والحاجة إلى ضرورة تعميم المعرفة بهذا التراث الفوتوغرافي المجالي والتاريخي، سألت صديقي عن مآل ذلك المشروع، ليجيبني أن الجماعة الحضرية قد بادرت مؤخرا ومكنت السيد حقون من مقر عمومي لعرض تراثه الثقافي الثمين. كما نصحني كذلك بزيارة مؤرخ شفشاون المعروف السيد الريسوني، وعدة فنانين تشكيليين، وفوتوغرافيين ومحترفي فن الكاركاتير والمخطوطات أمثال محمد الخزوم ومحمد البوقديدي. شفشاون: منطقة المنتزهات والمواقع الطبيعية الخلابة من ضمن المواقع الطبيعية الجذابة، نجد محطة أقشور التي توجد على تراب جماعة تلمبوط. إنه موقع سياحي طبيعي معروف بمياهه الزرقاء النابعة من سفح جبل شاهق، والتي تم تجميعها بواسطة سد صغير شيد في فج بين جبلين لتشكل شلالا اصطناعيا أعطى للمنتزه جمالا وبهاء (الصور). إنه موقع جذاب تزوره يوميا المئات من الوافدين من كل مناطق المغرب، ويعرف نشاطا اقتصاديا يمكن ساكنة قبائل اغمارة من مداخيل طوال السنة (بيع المواد الغذائية، مطاعم، مقاهي،....). وتوجد محطة أقشور وسط المنتزه الوطني تلاسمطان الكبير الذي يمتد على مساحة شاسعة تتضمن أجزاء من تراب ثلاثة أقاليم : شقشاون وتطوان والحسيمة. ومن ميزاته الطبيعية البارزة كونه يتضمن شجرة فريدة من نوعها ولا مثيل لها في القارة الإفريقية. كما تتميز المنطقة كذلك بجاذبية منتزه بوهاشم بفضائه الغابوي الكثيف وبساتينه المتنوعة والخلابة، وحيواناته المتنوعة من كواسر وقوارض وزواحف. كما يعيش في غاباته قرد شامبانزي، الذي تنعته ساكنة المنطقة ب»زعطوط»، حيث يقوم بالنزول إلى حدود الطريق الوطنية ما بين الشاون والقصر الكبير لاستقبال الزوار. أما المحطة السياحية البارزة في مدينة الشاون تسمى محطة «راس الماء». إنه موقع يمتاز كذلك بمياهه الصافية الزرقاء والبادرة النابعة من سفح جبل شفشاون الشهيق (أحد القرون السالفة الذكر)، موقع مجهز للاستجمام والاستحمام وغسل الملابس والآثاث المنزلية. وقد ازدادت شعبية هذا الموقع بعدما احتضن أحد المنازل بالقرب منه إنتاج مسلسل «بنات لالة منانة». وأنا أتجاوز بأمتار ساحة «وطأ حمام» في طريقي إلى «راس الماء»، تابعت كيف يمارس الأطفال الضغوط على آبائهم وأمهاتهم من أجل الذهاب لرؤية منزل للا منانة. وعند وصولي إلى هذا المنزل الفني، وجدت عددا كبيرا من الأسر في انتظار دورها لالتقاط الصور أمام باب المنزل المذكور، باب كتبت عليه بحروف بارزة: «منزل خاص: المرجو عدم الإزعاج». وأنا أتابع مجريات الأحداث، لمحت شيخا بلباس محلي «بلدي» أبيض اللون يحتج ويقول للزوار: «هذا منزلي». كما تمتاز مدينة الشاون بسورها التاريخي الشامخ المعروف بأبوابه السبعة: باب السوق، باب العين، باب العنصر، باب المحروق، باب المقدم، باب الحمار، وباب النقبة. إنها أبواب تاريخية تم نحتها بأحجام مختلفة وبكمية كبيرة من طرف الصناع التقليديين ليتم عرضها للبيع في كل فضاءات المدينة. شفشاون: مدينة الأمان والأمن والتضامن الاجتماعي والهدوء التام ما يثير بمدينة شفشاون هو الأمان التام في كل فضاءات المدينة. وأنا أتجول يوميا ليل نهار في فضاءات المدينة المختلفة والمتنوعة، ولمدة خمسة أيام، لم أصادف أي ممارسة عنيفة بين الناس، لا لفظية ولا جسدية. وكلما مررت أمام مفوضية الأمن بالمدينة، ألاحظ أنها فارغة من الناس. وعندما صادفت لأول وآخر مرة تجمعا أمامها، وقفت بشكل فضولي لمعرفة موضوع زيارة هذا النفر من الناس لمؤسسة أمنية، فعلمت أن الأمر يتعلق بنزاع بسيط لعائليين محليتين. وأنا أتابع مجريات الحديث، سمعت فتاة من أحد العائلتين تردد لفتاة من العائلة الأخرى عبارة أثارت انتباهي وفضولي حيث قالت بالدارجة وباللكنة الجبلية: «كاع الناس عندهوم اليدين، لكن حنا مربيين». مفاد العبارة تؤكد أن النزاع بين الناس، وهو لا يحدث إلا ناذرا، يتم في أغلب الحالات حله بالطرق السلمية بالحوار وبدون عنف (بدون تشابك الأيادي) حيث يتم اللجوء إلى تحكيم المؤسسة الأمنية في حالة عدم الوصول إلى حل. شفشاون: محطة سياحية جذابة بتكلفة معيشية مناسبة في كل صباح، لا يمكن للمتوجه إلى مدخل المدينة القديمة للتسوق مباشرة بعد تجاوز ضريح مولاي علي براشد، أن لا يلاحظ العدد الكبير من النساء والرجال المصطفين على جنبات الأزقة المؤدية إلى ساحة «وطأ حمام» يبيعون المنتوجات الفلاحية المحلية من تين، وزيتون، و»هندية»، وخضر، وعنب، وخوخ، وخبز الأفران التقليدية،...إلخ. إنها منتوجات تعرض في السوق بوفرة وتباع ليس بالكيلو بل بالإناء («السطل») وبأثمنة جد مناسبة. مثلا، الإناء الواحد من الحجم الصغير المملوء على آخره بالتين أو «الهندية» يباع ب خمسة دراهم فقط. شفشاون: مؤسسات اجتماعية تستجيب للحاجيات الثقافية والاقتصادية للساكنة إضافة إلى جودة مباني المؤسسات التعليمية كالثانوية التأهيلية للإمام الشادلي للتعليم الأصيل والثانوية الإعدادية المشيشي، لا حظنا وجود مؤسسات أخرى مرتبطة بالحاجيات المحلية للساكنة الشفشاونية. فعلى سبيل المثال، ونظرا لتعاطي الساكنة بكثرة للصناعة التقليدية، شيد بالمدينة مركز للتكوين المهني بالتدرج تحت اسم «محمد عبدو». إنه مركز تم إنجازه في إطار شراكة ما بين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والإنعاش الوطني، والمجلس الإقليمي والتعاون الوطني مع غياب اسم الوزارة المكلفة بقطاع الصناعة التقليدية على اللوحة الإشهارية الخاصة بالشركاء. إنه مركز أساسي للنهوض بالصناعة التقليدية في إطار إستراتيجية 2015 الخاصة بالقطاع. فبالرغم من السنوات التي مرت في تنفيذ هذه الإستراتيجية، لاحظنا في مجموعة من المدن المغربية أن تكوين المتدربين في إطار التدرج يتم بشكل غامض وبدون اللجوء إلى مؤسسات مختصة. وأنا أتحدث مع أحد الفاعلين في شأن علاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالتأهيل الحرفي، قلت له أن إستراتيجية 2015 الخاصة بقطاع الصناعة التقليدية يحتاج إلى مركز تأهيلي، يكون تحت إشراف القطاع الوصي وقسم العمل الاجتماعي بالعمالات والأقاليم، ويشارك في تدبيره كل الصناع والحرفيين المحليين. فالميزانية الخاصة بالتكوين في إطار التدرج موجودة وتصرف منذ انطلاق تنفيذ الإستراتيجية السالفة الذكر. كما لاحظنا وسط المدينة وجود مركز مماثل تحت إشراف التعاون الوطني مختص في التربية والتكوين اسمه «المسيرة». خلاصة بالرغم من المجهودات المبذولة، خاصة من طرف السكان، من أجل تطوير السياحة الثقافية في منطقة الشاون، أرى أن الإمكانيات التي تزخر بها هذه المنطقة تحتاج إلى إستراتيجية خاصة للرفع من مستوى استغلالها خدمة لمستقبل ساكنتها. إن المنطقة تحتاج إلى استثمارات في مستوى انتظارات زوارها من أجل الرفع من مستوى خدمات السياحة الجبلية. كما لاحظنا أن الإمكانيات الثقافية والطبيعية الجذابة التي تزخر بها المنطقة لا يوازيها بذل المجهودات الضرورية في مجال التنشيط اليومي والتسويق للمنتوجات السياحية الثقافية والفنية. فبعدما قضيت خمسة أيام بالمدينة، لم أصادف أي مبادرة تنشيطية للتراث الفني والثقافي والإبداعي للمنطقة، ما عدا عرض عدد كبير من اللوحات التشكيلية المعبرة عن هذا التراث من طرف تجار منتوجات الصناعة التقليدية. كما لاحظت وجود شباك للإرشاد السياحي في مدخل المدينة القديمة في اتجاه ساحة «وطأ حمام»، لكنه ظل مغلوقا طوال الأيام التي قضيتها في هذه المدينة الجميلة. كما لاحظت، من خلال زيارتي لمنطقة الشمال ككل، أن المثلث، بنقطه السياحية الثلاث المكونة الشاون وواد لاو وتطوان، يحتاج إلى مخطط استراتيجي لخلق التكامل ما بين السياحة الساحلية والسياحة الثقافية والجبلية. فإذا كان المحور الساحلي الممتد من الفنيدق في اتجاه المضيق والمارتيل يكون مع مدينة تطوان فضاء سياحيا جذابا بتجهيزاته ومستوى تهيئته، فإن محور تطوان-واد لاو ومحور وادلاو-الشاون يحتاج إلى مجهودات استثمارية مماثلة لتحويل منطقة الشمال المطلة على البحر الأبيض المتوسط إلى فضاء سياحي دولي جذاب. الحسين بوخرطة عن جريدة الاتحاد الاشتراكي