رئيس الجماعة، محمد بنهميج: "أضم صوتي إلى صوت الساكنة وأرفض هذا التصميم".. المستشار الجماعي المعارض، محمد ابجايو: "أحمل كامل المسؤولية في هذا التصميم لرئيس الجماعة والسلطة".. مما لا شك فيه أن الدولة تلعب دورا أساسيا في إعداد وصياغة والموافقة على مخططات التهيئة رغم أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى المحلي تعد من المهام المنوطة بالجماعات المحلية عموما والجماعات الحضرية والقروية على وجه الخصوص كما يقضي بذلك الميثاق الجماعي الجديد، ومن هذا المنطلق جاء القانون التعميري 12-90 بمفهوم "المساهمة"، حيث تساهم الجماعات الحضرية والقروية إلى جانب الدولة في وضع ودراسة تصميم التهيئة، فكيف تتم هذه المساهمة سواء على مستوى الوضع والدراسة من جهة، أم قبل الخوض في دور المجالس الجماعية في وضع تصميم التهيئة، لابد من الإشارة إلى الإجراءات السابقة على ذلك، حيث تنص المادة 21 من قانون 12-90 المتعلق بالتعمير على ما يلي: "قبل وضع تصميم التهيئة، يجوز اتخاذ قرار يقضي بالقيام بدراسته ويعين حدود الرقعة الأرضية التي يشملها تصميم التهيئة المزمع دراسته، حيث يصدر رئيس المجلس الجماعي بطلب من الإدارة أو بمبادرة منه القيام بدراسة تصميم التهيئة بعد أن يتداول المجلس في ذلك، ويستمر مفعول القرار المشار إليه أعلاه مدة ستة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ويجوز تجديده مرة واحدة لمدة مساوية للمدة الأولى".. فإذا كان هذا النص يعطي لرئيس الجماعة صلاحية اتخاذ قرار القيام بدراسة مشروع تصميم التهيئة، فإنه يظل ناقصا طالما أن القانون لا يحدد المعايير الموضوعية التي تستوجب اتخاذ مثل هذا القرار لكون شروط التغطية بوثائق التعمير تبقى غير واضحة، الشيء الذي يجعل السلطة التقديرية للإدارة سواء منها الجماعية أم المكلفة بالتعمير قابلة للنقاش. وتجدر الإشارة إلى أن قرار القيام بالدراسة المتخذ يخضع لعملية نشر واسعة، كما يتم نشره في الجريدة الرسمية الأمر الذي يمكن الملاكين العقاريين غير القاطنين في الجماعة المعنية من العلم بمشروع تصميم التهيئة.. وعلى المستوى العملي، فإن هذا الإجراء لا يستعمل إلا نادرا ذلك أن المنتخبين يواجهون ضغوطات محلية تمنعهم من إيقاف البناء لمدة زمنية طويلة. هذا، ونشير إلى أن قانون 12-90 الذي نسخ ظهير 1952 قد أوجب إشراك الجماعات الحضرية والقروية من خلال مادته الثالثة والعشرين التي تنص على أن وضع مشروع تصميم التهيئة يتم بمبادرة من الإدارة وبمساهمة الجماعات المحلية، حيث طرح مفهوم "المساهمة" الذي جاءت به المادة سجالا واسعا من حيث قيمتها القانونية وتأثيرها على اتخاذ القرار حين تظهر هذه المساهمة من خلال مشاركة الجماعات المعنية في اللجنة المحلية، هذه اللجنة التي تسهر على التنسيق بين آراء مختلف المتدخلين من جماعات محلية ومصالح خارجية ومؤسسات عمومية ليتم بعد ذلك صياغة المشروع ما قبل النهائي قصد عرضه على أنظار المجلس أو المجالس الجماعية المعنية. وعلى مستوى استشارة المجالس الجماعية، فإذا كان ظهير 1952 يعتبر موافقة السلطات الجماعية على مشاريع تصاميم التهيئة شرطا لازما كما تقضي بذلك المادة 11 منه، فإن قانون 12-90 قيد هذه الموافقة بعدما تبين أنها أصبحت وسيلة في يد المجالس الجماعية من أجل الضغط على الإدارة المكلفة بالتعمير ومساومتها على تغيير مشاريع تصاميم التهيئة وفرض مصالحها الآنية والشخصية في حالات كثيرة ضدا على المصلحة العامة، بعدما أصبحت القاعدة هي عدم المصادقة على مشاريع التصاميم والاستثناء هو المصادقة، حيث إن بعض التصاميم لم يتم الإفراج عنها إلا بعد دخول قانون 12-90 حيز التنفيذ ونذكر منها على سبيل المثال تصاميم تهيئة كل من الحسيمة وأزمور وورزازات وسلا وغيرها كثير... فجاء مشروع قانون 12-90 ليعوض الموافقة بالاستشارة التي يجب أن يقوم بها المجلس الجماعي داخل أجل مغلق مدته شهر واحد نظرا لكون مدة الشهرين المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 24 تتضمن الفترة المخصصة للبحث العمومي، مع العلم أن عدم إبداء الرأي داخل الآجال المذكورة يحمل على أن المجالس المعنية ليس لها أي اقتراح في موضوع التصميم المحال عليها. وبهذا يظهر أن الطابع التقنوقراطي هو المسيطر على مسطرة إعداد تصميم التهيئة والمصادقة عليها، وهذا راجع لعدة اعتبارات تقنية بالخصوص تعود أساسا إلى ضعف البنيات التقنية للجماعات المحلية وعدم كفاية الأطر التي تتوفر عليها لتحقيق ما يتطلبه إنجاز هذه الدراسات، وسياسية كذلك باعتبار التعمير مجالا للمزايدات السياسية ووسيلة لاستمالة عطف المواطنين وكسب أصواتهم خلال الانتخابات.. وفي هذا الإطار، جاء مشروع تصميم التهيئة الخاص بجماعة الملاليين التابعة لدائرة جبالة بإقليم تطوان الذي تم تعليقه هذا الشهر صادما بالنسبة لساكنة هذه الجماعة القروية المحاذية لمدينة تطوان، نظير ما جاء به من مقترحات تستهدف الاستقرار الاجتماعي في الصميم، حيث توخى استهداف أزيد من 460 منزلا بالجماعة معرضة للهدم قصد إقامة مشاريع طرقية وسياحية وخدماتية، وكذا استهداف عدة هكتارات من الأراضي الفلاحية التي تعتبر المورد الوحيد لساكنة الجماعة، دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية للجماعة أو مراعاة الطبيعة المعيشية لساكنتها.. وهكذا نظم العشرات من ساكنة هذه الجماعة يوم الأربعاء الماضي 9 يناير 2013 وقفة احتجاجية ببهو مقر جماعة الملاليين تزامنا مع عقد المجلس الجماعي لدورة استثنائية قصد تقديم هذا المشروع، عبر خلالها السكان الحاضرون عن رفضهم المطلق لهذا التصميم، الذي يستهدف، حسبهم، مصادر رزقهم وممتلكاتهم، مستنكرين من خلال الشعارات التي رفعوها ما أسموه "التواطؤ المكشوف للمجلس الجماعي للملاليين في تمرير تصميم التهيئة دون استشارتهم"، مطالبين بإعادة صياغة مشروع جديد يشارك فيه سكان الجماعة وفعالياتها المدنية في إطار مقاربة تشاركية، كما نددوا في الوقفة ذاتها بما اعتبروه "تراجعا لرئيس الجماعة ومجلسها المنتخب عن وعودهم التي قدموها للسكان إبان الحملة الانتخابية".. ومن جهته، صرح لنا رئيس المجلس الجماعي للملاليين، السيد محمد بنهميج، أنه بدوره يرفض مشروع التصميم الجديد رفضا مطلقا، قائلا في تصرحه: "لا يسعني بدوري إلا أن أضم صوتي إلى صوت الساكنة المحتجة، وأقول لا لمشروع تصميم التهيئة الجديد، نظرا لما يتضمنه من اختلالات لا تخدم في جميع الأحوال جماعة الملاليين وساكنتها، حيث تم إسناد مهمة إنجازه لمكتب دراسات متواجد بالرباط، والمهندس الذي أشرف على إنجازه لم يكلف نفسه عناء زيارة جماعة الملاليين ولو ليوم واحد للاطلاع على ظروفها الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية وكذا على ظروف عيش سكانها، فهو لا يعرف شيئا عن جماعة الملاليين، وبالتالي فإن هذا التصميم هو مرفوض من جانبنا، وسنعتمد على تصميم التهيئة القديم لسنة 2009.."، وفيما يخص الجهات المسؤولة عن إنجاز هذا التصميم الموصوف من طرف ساكنة الجماعة ب"الكارثة"، قال السيد بنهميج: "المسؤولية الكاملة في ذلك تتحملها الوكالة الحضرية لتطوان إلى جانب الأطراف المتداخلة الأخرى بولاية تطوان الذين انفردوا بالقرار دون استشارة المجلس الجماعي أو الفعاليات المهتمة بالجماعة أو الساكنة المحلية التي من المفروض إشراكها في هذا التصميم طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل في هذا الشأن.." المستشار الجماعي المنتمي إلى المعارضة بالمجلس، السيد محمد ابجايو، لم يختلف رأيه كثيرا عن رأي رئيس الجماعة، حيث صرح لنا قائلا: "أنا أعتبر مشروع تصميم التهيئة هذا تخريبي بامتياز ولا يخدم مصلحة الجماعة وساكنتها، وتم إنجازه دون علمنا ودون علم السكان الذين يجب إشراكهم فيه باعتبار هذا التصميم يمسهم بالدرجة الأولى ويمس مستقبلهم ومستقبل جماعتهم.. فحبذا لو تم توسيع هذا المشروع ليشمل المراكز والمداشر المجاورة لمركز الجماعة والتي تبقى في أمس الحاجة للهيكلة والتنظيم، لكن أن يتم الاقتصار على مركز الجماعة لاستهداف المئات من منازل المواطنين، فهذا أمر مرفوض قطعا.."، وحول سؤالنا له عن الأطراف التي تتحمل المسؤولية في إنجاز وإخراج هذا التصميم الذي جاء مخيبا لآمال سكان الجماعة، أجابنا بكون "رئيس الجماعة هو من يتحمل كامل المسؤولية في ذلك إلى جانب السلطات الولائية والوكالة الحضرية.." وقد صوت المجلس الجماعي للملاليين خلال هذه الدورة الاستثنائية المنعقدة في اليوم نفسه خصيصا لدراسة مشروع هذا التصميم بالإجماع على رفض المشروع، أغلبية ومعارضة، وهذا يحيلنا مرة أخرى على قانون التعمير 12-90 الذي ينص على أن المجالس الجماعية موكول لها مهمة الاستشارة وإبداء الرأي فيما يخص تصاميم التهيئة، وليس من حقها الموافقة أو الرفض، تجنبا لما يمكن أن ينتج عن مثل هذه القرارات من عواقب لا تخدم مصلحة الجماعة وساكنتها، ولأسباب ذكرنا بعضا منها أعلاه.. فما مدى مطابقة هذا القرار للجانب القانوني إذن ؟؟ محمد مرابط لتطوان نيوز