اللوحة من إبداعات يوسف الحداد هناك تناقض..غير قابل للحل..بين الجناح والقوقعة..الجناح ممتد نحو الخارج..ومرن..ومتحرك..متحول..والقوقعة متجمعة نحو الداخل..متحجرة..ساكنة..ثابتة..كيف يلتقي الجناح بالقوقعة؟..كيف يلتحم بنقيضه؟..وما علاقة هذا التناقض ب" الإنسان"؟..هل للإنسان جناحان وقوقعة؟.. القوقعة أيضا مكان اختباء..واحتماء من أخطار الخارج…القوقعة انفتاح على الخارج..وانغلاق عليه..في نفس الآن..لكنها رغبة في الاستقرار والثبات في المكان..القوقعة "..الأصل"…والتصاق به…….انشداد للأرض..وانجذاب نحو الأسفل..بينما الجناح مثل الشراع..منفتح على الريح..انفصال وفصام..عن "الأصل"..وحنين دائم إليه..انطلاق ورحلة دائمة..بحث مستمر عن مستقر غامض..مكان الجناح رحيله المستمر..وسفره الدائم..الجناح تعلق بالسماء..وشوق دائم نحو الأعالي..الجناح تحد دائم للمخاطر..وحركة مغامرة نحو المجاهيل العميقة..لكن القوقعة..مثل الشرنقة أو البيضة..مكان ولادة..مكان الإنطلاق..نحو الخارج المجهول..وآفاقه الملتبسة الغامضة.. ينولد الطير في البيضة..والفراشة في الشرنقة.. ومثلما لا ينفصل الجناحان عن جسدهما..لا تنفصل الرغبة الجامحة في التحليق عن طبيعتهما.. نحن..أيضا..نخلق في رحم..أشبه بالقوقعة..لكنه مفتوح على عالم "الأم" الداخلي..على صوتها وانفعالاتها..ربما هذه العلاقة الأولى بالأم..هي ما يمدنا ب"جناحين"..بما يجعلنا ننظر إلى أعلى..بما يجعلنا نرفض الثبات..ونسعى نحو الحركة..والتحليق نحو آفاق بعيدة مجهولة..لكن..للأسف..كل شيء له حسابه..داخل المجتمع.. فمقابل رحم الأم المضياف..توجد رمزية "قوقعة" الأب بما يمثله من قيم وعادات وتقاليد..هي الأشد وطأة..هي الكسر المستمر للجناحين..وإلغاء دائم عنيف لكل رغبة في التحليق نحو آفاق غير مسبوقة.."قوقعة" الأب هي "قوقعة" المجتمع..هي صوت من يعتقدون أنهم "أسياد"..أوصياء على "المجتمع"..لكنهم يذهبون ويأتون..هم أيضا عبيد داخل "القوقعة"..هم..أيضا..مجرد رجع صدى..متردد في الزمن لصوت "القوة" القادم من مجاهيلَ بعيدة..صاغته يد التاريخ في غفلة من الجميع..هؤلاء الآمرون مأمورون..مسكونون ب"سيادة" لا ملامح لها.."جنية" سوداء مستبدة تسكن الأجساد..وترحل عنها..لتسكن أخرى..وأخرى…هي..دون شك.."القوقعة" الشديدة البأس والقوة..تحرق بنيرانها المستعرة..كل "الأجنحة"..وتحجب بدخانها الكثيف كل سماء..حيث تنعدم الرؤية..وسط "عماء" دامس..داخل قبر أعد للموت قبل الموت..وللرحيل قبل الرحيل.. لكن..مهما احترقت أجنحة..ومهما انكسرت أخرى..وانطفأت رغبة التحليق..واسودت آفاق..فهناك..في "الماورائي" الخفي اللامرئي الغامض..هنالك من صوت الطبيعة..ونداء "الرحم" الأول..ومن زخم الحياة ذاتها..وهديرِها الفاتن..ومن خيوط النور القادمة من شموس بعيدة فاتنة..تولد وتتوالد..حتما.."أجنحة" من مستقبل..تولد من رمادها كما العنقاء..ومن زمن قادم..من أنوار أقمار وضاءة ..من ريح وأشرعة..القوقعة وُجدت للكسر..والتحطيم..والأجنحة للطيران..القوقعة للموت..والأجنحة للحياة….لكن مَنْ ذا الذي يستطيع أن يفصل الحياةَ عن الموت؟..مَنْ يفصل القوقعةَ عن الجناح؟..والثباتَ عن الحركة؟..والاستقرارَ عن الرحيل؟..