كل شيء كان هادئ وفجأة هبت رياح التغيير بقوة،لحظة إنفجار مواطن تونسي مقهور ضد الظلم والإهانة والحكرة، أشعل في نفسه النار محتجا على وضع مزي وظلم نظام فاسد، لم يكن أحد يتوقع من حرق شخص واحد لنفسه أن تشتعل نيران كثيرة، حرقت المباني والسيارات والأشخاص،حرقت كراسي الحكم ،وعصفت برؤوس كبيرة،ليس في تونس فقط ولكن في عدة دول عربية. لقد احترق جسد البوعزيزي لينير ظلام دامس تعيش فيه عدة شعوب منذ سنين طويلة،بعدما أصبحت جل الأوطان معتقلات كبيرة. فردد الجميع بحماس واندفاع غير مسبوق أبيات الشابي الخالدة : إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد للليل أن ينجلي *** ولا بد للقيد أن ينكسر نعم سنموت ولكننا *** سنقتلع الظلم عن نفسنا كان يكفي اشتعال النار في جسد واحد مقهور هزيل ليكون الشرارة التي أشعلت نيران الغضب والثورات الشعبية العفوية في عدة دول عربية. انفجر بركان الظلم الخامد من طرف ملايين الشباب المقهور والمحبط.. الشباب الذي اعتقدت الأجهزة السرية أنه هائم في الملذات والملاهي، مسلوب الإرادة والعقل...لكن نسوا أن الضغط والظلم يولد الإنفجار، بصدور ووجوه مكشوفة تحدت المدرعات والطائرات العسكرية والرشاشات، وهراوات أجهزة القمع. القتلى بالعشرات والجرحى بالمآت والمعتقلين بالآلاف..لم يخيفهم،أو يثنيهم عن مطالبهم المشروعة إجتماعية كانت أو إقتصادية أو سياسية وعلى رأسها إبعاد الرئيس ومحاكمة كل رموز الفساد والشطط في إستعمال السلطة. لقد بدأ تساقط الحكام ووزرائهم كأوراق الشجر،فر بن علي وأسرته بعد سرقة ثروات ضخمة، ولم يجد من يستقبله غير أرض الحرمين وهو من حارب الإسلام بخبث وحقد قل نظيره. وما أن هدأت الأوضاع بتونس حتى إنفجرت بمصر الحبيبة بقوة تحت شعار: “ليسقط مبارك،إرحل..مش عايزينك.. مش طيقينك ” تدخلت الشرطة بعنف زائد،تم قطع كل وسائل الإتصال، إرتفع عدد القتلى، تأزم الوضع أكثر،وإنتشر التخريب والنهب و”البلطجية”... نزل الجيش رحب به الشعب والتحم به لأن مؤسسته بعيدة عن الفساد وتعاني في صمت ،الجيش دائما هو حامي الشعب والوطن ولا يمكنه أن يقتل أبناء وطنه حتى وإن تلقى الأمر بذلك كما حدث بتونس. خطب مبارك كما خطب زين الهاربين ، إعترف بمشروعية مطالب الشعب ثم فقط ضحى بحكومة مسلوبة وفرض عليها الإستقالة. لأول مرة أرى رئيس دولة كله فزع وخوف وذل... وما أقبحه من موقف ، كان عليه أن ينسحب بشرف عندما بدأ المرض ينخر أجهزته الداخلية . ولكن الديكتاتورية شجرة خبيثة ترسم مصيرها منذ زرع بذرتها الأولى، ولكنها ليست للبقاء لأنها ضد الحياة،وهي تسقط في النهاية تحت ثقلها الخاص، تجتث من فوق الأرض مالها من قرار. وعليه وجب على كل المسؤولين أن يستفيدوا مما حدث ويحدث، وأن يأخذوا الدروس من الشارع ،وأن لا يحطموا أحلام الشعوب في العيش الكريم،وأن يضعوا الرجل المناسب في المكان المناسب لا أن يضعوا الحصان وراء العربة . إن التاريخ يخبرنا بأن هناك دورة ليس عنها محيص ، فكلما اشتد الظلام اقترب الفجر، وكلما ظهر الكمال على الطغيان كان إيذانا ببزوغ الصبح ،وعندما يكتمل القمر كان معناه أنه في طريقه إلى أن يكون مثل العرجون القديم. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، ولا الطغيان خالد ،و لا الطغاة باقون... إياكم وإهانة واحتقار أبسط المواطنين. وإياكم وغضب الشعب لأنه يمهل ولا يهمل ، يصمت ولا يموت، يتنازل ولا يستسلم ي.. ي.. ولا..ولا..ولن .. ولن.....