ما كنت اختلف فيه مع كثير من العروبيين و الاسلاميين المتعربين ممن تربطني بهم علاقة اجتماعية ما، اعلاني الدائم عن موقفي من اللغة العربية كلغة تعيش حالة متقدمة من الاحتضار، و من دخولها مرحلة العناية المركزة في قواميس القوميين، وحتى الاسلاميين منهم،عبر مدها بجرعات تبقيها على قيد الحياة .... مناسبة هذا الكلام هو ما تفضل به محمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين و المحسوب على حزب الاصالة المعاصرة، في وصفه لانتقاد المعارضين للحكومة بالغوغائية طالبا منهم الالتزام بالصمت .
سخرية الشيخ بيد الله و هو صاحب لسان عربي فصيح، أدى الى بعث مصطلح عربي لم يعد مستعملا ومتداولا بالدلالة ذاتها التي كان يحملها امام مقام مكاني وزماني حديث، الذي هو غرفة المستشارين في بلد تسود فيه الامازيغية والدارجة المغربية كلغة تخاطب يومي وتتقهقر فيه اللغة العربية الى لغة معيارية تستخدم غالبا في الكتابة ليس الا .
اغلب المستشارين الذين استفزهم الشيخ بيد الله لم يكن بوسعهم الرد الشافي و الكافي للسبب نفسه ان لسانهم أمازيغي، أو دارجي مغربي ولا وجود بينهم لمن يتخذ من اللغة العربية لغة تخاطب يومي .
هذا ما عبر عنه المستشار حكيم بنشماس، الذي اعتبر في رده ان الغوغائية مرادفة للسفسطائية وهو ما ينم عن كثير من الخطإ و الجهل بالمصطلحات في دلالتها الحديثة. الغوغاء في اللغة هي الصوت الكثير و المختلط من سفلة الناس...... اما الغوغاء في الطبيعة فهي صغار الجراد... و يكون الجراد غوغاء اذا هاج بعضه في بعض .
في عام 2002 الف الكاتب الامريكي هواردرينغ ولد كتابا بعنوان "الغوغاء الذكية "...الكتاب الذي سيعتبر فيما بعد المرجع المعتمد في تفسير ربيع الشعوب في العالم... وهو من المفكرين الذين تفطنوا في وقت مبكر الى دور أجهزة الكمبيوتر و شبكات الانترنيت وسيلة لقلب الانظمة عبر جماعات من الأفراد المتعاونين. و الغوغاء الذكية هي الثورة الاجتماعية القادمة وراء شبكات الاتصال المتاحة في العالم التي استطاعت ان تنظم الناس من خلال تشاركهم في الافكار والطموحات . أبرز ملامح الغوغاء الذكية ان افرادها مترابطون و منتظمون عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما ساعد مليون فليبيني على اسقاط رئيس استرادا من خلال تبادل الرسائل النصية وهي الغوغاء الذكية نفسها التي عجلت بفرار رئيس تونس ...و سقوط أعتى الدكتاتوريات وهي الغوغاء نفسها التي انزلت الثورة من ابراج المنظرين الى الشارع.
الشبكات الاجتماعية اللاسلكيةا لمتخصصةغ يرت مفهوم الغوغاءف لم يعودوا فوضويين أو مدمرين، بل حولتهم إلى مجموعات منظمة قادرة على تحقيق التغييرالمنشود ووفق نطاق واسع..
وأيا كانت الغوغائية في تعبير الشيخ بيد الله او التي عبر عنها زميله عبد الحكيم بنشماس و التي لم تعكس إلا سيكولوجية الرجلين، ولم تعكس دلالة المصطلح الواقعية كنوع من التعبير عن ذكاء جماعي بدأت نتائجه تتأكد يوما بعد يوم.