تكملة سياقية لتأويل أطروحة "إماتة اللهجات" ياأيها الجابري :« وإذا الأمازيغية سئلت بأي ذنب قتلت, هناك وحينذاك, ستلد الموءودة, ويبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور» . قد يستطيع هذاالخطاب الشبيه بالخطاب القرآني بل المقتبس اقتباسا مزدوجا من سورتي التكوير والعاديات,إيقاظ الجابري محمد عابد وهو باسط ذراعيه بالقبر,لأنه خطاب فوقي فوقي يمارس عمله, وحبذا لو أنه خطاب مصوغ بإحدى " اللهجات المحلية البربرية " أوبكلها التي أماتها الجابري قبل أن يموت, إلا أننا لا نريد إزعاجه مرتين في قبره (هو والقبر) , ولو أنه يمكن " نقد القبر الجابري ّ" الذي نمذج صوت مفارقة صاخبة ومركبة, تنفي أبطالا عالميين أمثال موحند أوعبد الكريم الخطابي, الذي حرر الأرض والإنسان واللغة والتاريخ والفكر ... وتؤوي أمثال الجابري المستلب,الذي يدعو إلى وأد اللغة الأمازيغية, أفلا تدعون لوأد هذه الأرض الأمازيغية ومحوها, حتى لاتسكنك مرة أخرى في ثنايا برزخ أمازيغيتها؟ لتنتقل إلى "الأراضي المقدسة" ولتطهرك من آثام الأرض الأمازيغية الإفريقية وتوارى فيها النسيان. لن يستطيع هذا الموضوع تحديد كل السياقات لما يمكن أن يتناوله الموضوع, قدر ما سيحاول أن يقف وقفة مرجعية وتركيبية لما يمكن تسميته "التنظير الجابري" لموت الأمازيغية الذي وسم به خطابه ليس لدى الفاعل الأمازيغي فحسب, بل حتى في " الفكر المغربي "والفلسفي والإنساني عموما. وتناولي لهذا الموضوع لن ينبني على المعاد المكرور الذي قيل قبلا، كتنديد بالموقف العشوائي الفاقد لأية مصداقية فكرية أو فلسفية, كما لن أسرد جردا أيا من مواقف الفاعل الأمازيغي,لكن ما يشفع لنشوء هذا الموضوع على هذا الشكل هو المقال المنشور ب(جريدة أكراو,ع,34/240, 01 يونيو 2010.) لصاحبه وصديقنا "مبارك أباعزي"، تحت عنوان: "إماتة اللهجات,من أجل تأويل جديد لطروحات الجابري",الذي تناول فيه تأويل "إماتة اللهجات" للجابري من جانب لسني/لساني لا يتقاطع والسياق العام الايديولوجي المركب لإماتة اللهجات حسب التنظير الجابري. ولا أريد هذا الموضوع أن يكون ردا أو تعقيبا قدر ما أريده أن يكون " تكملة سياقية " تلتزم استحضار "الرؤية الجابرية" في أبعادها الأخرى, حتى نتم قراءة نصه كما قاله وكتبه,مضفيا عليها قدر الإمكان روحا مرجعية لها وزنها في التركيبة العامة للأسس المستقاة منها النظرية المذكورة, والتي أرمي إلى أنها لا تقبل التأويل أو الجدل حتى لدى السي الجابري نفسه كمفكر عروبعثي واف لتقاليده الفكرية الموروثة والقديمة قدم المعبد العروبعثي الذي تبنى أركانه السياسية والفكرية على "سادية مطلقة" تتغذى على الآخر,عكس المرجعيات التي تبني نفسها انطلاقا من مميزاتها الثقافية وخصوصياتها الحضارية. والقراءة الفاحصة لما تضمنته النظرية الجابرية التي صيغت بصيغ مختلفة المراجع (كتب,جرائد) ستكشف النقاب عن الطقوس المرجعية والخلفيات البعثوية التي ورثها السي الجابري من "عباقرة" البعث المشرقي الذي فوض لأذياله في الدول المغاربية عموما أمر استحكام القبضة الفكرية السياسية على الشعب الامازيغي,ولعل استنطاق قولته/نظريته المشهورة شهرة المكر الفكري «إ ن عملية التعريب الشاملة,يجب أن تستهدف,ليس فقط اللغة الفرنسية كلغة حضارة وثقافة وتخاطب وتعامل,بل أيضا وهذا من الأهمية بمكان العمل على إماتة اللهجات المحلية البربرية» ( الجابري,محمد عابد,أضواء على مشكلة التعليم في المغرب,دار النشرالمغربية/الدارالبيضاء, 1985,ص:146.) ومحاولة مقارنتها بما ورد في عريضة فاس وعريضة الرباط اللتين أصدرتهما "الحركة الوطنية" سنة 1930 كردة فعلها على ظهير المحاكم العرفية المدعو بهتانا "الظهير البربري" وهو كما يلي: ( احترام اللغة العربية لغة البلاد الدينية والرسمية, في الإدارات كلها بالإيالة الشريفة,وكذلك في سائر المحاكم,وعدم إعطاء "أي لهجة من اللهجات البربرية أي صفة رسمية,ومن ذلك كتابتها بالحروف اللاتينية.) ( عصيد,احمد,سياسة التدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب،2009). مع استحضار التوأم علال وعباس الفاسيين؛ علال ومقولة "الجلاء" المعروفة, وعباس و"لا رسمية/لادسترة اللغة الأمازيغية" ولدى الشبيبة "الإستقلالية" عامة, دعك عن "الحماقات القذافية" وبروتوكولات جنرالات الجزائر, و...و...., كل هذا وغيره كثير سيضعنا في سياق واحد نحو سلوك مدرسة شيدت أركانها, ووضعت منابرها, وفقهت أساطينها, وأسست أساطيرها وروجت خطابها, وكل محاولة لتجريب تأويل أو تأويلات هذا الخطاب الواحد/المتعدد,سيجعل المؤول (الفاعل) متماهيا مع المؤول (المفعول) في خطابه, بعيدا عن سياقه أو سياقاته, أي أن المؤول الفاعل يكون قابلا للخطاب المعلن عنه في تلك "النصوص" المذكورة بطريقة او بأخرى, حيث تستدرجه آليات التأويل التي يستخدمها؛ ليبقى المفكر هو الجابري، والجابري هو المفكر, لويشفع التأويل حتى لو أخطأ السياق !!! وقبل أن نقف على البنية التركيبية والسياقية ل"مقولة الجابري التاريخية", مدعمة بخرجات إعلامية أخرى محايثة مثل ما ورد في جريدة "الأحداث المغربية" ،7 شتنبر،2003، في معرض حديثه عن اكاديمية فرنسية تعنى باللسانيات الأمازيغية إلى "أنه في جميع البلدان التي كانت مستعمرة سواء من الغرب او من"فرنسا" أو من انكلترا أو من غيرها لم تكن هناك قطيعة نهائية مع الإستعمار". قبل ذلك, لابد من استحضار الإطار العام لهذه النظرية وهو إطار "التعريب السياسي", وكإطلالة على معبد التعريب لا بد من احتساب سياقات قيام النظام المغربي الحالي (المخزن) ومحدداته بمفهومها الماركسي وخاصة حيثيات اللحظات الأولى لمراسيم وضع الدستور المغربي الأول سنة 1962 وشرنقته في شرنقته ومهده, عبر عقليات سفراء الشرق، أمثال شكيب ارسلان مرورا بأسس ومبادئ النظام التعليمي المعاصر, التي أردنا الآن أن نسل منها مبدأ واحدا وهو "التعريب" محافظين على صيغته التحويلية (التفعيل)، ويمكننا تتويج ذلك بما أشار إليه عبد الهادي التازي في إشادته بالتعريب تقريريا كعملية أتت أكلها في ظرف ملائم ووجيز حيث يقول في ما معناه: ( إن عملية التعريب منذ فجر الإستقلال, أفلحت في ما لم تفلح فيه منذ قرون خلت). وانسجاما مع هذا السياق العام لا يمكن أن يفلح التأويل الذي أشبه ما تكون دلالته بدلالة من باب "فويل للمصلين" أو "لا تقربو الصلاة" دون إتمام الآيتين,مما سيقلب دلالتهما, فقولة السي الجابري رحمة مواقفه عليه قولة تامة كاملة مصوغة ومقولبة حسب القالب الأصلي لها,محددة سياقيا,لامجال للشك في أسباب نزولها ومرجعيات خلفياتها,ويمكن حتى أن نستقي بعضا من دلالاتها من متلفظها معجميا, وذلك كالتالي: العملية : مصطلح عسكري/حربي مأخوذ بعناية لتأدية المعنى التام للمضاف اليه/التعريب. التعريب : الصيغة التي تعني مدلول "الشرك الجديد" بتعبير محمد بودهان. الشاملة : كلمة/مصطلح تنتمي الى الطروحات التوليتارية/الشمولية التي لا تتقاطع مع أدبيات الفكر والفلسفة الإنسانية,المندرج فيها المنظور النسبي. يجب : لغة الوجوب والفرض؛ لغة قانونية نصف ألوهية, ترعى من الأعلى منطلقات الأدنى وتوجهه حسب مسطرة الوجوب/العقاب. تستهدف : الهدف,لغة حربية/غائية/ميكيافيلية, تبرر الوسيلة رغم كل شيء,وترسم الأهداف أولا. ليس فقط : تعدد الجبهات والأعداء المفترضين حسب مخيلتهم الفكرية العظيمة. التصفية : مصطلح التكتلات المافياوية. وهذا من الأهمية بمكان: ووضعه بين مزدوجتين, يوحي بمضاعفة الجهود وترصيص الصفوف وترتيب "الأوليات" قبل فوات الأوان (كما استشعرو أخيرا جراء الخطاب الأمازيغي). العمل : مصطلح متعدد الوظائف يصلح لكل زمان ومكان؛ويعني تحديد المهمات وتسطير ما"يجب"فعله. الإماتة: لا أستطيع سبر اغواره الآن إلا بمقياس عنوان هذا المقالة, مقياس قرآني راهني,ومعيار عروبي للتحضر,ما يعني "الوأد" بكل تجلياته... اللهجات: مصطلح لسني/لساني سأقف عليه في تحليل محاولة تأويل إماتة اللهجات؛وهو في هذا المستوى ينبئ عن الدونية. المحلية: إيمان جابري تقليدوي بالحدود الإستعمارية بين الدول الأمازيغية الشمال افريقية (تخطيطات حدودية) تاريفيت تاطلاسيت تاشلحيت/تاسوسيت. البربرية: مصطلح تاريخي/مشجب يعلق عليه وبه مدعي "الفعل الأكاديمي"... وهو هنا نعت اللهجات التي يجب وأدها فورا قبل أن تقوم لها قائمة "المأسسة أو التقعيد". ذكر الفرنسية واستهدافها: ولو في الدرجة الثانية يعني محاولة ربط الأمازيغية لغة وقضية وخطابا بالإستعمار الفرنسي تحديدا, الذي قاومه الأمازيغي ما قبل زمن "ايكس ليبان" وما أشبه ذلك. التأكيدات: القولة هذه مغلفة بغلاف توكيدي إنٌ/ليس فقط/الأهمية بمكان/... حتى لا تتسرب نقاط الشك الى نفوس من بيده الأمر والحكم في السياق والتنظير والتنفيذ، والتأويل أيضا. إن التعامل مع هكذا نصوص أو مقالات هو استنطاقها في سياقها وأخذا بمرجعياتها ومقوماتها الفكرية ومقارنتها كرونولوجيا مع الخطابات/الشبه مشتركة المواقع والأهداف, خصوصا إذا استطعنا أن نذكٌر بأبعادها الإصلاحية التبشيرية التبريرية الترقيعية أو حتى "إصلاح الإصلاح" كملجإ واحد أوحد لمثل هؤلاء المفكرين البابويين/الزعاماتيين وظيفيا لتأدية دور الزعيم البابوي، الذي تحله روح الزعيم السياسي النصف إلهي,وترعاه ماديا ومعنويا حتى لا يتحطم على صخور صلبة مثل صخرة "القضية الأمازيغية"التي تكسر عليها كل عصي ومعاول "مدرسة الوأد" وغيرها, فالإصلاحات الفكرية والمفاهيم "المغتصبة" الترقيعية التي يتناولها أمثال السي الجابري فيما يسميه (العقل العربي) أو ما يسميه (النحن) ... يجدون فيها حدبا وصوبا على حين غفلة لتمطيط هذه واختزال تلك, مع الإحتفاظ بهامش حر يعنى بعدم شرح أو بالأحرى عدم وضع جهاز مفاهيمي دقيق يراعي الإنزلاقات الفكرية أو على الأقل يهدئ من الشخصية السياسية في الشخصية الفكرية, ويقيس مدى حرارة الموضوعية وبرودة الكبت أوالشذوذ الجنسي حسب التقدير البودهاني لدى هؤلاء المفكرين التبعيين الذين يستبدلون الذي هو ادنى وهو لغة الإسقاط بالذي هو خير وهو لغة الجهاز المفاهيمي الدقيق المراعي للخطوط السياقية التاريخية والحضارية والثقافية والسياسية لما يتناولونه من فكر أو علم أو فقه. وليس هناك معيار جدي في تناول الجابري ومنطلقاته الفكرية السياسوية اليسارية المنهزمة في عقر دارها أدق من انحناءاته أمام الصرح الأمازيغي ودعائه له بالسقوط دعاء تعبديا إماتة تفسره القراءة اللطيفية للحركة الوطنية إبان صدور ما سمي عبثا ب"الظهير البربري" والفرق بين الدعاءين هو نوعية المكان/المعبد، فالأول وظف فيه المسجد كمكان ديني مقدس، والثاني وظف فيه الهيكل الفكري ،وبين المكانين تصلب الأمازيغية، لكن سنذكرهم بما يشبه قوله تعالى : وما قتلوها وما صلبوها ولكن شبه لهم. الأمر الذي يجعل السي الجابري في مصاف مريدي الهيكل السياسوي بالمعنى الحمودي (عبد الله حمودي) لمقاصد الشيخ والمريد وبنيته المارقة، الرامي الى بلورة فكرة "من المحيط الى الخليج" المتعارضة مع قواعد الجغراقيا وجغرافيا القارات وجغرافيا الثقافات والحضارات. وأي محاولة اشتغال آليات تحليل الخطاب بما يستهدف تأويلا ما للطرح الجابري أمازيغيا في مايخص إماتة "اللهجات" لا يستند إلى اي استدلال منطقي يجعلنا قاب أقواس أو قوسين أو قوس أو أدنى مما نترجاه من تأويل خطاب عدائي سافرلإنسانية الأمازيغية لغة باعتبارها موروثا انسانيا يجب احترامه داخل وخارج أي خطاب، قبل عدائها خطابا وهوية. إذ لا يمكن أن نصادف مثل هذه الظواهر الفكرية الجابرية كمفكر مغربي مستندة بأي وجه ألى أي مبدإ من مبادئ الإختلاف والتباين الفكري أو التنوع الثقافي أو الحوار الحضاري، أو غير ذلك، وذلك كله لانعدام أي تفسير مقنع لإماتة اللهجات ليس موتها حتى لدى السي الجابري نفسه. أفلا يعلم الجابري والجابريون المتناسلون أن الجغرافيا اللغوية متنوعة؟ أم على قلوب اليعقوبيين أقفالها ؟ أفلا يفقهون الإمتداد التاريخي للشعب في شمال افريقيا؟ أم أن سقف معادلة "12 قرنا" يحد من آفاق فكرهم ؟ ألم يكن هو نفسه آية من آيات الإستلاب؟ ألا يفقه لسانيا وسياسيا وحضاريا باختلاف العوامل كيف تؤثر اللغات وتتأثر؟ ألا يستطيع وهو ينظر في استنفار قصوى لإماتة "اللهجات المحلية البربرية" أن يمهد منهجيا ولو بقليل ما يشبه الموضوعية لأسس "التعليم" بالمغرب،ليقنعنا في النهاية بضرورة الإماتة كضرورة ثقافية أو كفعل حضاري؟ ألا يتريث السي الجابري كمفكر ويحد من بعثيته قليلا،لإلقاء نظرة عابرة على "السوق اللغوية" بالمغرب وعموم شمال افريقيا كلها،لوحدة الإشكالية التي تؤرق الجابريين وحكام تامازغا عموما؟. إن هذا الطرح الخبيث خبث "الجلاء العلالي" الفاشي ليس إلا صورة نمطية لممارسة البعث العروبي في البلدان الأمازيغية "المسلمة المعربة"والمراد استكمال تعريبها قسرا كبلاد العراق/الأكراد،سوريا،شمال افريقيا...،ولن يتم تفسير مرجعيات هذه "الطروحات" إلا بقراءة نقدية لأفيون كتابات اللوبي البعثي وممارسات الحكام المتسلطين على هذه الشعوب غير العربية المغلوب على أمرها، حتى لا نمزج أو نفسر الغزو بسياق الفتح، أو نفسر العروبة بالإسلام، والعقل العربي بالعقل الإسلامي، والعقل الأمازيغي والفارسي والأفغاني والكردي و...و...، وحتى لا نلتجئ جراء خوف مرضي إلى ما يبررونه باختصار المسافات هوياتيا هو مسلم،إذن هو عربي، أو العكس.أفيعجز المفكرون أمثال السي الجابري عن احترام قاموس مفاهيمي يسمي الأشياء بمسمياتها كما سمى الإماتة هنا وليس من قبيل القراءات الإستشراقية الإستشرافية التي حولت "شمس الله تشرق على الغرب" إلى "شمس العرب" ؟ ما يفسر تماهي الجابريين مع جو هذه الترجمة التي تختصرالمسافات وتختزل المنعطفات. وإلى السياق نفسه يستند التنظير الجابري من منظور مختلف، ليس كما يعمل مبيد التعريب في أيامه الأولى، في تجاهله الأمازيغية بكل تجلياتها وابتلاعها شيئا فشيئا،وبالتالي إلصاقها كليا بالعرب والعروبة والخيمة، بل تصنيفها في "سلم وطني (المحلية اللبربرية) محصور، ومحاولة نزعها من الشعور الجماعي وإلصاقها بالإستعمار، وبالتالي فإماتة اللهجات هو تطوير جدي وجديد جامع مانع ومختصر لآليات التعريب المطلق كما يؤكد عصيد في مقالاته عن التعريب، ويبقى التنظير الجابري في إطار اللامعنى،حيث يغيب الكيف واللماذا، ليس في دوره كمفكر "تعريبي" وإنما في مستواه في "العملية" كلها، إذ لن تكتمل آيته إلا بتلقيحها في دور الحاكم/السياسي والملهم الأول للجابري، والذي بيده المؤسسات وأدلجتها حتى النخاع، ومااااااا أكثر وسائل الإماتة في الدور الأخير والخطير. وهذا ما يمكن أن ينفي عن الجابري فكريا ما يعتبره هو أكاديميا الفرق بين طبيعة الفلسفة المشرقية وطبيعة الفلسفة المغربية، حيث تتبوأ الأولى مبوءا لاهوتيا/نقليا، بينما الثانية متسمة بطابع ناسوتي/عقلي. ففي معالجته لقضايا العلمانية مثلا وغيرها التي لا يريد السي الجابري أن يكون لها امتداد فكري أمازيغي أرضي تاريخي انساني في تامازغا/شمال افريقيا،يعالج العلمانية معالجة أنوارية إسقاطية تارة،ومعالجة دينية اخرى، إستقاء من علمانيات أخرى تارة أخرى، لا معالجة تحيين للعلمانية الأمازيغية المستمدة من الدوناتية في مستوى ، ومن الرشدية على أقل خطورة فكرية للتشابه بين الوضع الدوناتي وبين هذا الوضع الذي تعيشه تامازغا الآن، وإدراجَ العلمانية ضمن مبادئ الحركة الامازيغية الحديثة، التي يمكن أن تلطف الإطلاقية الدينية الشريفية لمفكري وحاكمي تامازغا على حد سواء، وتضعها في محك واقعي حداثي تؤخذ فيه الأشياء لا بطبيعة غيبية، في ما يخص الشؤون الإجتماعية والسياسية والقانونية، لأن المعتقد لا يناقش هنا إطلاقا، قدر ما يتم تحويره لما يخدم الطقوس المستند إليها التنظير الجابري، والوقوف بالأبواب كطاعة فكرية بترودولارية في الآن نفسه، تغيب (مضارع رباعي) عن السي الجابري وأمثاله كثر ما يلوكونه من مدلول "تبيئة المفاهيم" التي ترغمهم على قلب المضافات لتصير "مفاهيم التبيئة" لديهم، ومن تعريب وتغيير وإماتة خلق الله، كما بيئ "التبيئة" و" العقل العربي" و"النحن" و"التراث" وبيئ العلمانية والعقلانية و...و... غير أنه نسي قبل أن يموت أن يبيئ استلابه في سياق تاريخي محدد، لأن تبيئة استلابه لا يستقيم دون الخطاب الأمازيغي أو الموضوعي الذي يملك مقبض التشريح للأهواء الخارجية عن المدار. والطريف في الأمر لدى الجابري، ليس هو عدم معالجته " إماتة اللهجات" معالجة لسانية كما سياتي بمناقشة اللسانيين المستمزغين أمثال اندري باسي المخضرم،أو اللسانيين الأمازيغ انفسهم،مثل سالم شاكر،بوجمعة الهباز "المختطف بدون عنوان" والذي تناول اللسانيات الإجتماعية و "الإبتلاع الثقافي" في أطروحته،بل الطريف هو عدم إلمامه إلماما كافيا بالخطاب الأمازيغي الحداثي، والوقوف على حيثياته ومنطلقاته الفكرية التي تدحض ما ترمي إليه " المدرسة الجابرية " المتتلمذ على يد ورجل " المدرسة اللسانية القذافية " بتجلياتها " الخشيمية " وما شاكلها من " فكر الخيمة " ( بربر ما بربر، ... لغة الجدات ... لغة لم تعد تنفعنا في شيئ،القذافي ). فلو قام السي الجابري بما يشبه الدراسة الأنطولوجية الانثروبولوجيا لعبد الحميد العوني حول " موت العقل الأمازيغي" لكان تنظيره في مستوى فكري يمكن الأخذ بأطراف مسلماته ووضعها قيد النقد والتمحيص،حتى تتماس وإمكانية التأويل كهواية ، ولتناسب المقامين، نورد ما أورده العوني في مقدمة كتابه المذكور من "أن موت العقل الامازيغي قد يكون بعثا له"(موت العقل الأمازيغي،منشورات عربية) ، ما يتضح أن إماتة اللهجات المحلية البربرية في "فكر" الجابري تعد لبنة من لبنات تأسيس دركات الطرح العروبعثي الشامل المدمر لثقافة الآخر/ الأمازيغي، الكردي، الفارسي ، لو أمكن ذلك زمن الإتهام بالشعوبية، والآخر التركي قيد المحاولات التركية المغلفة بالدين، في سياق اييولوجي وهمي يوازي نظريا الطرح السياسي، أو عندم يهجن الفكر والسياسة معا، أو عندما يستيقظ الفكر العروبي المتمثل في صورة واحدة، صورة الوأد العظيم. ولا يعني هذا أن الخطاب الأمازيغي ضد فكرة بناء ايديولوجية مستقلة "للعروبة" وأبنائها في "شبه الجزيرة العربية" حسب تحديداتهم، بل يعني عفويا وقصديا الإرتكان إلى تجييش مفاهيمهم وتحيينها في بؤرها وظروفها "لتطهير عروبتهم" من أدران الثقافات الأخرى المسلمة غير العربية حتى لا يهجن صفاؤهم وهويتهم العرقية، وعندها لن يحتاجوا إلى أي تطعيم مفاهيمي تمطيطي للعقل العربي أو الإسلامي أو "النحن"، ولا إلى أي تبخيس للمفاهيم الهوياتية بتذييلات حشوية هامشية تؤثث لفكر مغلوط كليا، تسافر عبر الزمن الديني لتفسير آية من آيات الغزو أو التعريب أو الإماتة أو الجلاء أو "اللطيف" أو يدل دال الحاكم على مدلول ذات الإله القدير على غرارثقافة:« ما شئت لا ما شاءت الأقدار٭ فاحكم فأنت الواحد القهار»، ما يمهد لنكوص نضالي أوانتكاس نقدي أو ارتكاس ثقافوي لا يسمن ولا يغني من وااالو. ومثل هذه القراءات التأصيلية لإماتة الأمازيغية يغرب عنها الجانب الأدق في القضية الأمازيغية المتمثل في عبقريتها رمزيا وثقافيا وخطابا الآن التي تذوب إزاءها تمثلات تلك التيارات، لتتلكأ أخيرا وينقشع حجم كرتها الثلجية كلما ازدادت قربا "نقديا" هداما من صخرة الأمازيغية، كأن الخطاب الأمازيغي يخاطبهم مخاطبة الضب للثعلب، عندما أراد الثعلب خداعه وطلب منه الخروج من جحره ليأكله، فرد عليه الضب: "في بيته يؤتى الحكم". وكل هذه التأصيلات تعود إلى مصب واحد، فكما تباد القرى الكردية لأنها كردية فقط، يجب إماتة اللهجات المحلية البربرية، ولأنها أمازيغية، تعددت الثقافات والعروبة واحدة. قلعة تأويل إماتة اللهجات: إذا كان من المشاراليه من ذي قبل ورود معنى قولة الجابري غير كامل في سياق مقالة أمداكل صاحب تأويل الأطروحة، فإن تبييت نية وجود ثغرة تأويل ستكون المنطلق الأول لمناقشة تأويل إماتة اللهجات، ولأبدأ من حيث انتهى نص صاحبنا لمحاولة تسلق قلعة التاويل اللاجئة إلى شط شطيط، والتي ألقت عصاها بجزر اللسانيات، وإن بإلمامة قصيرة غير مرحب بها جابريا لترحل إثر ما يشبه غناء الحادي لسوق (مصدر ساق) جِمال (كسر الجيم) الأدلة وجمع الخارجيات الهوياتية ،وترك الداخليات النصية والسياقية في قولة الجابري،ليًُسمع صوت تأويل جديد موءود هو أيضا بدوره عبر زمن السياق، إذا كان الأمر كذلك، وصار من المتبع المنهجي أن لا تأويل مع وجود سياق ينافي التأويل، تناصيا مع العقد الأصولي الذي يقول :لا اجتهاد مع ورود النص، رغم اختلاف المقامين وجواز الإجتهاد مع ورود النص ونزولا عند الرغبة النصية التي تفرض نفسها داخليا تتنافى أيضا لدى هذا التأويل أية استراتيجية لسانية أو غيرها بعيدة جدا عن المرامي الفكرية الإيديولوجية للسي الجابري ومنطلقاته. وقبل الوصول إلى عتبة مناقشة "قلعة التأويل" نقف عند الزمن الجابري في قولته وإحاطتها خارجيا بمصطلحات لسانية والنظر في مدى انتباهه لها وهو يتزيى إن بزي "قارئ الفنجان"، أو بزي الرهبان، أو بزي علان، أو قالها وهو عريان ... فامتثالا لما يميز معظم المشاهد اللغوية في جل الأطالس اللغوية،تؤكد اللسانيات التاريخية تعايش لسانين وأكثر في مكان واحد (دوسوسير)، ما يِِِؤكده المشهد اللغوي الشمال افريقي في بنيته السوسيولسانية، وإذ لم يسمح لهذا الموضوع بذكر كرونولوجيا البنية السوسيولسانية بتامازغا،ومدى تأثير اللسان الأمازيغي وتأثره باللغات الأخرى الدخيلة كالفينيقية والعبرية واليونانية والعربية والفرنيسية...، ولتعذر ذلك، فإننا لن نغفل افتراضيا تصور زمن " ما بعد الإماتة " الفعلية المتمثلة في اللاتواصل الذي يؤدي إليه الشعور الجمعي الأمازيغي ‹‹ وبعبارة موجزة ،فإن قوة الشعورالجماعي هي مبدأ التوحيد، وهي تمنع تأثير التعصب المفرقة ›› ( دوسوسير،فيرديناند،محاضرات في علم اللسان العام، ت،عبد القادر قنيني،ص:262263.) وسياق الشعور الجماعي هنا مرتبط هوياتيا كما لسانيا بجميع الشعب الأمازيغي، حتى لا نسقط في ما سقط فيه الآخرون من تشديد الخناق وحصر الأمازيغية تقعيديا وتنميطيا في "اللهجات المحلية" الثلات،ومحاولة تقعيد لغة الإنحسار الثقافوية، أي حتى لا نعمد إلى تقعيدات وتنميطات حسب "اللون السياسي" لكل بلدان"اللهجات الأمازيغية" وخارج طرح علمي لساني كما يحصر تماما صاحب مقولة الإماتة كتنظير "محلي" ينبئ عن وجود أرباب عروبية أخرى في "محل بربري" آخر منوطة بها المهام نفسها في ما يخص الإماتة تنظيرا وممارسة. وما يميز هذا الإنطباع الجابري العام، أو صورة الجابري أمازيغيا، يعرب عن الجانب الدوني التحقيري للذات المستلبة والمجردة من الوعي الجمعي، وهي الدونية نفسها التي نبعت منها بعض المصطلحات التي استعملها مثل "البربرية" التي حافظت عليها تعبيرات الجابري عن الإماتة، هذا المصطلح الذي يرجع حسب اللسانيين والمؤرخين إلى تعبير الشعوب عن تميزها وارتقائها لسانيا على "رطانات" الشعوب الأخرى،ويسجل التاريخ أن لفظ بربر Barbar من خلال التحليل التأثيلي للفظ Barbaros " يطلق على الشعوب التي لا تتكلم اليونانية، أما لغات هذه الشعوب فلم تكن بالنسبة للإغريق سوى ضجيج أو ثغثغات Bredouillage أو قرقرة أو كركرة Borborymes مثيرة للسخرية والضحك. وبهذا المعنى شاع لفظ Barbarus عند الرومان. وإلى حدود سنة 1942 نجد لسانيا إسبانيا هو أنطونيو نبريخا Antonio Nebrija يقول :" يمكننا أن نطلق اسم Barbar على كل الأجانب عن لغتنا ما عدا اليونان واللاتين" ( ميلود التوري، الأمازيغية والفينيقية وبينهما العبرية واليونانية، سلسلة تاريخ اللغات المغاربية،الحلقة الأولى، ص: 54). وانتقاء السي الجابري مصطلح "البربرية" بدل الأمازيغية مقصود على غرار الإعلام المغربي في تسعينيات القرن الماضي و "نشرة اللهجات" وكتابات "الوطنيين" وخطاب البربرفوبيين الساقط في التماهي بين اللغة الأمازيغية والتخلف والدونية تارة ‹‹والإنسان "المحلي" إذ يتكلم فإنه يعيد إنتاج التخلف،ومن هنا مشروعية القضاء عليه رمزيا ›› (خلفي،عبد السلام،اللغة الأم وسلطة المأسسة،ص:9 د،ط) واستعلاؤها والرفع من مستواها حسب المكر الفكري والسياسي لدى هؤلاء إلى حد عمالتها للآخر (العدو) حسبهم،والمتعدد الجبهات، والمتغير باستبدالات على مستوى النوع حسب الزمان والمكان ... وحسب المزاج العروبي وتحييناته أحيانا على شكل ما يوازي " السياسة البربرية الجديدة " الفاشلة هي أيضا في مسار الإحتواء، والمتعفنة في مختبرات "من المحيط الى الخليج" قبل استيرادها جوا بثمن بخس وزرعها على عتبات "الجدران الأربعة" والشاشات الرخيصة" التي تملك حق الزرع والحصاد والإستنبات ردحا من الزمن وإلى الآن بتكتيك قديم/جديد، يلعب لعبة الإستبدالات الأفقية والنوعية مثل إملاءات "الفتح العربي" مقابل استبدالين تاريخيين اثنين واردين سياقا يتم الإحتفاظ بهما حسب المقام، وهما:الأول البدهي بداهة قبولنا بالمصطلحات وهو "الفتح الإسلامي" والإستبدال الثاني المخفي تحت غبار حوافروأخفاف الوافدين وهو "الغزو العربي" فالإستبدال الأول صودرت فيه النزعة الدينية تحت الإستبدال الثاني المأمور بأوامر الدرك الأموي العرقي الذي اخفيت فيه اختزالا "النوايا التوسعية للأمبروطورية العروبعثية" فقام "الفتح" مقام " الغزو " بقدرة قادم من هناك إلى هناي ... إلا أن نوعية هذه السلاطات والصلصات المملحة لم تعد تثير شهية الإنسان الواسع الصدر،الأكثر تعايشا، الإنسان الأمازيغي،الذي استنفد جعبة "التربية الشرقية المتعالية" في جولة خطابه التنويري الحديث،المبني على الأنسنة أولا،لا إسقاطا وتقليدا وإنما امتدادا وتأصيلا. وتحت نير هذا الإستبداد الحربائي الإستبدالي، تربى الجابريون والسفيانيون والنينينيون والفاشيون مصاصو الإستلاب ليتخصصو في اعتماد آليات "الضبط" كخطاب تكريسي تقديسي، الذي ينتجه حراس المعبد القديم أو "كلاب الحراسة" بتعبير بول بوزان، للحد من جماح رياح التغيير الجذري والخطاب التنويري. وفي مناقشة تأويل إماتة اللهجات، لا بد من تسطير معطى واحد مهم في إطار الأطروحة وهو أنه لن ترغمنا على الحديث عن تمهيد لساني بحت، يستهدف استهلالا موضوعيا لما يشبه موت اللغات أو حرب اللغات أو السلم اللغوي أو الأمن اللغوي أو الإنقراض اللغوي بتنويعاته ... وذلك لفقدان المرجعية اللسانية وغياب المعطى اللساني لدى الجابري نفسه هنا، حتى لا نلوي/نؤول أعناق نصوص (دجاجات) كما يحلو لنا لوٌُا. وفي إطار هذه "التكملة السياقية" نورد هنا أهم ملخصات ما ورد في مقال تأويل إماتة اللهجات، للوقوف عليها عينيا وهي كما يقول : ‹‹ لايوجد أي دليل على أن الجابري ضداللغات، ولكن دلائل كثيرة تؤكد مقته الشديد للهجات، بكلمة واحدة، الجابري ليس من مؤيدي اللغة المحكية التي يوجد لها مؤيدون كثر في الشرق وفي المغرب نفسه، ومن يدر، ربما في المستقبل القريب ستبرز فئة تدعو إلى الإبداع باللغة المحكية في صفوف الأمازيغ،وفئة أخرى سنكون حتما منها، تتشدد في الكتابة بالأمازيغية المعيار›. ويواصل صاحبنا قائلا :‹‹إن الرجل "لا يميز" (الشولتان مني ) فهو يدعو إلى إماتة لهجات اللغة العربية،بغض النظر عن ما يذهب إليه معظم الفاعلين الأمازيغ كشفيق والصافي مومن علي ... من الدارجة المغربية ترجمة حرفية للأمازيغية نحوا وتركيبا ...(الصافي مومن علي:خطابات إلى الشعب الأمازيغي). ونظن أنه لو كانت له علاقة تشريعية تنظيرية بالفرنسية لدعا غلى محو البروتون Breton والبروفنصالProvincial ... لكن، ليس هناك مؤشر واحد على أنه يعني الأمازيغية الممعيرة››. مواصلا " إماتة اللهجات العربية لا يعني البتة مقت العربية، كما أن إماتة اللهجات الأمازيغية، لا يعني في شيئ كره اللغة الأمازيغية المشتركة". إن هذا التأويل كما مر معنا يستند في جانب منه إلى الوضع اللغوي بالمغرب، كما يستند في جانب آخر إلى "الممقوت" و "المكروه" في ذلك الوضع، وهذا جانب لساني اضطرت شفاعة التأويل الإرتكان إليه عبر تجليات "اللغة المحكية" رابطا الشروع في "التقعيد الأمازيغي" في سياقه الخاص بسياق التطاحن المفتعل في الشرق والمغرب بين المحكي والممعير، إن القول بمؤيدي وغير مؤيدي "المحكية" هنا، لا يربطه أي رابط شرعي بأطروحة "إماتة اللهجات المحلية البربرية"، ولتبيان هذا لامفر من إلقاء نظرة خاطفة على هذا الوضع اللغوي، على أن لا نغفل عتبات العرض الأمازيغي "للتقعيد والتنميط والتعيير". إن نظرة خاطفة إلى الأمازيغية في راهنيتها تفرز بدون شك الإختلالات التي اعتمدتها السياسة اللغوية بالمغرب، وإذا كنا نعيش ( في عالم تنقرض فيه اللغات بوتيرة تفوق الخمسين في المائة من مجمل اللغات الموجودة في العالم والتي تقدر بالآلاف).(عبد الاله سليم،"التخطيط اللغوي في المغرب،المتن الامازيغي نموذجا"،مجلة "مقدمات"ع.27/28.صيف/خريف 2003.ص:83.) فإننا ندق ناقوس الخطر، أملا في اجتناب دواعي الإنقراض والتي يمكن تفاديها بتحقيق التخطيط المحكم للخريطة اللغوية بالمغرب وحتى يستتب الأمن اللغوي في الواقع اللغوي بالمغرب. وإذا كانت أسباب تدهور اللغة الأمازيغية في مجمله لا يعود إلى وضعيتها في المستوى السوسيولسانى لما تتمتع به داخل الفسيفساء اللغوي المغربي من استقلالية "من حيث العلاقة الوراثية التاريخية بالنسبة للعربية الفصحى ، إذ تنتمي الأمازيغية إلى ما يسمى بفصيلة اللغات الحامية، بينما تدخل العربية ضمن فصيلة اللغات السامية" (احمد بوكوس،السياسة اللغوية والثقافية بالمغرب،ط،1 نونبر 2003،مركز طارق بن زياد،ص:83.) فدواعي تدهورها وعوامل ضعفها تعود ( إلى عوامل خارج ، لسانية ، وعلى رأسها التحولات التاريخية التي مر منها المغرب ، وكذا إلى التهميش المؤسساتي الذي طالها لعقود طويلة نتيجة لذلك ، ثم أيضا إلى الإستغلال الإيديولوجي السلبي لما يسمى بالظهير البربري).(عبد السلام خلفي،اللغة الام وسلطة الماسسة،مبحث في الوضعية اللغوية والثقافية بالمغرب،ص:73). ولتنامي الضغط الدوني الذي يلحق "المحكي الأمازيغي" عبر زمنه اللهجي الواقعي "الشتات" الذي ينتظر جمع الشتات اللساني في "لغة" مقعدة تروم إعطاء أجوبة للطرح التحقيري و"المميت" الذي يبتذلها بين كل ركعة شرقية وسجدة غربية، إرتأت مساءلة "بيتها اللهجي المحكي" وبناء قاعدة واحدة موحدة،بعيدا عن نعيق الناعقين. و مفهوم المعيرة يضعنا أمام ثنائيات عدة قديمة /حديثة، منها ثنائية اللغة /اللهجة، ثنائية الشفوي/المكتوب، ثنائية اللغة الرسمية /غير الرسمية، ثنائية اللغة الحية / اللغة الميتة، وتأتي هذه الثنائيات، باختلاف سياق كل ثنائية منها، وما يهمنا هنا أساسا من هذه الثنائيات، هي ثنائية اللغة واللهجة، باعتبار الأخيرة "محكيا عاميا" يكاد يضاد "اللغة" عند غير "كالفي.ج.ل" الذي لايرى الفرق واضحا بين الأخيرتين،إلا في سياق خارج لساني،باعتباره اللهجة هي اللغة المحطمة سياسيا،واللغة هي اللهجة الناجحة سياسيا. وبغض النظر عما سبق، يجب استحضار المعايير الأربعة المعروفة والتي ميز بها "ستيوارت" بين مفهوم اللغة وما يتفرع عنها من مصطلح تواصلي آخر، وهذه المعايير هي الإستقلالية والتاريخية والحيوية والتعيير، وإذا أسقطنا هذه المعايير على الأمازيغية،نجد أنها تحتوي عليها كلها إلا التعيير أو المعيرة، ولاشك أن اللغات قديما وحديثا تكون إلى جانبها لهجات...ويخضع هذا للتحولات التاريخية والسياسية والدينية ،ومن بين مظاهر تلك التحولات مثلا، صيرورة لغة لهجة ؟ وصيرورة لهجات لغة، هذه الصيرورة الأخيرة التي يعنى بها التعيير Standardisation . والأمر نفسه يعتري كينونة اللغة الامازيغية، وإذ يبدوا لنا من باب المستحيل الآن، الحديث عن الأمازيغية كصيرورة لغة لهجات ، فإن الحديث عنها كصيرورة لهجات لغة، أمر تفترضه المعطيات اللسانية ويفترضه العلم وتفترض الممارسة وسؤال التعيير. ومن المسلم به أن اللغة الأمازيغية "مجموع اللهجات الأمازيغية" تستجيب لهذه العملية بجمع مكوناتها المعجمية والنحوية والتركيبية والصرفية ...في خلق مشروع الإنتقال من الشفهي إلى المكتوب الذي تروم من خلاله الحركة الأمازيغية بلورته كمشروع كامل ومتكامل في الأمد البعيد ، وهكذا استطاعت اللغة الأمازيغية أن تتمثل تحديات وتقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فاستوعبت خطابات جديدة منشغلة بالخروج من الطور الغرائبي الذي أقحمت فيه إقحاما من طرف قراءات كولونيالية إلى الطور الإبداعي، ولتجاوز نظريات الموت والإنقراض التي توالت عليها لسنيين. والسؤال المطروح هنا هو : أين يتواجد السي الجابري والجابريون في مفترق هذه الصيرورات لو أريد مقاربة الإماتة مقاربة صيرورة لهجات ←← لغة ... لا مقاربة إيديولوجية ؟؟؟ وبعيد عن " الفذلكة التأويلية " نسطر هنا أن حضور الجابري في "الزمن اللهجي المحلي البربري" جعله بإذن مرجعيته يحتسب المسافة الزمنية بينه وبين الزمن "التقعيدي الأمازيغي" بدقة الوسائل "التعريبية"التي انطلق منها في سياق خاص، ودقة الإمكانيات "العروبعثية" في السياق العام الشامل و"المحيط"، سياق محيط تعيش فيه "أمٌة" بمفهومها الذي مل الشعب الأمازيغي والكردي وغيرهما العيش في دركات ردهاته السفلى ، وتحت أقدام عروبية بأحذية دينية (امة). إن إعادة قراءة التنظير الجابري الأول ونص "شفاعة التأويل" لن يعني شيئا،ولن يقطع الصوت التأويلي المبحوح وراء " آيات المحو والإبادة والإبتلاع " ما لم يشفع لنا ما ينفيه الجابري نفسه عن تأويلات المؤولين، التي يدحض فيها في السياق نفسه عداءه للمحكي العربي/الدارجة المغربية (العربية) ، إزاء استهدافه "المحكي المحلي البربري" أي اللغة الأمازيغية قبل وبعد الصيرورة المذكورة في السياق يقول الجابري موردا محكيه الطويل : " إن عملية مثل هذه وهي الواسعة الشاملة المبرمجة ، ستقضي في أسرع وقت على "مخلفات السياسة البربرية" التي لجأ اليها المستعمر لضرب كياننا وطمس معالم هويتنا، كما ستعمل في نفس الوقت على الرفع من مستوى " العربية الدارجة الحالية " التي تتزاحم فيها الألفاظ العربية المشوهة والكلمات الأجنبية المكسرة والتراكيب "المزجية" بشكل جعل منها لهجة هجينة غير قادرة تماما لأن تكون "لغة شعبية" تعكس أحاسيس الشعب وتطلعاته، كما كانت تفعل من قبل "لغة الزجل الشعبي" مثلا، إن العربية الدارجة السائدة الآن قد أصبحت عبارة عن خليط يضم بحق "أكثر من سبعين رقعة"... إن تعميم التعريب كما شرحناه أعلاه،سيؤدي حتما إلى إدخال إصلاحات جوهرية مع مرور الزمن في "العربية الدارجة" ويعمل في ذات الوقت على تبسيط الفصحى،الشيئ الذي قد يؤدي في النهاية إلى قيام لغة عربية فصحى جديدة أكثر بساطة ومرونة ، إن إهمال تعريب الحياة العامة بمختلف "مرافقها ومستوياتها، وبهذا الشكل الشامل العميق سيجعل عملية تعريب المدرسة والإدارة تفشل في تحقيق "أهدافها".( محمد عابد الجابري،مواقف،إضاءات وشهادات،الطبعة الأولى،مارس 2003.). ولإعطاء وصفات لذلك يضيف وبكل حماس:" ولن يتأتى ذلك إلا "بتركيز"التعليم و"تعميمه" إلى أقصى حد في المناطق الجبلية والقروية و"تحريم"استعمال أية لغة أو"لهجة" في المدرسة والإذاعة والتلفزة غير اللغة العربية الفصحى". وكل ذلك حسبه " لاستكمال التحرير والبناء "الإشتراكي" وتقدم بلغة عربية فصحى مبسطة ومدروسة، مع العناية الفائقة ب"الحوار" والمناقشة"( الجابري،مواقف،2003). فليدع الجابري ناديه "علال الفاسي" ليكمل الشرح والتبيان،حتى لا نتعب الحبال الصوتية الجابرية كثيرا، وتفقد رونقها المعهود لدى الزبانية الأخرى التي يطيعها ويسبح بحمدها، ولندع الفاشي يكمل تحسره القديم/الجديد إذ يقول:" إن المشكل إذن هو عدم تعريب المغرب من طرف العرب القدامى (أجداد علال) مما أبقى على وجود "البربرية".(احمد عصيد،الأسس الايديولوجيا للتعريب المطلق). في مقال منشور لعلال الفاسي بمجلة "اللسان العربي" كما أورده احمد عصيد في مقاله المذكور. ولا يحتاج المقام هنا إلى أن نقارن، أو أن نقف ونستوقف لبلوغ "اللهجة الطللية" العلالية التي تبكي وتستبكي جراء "الوجود اللغوي البربري" المعاكس لقصيدة "الجلاء" التي يهتف بها و"يحدو" بها في وهم عروبته،كما لن يضطر القارئ بأنواعه إلى بذل كبير جهد للوقوف عند "المفردات المعجمية الجابرية "المركزة" ( التركيز،التعميم،التعريب،التحريم،استكمال التحرير،الشمولية،التطهير تطهير الدارجة "العربية"من أدران اللغات الأخرى، وطبعا من "المدنس البربري"، السياسة البربرية،الأجنبية،الإستعمار، تحقيق الأهداف...) هذه المفردات التي لا يمكن ان تساوم في الحط من عليائها الدلالي وثقلها "الايديولوجي" وسرعتها التنفيذية تتويجا لمسيرة عقبوية علالية عباسية جابرية نينينية قذافية خشيمية سفيانية صدامية أموية عروبعثية مطهٌِرة مقدسة، في انتظار "الجلاء" البربري العظيم، لو تم معنى "الوأد" العظيم !!! "لايوجد أي دليل على أن الجابري ضد اللغات" طبعا، الكلام لا التأويل صحيح ، إلا اللغة الأمازيغية ولهجاتها و"عقلها"... اما اللغات الأخرى كالعربية، فيستحسن "محكيها" و"ويعمد" ( ماء المعمدان) ليطهر من "خربشات بربرية" ويرقى ويرقى إلى حدود التماس بينه وبين "الفصحى"لتوالد "لغة ثالثة مرنة،بسيطة" بينهما، لن تستعصى على "أفهام البربر" المحليين، ولن تحول دون تعريب ما تبقى من "الشعب البربري" حسب الطبخ "العلاجابري" هذه المرة، وتستغفر "العلالية" لأجدادها أخيرا. فهل بهذا يعتبر التنظير الجابري ومدرسته الكبرى من أعداء "اللغة المحكية" لكونها وسطا لغويا لسانيا ووضعا ،وأيا تكن تلك "المحكيات ؟؟؟ أفلا ندرك الإختلاف الجوهري بين القول ب"إماتة اللهجات" كفعل "وأدي" غريزي وبين القول ب"عداء المحكي" كفعل "أكاديمي" يعاديه بلغة العداء كما في التأويل من يعاديه، ويؤاخيه من يؤاخيه ؟؟؟ فلماذا لا يعادي الجابري "محكي الدارجة التي يعتبرها "عربية" يجب تطهيرها من الهجنة كما فسرها؟؟؟ رغم أن الدارجة المغربية والمغاربية لها بنية لسانية أمازيغية، ما يؤكد أنها من إبداع الإنسان الأمازيغي علما أن الأصوات الداعية إلى اعتماد "المحكيات كتابة" هو موضوع آخر، لها ما يبررها لدى أصحابها شرقا وغربا، ما يمكن توقعه أمازيغيا أيضا كما تعتمده عندنا بعض الإصدارات التي بدأت "تدرج" أعمالها،كما في مصر أيضا،وصولا إلى "تدريج القرآن" ولو في سياق آخر... ويمكن أن يكون لها واقعها السوسيولساني، لو تواضع الناس عليه، خاصة إذا اعتمدت هنا مصطلحات من قبيل التساؤل عن ما هي اللغة الحية،وما هي اللغة الميتة، هذه الأخيرة التي " يعرفها معجم اللسانيات(Dictionnaire de linguistique;de Gois et al. ) بأنها تلك التي توقف الكلام بها لكنها تستمر لغة التعليم والشعائر الدينية لجماعة سوسيوثقافية بدعم تشريعي يخول لها القيام بمثل هذه الأدوار ... كاللاتينية". ( ميلود التوري، المرجع المذكور... ص: 58). وكل ذلك وما يمكن أن ينشأ عنه الغد اللهجي أو الغد اللغوي أو المستقبل "اللهلغوي"( نحت لهجةلغة) لا يتقاطع تماااااااما مع ما عناه "الجابري"في "مواقفه وإضاءاته وشهاداته" من "الإماتة"، وما يرمي إليه "تأويل الإماتة" طولا وعرضا،أفقيا وعموديا. فهل بين أمس "إماتة اللهجات المحلية البربرية" ويوم "إغلاق جميع الإذاعات الأمازيغية"(كما تفضل به القذافي مؤخرا) وغد "بناء وهم إمبراطورية "من المحيط إلى الخليج" العربية" نلتمس أعتاب "التأويل"؟؟؟ تأويلات أمازيغوفونية، لكبائر أمازيغوفوبية، وبين تأويلات كبائر "أمس ويوم وغد" تذوب الغرابة، وتُنسى المفارقات، ومن أجل خطاب أمازيغي تنويري... "قد تكون الإماتة والموت بعثا له". [email protected] [email protected]