ينص الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011 على ما يلي: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها" (الفقرة الأولى). وبالفعل هذا ما عرفناه مؤخرا، حيث فعل الملك الفصل السالف الذكر وعين السيد عبد الإله بنكيران على رأس الحكومة لولاية ثانية في انتظار استكمال تعيين باقي الوزراء من طرف الملك وتنصيب الحكومة من قبل البرلمان. طيب، إذا كانت الانتخابات ليست غاية بل وسيلة لبلوغ السلطة بغرض تسيير وتدبير الشأن العام، وأن الوصول إلى السلطة يأتي عن طريق تصويت الناخبين على برنامج انتخابي متضمن لوعود انتخابية سرعان ما يتم التنكر لها بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات وهي "سنة مؤكدة "في الحياة السياسية المغربية. ولعل من بين الملفات الاجتماعية التي ستتولى الحكومة الجديدة برئاسة بنكيران مواصلة تدبيرها نجد صندوق المقاصة. فصندوق المقاصة أو الموازنة، يتولى دعم المواد الأساسية حتى يكون بإمكان المواطن المغربي (المقهور أصلا) اقتناء السكر، الزيت، غاز البوتان.. وقد بدءات حكومة بنكيران في ولايتها الأولى في رفع الدعم تدريجيا عن بعض المواد الاستهلاكية بغرض التخفيف عن العجز الحاصل في الميزانية العامة للدولة، مما اثر سلبا على وضعية شرائح واسعة من الشعب المغربي. ففي لقاء صحفي للسيد بنكيران قبيل انطلاق الحملة الانتخابية لتشريعات 7 أكتوبر 2016، أعلن سيادته انه في حالة تصدر حزبه لنتائج الانتخابات فانه سيرفع الدعم تدريجا عن غاز البوتان!!!! الذي يدعمه صندوق الموازنة ب 100 درهم، مما يعني انه مع انتهاء الولاية الثانية لحكومة بنكيران سيكون معها ثمن قنينة غاز البوتان حوالي 142 درهما. وهناك ملفا اجتماعيا أخر شكل ثقبا عميقا وثغرة كبيرة في سجل حكومة بنكيران المنتهية ولايتها، إذ أن معظم التقارير والبيانات سواء الصادرة عن مؤسسات وطنية أو دولية، أجمعت كلها بفشل هاته الحكومة في خلق فرص الشغل بسبب عدم قدرة الحكومة على خلق الثروات، بل زد على ذلك ما صدر عن المندوبية السامية للتخطيط من أن جل مباريات الوظيفة العمومية والتي كانت الحكومة تعلن عنها على مضض، كانت تجرى بمنطق "باك صاحبي". وفي نفس الصدد، فالسيد بنكيران بشر الأطر العليا المعطلة في بداية ولاية حكومته الموقرة بنهاية عهد الوظيفة العمومية، إلا انه استثنى ابنته وبعض أبناء زبانيته وأزلامه بتوظيفهم في الدقيقة 90 من زمن حكومته المحترمة، وذلك حتى وإذ لم يتصدر حزبه نتائج الانتخابات النيابية واعتزل السياسة حسب قوله فانه يكون قد ضمن لابنته منصبا ومصدر رزق (حلال علينا وحرام عليكم!! ). كمان السيد بنكيران لا زال يبشر أبناء الشعب من حاملي الشواهد العليا بتجميد التوظيف في أسلاك الوظيفة العمومية تماشيا مع توصيات صندوق النقد الدولي بالرغم من الخصاص الكبير الذي يعرفه قطاع التعليم على سبيل المثال لا الحصر. فالحكومة المنتهية ولايتها تعتبر تلميذا نجيبا ومجتهدا بالنسبة لمؤسسات التمويل الدولي إذ سرعان ما تنصاع لتوجيهاتها ضاربة بذلك عرض الحائط وعودها الانتخابية وانتظارات الناخبين وعموم الشعب المغربي، فمن المنتظر أن تنهال الحكومة المقبلة برئاسة السيد بنكيران على رأس المواطن المغربي بإجراءات تقشفية تزيد من معاناته الاجتماعية لخمس سنوات أخرى حتى يحافظ السيد بنكيران وحزبه على مكانتهما المتميزة لدى صندوق النقد الدولي ويرضى عنهما. اما قطاع الصحة، فحدث ولا حرج، فهو قطاع استراتيجي ذو أهمية كبرى لدى المواطن المغربي، كمانه يعتبرمن المعايير المعتمدة في قياس مؤشرات التنمية البشرية ورفاهية الشعوب، إذ من خلال الصور والفيديوهات التي تنقلها وسائل إعلام وطنية وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فحالة المستشفيات المغربية لا يمكن أن توحي إلا أن الشعب المغربي يعيش في حالة حصار أو حرب في عهد حكومة بنكيران. كما يمكن اعتبار حالة الصحة بالمغرب إحدى مسسبات تراجع نتائج حزب التقدم والاشتراكية في انتخابات 7 اكتوبر 2016. فنتائج تدبير الحكومة المنتهية ولايتها للقطاعات الاجتماعية لفترة الخمس السنوات لدليل على تبني هاته الحكومة لليبرالية المتوحشة والتي يكون اغناء الغني وإفقار الفقير ابرز نتائجها، وذلك بالرغم من تواجد حزب ذو إيديولوجيا اشتراكية في نفس التشكيلة الحكومية!! وبالرغم أيضا من التناقض الصارخ بين الليبرالية المتوحشة والمرجعية الإسلامية التي تنادي ب "الحض على طعام المسكين" وتحث أيضا على "إطعام المسكين والمسح على رأس اليتيم" الذي يهتز عرش الرحمان إن أكل ماله. وبالتالي فالخمس سنوات المقبلة من تدبير الملفات الاجتماعية سيعرف استمرار نفس النهج الليبرالي المتوحش، وما تصريحات السيد رئيس الحكومة المكلف لخير دليل على ذلك، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من الاحتقان الاجتماعي، وما نسبة المشاركة في العملية الانتخابية (43% حسب وزارة الداخلية، 23% حسب صحيفة أمريكية) وعدم التسجيل في اللوائح الانتخابية لمؤشران خطيران على عدم رضي المواطن المغربي على العملية السياسية التي لا تستجيب لمتطلبات العيش الكريم. ومن ثم فالعزوف الانتخابي ومقاطعة الفعل السياسي هما نتاج للدور الباهت للأحزاب السياسية (أغلبية ومعارضة) والتي يعتبر التاطير السياسي إحدى وظائفها الأساسية. ومما يزيد من نفور المواطن المغربي عن ممارسة السياسة، هي النخب السياسية الراهنة وذلك بسبب التصريحات والتصريحات المضادة وأيضا تناقض المواقف وانقلابها بين عشية وضحاها، مما يؤثر سلبا على مصداقية النخب السياسية المغربية والتي تعتبر زعاماتها الحالية من زمن قد أكل عليه الدهر وشرب، وفي نفس الصدد فوجود أحزاب ذو مرجعيات مختلفة( إسلامية، اشتراكية، ليبرالية) داخل نفس التشكيلة الحكومية، يؤثر سلبا على الأداء الحكومي مما يعني أن مسالة الإيديولوجية ما هي إلا كلمة حق يراد بها باطل، أي أن الغرض هو الحقيبة الوزارية آو المنفعة الشخصية والعائلية. وبالتالي، فتحقيق نتائج مرضية في المجالات الاجتماعية لتحسين وضعية المواطن المغربي وكذلك مرتبة المغرب في سلم التنمية البشرية الصادر عن المؤسسات الدولية، لهو بعيد المنال، ليس من باب العدمية، وإنما لا يستقيم ولا يعقل انتظار أفضل وأحسن النتائج في ظل وجود نفس الوجوه السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.