بحذر شديد باتت لمياء تستخدم اليوم مواقع التواصل الاجتماعي، وتحرص على عدم مشاركة صورها على صفحتها في موقعي فيسبوك وإنستغرام، بعدما تعرضت للابتزاز والتهديد بسبب نشر صورها من طرف خطيبها السابق. إعلان إعلان وتقول الشابة البالغة من العمر 27 سنة، ل"سكاي نيوز عربية": "بمجرد فسخ خطوبتنا، شرع في تهديدي بنشر صوري الشخصية، وفيديوهات تجمعني به، ومشاركتها في وسائل التواصل الاجتماعي، انتقاما مني، ولم يكتفي فقط بتهديدي بالتشهير، بل تمادى في ذلك لينتقل إلى الابتزاز المادي والجنسي". لمياء هي واحدة من بين ما يقارب مليون ونصف المليون امرأة مغربية، ممن تعرضن للعنف الرقمي، حسب أرقام رسمية للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة أبحاث حكومية)، والتي تعزي أسباب انتشار الظاهرة، إلى الاستخدام المتكرر والمتزايد لتكنولوجيا الاتصالات والشبكات الاجتماعية. إعلان وأظهرت نتائج البحث الوطني الذي أجرته مندوبية التخطيط، حول العنف ضد النساء والرجال في سنة 2019، أن العنف الرقمي طال الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة بشكل أكبر، فيما أشارت إلى أن أغلب مرتكبي هذا النوع من العنف هم من الرجال، بنسبة تفوق 86 في المائة. دوافع عديدة وأسلوب واحد إعلان وأمام هذه الأرقام، تحاول عدد من الناشطات المدنيات في المغرب، التحسيس والتوعية بمخاطر العنف الذي تتعرض له النساء عبر وسائط التواصل الرقمي، والذي لا تقل خطورته برأيهن عن باقي أنواع العنف الأخرى. وتؤكد بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن جمعيتها تستقبل حالات مختلفة من ضحايا العنف الرقمي، وتقدم لهن الدعم النفسي والقانوني، عند تعرضهن للابتزاز، أوالتهديد بتشويه سمعتهن، عبر نشر صورهن أو فيدوهات خاصة بهن في وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من طرف صديق الحميم، أو خطيب أو طليق. إعلان وانطلاقا من الحالات التي ترد على الجمعية التي ترأسها، ترجع الناشطة المدنية الدوافع وراء العنف الرقمي إلى أسباب عديدة من أبرزها الانتقام بعد توقف العلاقة، أو بغرض الضغط على الطليقة من أجل دفعها للتنازل عن مستحقات النفقة وإسقاط حضانة الأطفال، أو بدافع الحصول على المال والاستغلال الجنسي الذي قد يصل حد الاغتصاب. ولمواجهة هذا الواقع، تقود بشرى عبدو، ومن خلال جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، حملة تحت شعار "سطوب العنف الرقمي"، تهدف من ورائها التوعية بمخاطر هذا النوع من العنف، والتحسيس به داخل المؤسسات التعليمية بجميع مستوياتها، مستهدفة أكثر الأشخاص استخداما للهاتف النقال والإنترنيت والأكثر عرضة للوقوع ضحايا للعنف الإلكتروني. معاناة في صمت وفي الوقت الذي تلجأ فيه نساء ممن تتعرضن للعنف الرقمي المبني على أساس النوع، لطلب الدعم والإرشاد لدى الجمعيات المدنية، فإن كثيرات يفضلن الصمت ويمتنعن عن تقديم شكوى لاعتبارات متعددة، يأتي على رأسها، الخوف من مواجهة المجتمع واعتبارهن مذنبات. والشابة لمياء هي واحدة ممن يخشون التبليغ عن العنف الرقمي، تقول: "لا يمكنني تخيل حجم الفضيحة إن تم نشر صوري الخاصة، ولا ردة فعل عائلتي المحافظة، كما قد أتابع بتهمة الفساد بسبب علاقتي خارج إطار الزواج". وفي هذا الصدد، تقول بشرى عبدو إن عدم تسليط الضوء على هذه الظاهرة من قبل وسائل الإعلام، وإحجام الكثير من النساء على التبيلغ قدرة خوفا من مواجهة العائلة والمحيط، أو بسبب الخوف من فقدان العمل أو التوقف عن الدراسة، يدخل النساء اللواتي تعرضن للعنف الرقمي في أزمة نفسية، ويساهم في استفحال الظاهرة. ولكسر هذا الصمت، دعت المتحدثة إلى ضرورة تلقين الناشئة كيفية الاستعمال الآمن للوسائط التكنولوجية والتعريف بالقوانين التي تجرم نشر صور الغير أو فيديوهات خاصة بهم دون موافقتهم. وأشارت إلى أنه ومن خلال حملة مناهضة العنف الرقمي، تعمل جمعيتها على مشاركة منشورات قانونية على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، مع إنتاج سلسلة تحسيسية بمخاطر العنف الرقمي على موقع يوتيوب. وإضافة إلى الاستماع إلى النساء بشكل مباشر، فقد أنشأت الجمعية تطبيقا الكترونيا (سطوب العنف الرقمي)، يمكن عبره للنساء التبليغ عن أي تهديد وابتزاز، يتعرضن له دون الحاجة إلى التنقل إلى مقر الجمعية، حيث يقدم لهن الدعم النفسي والتوجيه القانوني. القانون يتصدى للابتزاز والتشهير على المستوى القانوني، لم يشر المشرع المغربي إلا العنف الرقمي بشكل واضح ودقيق، كما لم يصنفه ضمن أنواع العنف الأربعة (الجسدي، الاقتصادي، الجنسي والنفسي)، إلا أنه تطرق لذلك بطريقة غير مباشرة في نصوص متفرقة من القانون المتعلق بالعنف ضد النساء. تقول زاهية عمومو، المحامية بهيئة الدارالبيضاء، إن القانون 103.13 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، يتضمن ثلاث نصوص تعاقب على أفعال العنف الرقمي منها الفصل 1-447 الذي يعاقب بالحبس من 6 شهور إلى ثلاث سنوات سجنا، كل من قام عمدا وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة صاحبها. وتضيف المحامية في تصريح ل"سكاي نيوز عربية" أن العقوبة ترتفع وفق الفصل 448 من قانون محاربة العنف ضد النساء، من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته أو دون الإشارة إلى كون هذه التركيبة مفبركة وغير حقيقة، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم. وقد ترتفع العقوبة السجنية وفق المتحدثة واستنادا إلى الفصل 3-448 إلى 5 سنوات، في حال ارتكبت الأفعال السابقة في حالة العود أو من طرف أحد الفروع أو الأصول أن الطليق أو الخاطب أو الزوج أو الكفيل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر. وترى المحامية أن "القانون يوفر من خلال هذه النصوص الزجرية، الحماية لكل من تتعرض للعنف الرقمي، بشرط الاحتفاظ بوسائل الإثبات، كصور شاركها الجاني على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض التشهير أو رسائل تهديد وصلتها من هاتفه أو من أي رقم آخر، حيث يمكن إجراء الخبرة التقنية للتأكد من صحتها ومن مصدرها، من طرف فرق متخصصة بهذا النوع من الجرائم".