خلال أيام شهر رمضان، تعيد جريدة طنجة 24 الإلكترونية، نشر أجزاء العمل الأدبي المتميز "صدى الذكريات - نشيد الفقد" ، للكاتب الطنجاوي بوسف شبعة حضري، على شكل حلقات. بعد حصولي على وسام يتيم من جهة الأب، تحول كل من حولي وخصوصا أمي إلى ما يشبه المصباح السحري الذي ينير لي درب الحياة. فما إن أنبس ببنت شفة، وأحيانا قبل أن أفعل ذلك، حتى أكون قد وجدت كل مطالبي شاخصة أمام عيني. أما إذا استعملت الدموع وسيلة للإلحاح في الطلب على الشيء فحدث ولا حرج. أذكر ذات يوم أني ألححت على الوالدة قبيل عيد الفطر أن تشتري لي ملابس العيد. وأبديت لها رغبتي في اقتناء حذاء رياضي ذات علامة تجارية شبيهة بنصل المنجل، كان قد ظهرت عل التو في السوق. في تلك الفترة من العمر كان انتعالك حذاء من هذا النوع يشعرك بنوع من الحظوة والأبهة بين أقرانك من الأطفال. وقد يخيل إليك بأنك لا تمشي على الأرض وإنما مرفوعا عنها. وبعد أخذ ورد في الكلام استسلمت الوالدة أمام إلحاحي وأعطتني مبلغا لشراء الحذاء. في طريقي لاقتناء ملابس العيد والحذاء الرياضي اعترض سبيلي اثنان من اللصوص. أسندوني إلى حائط وأخرج أحدهما شفرة من غمدها وكانت بحجم طولي تقريبا وكأنه سيهم بذبح خروف، وكان ذلك في ليلة القدر من أيام الله. طلب مني الاستسلام دون أدنى مقاومة أو صراخ لكي ينتشلاني على راحتهما. لم يكن لي من خيار إلا أن أستسلم للأمر الواقع وموافقتهما على خارطة الطريق تحت شرط عدم المساس بالسلامة البدنية. من شدة خوفهما، لم يستطعا فتح ربطة عقد الحذاء. كان الحذاء رياضيا من نوع رفيع أيضا، انتزعاه من رجلي كما يقتلع القصاب رجل ذبيحته وهي معلقة في الهواء يوم عيد الأضحى. بعد أن ظفرا بالغنيمة تفتحت شهيتهما أكثر فأكثر. وطلبا مني خلع قميصي الرياضي. فجأة ظهرت امرأة خيلت إليهما رجلا ضخما. فطارا على وجهيهما لا يلويان على شيء. ولولا الألطاف الخفية التي أرسلت تلك المرأة في صورة رجل ضخم لكنت عدت إلى البيت عاريا كما ولدتني أمي. فرغم كل الحرص الذي كان تبديه أمي علي خوفا من مثل هذه الحوادث لم أنج من بعض المطاردات. إلا أن أمي كانت تفعل المستحيل لتطوقني بحراستها الشديدة دون أن أعلم أنا بذلك. كانت أحيانا لا تضع مسافة بين المعقول واللامعقول لبسط رعايتها علي حتى لو ظننت أني بعيد عن أنظارها، مدفوعة بقوة الفطرة وغريزة الأمومة. كانت تقتفي أثري أحيانا منقبة وأحيانا أخرى في غيري جلبابها المعتاد. وكم من مرة فطنت بها وفطنت بي، وهي تتبع خطواتي متخفية في غير جلبابها. ومن باب حرصها علي، أذكر ذات يوم طلب مني أحد المقربين الذهاب مع أبنائه للتخييم، فطلبت منه أن يتوسط لي لدى الوالدة. رفع سماعة الهاتف وطلب منها السماح لي بالذهاب رفقة عائلته للتخييم. ومن ذكاء الوالدة وحرصها علي، كانت أن طلبت منه أن يتصنع بأنها موافقة على الذهاب معهم، في حين هو من يرفض، بدعوى أنني بين الفينة والأخرى أتبول في فراشي، لينقلب علي الرجل في رمش العين.