كتبتُ قبل شهرين على حائطي بالفيسبوك أن عبد الاله بنكيران لن يكون رئيسا للحكومة لعدة أسباب .. وكنتُ كتبتُ قبل ذلك وبُعيْد تعيينه رئيسا للحكومة للمرة الثانية أن الملك لا يريد بنكيران، وأن تعيينه إنما كان على مضض إذعانا ل"المنهجية الديموقراطية" وتشبّثا ب"روح الدستور"، تعكس هذا الصورة التي أرّخت للحدث، وتنطق به ملامحُ الملك بوضوح.. الآن ثمة حقيقة لا يختلف حولها إثنان: تعيين بنكيران كان مناورة من الحُكم فرضها فوزُ حزب العدالة والتنمية المفاجئ في الانتخابات رغم حملات السلطة في الإعلام والتضييقات على الميدان .. لكن لِمَ لا يريد المخزن زعيمَ "الحزب الاسلامي" رئيسا للحكومة؟ في رأيي تطّرد الدواعي والأسباب الرئيسية في ما يلي: - احتفاظ بنكيران بخطاب المعارضة، وعدم وضع رجليْه معا في مربع السلطة الضيق، واتخاذه لهجة احتجاجية أو متردّدة أو متحفّظة في بعض المواقف المطلوب فيها هو العكس، أي ركوب موجة السلطة بلا نقاش، والدفاع عن سياستها دفاعا كليا. فرغم أنه مَلَكي فهو يُعارض بعض توجهات السلطة وهي لا تريد ذلك، مثل واقعة قمع الأساتذة المتدربين، والعلاقة مع النظام الانقلابي في مصر ... - التلميح لفئة واسعة من الشعب المغربي بأن بنكيران أساء تدبير المرحلة، وأنه هو المسؤول الأول عن أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية النازلة إلى الحضيض، في التعليم والصحة والإدارة والقضاء وفي شتى المجالات. - تملصه من المسؤولية عندما لا يجد تبريرا لسياسة ما في تصريحاتٍ ظاهرُها الخضوع وباطنُها "لستُ أنا من يقرر ولست أنا المسؤول"، حفاظا على مستقبله ومستقبل حزبه السياسي، مثل عبارة "رئيس الدولة هو الملك" وتصريحات أخرى مشابهة .. بينما يريد النظام أن يظل راسخا في وعي الشعب أن الملك هو صاحبُ الفضل والخيرات والقرارات الكبرى النافعة، ويريد أن يقتصر دائما دورُ رئيسِ الحكومة وغيرِه على الدفاع عن القرارات الصعبة والاختيارات اللاشعبية للملك والنظام، وأن يتحمل مسؤوليتها وحده، ولا شيء غير ذلك. - النظام ليس من السذاجة بحيث يمنح الفرصة لبنكيران الإسلامي لكسب الشعبية على طبق من ذهب، بناء على رغبته (النظام) في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية المنذرة بالانفجار، والتنفيس عن الشعب في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، واستعداده لفتح صنابير المال الحاصل من مداخيل الفوسفاط ودعم إمارات الخليج الحليفة المناهضة للإسلاميين، وربما دول أخرى. - صعود نجم بنكيران، وظهوره بمظهر رجل الدولة القوي، التي تُزْري فصاحتُه وطلاقةُ لسانه بحالة "البُكم" المعروفة لدى الملك، وانتصاراته الدائمة في ساحة الجدل وميادين القرار والإعلام على الناطقين باسم أحزاب الإدارة ومؤسسات الدولة، وجُلّهم ضعيف "لا يكاد يُبين". - شخصية بنكيران بعينها وعفويته، وجرأته "الزائدة" على الملك التي يراها المخزن خدشا في صورة الملك الأزلية لدى الشعب مثل "قلت للملك" وقال لي الملك"، بالإضافة لسقطاته المتكررة إزاءه مثل "واخا ديني الحبس أنا معك"، التي تُضمر - والحديث هنا بموضوعية - أن الملك شخص لا يحتكم إلى المنطق والعدل في قراراته، بل الى المزاج والهوى، فقد يزج بأحدهم في السجن في أي لحظة. - مناورة من النظام لخلط أوراق حزب العدالة والتنمية المزعج رغم تنازلاته العديدة ورغم كل شيء، ومحاولة شق صفوفه سواء تشبثوا بعبد الإله بنكيران أم تخلوا عنه.