بقلم د. محمد بالدوان يبدو أن ما كان يريد الوزير عبد العزيز رباح وأده في حينه، صار اليوم مكشوفا للعيان، بالرغم من أن الكل وقتها رأى في موقف وزير النقل واللوجستيك بخصوص تصريح "المعطي منجيب"، دفاعا عن مستشار الملك علي الهمة وخطوة خطيرة في اتجاه التطبيع مع التحكم، ولم ينتبه أغلبية المراقبين إلى احتمال أن يمثل تصريح منجب لحظة سياسية بإمكان التحكم توظيفها لجر بنكيران ورفاقه إلى اصطدام بالملك بشكل مباشر أو غير مباشر. إن المتابع للخط السياسي لحزب العدالة والتنمية يدرك أن من ثوابته الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يثير الصدام وسوء التفاهم بين الحزب والمؤسسة الملكية. وقد ردد هذه القناعة زعماء الحزب، خاصة أمينه العام الحالي، ومفادها ألاَّ تغيير أو إصلاح يمكن أن يعرفه المغرب في ظل صدام بين القوى السياسية والمؤسسة الملكية، مستدلين على ذلك بنكبات تاريخ المغرب المعاصر. وبالرغم من ذلك، فإمكانات التحكم كما يبدو تتجاوز الأدبيات والقناعات والإرادات والقرارات والثوابت، ألِفَتْ مذ أن وُجدت أن تفعل ما تريد بمن تريد وإن كان لا يريد! بعد الخرجة الإعلامية للمؤرخ المعطي منجب، والتي قال فيها "الهمة يمثل للجمهور قفاز السلطة وبنكيران الكبرياء الشعبي"، صرح عبد العزيز رباح بِرد في منتصف يوليوز 2016 واصفا أمثال من يدلي بهذه الخرجات ب"المنظرين للفتنة، وليس للثقة والتوافق بن الدولة وحزبه"، كما أكد ذلك في تدوينة عبر الفايس قائلا: "هناك من يكره النموذج المغربي ويتمنى إشعال الفتيل والصدام بين الدولة والشعب ليغلق القوس الديموقراطي التنموي الذي فتح الأمل أمام المغاربة ونال احترام العالم." بل تساءل من خلال لقاء جماهيري أطره بمدينة وجدة في العشر الأواخر من رمضان قائلا: "بالأمس بنكيران عميل للمخزن واليوم بنكيران كبرياء الشعب! ما الذي تغير؟!. طبعا إن الذي تغير هو ما نتابعه من تطورات متلاحقة بعد تصريح "منجب". كانت الخطوة الموالية الاستغلال الإعلامي لغياب رئيس الحكومة عن أشغال افتتاح المؤتمر المتوسطي للمناخ "ميدكوب 22" بمدينة طنجة المنظم تحت رعاية ملكية سامية، والذي عرف حضورا للأمير مولاي رشيد. ثم استغلال غيابه عن الجلسة الافتتاحية للدورة الثامنة للمجلس الوطني للبيئة المنعقد بالرباط، والذي نظم برعاية ملكية، وعرف حضور وزيرة البيئة حكيمة الحيطي. وإذا رجعنا إلى أواخر شهر يونيو، نتمكن من رصد أقوى خرجة إعلامية لرئيس الحكومة، إذ كانت أول مرة يتحدث فيها بنكيران عن وجود دولتين واحدة يرأسها الملك والأخرى لا يدري من أين تستمد قراراتها، ويبدو أن خرجته غير المسبوقة كانت إشارة سياسية قوية فهم منها المتحكمون بأن ما سيأتي أسوأ على رموز التحكم والفساد في البلاد، فدفعتهم إلى مزيد من الضغط والتصعيد. والخطوة الأخيرة كانت بتوظيف مجلة جون أفريك "الذراع الإعلامية لفرنسا الاستعمارية" لتسميم الأجواء بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وإيهام النخب السياسية والاقتصادية ثم الجماهير بأن المراهنة على ولاية ثانية لبنكيران باتت حلما مستحيلا، موظِّفة في دعايتها الإيحاء عبر عنوان محترف: "بنكيران رئيس حكومة مع وقف التنفيذ". طبعا ستنجح دعاية المتحكمين مع كل من لا زال مرتابا في أن الدولة التي يرأسها الملك محمد السادس قطعت بعزم وصدق وبلا تردد، بعد الربيع وبعد تنصيب بنكيران، مع الأساليب اللاديمقراطية في إدارة الحكم. للتذكير فقط، ليس ما يجري من مناورات جديدا على مشهدنا السياسي مذ تولي بنكيران رئاسة الحكومة، فقد رَصَدْتُ جل هذه المناورات في كتابي "الربيع الديمقراطي: من القرن 19م إلى انعطافة ق21م"، وقد أبان رئيس الدولة عن حنكة منقطعة النظير في تجاوزها، كما تصرف رئيس الحكومة حيالها بثبات واتزان مَكَّناهُ من تحقيق انتصارات متواصلة. وبناء عليه، أقول لمن يخشى النكوص ولمن يريد الرجوع إلى مغرب بائد على حد سواء، اطمئن لن ينتصر يوم 7 أكتوبر غير المغرب الجديد؛ مغرب الربيع، ولن يفوز بالانتخابات إلا الحزب الذي يملك جاهزية تنظيمية وأعضاء يعشقون النضال، وبحوزته إنجازات وصلت إلى عمق الشعب المغربي.