في صورة تبين عن مفارقة، يبدو الاستقرار السياسي بالمغرب مرتبطاً بتعيين أول رئيس حكومة ذي مرجعية إسلامية، هو عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وذلكَ في أعقاب الانتخابات التشريعية المبكرة التي تم تنظيمها شهر نوفمبر من العام الماضي. لمرة هي الأولى من نوعها، لطالما شُكِّكَ في أمرها وتم العمل على عرقلتها، غير أن بنكيران لم يتخذ أي قرار ملموس في سبيل تحسين وضع المغاربة الأكثر فقرا. والأدهى مما ذكر، أن رئيس الحكومة أعلن عبر التلفزيون اتخاذه قراراً يقضي برفع سعر الوقود لأجل إعادة بناء الشفافية الاقتصادية، بعدما ترددت السلطة لأكثر من عشرة أعوام في القيام بذلك، سيما حكومة سابقه عباس الفاسي، الذي لم يقم طيلة ولايته الحكومية سوى مؤتمراً صحفياً وحيدا، ولم يتوقف عن ترديد "قال لي جلالة الملك". لقد حصل الإسلاميون على ما أخفقت المعارضة العلمانية في فرضه، وذلك ببلوغ ملكية دستورية بالشكل الذي يرغب فيه الأمريكيون بعدما بدت شرطاً لبقاء النظام واستمراريته حسب ما يؤكده مسؤول كبير في المغرب. ومن ثمة يكون أمام الإسلاميين المتوافقين مع الملكية، بخلاف إسلاميي جماعة العدل والإحسان "المحظورة" ، أن يقوموا بتطوير ثقافة حكومية تحذو حذو حزب العدالة والتنمية في تركيا. والضحية في كل ما ذكر هي البورجوازية، التي تحس اليوم أن المخزن قد تخلى عنها، رغم أنها صوتت على الإسلاميين في الانتخابات التشريعية. وذلك راجعٌ إلى إرادة للتجديد والانشغال بمحاربة الفساد. لكن السؤال الذي يطرح نفسهُ في هذا المقام " ألم يرضَ الملك محمد السادس يوماً عن البورجوازية الكبيرة، بعدما كان الحسن الثاني يمقتها خلال السبعينات بسبب دعمها للمعارضة الاشتراكية؟ من الوارد أن يعطي العاهل محمد السادس، الضوءَ الأخضر لتطهير يستهدف "متاجري النظام" وهم كثر، وقد دفع الثمنَ عددٌ من الأبرياء البارزين لقاء استرعاء نظر الشعب بعدما تم تقديهم كأكباش فداء. مثل الرئيس السابق لشركة الملاحة البحرية الوطنية (كوماناف) والمدير السابق للمكتب الوطني للمطارات. وهي طريقة لصرف النظر عن تفاقم الوضع الاقتصادي، الذي من شأنه أن يفرز احتقاناً اجتماعياً يغدو المراقبون معه أقل تفاؤلاً في رؤيتهم للمستقبل، فالمغرب هو البلد الوحيد في شمال إفريقيا، الذي تعرض لهجمات انتحارية تعكس يأس شعب غير راضٍ على صناع القرار، يقول أحد المقربين من المخزن.