ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الصين تندد بالرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    تبادل الضرب والجرح بالشارع العام يوقف ستة أشخاص بالدار البيضاء    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الأحد بالمغرب    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في قلب حقول الكيف بشمال المغرب
نشر في طنجة 24 يوم 29 - 05 - 2011

حقول استثنيت من الإتلاف وساكنة تعيش وقع أوضاع اجتماعية هشة!
قبل عام ونصف انطلقت شرارة الاحتجاجات بإقليم باب برد،كان ذلك عندما نظم ساكنة المنطقة مسيرة احتجاجية في الشوارع ، في تحد واستنكار للحملة التي قادها آنذاك عامل الإقليم ضد حقول وبيوت مزارعي الكيف، واعتقد الجميع أن تلك الحملة هي المحرك الوحيد للاحتجاج الشعبي بإقليم باب برد.
كانت هناك في زيارة خاصة للمناطق التي تحتوي حقول الكيف، ونقلت ما يشير إلى أن الأوضاع الاجتماعية السيئة لمزارعي النبتة "العجيبة" على وجه الخصوص، و التي يعانيها فلاحوا وساكنة المنطقة، ومناطق أخرى بكتامة، لا تزال على حالها، وهي التي حركت من قبل شرارة الغضب، وستحركها ما لم تجد طريقها للحل السريع مستقبلا.
في الطريق إلى هناك
بداية الرحلة كانت زيارة العديد من المناطق التابعة لإقليم العرائش، وهو الإقليم الذي عاش فصولا عديدة من فصول عمليات محاربة زراعة"القنب الهندي" في أواخر التسعينات، كانت الوجهة الأولى لزيارتنا دواوير متفرقة قريبة من منطقة مولاي عبد السلام، التي و رغم أن جملة من الفلاحين قد امتنعوا فيها عن طيب خاطر عن زراعة هذه النبتة بأراضيهم لسنوات عديدة، إلا أن أطرافا أخرى بالمنطقة عادوا إليها عندما لاحظوا أنهم لم يتوصلوا بأي شيء تكريسا لما تم التصريح به علانيا فيما يصطلح عليه بالزراعة البديلة.
الوصول إلى قرى بني يحيى والرحبة ويودا واحدادين... يتطلب من الزائر قدرا كبيرا من الصبر ، دواوير متفرقة يصعب الوصول إليها بالسيارة، لا طرق ولا مياه صالحة للشرب ، عيون وأبار لا تعرف النضوب،لكن لا تعرف في المقابل أية مراقبة صحية، جماعات من الدواوير تعيش أوضاعا اجتماعية واقتصادية هشة، أطفال غادروا المدارس في سن مبكرة ، ونساء يعانين الأمرين صحيا واجتماعيا، فرغم أن الجماعة القروية القلة التي بدأنا زيارتنا الأولى إليها، لاتبعد عن مدينة العرائش سوى بكيلومترات قليلة وعن مركز مولاي عبد السلام كذلك، فإنه يخيل لك أنك تطوي الكيلومترات بدون فائدة، بفعل المنعرجات الخطيرة، ورداءة الطريق إن لم نقل انعدامها، وهي الوحيدة التي أنشئها بعض المحسنين من ساكنة المنطقة، كانت الأمور صعبة لنا لتحديد المخاطب ،لم يكن قصدنا الدخول في حوار مباشر مع أي شخص لا يريد الحديث عن أمور سرية تخص عملية زراعة الحشيش التي لا تزال ساكنة بني يحيى تقتات منها بالإضافة إلى سكان الجبيلة التابعة لقيادة القلة، تفهمنا الأمر جيدا لكن وبمجهودات كبيرة استطعنا إقناع العديد من شباب المنطقة بضرورة نقل الصورة الحقيقية لحجم المعانات التي لا تزال تؤرق بال القاطنين عبر الإعلام ، إلى الرأي العام الوطني خصوصا بعد منع زراعة الكيف باعتبار أن منطقة العرائش قد أصبحت من المناطق التي وكما قيل وصلت فيها عملية محاربة الزراعة إلى نهايتها.
عيون تراقب...
اتجهنا مباشرة إلى مناطق تحيط بدواوير بني يحيى، كان الولوج إليها صعب بفعل مشاق الطريق ، فغياب البنية التحتية المهمة كانت التحدي الأول الذي لا يزال يؤرق بال السكان هناك، وهو التحدي الذي ألزمنا على خوض بقية المسيرة للوصول إلى ابعد نقطة ، سيرا على الأقدام لمدة ساعتين تقريبا ، كانت مجدية للغاية، حيث اكتشفنا العديد من الحقول المنتشرة هنا وهناك والتي بدت فيها زراعة الكيف تاخد مكانها الأصلي الذي كانت تنبت فيه من قبل، كانت عيون الفلاحين وبعض المارة تراقب وجودنا من بعيد، بالعين المجردة وحتى باستعمال آلة المنظار، سألنا مرافقنا لما عادت زراعة الكيف إلى هذه المناطق؟ فأجابنا بنوع من الهدوء المشوب بالحذر، خوفا من ذكر الأسماء، على أن الساكنة بالإقليم وبهذه المناطق وكما ترون ، تعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا وزراعة الزيتون لم تعطي أكلها نهائيا، كما أن باقي الزراعات البديلة التي يمكن لها أن تغطي حاجيات السكان المعيشية هي بدورها لم تعرف طريقها إلى النجاح، كل هذه الدواوير والمناطق التابعة للإقليم العرائش الذي يقال على انه"إقليم خالي من القنب الهندي"، وهو اللقب الذي أحرزه هذا الإقليم، عقب الحملة الواسعة، التي بوشرت منذ سنة 2005 للقضاء على هذه الزراعة حسب العديد من التقارير الدولية والوطنية التي أشارت انه بعد القيام بعمليات تحسيسية واسعة همت المزارعين بهذه الجماعات ذات الطابع الجبلي، لثنيهم عن العودة إلى زراعة الكيف، وتشير بعض المصادر إلى أن الحملة الواسعة لاجتثاث حقول القنب الهندي، من بعض المناطق المنتشرة بجبال بني عروس مثلا خلال فترة شهر يونيو من كل السنة، وهي فترة نضج وقطف محصول نبتة القنب الهندي، مكنت من التدمير الكلي لحقول هذه النبتة، والتي بلغت مساحتها أزيد من 5 آلاف هكتار، وقال المصدر للجريدة ،انه بالنسبة إلى الموسم الفلاحي الحالي، فقد شهد العودة إلى زراعة مساحة صغيرة قريبة من مساكن الفلاحين، و قد لا تتعدى 10 في المائة فقط، من مجموع المساحات، التي جرى تدميرها خلال السنوات المنصرمة،وأغلبية هذه الزراعة تجري بعيدا عن عيون السلطات المحلية، وفي أماكن صعبة الوصول، وفوق أراض تقع بين تضاريس هذه المنطقة الجبلية الوعرة والصعبة الولوج.
وشكايات تتعدد...
في قرية بدوار بني يحيى التابعة لجماعة القلة، يقول السكان "لم نزرع الكيف هذا العام والعام الماضي أتت السلطات وأتلفته قبل أن ينمو ويعطي على الأقل بذوره لزراعته مجددا". ويضيف احمد وهو احد السكان "الآن يصعب علينا أكثر من السابق زراعته، لأننا لا نتوفر على البذور ثم إن السلطات تهددنا بالسجن إذا قررنا زراعته مجددا،كانت هذه إشارات قوية من لدن بعض من التقيناهم في الطريق، الإشارة مفادها أن سكان المنطقة لا يريدون الحديث بجدية عن عودتهم لزراعة الكيف، وكانت أجوبة البعض تتمحور حول تقديم شكايات تخص غياب البنية التحتية بمناطقهم، غير ذلك لا تنظر جوابا يذكر.
انعدام المرافق العمومية والخدمات الأساسية، مدخل هام تناوله جميع السكان البلدة والمناطق التي وصلنا إليها ، وهو ما دفع بالعديد منهم لمنحنا فرصة الحديث عن غياب ابسط الحاجيات من ماء وكهرباء ومدارس وغيرها، عن أي تنمية يتحدثون؟؟؟ يقول احد السكان الذي رفض ذكر اسمه ، وقال في تحد صارم ومفاجئ... أنا فعلا ازرع الكيف لكن فقط من اجل ضمان القوت اليومي لأسرتي ، في الماضي كنا نجني بعض من الأرباح التي تكفينا لمدة سنة، لكن اليوم وأمام إصرار السلطات على محاربة هذه الزراعة لم يتبق لنا سوى العيش على تربية المواشي وبعض الزراعات الأخرى التي تذر علينا القليل والقليل من الأرباح.
من قيادة القلة إلى مناطق "لخماس" وصولا لباب تازة وفي الطريق التي سلكناها نحو إقليم باب برد لغاية عاصمة الحشيش بامتياز منطقة اكتامة، كانت أولى الانطباعات التي لدينا أن سكان هذه المناطق يعيشون وضعا اجتماعيا متميزا مقارنة بما كنا ولا يزال البعض يعتقد عن كون سكان المناطق التي تنتج الحشيش هم أغنياء.
واقع الحال يعكس هذه الفكرة تماما، سألنا احد المسئولين الجماعيين بالمنطقة عن السبب، فأجاب أن الأمر مرده أساسا إلى العديد من الأمور المتعلقة بغياب الإعلام النزيه الذي سينقل معانات سكان المنطقة ومزارعو الكيف حسب قوله، فلا القناة الأولى ولا القناة الثانية استطاعت سبر أغوار هذه المناطق الجبلية لتنقل للعالم ولباقي المواطنين المغاربة تردي الأوضاع الاجتماعية لسكان المنطقة الذين وللأسف لا يزال البعض يحمل فكرة سيئة عنهم، الكل قد يقول إن هؤلاء أغنياء جدا ، لكن العكس هو الذي يحصل فكما ترون- وهو يشير إلى بعض الدواوير المنتشرة بهذه المناطق الجبلية - فلا اثر لمدرسة نموذجية ولا اثر لشبكة الكهرباء التي تعرف وان وجدت في بعض المناطق انقطاعات متكررة، ولا اثر لأي برامج خدمة لشباب المنطقة، ولا اثر لأية مشاريع تدخل في إطار التنمية البشرية.
بعض السكان لجا في قيادة القلة وببعض المناطق القريبة من خميس بني عروس إلى زراعة حقول صغيرة بالقرب من مقرات سكنهم بالكيف، استطاعوا ذلك بعد أن دفعوا رشاوى إلى بعض المقدمين والى بعض أفراد السلطات،كما تناهى إلى علمنا، أما آخرون فاكتشفنا أن نصيبهم وحضهم من الزراعة الكيف لم يتوفر، بالنظر إلى أنهم يعيشون حياة بسيطة وتدمروا كثيرا من جهود السلطات بالمنطقة في محاربة الزراعة،وبحسب مجموعة من الشهادات التي صادفتنا هناك، فتكاد تجمع على أنها عانت الأمرين من طرف بعض أعوان السلطة، في حين يتم التغاضي عن أنشطة بعض الفلاحين الآخرين، وتلك الشهادات التي استقتها وعاينتها"مغرب اليوم" تؤكد أن أكبر عدد من المبحوث عنهم غيابيا وبشكايات كيدية هم من السكان الذين ودعوا زراعة الكيف منذ مدد طويلة وهو ما يطرح أكثر من سؤال؟؟؟
باب برد بعد عام
بعد يوم تقريبا، انتقلنا من المناطق التابعة لإقليم العرائش والتي لا تزال تعرف هي الأخرى زراعة وان بشكل متقطع للكيف ، انتقلت المجلة إلى سبر أغوار مناطق أخرى عديدة تنتشر بإقليم باب برد لا تقل معانات عن سابقتها، الخلاصة الوحيدة هي أن هذه المناطق لا تزال مشاكلها التنموية تطفو على السطح وفلاحوا الإقليم البسطاء ما فتئوا يرددون على أن زراعة الكيف ستستمر في غياب أية حلول هامة.
لقد عانت سلطات إقليم باب برد- حسب ما سجلناه من لدن مسئولين جمعويين- العديد من الصعوبات الكثيرة في تطبيق البرنامج الوطني لاجتثاث زراعة "النبتة المحرمة"، فالمنطقة وعلى غرار باقي المناطق الشمالية عانى سكانها وقاطني المناطق الجبلية بها بالخصوص من مظاهر التهميش والحرمان والبؤس لعقود خلت، ولم تستطع السلطات المحلية منحهم الضمانة الأساسية في تطوير قدراتهم الشرائية عبر توفير العديد من الحلول الجدرية لتمنية فلاحتهم ومنتوجاتهم الزراعية عوضا عن الكيف.
لقد وجد سكان المنطقة ضالتهم الكبرى وملاذهم الأخير بعد تجارب مريرة أفقدتهم كسب قوتهم السنوي كما يقول بعض السكان في شهاداتهم ل "مغرب اليوم" في زراعة الكيف على الأقل ما لم تتوفر لحد الساعة أية وسائل بديلة وحتى لضمان الحد الأدنى من العيش، والحلول الترقيعية- يقول مستشار جماعي محلي- كان يجب أن تسبقها مقاربة تنموية واقتصادية وإنسانية محضة، عبر خلق بدائل لهاته النبتة المحرمة، وذلك عبر وضع إستراتيجية تصب في خانة الدفاع عن الموسم الفلاحي لفلاحي المنطقة قبل الانتقال إلى المراحل الأخرى من تطبيق البرنامج العام للإصلاح الشمولي الذي بواسطته قد تعرف مناطق بإقليم باب برد طريقا نحو زوال الكيف.
باب برد التي تنتمي إلى قبائل بني خالد، تعتبر ثاني منطقة في زراعة وإنتاج القنب الهندي بالمغرب بعد منطقة كتامة، تقطنها حوالي55 ألف نسمة، أزيد من90 في المائة منهم يمتهنون هاته الزراعة، عاشت فصول العديد من الاحتجاجات المطالبة بضرورة وضع حد لتعسفات السلطات المحلية التي عمدت ولا تزال إلى محاولة تقوية جبهة الدفاع عن منع الكيف في ضل غياب بديل واضح، لقد شكلت المسيرة التي نفذت يوم الأحد 11 ابريل من السنة الماضية منعرجا كبيرا لدى سكان المنطقة التي تحاول فرض مشاكلها الجوهرية على السلطات المحلية والوطنية ، واستطاعت أن توفر لنفسها فرصة الدفاع عن مكتسباتها الفلاحية التي يعتبر الكيف من بين أهدافه ما لم تتضح الرؤية المستقبلية لهؤلاء الفلاحين الذين عانوا وعاشوا أوضاعا صعبة في حياتهم الفلاحية بتلك المناطق الجبلية.
ثورة وغضب
عاصفة باب برد خلال السنة الماضية كما يحب البعض تسميتها، استطاعت على الأقل تقول الشهادات التي استقيناها من هناك استطاعت أن تؤثر إيجابا على ضمان بعض مطالب السكان وان كانت تبدو إلى ابعد حد جد جد ضئيلة ، فما لامسناه في رحلتنا الصعبة، يشير إلى أن فلاحي المنطقة وخصوصا هذه السنة عانوا الأمرين في مواصلة زراعة الكيف، وهو ما يشكل حسب العديد من المصادر فورة بركان غضب جديدة ما لم توضح الرؤيا، فزراعة الكيف،بدت بدورها تفقد بريقها وصداها، بعد أن وصلت بذور الكيف إلى أعلى مستوياتها في الاثمنة، بالإضافة إلى ارتفاع اثمنة أخرى تخص الأسمدة والمواد الكيماوية المستعملة، كما أشار عدد من الفلاحين ل"مغرب اليوم"، انتقلنا مسيرة ساعة ونصف سيرا على الأقدام إلى مناطق جبلية وعرة، تتبعنا حقول هذه الزراعة الموسمية، فاكتشفنا أن البعض من السكان عمدوا دون معرفة السبب، إلى تغيير زراعة الكيف بغرس أشجار الزيتون، بالإضافة إلى انتشار بعض المزروعات الأخرى، السبب يقول احد الفلاحين، يعود بالأساس إلى ما عاناه الفلاحون البسطاء خلال الموسم الفلاحي المنصرم، لقد فقدوا كل الأرباح التي كان يوفرها الكيف، وأصبحوا يفكرون في زراعة بديلة، لم يتبق في الحقيقة سوى القليل والقليل من الفلاحين الذين لا يزالوا يواصلون زراعة الكيف، فأمام ارتفاع اثمنة البذور والأسمدة، وارتفاع اجور اليد العاملة فقد تخلى البعض من متابعة هذه الزراعة، والواضح أن الأمر سيكون أصعب خلال السنوات القادمة، إنها معركة العودة أو اللاعودة إلى زراعة الكيف بباب برد وبمناطق أخرى وصولا نحو عاصمة هذه الزراعة كتامة، وفي هذا السياق قال احد المزارعين " إلى وقت سابق مثلا كنت أبيع محصول القنب وأربح ما يناهز خمسة إلى سبعة ملايين سنتيم في العام ، وتكفيني على الأقل لمشوار سنة ونصف، ومنها أوفر مصاريف أكل ولباس الأولاد، لكن اليوم الأمر يبدو لي صعبا في الحديث عن مثل هذه الأرقام، فحتى فلاحوا منطقة اكتامة القريبة منا لا يستطيعون الوصول إلى هذه الأرقام ويبق المستفيد الوحيد هم مهربوا الحشيش نحو الضفة الأخرى".
لا تزال مناطق عديدة إلى اليوم بباب برد تعيش وضعا اجتماعيا واقتصاديا كارثيا ، الشيء الذي قد يشكل برميل بارود قد ينفجر في أية لحظة، ويصعب التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع التي يعانيها السكان ما لم توفر السلطات المحلية كافة الوسائل التي قد تنقذ على الأقل شباب المنطقة من براثن البطالة، فلا اثر لبرامج تنموية شاملة، ولا اثر لأية مشاريع ذات الدخل المحدود تنصب مثلا في خانة الاهتمام بنساء المنطقة، ولا حتى وسائل تشجيع ومبادرات إنشاء مقاولات صغيرة تبدو في الأفق، نضرات إلى المستقبل القريب تبدو رهينة ما ستقدمه السلطات لأبناء المنطقة الذين كانوا يعيشون حلم الصعود نحو تحقيق التنمية بمناطقهم، العديد من الشبان وكما قال -احد ساكنة المنطقة- فضل الهجرة نحو الضفة الأخرى أو على الأقل نحو مدن طنجة وتطوان من اجل البحث عن بديل مؤقت لزراعة الكيف.
بعد مرور أكثر من عام على أحداث باب برد لم يتوصل سكان المنطقة وسلطات الإقليم إلى أية حلول تذكر ، ولقد انعكس ذلك سلبا على نضرة البعض منهم نحو ما ستكون عليه الأيام القادمة التي بدا فيها الكيف ينمو ويصل إلى موعد جني محاصيله ولا شك كما يقول الفلاحون بالمنطقة أن أي محاولة من السلطات لتدمير هذه المحاصيل ستكون عواقبها وخيمة ما لم تتماشى وطموحات السكان في ترك الأمور عليها إلى حين الوصول إلى أهداف محددة، لاسيما يضيف احد الفلاحين وان أي عملية محاربة جديدة ستنطلق في الشهر يونيو القادم ستكون الشرارة الأولى لحدوث ما لا يحمد عقباه،خصوصا وان البعض من المزارعين أصبحوا بدون دخل خلال العام الماضي و دون سابق إنذار يعيلون به دويهم. كما أن الكثير منهم أحجموا عن إرسال أطفالهم هذه السنة إلى المدارس لعدم تمكنهم من توفير متطلبات الدراسة، و بذلك أصاب المنطقة على حين غرة شلل تام على جميع المستويات، باعتبار أن زراعة الكيف (الحشيش) كان المصدر الرئيسي و الحيوي للدخل للأغلبية الساحقة لساكنة المنطقة.
لقد غرق فلاحوا العديد من الدواوير المنتشرة بإقليم باب برد في مشكل سداد بعض الديون، لأنه جرت العادة أن يقترضوا ما يدبرون به أمورهم طول السنة ليكون الأداء مع بيع المحصول، لكن هذه السنة لا محصول و بالتالي لا دخل و عدم القدرة على أداء الديون التي على عاتقهم، وفي هذا الصدد قال احد الجمعويين فضل عدم ذكر اسمه، إنها حقائق مرة وكارثية، فقد أصبحت الوضعية مأسوية بامتياز، وكان من الممكن تفاديها،ولهذا يجب القيام بترتيب الأمور من لدن السلطات المحلية لتوفير ولو القليل من التعويضات لهؤلاء الفلاحين البسطاء، في السابق وكما يعلم الجميع كانت زراعة هكتار واحد بالحشيش تدر على صاحبها ما يناهز 3 ملايين سنتيم تقريبا، في حين أن الهكتار المخصص للقمح لن يدر أكثر من 9000درهم كل عام، و من المعلوم كذلك أن زراعة الحشيش تشكل مصدر دخل و عيش ليس للفلاح وحده و لكن كذلك كانت تشكل دخلا إضافيا أكيدا ، للعديد من اسر اليد العاملة التي تعمل بالمنطقة وتنتمي إلى مناطق بني ملال وفاس ومكناس وحتى من وجدة.
صورة قاتمة
الصورة قاتمة إلى اليوم ولا تزال في العديد من المناطق التي زرنها بدءا من مناطق متفرقة بإقليم العرائش ووصولا إلى مناطق أخرى بإقليم باب برد الذي عاش قبل عام ونصف مشاكل عديدة ارتبطت أساسا بزراعة المعيل الوحيد للأسر ولفلاحي المنطقة... انه "الكيف ".والى اليوم ومع تواصل إهمال المسئولين لها وبالأخص من خلال إيجاد وخلق برامج تنموية هامة، يقول المصدر ذاته، ستتواصل المطالب الاجتماعية لسكان المنطقة وهو الأمر الذي قد ينذر بحدوث تحد سريع للسلطات المحلية أن أرادت بدورها المضي قدما نحو تعميق جراح هؤلاء الفلاحين وذلك باجتثاث الأراضي المزروعة بالكيف خلال الأيام القليلة القادمة، لقد أظهرت الزيارة التي قامت بها "مغرب اليوم" مدى تأثير غياب برامج تنموية وغياب البنيات التحتية بالمنطقة على السكان الذين فضل البعض منهم سلك طرق أخرى لكسب قوت عامهم عن طرق الهجرة. فالأسر ذات الإمكانيات المادية تفضل الإقامة في مدن كبيرة، عوض البقاء في بلدة تغيب فيها أدنى ضروريات الحياة.
والأكيد أن الرسالة الواضحة التي وجهها سكان وفلاحو ومزارعو الكيف بالمناطق التي زارنها، تغني عن أي نقاش حسب احد المسئولين الجماعيين، الجميع ينادي بضرورة تفادي كل ما يمكنه خلق بؤرة لمشاكل لا حل له في القريب العاجل، فاليوم لن تنفع الملاحقات ولا التحرشات ، المستمرة لبعض رجال السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.