عندما نظم مواطنون في باب برد مسيرة احتجاجية في الشوارع قبل أسبوعين، اعتقد الجميع أن الحملة التي قادها عامل الإقليم ضد حقول وبيوت مزارعي «الكيف» هي المحرك الوحيد للاحتجاج الشعبي. والحال أن إقليم شفشاون، ومنطقة باب برد على وجه الخصوص، يعاني منذ عشرات السنين من مشاكل اقتصادية واجتماعية مزمنة عجز المجلس البلدي الذي يتوارثه منذ ثلاثين سنة الأشخاص والعائلات نفسها عن حلها. وما لا تعرفه السلطة المركزية في الرباط هو أنه في باب برد يستحسن أن يكون الإنسان جرذا أو «ناموسة» لا شابا، لأن الميزانية التي تخصصها البلدية للجرذان والناموس تصل إلى 30 ألف درهم فيما ميزانية الرياضة المخصصة للشباب لا تتعدى 10 آلاف درهم، وقد كانت في السابق محددة في 6 آلاف درهم فقط. سيقول رئيس المجلس البلدي إن عائدات الضريبة على المؤسسات الخاصة في المدينة لا تساوي شيئا. وفي هذه معه حق، فالفنادق معفاة من الضرائب بقرار مكتوب من طرف المجلس. لكن ما لن يستطيع رئيس المجلس الاعتراف به هو أن ثلاثة من المنتخبين الذين يمثلون السكان في المجلس البلدي لديهم فنادق في المنطقة، بمعنى أن المستفيد الأول من هذا الإعفاء هم ممثلو السكان من أصحاب الفنادق، والمتضرر هو صندوق البلدية الذي يعيش من عائدات الضرائب. أما عائدات الذبائح في المسلخ العمومي، والتي تستفيد منها البلدية، فلا تتعدى ثمانية دراهم. في باب برد يغرق المواطنون بسبب الأمطار في الشتاء، ويموتون من العطش في الصيف. في باب برد ينقطع الكهرباء بشكل شبه يومي، إلى الحد الذي لم يعد معه ممكنا عد الثلاجات والتلفزيونات والمعدات الكهربائية التي أصيبت بالعطب بسبب هذه الانقطاعات المتكررة للتيار. وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من انقطاع التيار الكهربائي عن البيوت والمحلات، فإن معاناة أخرى يعانيها المواطنون مع الأسلاك الكهربائية المكشوفة في الشوارع. وقد فقد أحد الشبان قبل سنوات قليلة القدرة على استعمال يده مدى الحياة بسبب سلك كهربائي عشوائي. ويبدو أنه في باب برد ليست الأسلاك الكهربائية وحدها العشوائية، بل حتى فواتير استهلاك الكهرباء عشوائية. فكل الفواتير التي يتوصل بها المستهلكون مبنية على الخيال الخصب لموظفي المكتب الوطني للكهرباء. وبسبب هذا «التشيار» في أرقام الفواتير، أصبح المواطنون في باب برد ينتظرون بتوجس ورعب فواتير المكتب الوطني للكهرباء التي تعمل بقاعدة «نتا وزهرك». بعض موظفي البلدية انقطعوا عن الحضور منذ سنوات، وهناك وثائق إدارية موقعة على بياض من طرف أحدهم يكفي فقط ملؤها عند الضرورة، نتوفر على نسخة منها. بعض الموظفين تحولوا إلى أشباح، دون اهتمام بالمواطنين الذين يقطعون ثلاثين كيلومترا من «البيست» ويواجهون ثلاثة «باراجات» للدرك الملكي، «كل باراج وثمانو» من أجل إنجاز وثيقة إدارية بسيطة. كل هذا والسكرتير العام للبلدية غائب منذ خمس سنوات، ووحده نائبه الأول يتكفل بتوقيع الوثائق في حانوته المجاور لمحطة «الكيران» و«الطاكسيات»، فيما يستفيد أبناء مستشارين آخرين من رخص «الدكاكين» ضدا على بنود الميثاق الجماعي الذي يمنع على الفروع، أي أبناء المستشارين، الاستفادة من رخص البلدية. مشكلة الوظائف البلدية في باب برد ليست قلتها بل وفرتها، لكن رغم هذه الوفرة تبقى هذه المناصب شاغرة، وحتى الذين يتم توظيفهم لا يستفيدون من الترسيم، كحالة ذلك الشاب الحاصل على شهادة «الديازا» والذي استطاع أن يلتقي الملك وحصل فيه على توصية بالتوظيف في البلدية. فانتهى، رغم الأمر الملكي، سكرتيرا بسيطا غير مرسم. واضح أن بعض ممثلي السكان في المجلس البلدي لباب برد ليس لديهم الوقت للانشغال بمصالح المواطنين، فأغلبهم لديهم مصالحهم الخاصة التي تأخذ منهم كل وقتهم. ومن أجل حماية مصالحهم، فإنهم يفعلون كل ما بوسعهم لكي يعطلوا عمل تقنيي مراقبة البناء التابعين للبلدية، ويعرقلوا خروجهم لمراقبة البنايات الجديدة التي تنبت في أرجاء الإقليم. وهكذا، فرسميا ليست هناك بنايات جديدة في جماعة باب برد. وإذا كان تقنيو مراقبة البناء لا يشتغلون، فإن طبيب البلدية غير موجود أصلا، مثلما هو مفقود محافظ الأملاك العمومية. وهذا ما شجع بعض أعضاء المجلس على استغلال هذا الفراغ. وهكذا، فإنك تستطيع أن تجد في باب برد ثلاث أراض مخصصة رسميا لثلاثة أسواق، فيما على أرض الواقع ليس هناك أي سوق في باب برد. والسبب هو أن رئيس المجلس البلدي أعطى موافقته على بدء بناء السوق فوق أرض ليست في ملكية المجلس، والمحكمة أعطت الحق لصاحب الأرض. وهكذا ضاعت ملايين كثيرة بددها المجلس في بناء سوق فوق أرض متنازع عليها. في باب برد حتى الحافلة التي تبرعت بها الحكومة الفرنسية على تلاميذ المنطقة توجد، منذ ستة أشهر، مركونة في موقف سيارات البلدية، فيما يدفع آباء وأولياء التلاميذ ثروة كل شهر على سيارات الأجرة. ولهذا السبب توقف كثير من تلاميذ الإعدادي والثانوي عن الذهاب إلى أقسام الدرس خلال فصل الشتاء بسبب الثلج والبرد، وخصوصا الفتيات. والمصيبة في باب برد أن المسؤولين عندما يريدون إصلاح شيء ما فإنهم ينتهون بتعوير العين له، وأكبر مثال على ذلك الإصلاحات التي يباشرها «طاشرون» بناء في مدرسة بدوار «العناصر»، والذي جمع «دوزان» البناء وكدسه في أحد أقسام المدرسة وأغلقه في وجوه التلاميذ حارما إياهم من فصل دراسي هم في أمس الحاجة إليه. سمعنا عن انهيار المنازل والمباني والمساجد في مدن كثيرة خلال أشهر فصل الشتاء الماضي، وما رافق ذلك من زيارات لمسؤولين رسميين. لكن أحدا لم ينته إلى علمه أن خمسين منزلا انهارت خلال الفترة نفسها في دواوير وقرى «أجولجم»، «العناصر» بإقليم باب برد وشفشاون. ورغم ذلك لم نسمع خبر هذه الانهيارات في نشرات أخبار التلفزيونات الرسمية ولا رأينا عامل شفشاون أو رئيس بلدية باب برد يزور هؤلاء القرويين المنكوبين ويستمع إلى شكاواهم، بل الذي حدث هو أن قائد المنطقة أعطى أوامره بتدمير «البراريك» التي بناها المنكوبون لإيواء أطفالهم من قسوة البرد بعد تدمير الفيضان بيوتهم الطينية وفي الوقت الذي كانت فيه السلطة المحلية تدمر «براريك» الفلاحين، كان عامل شفشاون السي عسيلة ينظم في إقامته دوريا للكرة الحديدية. في باب برد حتى السد الذي تم تشييده والذي كان يمد 10 آلاف مواطن بالماء، وكان بحيرة سياحية لتربية سمك «لاترويت»، أصبح مهملا اليوم منذ انهياره سنة 2005 بسبب انعدام الصيانة. وعوض إعادة تشييد هذا السد، فسح المجلس البلدي المجال لمقاول سوري مطرود من الأندلس، متخصص في حفر الآبار، لكي يحفر الآبار للمزارعين بدون رخص قانونية، علما بأن حفر الآبار في المغرب نشاط يضبطه القانون حرصا على الفرشة المائية. كل هذه المشاكل المتراكمة منذ ثلاثين سنة فجرتها امرأة شجاعة من دوار «بوروح» بإقليم باب برد، عندما رفضت السماح لرجال الدرك والسلطة باقتحام منزلها بحجة البحث عن أفراد عائلتها المبحوث عنهم بسبب تعاطيهم لزراعة «الكيف». وهكذا، تحول رفض هذه المزارعة الصلبة السماح لممثلي السلطة باقتحام منزلها، خوفا على ممتلكاتها وحليها ومجوهراتها التي تختفي بمجرد ما يقتحم هؤلاء بيوت الناس، إلى الشرارة التي ستتحول إلى فورة غضب انتهت بخروج سكان الدوار والدواوير المجاورة في مسيرة احتجاجية مطالبة بوقف حملة «التتريك» الذي باشرتها السلطة والتي تذكر سكان المنطقة بأيام الاستعمار السوداء عندما كانت قوات الأخير تقتحم البيوت وتستولي على الممتلكات بحجة البحث عن المقاومين. ما يحدث في منطقة باب برد، وإقليم شفشاون بوجه عام، يطرح سؤالا ملحا على وزير المالية صلاح الدين مزوار، الذي هو في الوقت نفسه الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، كما يطرح سؤالا مهما على عباس الفاسي، الوزير الأول والأمين العام لحزب الاستقلال، واللذين باسمهما يتم تسيير المجلس البلدي لباب برد. هل سعادة الوزيرين متفقان مع الطريقة الكارثية التي يسير بها أعضاء في حزبيهما المجلس البلدي لمنطقة على فوهة بركان؟ ربما فيما قبل لم يكونا على علم بما يحدث باسم حزبيهما هناك، اليوم ها هما يعرفان، فماذا هما فاعلان يا ترى لإيقاف زحف النار نحو برميل البارود؟