تعتبر دواوير الدالية والحومة وواد الرمل من أكثر المناطق تضررا من المشاريع الكبرى المرتطبة بالمركب المينائي طنجة المتوسط ، وذلك بالنظر لضخامة حيز المساحة المقتطعة من هذه المناطق لفائدة المشروع، وبسبب القرب أيضا من موقع المشروع الذي لا زال يعرف توسعا مطردا ، بعد أن أتى على مجمل الأراضي المطلة على البحر المتصلة بشاطئ واد الرمل ووادي غلالة الذي شكل أرضية لميناء الحاويات على مساحات شاسعة شملت كل المناطاق المبنية الآهلة بالسكان، والتي أقيمت عليها المرافق التابعة للميناء بعد تنفيذ سلسلة من القرارات الخاصة بنزع الملكية التي شرع في تنفيذها بالقوة ابتداء من سنة 2002 ، دون أن يتم توفير أي بديل للساكنة من أجل ضمان استقرارها وحقها في العيش الكريم، باستثناء التعويض الهزيل الذي رصد لهذه العملية دون الخضوع لضوابط موضوعية وشفافة، بدليد العدد الهائل للطعون والإستئنافات المقدمة من طرف المتضررين ، والتي لا زالت مستمرة من أجل المطالبة بالإنصاف، ولقد ظل المئات من السكان يطالبون منذ ذلك التاريخ بأبسط الحلول والمعالجات من أجل التغلب على الظروف الضاغطة التي دفعت بالكثير منهم إلى الهجرة والتشرد ومغادرة المنطقة في اتجاه المدن المجاورة .. وحول هذا السناريو يمكن الوقف على تفاصيل المشهد الذي تعيشه هذه المناطق مؤخرا ، بعد حلول موعد تنفيذ قرار الهدم الذي سيطال عددا من المباني في حي الدالية من أجل توسيع الطريق الرئيسي (طنجة ،الفنيدق) ، وهو الإجراء الذي سيعقبه تنفيذ قرارات مماثلة تشمل ما تبقى من الدور والمباني في حي واد الرمل، وربما مناطق أخرى في الجوار ، وذلك أنه لا يوجد في الأفق ما يوحي برغبة الجهات المسؤولة في إيجاد حل لاستيعاب هذا المشكل بشكل يرضي السكان ويمنعهم من التشرد، فلقد كان للسكان مطالب تتعلق بمساعدتهم على الاستقرار في أراضي الجموع التي تفوق مساحتها 300 هكتارا ، ضمن مشروع سكني يتم إنجازه من طرف الجهات المسؤولة عن المشروع ، والإبقاء على تواجدهم في مواقعهم، وهو المقترح الذي لا زال قيد الدرس حسب إدلاء السلطات، ويعلق السكان آمالا على هذا الاختيار باعتباره الحل الأنسب الذي سيمكنهم من الاستقرار، ومزاولة مهامهم وأنشطتهم المعاشية التي لا يجدون لها بديلا( كالصيد، والتجارة، والفلاحة ). وكان المطلب الذي ساهمت الرابطة في طرحه من أجل التخفيف من المشكل، هو اللجوء إلى صيغة إعادة الهيكلة بالنسبة لبعض التجمعات السكنية المتبقية في حدود الممكن، إن كان الأمر لا يمس المصالح الخاصة للميناء، وقد تم تقبل الفكرة في أول الأمر سنة 2009 وأسند المقترح إلى مكتب للدراسات من أجل إعداد مخطط وتحديد المواقع القابلة لإعادة الهيكلة وتوطين السكان بدلا من تهجيرهم، ولكن تبين فيما بعد حرص الجهات المعنية على التخلص من أي وجود للسكان بالمنطقة تحت ذرائع متعددة. وفي الوقت الذي يتعلل المسؤولون بتبعية العقار المقترح للمحمية الطبيعية (جبل موسى) ، يرى السكان أن إيجاد المشروع السكني هو الحل الأنسب الذي لا يشكل أي تهديد للمحمية ، بحكم محدودية عددهم من جهة، وتواجد عدة دواوير وتجمعات سكنية موزعة داخل النفوذ الترابي للمحمية ذاتها ابتداء من( واد المرسى، والدشيشة، وبليونش، والبيوت .). وهم يرون في المقابل ضرورة إدماجهم في المشروع المينائي بشكل مباشر باعتبارهم مكونا إنسانيا هو أحق بالصيانة والحفظ. ومن أجل التدليل على الحيف الذي لحق سكان هذه الأحياء الثلاثة، والحرمان الذي تعرضوا له منذ وضع الحجر الأساسي للمشروع المينائي، يمكن الوقوف على مجموعة من المؤشرات الدالة على ذلك: - طمر أزيد من 10 آبار خاصة بالمياه الجوفية كان يتزود منها السكان منذ عدة عقود ، وتعويضها بسقاية واحدة متمركزة بواد الرمل ، وهي بعيدة عن السكان كما لا تغطي كل الحاجيات الضرورية ، مما يفرض على الساكنة جلب الماء بواسطة الصهاريج المكتراة من نقط بعيدة (كالقصر الصغير، والسد، والدشيشة) بتكلفة غالية تقدر ب120 درهما للصهريج الذي لا يغطي احتياج أكثر من يومين أو ثلاثة . - نزع الأراضي بشراهة من السكان والتغلغل وسط المناطق الجبلية البعيدة عن الميناء حيث تتوفر أراضي الجموع والخواص. - ترحيل أزيد من 270 أسرة من حي الحومة وواد الرمل بموجب قرار نزع الملكية الذي أنهى علاقتهم بالأرض وبالمنطقة ككل. - قيام الشركة بتحركات عشوائية خارج نطاق القانون، منها إجراء قياس الأراضي والدخول في تفاوض مع الملاكين من أجل القبول بالتعويض والتسريع بانطلاق الأشغال المعطلة . - افتقار منطقة الحومة (الجبلية ) إلى طريق معبد صالح للاستعمال ، فكل ما يتوفر لديها هو مسلك يمر بمنحدر صعب يتسبب في وقوع الانزلاقات وخصوصا في موسم الأمطار ، وهو الطريق الذي أنشئ بصفة مؤقتة عند انطلاق أشغال تغيير خريطة الطرق المتصلة بالميناء . - عسكرة المنطقة من أجل ترهيب السكان كلما أرادوا المطالبة بحقوقهم المشروعة وإسماع صوتهم .. - تنفيذ الأحكام المتعلقة بالإفراغ بواسطة القوة العمومية في ظروف غير ملائمة (كنزول الأمطار ). - افتقار المنطقة إلى عدد من المرافق التي كانت تتمتع بها سابقا ، والتي تم القضاء عليها في إطار المشروع القائم ومنها (الطرق، الآبار ، و3 ملاعب رياضية ، ومقابر ، ومسجد، ومدرسة.. .) - مشكل تدبير النفايات بسبب عدم وجود مطارح منظمة . - غياب شبكة التطهير التي تحل محلها الحفر الاصطناعية ، مما يساهم في حدوث التسربات الباطنية، وتدفق مياه الواد الحار على المباني والمسالك، ثم انتشار الروائح والتعفنات.. - صعوبات إجراء التحفيظ، حيث لا زال السكان يعانون من الضغوطات بهدف حرمانهم من هذا الحق، بدعوى أن كل الأراضي ستخضع لقرار نزع الملكية في المستقبل ، علما أنه لم يصدر أي مرسوم في هذا الصدد . قبول العديد من السكان بالتراضي على القيم الهزيلة الممنوحة لهم كتعويض تحت التهديد وتحت تأثير الحرب النفسية . - عدم استجابة المسؤولين لطلبات السكان المتعلقة بإصلاح الطرق، ومد قنطرة بأحد المعابر بحي الحومة لحماية السكان من الأخطار ، وبناء محطة للاستراحة على الطريق العمومي ، وتوفير الماء الشروب .. - اضطرار السكان لوقف كل أنشطتهم الاقتصادية (من زراعة ، وتجارة، ورعي ، وتربية المواشي ..) والاستسلام للبطالة واليأس . ومن المشاكل العويصة التي يشكو منها السكان، صعوبة التزود بالماء الشروب، حيث يضطرون لجلب الماء من مناطق بعيد بواسطة الصهاريج المكلفة، أو الاعتماد على مياه السد غير المعالجة ، وذلك في الوقت الذي وفر فيه القائمون على المشروع لأنفسهم مياها عذبة يتم جلبها بواسطة المضخات انطلاقا من مراح الدبان، حيث تمر القنوات على مقربة من السكان دون أن يتمكنوا من الاستفادة منها، ونفس الأمر ينطبق على قنوات الشبكة العمومية القادمة من سد 9 أبريل التي تمر وسط حي الحومة. بل حتى السقاية الوحيدة التي وضعت في أسفل الحي لم يتم تشغيلها إلى الآن بعد أن لجأ المسؤولون إلى ربطها بعداد من أجل إلزام السكان بالأداء، ولهذه الغاية تمت محاولة إسناد عملية الإشراف عليها إلى جمعية الحي التي رفضت ذلك العرض الذي لا يستجيب لمطالب السكان. وحول موضوع التشغيل الذي يعد من أخطر المشاكل وأشدها تأثيرا على حياة السكان واستقرارهم، يذكر السكان أنه عندما أعطيت الانطلاقة للمشروع المينائي سنة 2003 تم الإعلان بمناسبة الزيارة الملكية للمنطقة أن نسبة 75 %من اليد العاملة ستكون من نصيب أبناء المنطقة، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع، وذلك في الوقت الذي تشهد المنطقة تحولا ديمغرافيا بعد أن تجاوز عدد الوافدين المقيمين الذين يتم إدماجهم في المشروع نسبة 30/ من عدد السكان ، علما أنهم في معظمهم من نفس الصنف الذي لا يحسن القراءة والكتابة، كما لا يتوفرون على مؤهلات تمنحهم حق الأسبقية على السكان الأصليين بالمنطقة. ولا زال هذا الموضوع يثير الكثير من الجدل وسط الرأي العام ، حيث لا تمر مناسبة دون أن يتم عرض المشكل على طاولة المسؤولين الذين يكتفون بتقديم الوعود تلو الوعود. وعن هذا الموضوع يقول السيد محمد الشعيري رئيس جمعية حي الحومة، أنه بعد تأسيس هذه الجمعية سنة 2009 عقد لقاء مع ممثلي مؤسسة طنجة المتوسط ، خصص لعرض الحصيلة الخاصة ببرنامج محو الأمية والتربية غير النظامية ، واتضح أن الحصيلة غير مرضية و لا مشجعة، حيث لم تتجاوز النتيجة نسبة 20/ مما كان منتظرا منها ، وذلك في الوقت الذي ادعى فيه مسؤولو المؤسسة أن عدد المستفيدين من دروس محو الأمية بحي الحومة يقدر ب50 شخصا، وهو رقم لا وجود له على أرض الواقع ، لأن آخرما سجل من عدد المستفيدين خلال المرحلة الأخيرة هو 10 أفراد ، لم ينجح منهم أحد عند خضوعهم للاختبار .. وحينما طالب السكان بحق العمل، قيل لهم إن المؤسسة لا علاقة لها بالشغل ، وأن دورها ينحصر في تقديم خدمات تتعلق بالصحة والتعليم والتكوين ، فاحتج السكان وقالوا لا حاجة لنا في هذه الأمور الثانوية مقارنة بحق الشغل والسكن الذي يعد من الأولويات في الوقت الراهن، وأن تعليم الأبناء وتكوينهم بجب أن يرتكز على هذا المعطى بالدرجة الأولى . ولما طالبت المؤسسة بضرورة توفر مؤهلات (الأهلية ، التكوين،) كان جواب السكان هو أن قافلة التكوين المهني قد استفاد منها 10 من أبناء الحي دون أن يتم تشغيل أحد منهم رغم ترددهم المستمر على مقر وكالة طنجة المتوسط بمدينة طنجة، والتي ظلت في كل مرة تحيلهم على الشركات التي كانت تقوم بالتخلص منهم . ولما تم تجديد طلباتهم قيل لهم بأنهم لا يتوفرون على اللغة الفرنسية. وفي نفس السياق تم تذكير المؤسسة بأن سكان المنطقة يتوفرون على بعض المؤهلات، حيث يوجد أزيد من 10 أفراد يتقنون اللغة الإسبانية، كما أن 95% من الذكور البالغين سن العمل يتوفرون على رخص الصيد البحري التقليدي، وهو ما يعني توفرهم على ثقافة البحر ومهارات تسمح لهم بالعمل في الميناء. وللعلم فإن هذا القطاع الذي كان يتمركز بواد الرمل وواد اغلالة، قد تلقى ضربة قاضية بعد إحداث الميناء المتوسطي، إذ تم نقل فعالياته إلى شاطئ الدالية، كما تم القضاء على الأماكن التي كانت مخصصة للصيد بعد أن تحولت إلى ممر لعبور السفن بباب الميناء ، وهي الآن من المناطق الممنوعة لما تشكله من خطر على قوارب الصيد التي تتعرض لحوادث الغرق من حين لآخر (وجود 3 حالات). وفي صدد البحث عن حل، قامت الجمعية بجمع أسماء الراغبين في العمل حيث أعدت لائحة تضم 180 من الطلبات التي تخص دوار الحومة وحده ، وقدمت القائمة إلى القائد، واتفق على الجلوس مع ممثلي (طيمسا)، وحدد الموعد الذي شهد غياب الأطراف المعنية باستثناء القائد وممثل المجلس القروي. وعقب ذلك قرر السكان تنظيم وقفة احتجاجية ، فطلبت السلطة تأجل الوقفة لبضعة أيام من أجل البحث عن حل، ووعدت بأنه سيتم تشغيل الراغبين بالتدرج. وصدر الأمر عن العمالة من أجل النزول إلى مقر الجماعة لتقديم الطلبات بصفة شخصية من الراغبين في العمل، فأخذت المؤسسة تفرض شروطها التعجيزية، وكان مما أخبر به السكان، أنه يتوفر عمل خاص بنقل البضائع بالميناء سيستوعب 120 من العاملين ، فطالبنا بتشغيل الباقي في البحر بحكم تمرس السكان على النشاط البحري (كالسباحة والصيد) لكن ذلك الطلب قوبل بالرفض في الوقت الذي استمر تشغيل الوافدين من خارج المنطقة للقيام بأعمال بسيطة لا تحتاج إلى أدنى المؤهلات ( نظافة ، حراسة ، بستنة ، حمل البضائع ..) والمؤسف أنه لم يتم تشغيل أحد من الأعداد المقدمة إلى المسؤولين ، ولم يتم الوفاء بالوعود إلى الآن . أما الموضوع الآخر الذي تحاول مؤسسة طنجة المتوسط أن تجعل منه واجهة براقة لمحو الذنوب وتجميل الصورة على صعيد عمالة الفحص أنجرة، وأمام أعين الرأي العام ، فهو ملف التعليم، فلقد انصب اهتمام المؤسسة على المناطق البعيدة عن الميناء والأقل تضررا من تأثيراته ( مدرسة الزرارع، مدرسة البيوت،مدرسة الرمان...) ، حيث أنشأت بها مؤسسات وساهمت في خلق مشاريع اجتماعية بشراكة مع المجتمع المدني من أجل التغلب على المشاكل القائمة، لكن بالرجوع إلى الدواوير الثلاثة المذكورة ، نجد أنها لم تستفد من شيئ في هذا المجال، بل ضرب عليها الحصار من أجل استكمال مخطط تهجير الساكنة بكل الوسائل، فرغم مرور قرابة ثمان سنوات على انطلاق أشغال المشروع، لم تعمل المؤسسة على الالتفات إلى الخصاص الذي تعانيه المنطقة، حيث يقول السيد محمد الشعيري (لقد قامت طيمسا ببناء مدرسة في حي الحومة مكونة من 6 حجرات ومسكن إداري لكن دون توفير الماء والطريق ، فضلا عن بعد المدرسة عن السكان بما يقرب من 1 كيلوميتر ونصف، وعن الطريق الرئيسي ب 500 متر ، بالإضافة إلى عدم توفر الطريق. هو ما جعل الاباء يرفضون إلحاق أبنائهم بتلك المدرسة بسبب تلك المشاكل. ولذلك اقتصر دورها على تقديم دروس التربية غير النظامية في الوقت الذي ظل التلاميذ يدرسون في بناية مؤجرة يتواجد بها أزيد من 250 من التلاميذ يتم تدريسهم داخل ممرات أقيمت وسط مستودع، الأمر الذي يتسبب في وقوع مشاكل، وعرقلة عملية التعلم بسبب غياب النوافذ، وانتشار الضجيج واختلاط الأصوات، وذلك منذ سنة 2007 نفس الأمر ينطبق على مدرسة واد الرمل, وعلى مدرسة الدالية البعيدة عن السكان، والتي تعاني من التهميش والإهمال المتعمد ، فرغم طول عمرها ، نجد أنها لا تتوفر على الطريق ولا الماء ، كما أن بناءها يتداعى للسقوط بسبب الإهمال وانعدام الصيانة ، وهو ما يعني بالنسبة لأهل المنطقة أن الجهات المسؤولة تحكم على أبنائهم بالتجهيل ، وتعاقبهم بجريرة آبائهم وأجدادهم الذين استوطنوا هذه المنطقة وحموها بدمائهم وأرواحهم. وحول هذا الموضوع يذكر السيد محمد الشعيري أن مكتب الجمعية تمكن من تخطي بعض الصعاب رغم العراقيل التي وضعت في طريقه، حيث تمكن من إيجاد بديل جزئي بهدف تقديم الدعم التربوي والتعليمي لأبناء المنطقة ، بعيدا عن دعم تلك الجهات التي تتعامل بتمييز واضح بين الجمعيات، فبفضل تدخل المحسنين المتطوعين تم توفير مساحة أرضية تقدر بأزيد من 3 آلاف متر من أجل بناء مدرسة خاصة بالتعليم الأولي والتربية النظامية ، والتي أصبحت في منطلق تجربتها تتوفر على قسم خاص بالتعليم الأولي يضم 32 تلميذا وأقسام لمحو الأمية يستفيد نها 125 من الرجال والنساء، كما تضم قسما لتعليم القرآن لفائدة أزيد من 60 تلميذا من تلاميذ الطور الابتدائي ، وإلى جانب ذلك تقدم الجمعية درسا دينيا كل أسبوع بتنسيق مع المجلس العلمي لفائدة رجال ونساء المنطقة، كما سبق لها تنظيم قافلة طبية قادمة من فاس استفاد منها أزيد من 180 شخصا من السكان . عن المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين