مدينة سيدي سليمان مدينة حديثة العهد. ويرجع تاريخ نشأتها إلى زمن الحماية نظرا لأهمية محيطها من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية والبشرية. تعتبر عاصمة قبائل بني احسن في مرحلة ما بعد الحماية بعدما كان مركز دار الكداري يلعب هذا الدور ما قبل الحماية بفضل قوة نخبه وعلى الخصوص عائلة الكدادرة التي كانت على رأس قبيلة المختار بقوادها الأقوياء في تلك المرحلة حيث امتدت سلطتهم في تلك الفترة ما بين الحدود مع قبائل الشراردة (بومعيز الحالية)، والحدود مع الغرب المحدودة بواد سبو، إلى مدينة سلا. وكان يطلق على القائد محمد الكداري قائد القواد ، حيث كانت له الصلاحية المطلقة لمنح صفة القائد لبعض الشخصيات من قبائل اتحاد بني أحسن والتي يراها ملائمة لمنطقه وتستجيب لشروطه . مباشرة بعد بداية حديثنا مع القيدوم أمجاد والذي يعد من أقدم التقنيين بمدينة سيدي سليمان حيث اشتغل مع سلطة الحماية منذ 1940 في مديرية الفلاحة والتجارة والغابات، مصلحة الاستثمار والهندسة القروية، أفادنا بأنه بعد توقيع عقد الحماية، دخلت فرنسا إلى منطقة الغرب بسهولة حيث أنشأت ثكنات عسكرية بها في كل من ميناء اليوطي بمدينة اليوطي أي مدينة القنيطرة حاليا، وفي دار بلعامري ( تبعد عن سيدي سليمان بعشرة كيلومترات)، وفي باتيجان (petit Jean) أي سيدي قاسم حاليا. ومباشرة بعد إكمال الإقامة العسكرية، بدأ الخبراء والمهندسون العسكريون في انجاز المسح الطوبوغرافي لناحية دار بلعامري التي اختيرت في البداية كمجال لاستقرار الفرنسيين المعمرين (colons) . فإلى جانب الثكنات العسكرية، تم نصب خيام عديدة للجندية الفرنسية وتم بناء إقامة كبيرة للحاكم الجهوي حيث تم اختيار موقع الإقامة العسكرية في أعلى هضبة بالمنطقة بجانب واد بهت لمراقبة كل الدواوير المجاورة: النعاعسة، أولاد بوجنون، ازهانة، أولاد ملوك، والخنافشة، وأولاد احميد، والطيسان، والحامة. وبعد إتمام هذه المهام الأمنية والدراسات الاجتماعية والطبوغرافية والجغرافية، بدأت فرنسا ورش تجهيز المنطقة لتسهيل استغلالها حيث استثمرت منذ البداية في انجاز خط للسكك الحديدية يربط بين القنيطرة ومينائها ومدينة مكناس مرورا بدار بلعامري. سيدي سليمان : النشأة والتطور بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، تم إنشاء السكك الحديدية سنة 1920 بين الدارالبيضاء وفاس، وبناء الطريق الرئيسة الرابطة بين المدينتين السالفتي الذكر. وكان على رأس القوات العسكرية والوجود الفرنسي في المنطقة الرهيب هونري بريو (Henry Prio) الذي أنشأ أول ضيعة فلاحية كبيرة على أراضي خصبة بجوار النهر وشاسعة تجاوزت مساحتها مئات الهكتارات قرب الولي الصالح سيدي سليمان (الضيعة يسميها اليوم سكان مدينة سيدي سليمان بضيعة «بريو» أو ضيعة التازي نسبة إلى الشخص الذي تمكن من تمليكها لفائدته). وبعد إتمام إنجاز هذه التجهيزات الحيوية، تولدت عند هذا الرهيب إنشاء قرية استعمارية سماها سيدي سليمان، نسبة للولي الصالح سيدي سليمان على شكل مركز استعماري. وتحول بذلك اهتمام الفرنسيين من دار بلعامري إلى سيدي سليمان. وبعد دخول الفكرة حيز التنفيذ، أطلق اسمه على أحد أهم شوارع المدينة حيث نصب به لوحة كبيرة كتب عليها «شارع هونري بريو مؤسس سيدي سليمان» (شارع المقاومة حاليا). وبعد هذه المبادرة، تم تعميم تسمية الشوارع بأسماء شخصيات فرنسية وازنة أو أحداث مهمة تتعلق بالتاريح الحديث لفرنسا كشارع الجمهورية (شارع محمد الخامس حاليا)، وشارع فرانسوا بيكار (شارع الحسن الثاني حاليا)، وشارع الماريشال اليوطي (شارع الأممالمتحدة حاليا)، وشارع باستور (احتفظ بنفس الاسم إلى يومنا هذا)، وشارع الجينرال منجان (Mangin) (شارع الأمن حاليا)، وشارع الرئيس لامان (شارع الملعب حاليا)، وشارع الرئيس دومير. وشيدت بعد ذلك إقامة المعمر قرب البريد حاليا وكذا كنيسة كبيرة تعتزم عمالة سيدي سليمان بتعاون مع المجلس البلدي ، تحويلها إلى مركز ثقافي وفضاء للجمعيات حسب تصريح عامل الإقليم. وبعد نجاح المستعمر في خلق مركزين للإقامة في المنطقة (دار بلعامري وسيدي سليمان)، أعطيت الانطلاقة لتنفيذ مخطط شبيه بمخطط مارشال خاص بالغرب وخاصة المحيط المباشر للمدينة، حيث أشرف على إنجازه هونري بريو المعروف بلحيته الطويلة آنذاك. ويتعلق الأمر بعصرنة الفلاحة وتحويل الاستغلال التقليدي للأراضي إلى ضيعات عصرية تشرف عليها شركات فرنسية كبيرة ممولة من طرف الأبناك الفرنسية. أما بداخل المدينة، فقد أسست شركات تجارية في المجال الفلاحي. وبعد نضخ أشجار الحوامض والكروم وبدأ الإنتاج بمختلف ألوانه سنة 1932، شيدت مصانع لتلفيف وتسويق المنتوج وتصديره إلى الخارج . وفي مجال البحث العلمي الفلاحي، قام المستعمر بإنشاء ضيعة نموذجية للتجارب الفلاحية والزراعية المسقية والبورية بتجهيزات عصرية (في المكان الحالي الذي يتكون من تراب معمل السكر SUNAB الذي أغلق مؤخرا بعد خوصصته وشرائه من طرف شركة كوزيمار، وتراب مطحنة الفلاح ومصنع الكومة اللذان تملكهما إحدى العائلات السوسية التي استفادت من تفويت هذه الأرض لفائدتها)، حيث تحولت إلى مشتل للتجارب تحت إشراف علماء وخبراء فرنسيين في الزراعة والفلاحة والبيطرة (يقطنون بعين المكان). وفي سنة 1926، أعطيت الانطلاقة لبناء سد القنصرة على واد بهت من طرف شركة سويسرية وانتهت الأشغال سنة 1934 . وفي بداية 1932، أعطيت الإنطلاقة لأشغال تشييد الساقية الرئيسية للسقي ( الساقية الكبيرة كما يسميها السكان) الممتدة على مسافة 40 كلم من بهب السنور ابتداء من الحدود بين زمور وبني احسن إلى منطقة الحريشة قرب سيدي قاسم لتصب في واد تهلي ( مشروع السقي الكبير). وموازاة مع انطلاق أشغال هذه الساقية الكبرى، بوشرت الأعمال لإنجاز السواقي الثانوية والثلاثية والقنوات الباطنية لتوزيع المياه لسقي 150 ألف هكتار (الدائرة المسقية لواد بهت). وبعد هذه الإنجازات المنظمة في المجال وفي الزمن والمضبوطة من الناحية التقنية والواضحة من حيث الأهداف، أصبحت المدينة مدينة خضراء محاطة بالأراضي المسقية ذات الجودة الكبيرة حيث امتدت القنوات لتشمل بعض الحدائق في وسط المدينة. وموازاة مع المجهودات الكبيرة في مجالي السقي الكبير والصناعة التحويلية الفلاحية على الخصوص، أعطت سلطة الحماية اهتماما بالغا لتوسيع الوعاء العقاري الفلاحي من خلال استصلاح الأراضي الفلاحية وتجفيف «المرجات» المائية التي تغطي مساحات شاسعة في منطقة الغرب والتي نذكر منها مرجة لجواد، ومرجة لكلاب، والمرجة الكبيرة، ومرجة للايطو، والمرجة الزرقاء، ومرجة قابات. وتوجت هذه المبادرة ببلورة مخطط سماه السيد أمجاد ب»الفرعوني» لتجفيف «المرجات» واستصلاح أراضيها وتجهيزها، تلته انطلاقة للأشغال بوتيرة جد سريعة بدءا بحفر قنوات التجفيف والتي نذكر منها قناة لكلاب، وقناة الوحاد، وقناة البطحة، وقناة الهيدي، وقناة بهت سبو، وقناة اردم السفلى، وقناة تهلي، وقناة الحامة، وقناة بويدر، وقناة تيفلت سبو، وقناة لابوكا، وقناة الفكرون، وقناة مادر، وقناة مضى، وقناة مارقتن، وقناة سمكات،... إضافة إلى العشرات من القنوات الثانوية التي تربط بين أراضي «المرجات» وهذه القنوات الكبيرة ( لقد أشرنا في ملف سابق حول الفيضانات في الغرب إلى الوضع الحالي لهذه القنوات المملوءة بالأوحال حيث لم تخضع للصيانة منذ سنين). وأكد لنا أمجاد أنه تابع هذه الأشغال الكبرى التي شقت وسط الأراضي المجففة وديانا كبيرة باستعمال آخر الإختراعات التكنولوجية آنذاك (الآلات والمعدات) كالجرافات الكبيرة «دراكلاين». وبعد إنجاز هذه القنوات، تم تجهيزها بالقناطر والخنادق والمسالك، ناهيك عن استصدار قانون لحماية هذه التجهيزات وصيانتها ( الظهير الشريف بتاريخ 01 غشت 1925)، تلته مجموعة من القوانين والمراسيم التطبيقية في مجال الماء، ومجال تفويت استغلال الماء، وتحديد المجال العمومي المائي، والحقوق المائية الخاصة، والماء الصالح للشرب، والمياه المعدنية، والمياه الجوفية، والمياه الحضرية، وأجراف الوديان، وأسرة الأنهار، وشرطة الماء، والاعتراف بحق الماء، وأداء واجبات استغلال الماء، وسرقة الماء، والمناطق المحمية،...الخ. كما تم الاهتمام بحماية صحة المواطنين من خلال إجراءات تقنية بيئية تتعلق بمحاربة «الناموس» من خلال إتلاف أعشاشه وبيضه التي كان يضعها في ضفاف «المرجات» و»الضايات» والأنهار. وكإجراءات مصاحبة لحماية السكان من قسوة الطبيعة، تم تنظيم عمليات دورية لمحاربة الأعشاب الضارة والتي تحوي أعشاش الحشرات ك»البردي»، و»السمار»،... وإزالة الأوحال، ورش البترول «المازوط» على المياه الراكدة، وتسميم نقط الماء بواسطة الحوت الصغير، وتوزيع «لاكنين»، و»الجير»، و»جافيل» على السكان. وحسب مجموعة من الشهادات، لقد تحولت سيدي سليمان في زمن قياسي إلى منطقة خضراء بمياهها الصافية، وبنهرها الصافي الغني بالثروة السمكية الذي تحول إلى فضاء للتسلية والسباحة وممارسة هواية الصيد. كما عاشت المدينة اكتفاء ذاتيا في مجالات عرض الخضر والفواكه والسكر والبواكر والحوامض.... كما خلقت هذه الاستثمارات الكبيرة عرضا للشغل يفوق الطلب بكثير مما أبرز الحاجة إلى جلب العمال من مناطق أخرى ( الهجرة من القرى المحيطة بالمدينة ومن المدن الأخرى المجاورة والمناطق الأخرى للعمل في الحقول والضيعات)، بينما اختص الوافدون من قبائل الريف في مجال حراسة المنتوج الفلاحي قبل جنيه أو ما يسمى ب»الغلة» (التكلف بما يسمى بالعامية «بالعسة») ، والوافدون من القبائل الصحراوية في حفر الآبار . وهكذا تحولت منطقة سيدي سليمان إلى جنان ومساحات خضراء بمردودية كبيرة في مجالي الفلاحة والصناعة وتربية الماشية... ونظرا لهذا الازدهار عرفت المدينة إقبالا كبيرا حيث استقطبت أهل سوس (تجارة المهارة)، وبعض العائلات الفاسية (برادة، بلامين، بنعبد الله، ومامول،...) بأموالهم وعائلاتهم. ونتيجة للتطور الفلاحي والصناعي بالمنطقة، أنجزت سلطة الحماية مخططا للتنمية كانت الغاية منه ضمان الاستغلال العقلاني للثروة المائية الهائلة التي تزخر بها المنطقة، وتحويله إلى دعامة أساسية لتحويل الغرب إلى إحدى المناطق الغنية فلاحيا وصناعيا في إفريقيا الشمالية. وتضمن هذا المخطط في شقه الصناعي خلق مجموعة من الوحدات الصناعية التي دعت الحاجة إلى برمجتها على المستوى القريب والمتوسط والتي نذكر منها: محطات للتجفيف والتلفيف وتصدير الفواكه والخضر، معمل لصناعة الكلأ المصنوع من بقايا الشمندر وقصب السكر والفواكه والخضر، ومعمل لصناعة «المربا» وتعليب الفواكه والخضر، وتوفير الحاويات العصرية الكبرى لتخزين الحبوب والأرز، ومعمل لتجفيف أوراق التبغ، ومعمل الزيوت والتصفية، وتوسيع معمل السكر، ومعمل للحليب ومشتقاته، ومحطة كبيرة للتبريد. عندماتحولت المدينة إلى حاضرة للنوم لن نطيل كثيرا في هذه الفقرة. لقد عبرت التراكمات عن فشل ذريع في التدبير العمومي والسياسي للمدينة ونواحيها إلى درجة أصبحت فيها السياسة ، في الماضي ، مرتبطة بالفساد المالي وشراء الذمم. فالمسؤولية التدبيرية لم تخضع للمعرفة العلمية والإختيار السياسي المسؤول للنخب المحلية لصيانة التراكمات والزيادة من وتيرة الإنجازات التنموية تحت شعاري الوطنية والاستقلال، بل تحول المدار الحضري إلى سوق تباع وتشترى فيه الذمم في واضحة النهار، وإذا استثنينا الفترات الأولى الحماسية والمغمرة بالروح الوطنية في فجر الاستقلال والتي كان عنوانها البارز إعطاء الانطلاقة لورش الإصلاح الزراعي والصناعة الفلاحية، فقد عرفت المنطقة منحى فتح الباب لصراع المصالح الشخصية على مصراعيه على حساب مستقبل الساكنة. بالطبع لم تجن المدينة ونواحيها إلا الفقر والفشل الذريع في محاربة الفقر وآثار سنوات الجفاف والفيضانات المتكررة. ونتيجة لسوء التسيير وضعف السلطة العمومية في مجال المبادرة والمراقبة والتقييم والتنسيق تحولت المدينة إلى فضاء للنوم. أكثر من ذلك، تم الترخيص لبعض المقاهي لفتح خدماتها أمام الشباب 24/24 ساعة حيث تعرف إقبالا كبيرا طوال الليل والنهار. فالشباب يسهرون الليل وينامون طوال النهار، أما الفئات العمرية الأخرى وأغلبهم الموظفون ورجال التعليم فلا يجدون غير فضاءات المقاهي للترفيه عن النفس. إن الديناميكية الاقتصادية التي عرفتها المدينة في السنوات الأولى بعد الاستقلال لم يكتب لها الاستمرار حيث سرعان ما تحول الحماس الوطني إلى صراعات على المصالح توج بتراجعات مستمرة بسبب سوء التسيير وطغيان الذاتية على الروح الوطنية. ونتيجة لتراكم السلبيات وتأثيرات السلوكات الفاسدة، كل الوحدات الإنتاجية أغلقت وكان آخرها معمل السكر الكبير، ولم تبق إلا البنايات الضخمة الفارغة في المنطقة الصناعية الشاسعة الممتدة من المحطة الصغيرة إلى المحطة الكبيرة للقطار. أكثر من ذلك لقد تحولت مساحات شاسعة بها إلى تجزئات سكنية. إنها مدينة سوء التدبير بامتياز. في مجال التنمية المجالية، إلى جانب انتشار السكن غير القانوني والعشوائي خصوصا في الجهة الغربية، وجد الشباب والأطفال والأسر أنفسهم أمام انعدام تام للمجالات الرياضية والترفيهية ووجدت الساكنة نفسها أمام أحياء ببنايات فوضوية تنعدم فيها المجالات الخضراء، والمرافق والفضاءات الخاصة بالأطفال والشباب، والتجهيزات الأساسية. فدار الشباب الوحيدة بالمدينة تعاني ولا تستضيف إلا عددا قليلا من الزبناء. لقد اختفى كل شيء جميل من مسرح، وسينما، وترفيه، ورياضة، وتكوين، وتأطير جمعوي في مختلف المجالات. في مجال الرخص الحرفية، تعيش المدينة فوضى عارمة حيث يعم الأحياء ضجيج الآلات الصناعية كآلات النجارة، والميكانيك، والتلحيم، وغيرها،...، وعرفت المدينة انتشارا للأوساخ والأزبال لعدم تنظيم القطاعات الحرفية والتجارية وهيمنة القطاعات غير المهيكلة (Secteur informel). كما عرفت المدينة ومازالت تعرف استغلالا مبالغا فيه للمجال العمومي في الأحياء السكنية، وفي الشوارع الرئيسية للمدينة، حتى بلغت الجرأة ببعض التجار بالشارع الرئيسي إلى كراء المساحات التي تفصل دكاكينهم ومتاجرهم عن الطريق المعبدة، مما يدفع المارة إلى احتلال الطريق الخاصة بالسيارات، ناهيك عن الرفع من عدد الرخص الخاصة ببناء «الكيوسكات» إلى آلية لشرعنة الزبونية السياسية (المستفيدون معروفون وأن معيار الاستفادة لم يكن هو الفقر والحاجة)! في مجال الرياضة، اختفت الملاعب في الأحياء خصوصا في أولاد الغازي (ملعب لمصلة وملعب ستالاسيون،...)، ودوار الجديد (ملعب بلاد بلقوق،...)، وملعب دواري لغلالتة واجبيرات، وملاعب أولاد مالك، وحي اخريبكة (ملعب الريكس)، وحي الغماريين، وحي السلام (ملاعب كثيرة)، والحي الإداري (ملاعب معمل السكر)، ودوار لهجورة، ودوار العبسلامية، ودوار أولاد زيد،... وفي المجال الفلاحي، فقد تسبب سوء التدبير في إفلاس الشركات الفلاحية المعروفة خاصة «صوديا» و»صوجيطا». كما عرفت القنوات السقوية العصرية اتلافا كبيرا حيث تسبب في ضياع الماء وضعف المردودية الفلاحية. سياسة إعدام المدينة لقد تم استعمال كل الوسائل لمحاربة المسؤولية والشفافية والكفاءة بالمدينة حيث تتبعت الساكنة كيف تم خلق نخب اقتصادية محلية وتحويلها إلى دعامة سياسية في كل استحقاق انتخابي، كما تمت تقوية بعض الموظفين وتعيينهم في مراكز المسؤولية في القطاعات الاجتماعية العمومية الحساسة والاستعانة بهم سياسيا من خلال تحويل الخدمات العمومية المقدمة إلى آلية للشرعنة السياسية. كما تم استغلال بعض المرافق العمومية ذات الطابع الاجتماعي سياسيا حيث تم على سبيل المثال تنصيب بعض الفعاليات الاقتصادية على رأس جمعيات الرعاية الاجتماعية. كما تم إدماج بعض أبناء الأسر الإقطاعية وبعض الأعيان في السياسة المحلية، وفي الغرف المهنية. وفي المجال العقاري، تم تحويل بعض الأشخاص إلى منعشين عقاريين يلجؤون إلى شراء عدد كبير من البقع العقارية من أحد أكبر المنعشين العقاريين بالمدينة ويحتكرونها إلى حين الزيادة في الأثمنة، خصوصا أن المجال الحضري يعرف شبه احتكار في مجال التعمير. وفي مجال الخدمات، تم دعم بعض الأشخاص في بعض القطاعات المربحة كتموين وتنظيم الحفلات والأعراس وكراء الأسواق والفضاءات التجارية. كما يتمتع بعض المنعشين العقاريين بدعم مؤسساتي كبير (غض النظر ) حيث يلجأ إلى شراء صفوف طويلة من البقع الأرضية في التجزئات الكبيرة ويحتكرها لسنوات قبل أن يحولها إلى مساكن اقتصادية ويبيعها للطبقات المتوسطة بأثمنة تفوق بكثير كلفة البناء. لقد ابتدأت هذه العملية في حي السلام، ثم عممت بشكل أكثر قوة في أحياء كل من رضا، وأكدال، والمنارة، والمحمدية (تجزئة في طور الإنجاز). أما الأحياء الجديدة خصوصا أكدال والمنارة، فتتميز بضيق أزقتها، وضعف المساحة المخصصة للتجهيزات الضرورية، وتدهور كبير لبنيتها الطرقية. فحي المنارة مثلا، مازالت مصالح البريد لا تعترف به لعدم تسمية الأزقة وترقيم المنازل بالرغم من تسليمه إلى البلدية منذ سنوات مضت، ومازال لا يتوفر على شبكة الهاتف القار. أما الشارع المزدوج الذي يفصل حي أكدال وحي رضا فقد تعرض لتدهور كبير جراء الأشغال الخاصة بربط شبكة التطهير الخاصة بالتجزئة الجديدة المسماة المحمدية بالقناة الرئيسية للواد الحار. أما في التجزئة السكنية الجديدة بالمدينة، فقد تم السماح لأحدهم بشراء بقع أرضية ملتصقة ببعضها وتحويلها إلى معمل صغير . وحتى منطقة «الفيلات» لم تسلم من بعض التجاوزات والتي تتجلى في استخراج بعض المحلات التجارية («كاراجات») من سور إحدى الفيلات وتحويلها إلى دكاكين للتجارة، وزيادة طابق ثان بالنسبة لأخرى وتحويلها إلى مؤسسة تعليمية. كما أن الوافدين على المدينة من الجهات الخمس ( من القنيطرة، وسيدي قاسم، ودار بلعامري، ومشرع بلقصيري، والقصيبية)، لا يمكن لهم أن يعتبروا أنفسهم في مدار حضري إلا وهم داخل المدينة وذلك بسبب عدم تهيئة المداخل الأربعة السالفة الذكر (pénétrantes)، وضعف تجهيز الأحياء الغربية. أما مشروع محاربة السكن غير اللائق، الذي أعلن عنه رسميا حيث عمم الخبر رسميا من خلال لوحات إشهارية نصبت في مخرجي المدينة في اتجاه سيدي قاسموالقنيطرة والذي يؤكد انتهاء الأشغال في نهاية 2009، فمازالت أشغاله لم تبتدئ بعد بالرغم من توفر المدار الحضري على وعاء عقاري شاسع في ملك الدولة. لقد تم الاقتصار على استغلال ظاهرة الفيضانات في خلق مشروع سكنى تجاري خصصت منه 209 بقعة فقط لإيواء المنكوبين بينما يروج في أوساط المدينة أن معدل ثمن بيع البقع الاقتصادية المتبقية فاق 150 ألف درهم (بدون تحديد مسبق للبقعة بل يتم اعتماد القرعة). وعليه، فمن خلال تشخيصنا لانتظارات عدد كبير من المثقفين والمتتبعين في المدينة، لاحظنا تعلقهم بالأمل في التفاتة الدولة إلى هذه المدينة وتحملها لمسؤولياتها الكاملة في تقوية السلطة العمومية في مجالات التنمية المجالية والاجتماعية واحترام القانون ومواجهة المضاربات العقارية والاحتكار من خلال خلق جو تنافسي سليم بين المنعشين العقاريين ومن بينهم الدولة. فما عرفته المدينة وما تعرفه يحتاج إلى تدخل عمومي استعجالي من خلال إدراج مجالها ضمن المجالات ذات الأولوية في برامج الحكومة. فتوفر المدينة على وعاء عقاري شاسع تابع للملك الخاص للدولة، وتوفر المدينة على بنايات ضخمة وشاسعة في المنطقة الصناعية، وتوفر المنطقة على فرشة مائية مذللة، وعلى رصيد مائي سطحي (واد بهت وسبو)، وعلى أراض فلاحية خصبة، وعلى صناع تقليديين ماهرين في الخزف (جماعة الصفافعة) وفي مجالات أخرى... يعتبر في نظر الساكنة مكتسبا يجب أن يكون محفزا للدولة لتمكين المدينة ومحيطها من الاستفادة من البرامج التنموية الحكومية خصوصا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرنامج الإقلاع الصناعي والتجاري، ومخطط المغرب الأخضر، وبرنامج تأهيل الصناعة التقليدية، وبرامج وزارة التجهيز، وبرامج المكتب الوطني للتكوين المهني، وبرنامج المدن بدون صفيح، وبرنامج تأهيل المدن،.. الخ. لقد حان الوقت لبلورة مخطط تنموي محلي قابل للتفعيل تساهم في تمويله وتنفيذه مختلف القطاعات الحكومية بإشراك الفعاليات والجمعيات الفاعلة المحلية. لقد حان الوقت لتفادي التناقض الحاصل بين امكانيات المنطقة ومستوى فقر ساكنتها. فخيرات المنطقة يجب أن تساهم في الرفع من المستوى المادي والمعنوي للسكان صونا لكرامتهم وتقوية لمقاومتهم للفساد الإنتخابي والإداري. وكما سبق لنا أن أشرنا إلى ذلك تحتاج المنطقة (مدينة ودائرة سيدي سليمان) إلى تقوية التكامل الاقتصادي مع محيطها خاصة مع تراب جماعة القنصرة وذلك من خلال تهيئة بحيرة سيدي الشيخ («اللاك») إلى فضاء سياحي قروي كما كان زمن الحماية، وجعل الإمكانيات المائية والغابوية في خدمة التنمية المجالية بالنسبة لقبائل زمور وبني احسن من خلال نهج سياسة مندمجة تنمي الرصيد الغابوي، وتعقلن استعمال الماء، وتساهم في التنمية الاجتماعية، وتمكين التعاونيات الفلاحية من السقي العصري.