حين دعا الوزير الأول المغربي الأستاذ عباس الفاسيإسبانيا إلى طاولة الحوار لإنهاء الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية، فإنه كان يتحدث نيابة عن شعب ودولة، وعن إرادة أمة بأكملها مازالت تدرك عمق وآلام الجراح النازفة في شمال المملكة. الوزير الأول بيده الممدودة إلى الجارة الشمالية يعبر عن حقيقة التاريخ والجغرافيا، وعن الحق المغربي الأصيل والذي لا يقبل المساومة، في استعادة جزء عزيز من أراضيه وسيادته. مقاربة الأستاذ سعيد الغولي التي تنشر العلم نصها تقربنا من زوايا متعددة من هذه الحقوق التاريخية والجغرافية والاجتماعية غير القابلة للتجاوز أو التقادم. خلال عطلة نهاية الأسبوع فكرت في البحث عن مكان هادئ للاسترخاء والحصول على التوازن النفسي، فجلت بخاطري في خريطة المملكة الشريفة وتوقفت عند مدينة القصر الصغير كاختيار مناسب في الواجهة المغربية المطلة على طول مضيق جبل طارق والبوغاز، بغاباتها، شواطئها، جبالها، هدوئها وسكينتها تنطق بالتاريخ العريق للمملكة، شاهدة على الجهاد الكبير الذي قام به المغاربة لاسترجاع الثغور السليبة والدود عنها، مطلة على سبتة آسرة العين تراقبها عن قرب إلى حين عودتها من الأسر إلى الوطن الأم، ولكم أجد متعة لا نظير لها وأنا أطوي الطريق الرابطة بين طنجة وسبتة على طول المضيق ذهابا وإيابا، ونحن على مشارف المدينة السليبة سألتني ابنتي انس وهالة عن إسم المدينة وما أن نطقت بالاسم حتى سألتني إن كنا أحضرنا جوازات السفر. هو سؤال عادي لكنه حز في نفسي أن أدخل مدينة مغربية بجواز سفر ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى الحصول على تأشيرة دخول إلى أين؟ للأسف إلى حاضرة مغربية بقوة حقائق التاريخ، الجغرافية والجيوسياسة. وانطلاقا من هذه الفكرة التي بدأت سياحية واختلجت في خاطري وتبلورت تاريخية وسياسية خطر ببالي أن أكتب وأن أضع أمام القارئ الكريم ما اختزلته في ذاكرتي من حقائق وبراهين وأدلة تثبت ليس فحسب مغربية سبتة بل كل الثغور السليبة الأخرى وأقصد طبعا مدينة مليلية وجزر: بادس، كبدانة، النكور والبرهان وأضفت إليهم جزيرة ليلي غير المحتلة لتأكيد مغربيتها وإن كانت لا تحتاج إلى تأكيد ردا ولو بشكل متأخر على سخافة أطروحات اليمين الاسباني في جناحه المتطرف. وما إن ولجت الفندق على مقربة من القصر الصغير حتى أطلقت العنان للقلم على القرطاس ليدون حقائق لا ولا يمكن أن يطمسها التاريخ ولا السياسة ورحم الله الملك العظيم جلالة المغفور له الحسن الثاني حين قال يوما ما مفاده: سيكون من الطبيعي أن يسترد المغرب مدينة سبتة والثغور الأخرى لأن العالم كله لن يقبل بعد استرداد اسبانيا لجبل طارق أن تراقب بمفردها ضفتي المتوسط. I مدينة سبتة سبتةالمدينة بين الجغرافيا والتاريخ تقع المدينة بأرض قبيلة أنجزة بالناحية الغربية من شمال المغرب على المضيق بينها وبين صخرة جبل طارق 16 كلم وهي عبارة عن شبه جزيرة تأخذ شكلا هندسيا مستطيلا مساحتها 18.5 كيلومتر مربع طولها من الشرق إلى الغرب 2000 متر ومن الشمال إلى الجنوب 1500 متر وقد أحسن الشاعر السبتي مالك بن المرحل حين وصفها بالقول: كأنما عود غناء*** وقد ألقي في الماء على بطنه وكانت المدينة بمثابة المعبر بين الضفتين للجيوش المغربية المرابطية والموحدية في انطلاقاتها إلى الأندلس. وكانت تعتبر منارة علم بامتياز إذ ضمت قبل احتلالها من طرف البرتغال 62 خزانة علمية، 22 حماما، 25 ساقية عمومية، 74 سوقا و 2400 حانوتا بمعنى أنها كانت حاضرة مزدهرة تضاهي مدينتي فاسومراكش كما أنجبت علماء كبار نذكر منهم الجغرافي الشريف الإدريسي والعالم الفقيه أبي العباس السبتي دفين مراكش. لم يكن سقوط المدينة في يد الإسبان وقبلهم البرتغال نتيجة تهاون بل جاء في سياق مؤامرة محبوكة محكمة بدأت فصولها بتعرض المغرب لعدد من الحملات الصليبية المنضمة ضده من طرف كل من البرتغال واسبانيا بمباركة من البابا والفاتيكان منذ منتصف القرن الثالث عشر الميلادي وكان الهدف من ورائها القضاء على الإسلام ببلاد المغرب وتنصير أهاليه ردا على أسلمة الأندلس وانتقاما لفتحها. وكان من نتائج هذه الحملات احتفاظ اسبانيا لحد الآن بعدد من الثغور المغربية في شمال المملكة، إنها حملات صليبية الفرق بينها وبين الحملات التي كانت تتوجه إلى بيت المقدس انه كانت تقوم بها دولة نيابة عن الآخرين ممثلة إما في إسبانيا أو البرتغال بإذن من البابا يعرف بالصك البابوي أو ما يطلق عليه إسم البولة Bula الشيء الذي يفند مزاعم بعض المؤرخين الأجانب ذووا النزعة الاستعمارية الذين يعتبرونها حروبا تدخل في خانة السياسة ، هي بلا جدال حروب صليبية بلغ عددها 34 حربا 18 منها برتغالية و 16 اسبانية. إن التفكير البرتغالي في احتلال سبتة انطلق مبكرا وقبل سنة 1415، فالمحاولة الأولى تعود إلى 3 يونيه 180 1م على عهد السلطان الموحدي يوسف بن عبد المومن 1163/1184 م بأسطول قادة فواس رومبينهو وكرر هجومه في 15 يوليو من نفس السنة إلا أن الأسطول المغربي بقيادة القائد عبد الله بن جامع تمكن من القضاء عليه بل وقتل قائده لقد تعددت المحاولات على العصر الموحدي وكلها كانت بأمر من البابا وبخاصة كريكوريو التاسع واينوسينسيو الرابع إلا أنها كلها كانت محاولات باءت بالفشل الذريع وبقي الأمر على حالة إلى حدود تاريخ 21 غشت 1415 حيث استطاع البرتغاليون احتلالها بعد حصار دام لمدة 6 سنوات على عهد السلطان المريني أبو سعيد الثالث 1398/1420 م وبعد 22 سنة على احتلالها وعلى عهد السلطان عبد الحق المريني 1420/ 1465 م وبالضبط سنة 1437 كاد المغاربة أن يسترجعوها إذ زحف البرتغاليون لاحتلال مدينة طنجة فهزمهم الجيش المغربي وأسروا قائدهم فاتفق الطرفان المغربي والبرتغالي على إطلاق سراح هذا القائد مقابل الجلاء عن مدينة سبتة لولا حدوث طارىء تم بموجبه إلغاء الاتفاق و يتمثل في وفاة هذا القائد الأسير بسجنه في العاصمة فاس المحروسة ولم تخضع مدينة سبتة للسيطرة الاسبانية أو بمعني أدق الاسبانية البرتغالية المشتركة إلا سنة 1580 م على عهد السلطان السعدي احمد المنصور الذهبي 1578/1603 م زيف الادعادات الاسبانية إن المضحك المبكي هو ذلك الزعم الذي تروج له الأبواق الاستعمارية الاسبانية اذ تزعم أن احتلال إسبانيا لمدينة سبتة حدث في تاريخ لم يكن للمغرب فيه وجود كدولة ذات كيان إلا أن الحقيقة ووقائع التاريخ تقول العكس والعكس بالعكس هو الصحيح فاسبانيا هي التي كانت كذلك ولم يكن باستطاعتها خلال أوائل القرن الخامس عشر الميلادي احتلال المدينة ولا أي جزء آخر من التراب الوطني المغربي لأنها وببساطة متناهية لم تكن قد تمكنت من استكمال وحدتها الترابية التي لم تنجز إلا مع تاريخ 2 يناير 1492 في الوقت الذي كان فيه المغرب دولة يحكمها السلطان الوطاسي محمد الشيخ 1471 / 1504. فاسبانيا لم تصبح كدولة إلا بعد استيلائها على مدينة غرناطة على عكس البرتغال التي كانت قد أكملت وحدتها في 21 غشت 1415 على عهد السلطان المريني أبو سعيد الثالث. ولم يتوان المغاربة طوال حقب التاريخ المتعاقبة ولا مع تداول الأيام في الدفاع عن هذه المدينة والثغور الأخرى فلقد كان ملوك المغرب يعفون سكان القبائل المجاورة للثغور السليبة والمكلفون بالرباط عليها من أداء جميع الضرائب المخزنية المفروضة على القبائل و يعفونهم من المشاركة في الحركات المخزنية وكان الاسبان على علم ومعرفة بذلك. وأكثر من هذا فان سكان شمال المغرب بدأوا يرتدون النعال السود بدل الصفر مباشرة بعد سقوط مدينة سبتة في يد البرتغال سنة 1415 كتعبير عن حداد وطني. ويذهب الأمر ابعد من هذا، فالمدينة منذ احتلالها من طرف البرتغال ومن بعد ذلك اسبانيا وهي عرضة لحضارات وهجمات الجيوش المغربية من أجل استرجاعها وعودتها الى الوطن العزيز، سواء من طرف جيوش السلطة المركزية أي المخزن أو من طرف جنود القبائل المغربية المجاورة بخاصة قبيلة أنجرة. وقد حاصرها السلطان مولاي اسماعيل لمدة 33 سنة كما سعى السلطان سيدي محمد بن عبد الله وابنه مولاي اليزيد إلى استرجاعها، أيضا فان المعارك الناشئة وباستمرار بين القبائل المجاورة لسبتة كانت هي السبب في اندلاع الحرب المغربية الاسبانية عام 1859 والتي تلاها احتلال مدينة تطوان من طرف الاسبان لمدة سنتين ولم تنقطع مقاومة المغرب وجهاده لاسترداد المدينة إلا بعد فرض نظام الحماية عليه سنة 1912م، ولتسليط مزيد من الضوء على عدم واقعية المزاعم الاسبانية نسوق مقتطفا من مذكرات المرحوم الأستاذ عبد الخالق الطريس أحد وجوه المقاومة المغربية والذي يقول الشرط الأساسي الذي يجب أن تتوفر عليه أي مدينة تزعم دولة ما بان لها سيادة عليها هو أن يكون لتلك المدينة نفس الاعتبار الذي تتمتع به باقي مدن الدولة المعنية بالأمر وهذا الشرط لايتوفر في مدينة سبتة ومليلية بحال من الأحوال لأن اسبانيا لم تعتبرهما في يوم من الأيام كباقي المدن الاسبانية الواقعة داخل حدود ترابها الوطني بل إنها كانت ولازالت تعتبرها مجرد سجون ونضيف لما قاله الأستاذ عبد الخالق الطريس إن أقصى ماحدث في هذا الشأن بعد وفاته أن المدينتين لازالتا في وضعية غير مماثلة لباقي المدن الاسبانية وأقصى ما منح لهما صيغة للحكم الذاتي بقرار من البرلمان الاسباني عام 1995 وزيارة للمدينتين قام بها العاهل الاسباني خوان كارلوس في ربيع سنة 2007. واني لأظن وهذا رأى شخصي أن تتشبث اسبانيا بهذه الثغور إنما راجع لعامل نفسي عملا بالوصية المشؤومة للملكة الاسبانية ايسابيل الكاتوليكية في 12 أكتوبر 1504 والتي أوصت من خلالها بتنظيم حملة صليبية مستمرة ضد المغرب II مدينة مليلية 1 توطئة تاريخية وجغرافية تقع مدينة مليلية بأرض قبيلة مزوجة إحدى قبائل قليعة الواقعة بالناحية الشرقية من شمال المغرب على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مساحتها 12 كيلومتر مربع فتحها المسلمون سنة 689 م على عهد الفاتح الإسلامي زهير بن القيس في عصر الخليفة عبد الملك بن مروان وقد سبق لزهير بن القيس أن شارك في الفتوحات الأولى لبلاد المغرب مع عقبة بن نافع الفهري، وقد حصنها المسلمون تحصينا جيدا حتى وصفها المفكر الكبير ابن خلدون بالقلعة المحصنة. أما عن احتلالها فقد تم بمبادرة فردية شخصية من طرف نبيل اسباني هو دوق مدينة سيدونيا والذي قام بتنظيم الحملة الصليبية على نفقته وحسابه الخاص، في حين لم يكن للتاج الاسباني أي يد في العملية وهو الأمر الذي يدحض المزاعم الاسبانية ويؤكد عدم احتلالها من طرف الدولة الاسبانية. وطوال فترة احتلالها من طرف الاسبان ظلت معرضة للحصار والمضايقة من طرف المغاربة من ذلك الهجوم الذي قام به أهل الريف سنة 1563 إضافة لحصار تعرضت له خلال القرن السابع عشر فانقطعت عن حاميتها العسكرية الأغذية والمئونة وكادوا أن يهلكوا وتستسلم المدينة سنة 1697 على عهد السلطان العظيم مولاي اسماعيل 1672 / 1727 لولا وصول سفن الإغاثة بالمؤونة ويبقى أطول حصار عرفته المدينة هو الذي قام به السلطان سيدي محمد بن عبد الله بنفسه ما بين 1774 1775 بحوالي 80.000 جندي والعشرات من المدافع وألقيت خلاله على المدينة الاف القذائف والطلقات المدفعية وطول القرن التاسع عشر ظل الصراع مستمرا بين القبائل الريفية المجاورة والقوات الاسبانية الغازية وعرفت سنوات 1858 1860 على عهد السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام 1822/1859 وابنه مولاي محمد بن عبد الرحمان 1859 / 1873 وكذا سنوات 1890 1894 على عهد السلطان مولاي الحسن الأول 1873/1894 وسنة 1909 على عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ 1908/1912 معارك طاحنة بني قبائل قليعة وقوات الاحتلال الاسبانية. ادعاءات إسبانية باطلة كما أسلفنا الذكر لم تكن مملكة قشتالة وليون اللتان تشكلان اسبانيا الحالية قد استكملتا وحدتهما الترابية في القرن الخامس عشر الميلادي حتى تفكرا في غزو المغرب فوحدتهما لم تكتمل الا بتاريخ 25 نومبر 1491 حيث وقع الملك بن الأحمر على صك التنازل عن آخر معاقل دار الإسلام بالأندلس وتم السيطرة على غرناطة يوم 2 يناير 1492 وفي نفس اليوم وجه الملك فيرناندو الكاتوليكي رسالة الى البابا اينوسينسيو الثامن يقول فيها: ويعلم ان قداستكم مولانا حقق لنا النصر المبين على ملك ومسلمي غرناطة أعداء عقيدتنا الكاتولكية المقدسة حيث انه في هذا اليوم ثاني يناير من السنة الحالية قد استسلمت لنا مدينة غرناطة مع الحمراء وجميع تحصيناتها وقصرها وقلاعها التي كانت لازالت بيد الكفار وقد أصبح كل هذا اليوم تحت تصرفنا وذلك بعد أن ظلت مملكة غرناطة مدة 780 سنة محتلة من طرفهم وقد عادت إلينا في عهدكم وبفضل معونتكم هذه الرسالة تؤكد بالملموس طبيعة الحروب الصليبية، ومنذ ذلك الحين والملكة ايسابيل الكاتوليكية وزوجها الملك فيرناندو يفكران في العمل على الاستيلاء على الشاطئ المتوسطى المغربي. وكانت هذه الرسالة توطئة لذلك بعدما أصبحت اسبانيا دولة بعدما لم تكن كذلك قبل هذا التاريخ. وسعت اسبانيا بعد ذلك لدى البابا للحصول على صك بابوي للاستيلاء على الشمال الإفريقي وهو الصك الذي حصلت عليه من لدن البابا اليخاندرو في 13 فبراير 1495 على عهد السلطان الوطاسي محمد الشيخ وقد ورد في هذا الصك ما يلي: بناءا على المجهودات الجبارة التي قامت وتقوم بها قشتالة في الحرب ضد الكفار بالأراضي الفشتالية والتي أدت إلى فتح غرناطة وأملا في أن تتمكن قشتالة في أقرب وقت ممكن وخدمة لسيدنا المسيح من أجل نشر عقيدته المقدسة من القيام بنفس العمل بأرض افريقيا فإننا نمنحكم أنتم ووارثوكم من بعدكم حق افتتاح إفريقيا بما فيها من ممالك وأراضي وممتلكات هي ادن دعوة صريحة للاغتصاب والنهب ودعوة صريحة لشن حرب صليبية مفتوحة الهدف فيها معلن وهو تنصير أهل المغرب. إلا أن الاسبان ورغم حصولهم على هذا الصك فلم يكن في مقدورهم تنفيذ مخططاتهم بالمغرب لعدة اعتبارات يبقى أهمها: الخطر العثماني بالبحر الأبيض المتوسط، اكتشاف أمريكا، المشاكل الاقتصادية نتيجة طرد اليهود من الأندلس، نزاع الحدود مع فرنسا، مسألة الجهاد البحري أو ما يعرف في الأدبيات الأوربية بالقرصة خاصة مع نزوح المسلمين من الأندلس إلى الشواطىء المتوسطية المغربية وأخيرا معارضة البرتغال ولأطماعها الخاصة. ولمزيد من دحض الادعاءات الاسبانية التي لا وجود لها إلا في مخيلة منظري الاستعمار فان مليلية كانت المدينة المغربية الأولى التي سقطت في يد الاسبان في 17 شتنمبر 1497 إلا انه وخلافا لما يعتقد عموم الناس فان احتلالها لم يتم على يد التاج والحكومة الاسبانيين بل هو من فعل فردي بمغامرة قام بها نبيل اسباني يدعى دون خوان دي كزمان ولم تتكلف الدولة الاسبانية بالتعهد بأداء صائر الحامية العسكرية بمليلية إلا في 7 يونيه من عام 1556 م على عهد السلطان السعدي عبد اللّه الغالب 1556 / 1574 احتفظ الدوق بحق تعيين الحاكم العسكري للمدينة وقائدها في حين تولى التاج الاسباني مسألة تعيين ناظر المدينة ونشير أيضا إلى أن أول مشروع للجلاء عن المدينةالمحتلة ويفند أيضا الأطروحات الاسبانية يرجع إلى سنة 1525م على عهد السلطان السعدي احمد الأعرج 1517 / 1539م حيث أرسلت اسبانيا مهندسا خبيرا عسكريا من أجل انجاز تقرير عن المدينة في أفق الاستعداد للجلاء عنها ومما جاء في تقرير هذا الخبير المدعو طادينو ذي مارطينيكو ليس من الحكمة أن نقوم بإخلاء مدينة مليلية دون أن نفكر في الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن تتعرض لها حاميتنا أثناء عملية الجلاء هذه اذن شهادة تؤكد عزم الحكومة الاسبانية على ترك المدينة وهذه شهادة شاهد من أهلها فالمشكل الذي طرح اذن هو الخوف من إبادة الحامية من طرف المغاربة عن طريق محاصرتها من كل الجهات وقد فكرت اسبانيا في مغادرتها بعدما عجزت عن الوقوف في وجه استرجاع المغرب لجزيرة بادس عام 1522 على عهد السلطان السعدي احمد الأعرج. وقد ظل التاج الاسباني مصرا على التخلي على المدينة ففي شهر يناير 1539 وفي اجتماع لمجلس الشيوخ الاسباني أو ما يعرف بالكورتيس اجتمع بطليطلة تحت الرآسة الفعلية للإمبراطور كارلوس الخامس والإمبراطورة ايسابيل ومن بين القضايا التي كانت على جدول الأعمال مسألة الاحتفاظ بمدينة مليلية أو التخلي عنها وكان من بين الأعضاء المتحمسين لفكرة الجلاء مستشار الإمبراطور الذي بادر بمخاطبة دوق سيدونيا قائلا: اظن ياسيدي الدوق انه من الأفيد أن تتركوا للمغاربة مدينة مليلية التي تملكونها بأرض إفريقيا بدلا من الاحتفاظ بها وتبذير الأموال الباهظة التي تكلفكم صيانتها دون فائدة نفهم من تدخل المستشار الإمبراطوري أن المدينة تشكل عبئا اقتصاديا على الذوق ووصاية اسبانيا عليها وفي ما بعد احتلالها سيكلف خزينة الدولة ميزانية هامة دون أهمية إستراتيجية ولا اقتصادية للمدينة. وكان رد الدوق كالاتي إن الفوائد التي تعود علينا من جراء امتلاكنا لمدينة مليلية ليست قليلة فهناك فائدة رئيسية هي الأخبار التي نتوصل بها من هناك بخصوص الأحداث التي بأرض إفريقيا وكل ما يتعلق بأساطيل الأتراك التي تغير على شواطيء بلادنا زد على ذالك الأضرار التي تلحقها حاميتنا بمليلية بالمغاربة فتحول دون تمكنهم من القيام بهجومات ضد شواطئنا نفهم من رد الدوق أنه في غياب الفائدة الاقتصادية فهو يعطي المبرر بسبب أول استخباراتي للتجسس على النشاط العسكري التركي في عرض البحر الأبيض المتوسط رصد تحركاته والسبب الثاني ردعي عسكري في مواجهة المغاربة وهكذا اختتم المجلس أشغاله في فاتح فبراير 1539 دون اتخاد اي قرار بشأن المدينة. III الجزر 1 جزيرة بادس تقع جزيرة بادس والتي تعرف أيضا بحجرة بادس ويسميها الاسبان بصخرة بادس غمارة قبالة مصب وادي تامدة المعروف بوادي بادس على شاطيء قبيلة بني يطفت الريفية طولها 400 متر وعرضها 100 متر وارتفاعها 77 متر وقد ارتبطت منذ سنوات بالشاطيء بسبب ترسب الرمال وكأنما اللّه جمع شملها بأرضها الأم. وهناك من يعتقد أن الوجود الاسباني بالجزيرة يعود إلى سنة 1508 وهذا مخالف للواقع اذ أن المغاربة استرجعوها عام 1522 على عهد السلطان الوطاسي محمد أبو عبد اللّه الملقب بالبرتغالي 1505 1525 ولم تحتلها اسبانيا إلا في 6 شتمبر 1564 على عهد السلطان السعدي عبد اللّه الغالب. وقد حاول الاسبان قبل هذا التاريخ احتلالها إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل وتكبدوا على إثر ذلك خسائر جسيمة من أمثلة ذلك فقدانهم ل 600 جندي خلال محاولة سنة 1525 كما عاودوا الكرة من جديد سنة 1563 تحت إمرة الأميرال سانشو دي ليفا إلا أنهم فشلوا مرة أخرى. ومن أهم الأسباب التي دفعت اسبانيا لاحتلالها وخلافا لما قد يعتقد البعض من أن الأمر لمواجهة عمليات الجهاد البحري أو القرصنة فهذا ما هو إلا سبب ثانوي وشماعة علقت عليها اسبانيا فعلتها فالمسألة تعود لسبب صناعي بحري للسيطرة على خشب أشجار الأرز فهناك مذكرة سياسية اسبانية سرية أعدت سنة 1503 على عهد محمد الشيخ الوطاسي عثر عليها الكاتب الاسباني ماركوس خامينيت دي لاسبادا ونشرها بمجلة الأكاديمية الاسبانية الملكية للتاريخ بمدريد تحت عنوان محاربة المغاربة في أواخر القرن الخامس عشر تقول المذكرة إن سفن النصارى تصنع من الخشب الثقيل في حين أن سفن المغاربة تصنع من خشب الأرز الذي يجعل سفنهم أسرع من سفن النصارى بمعنى محاولة تطوير سرعة السفن الاسبانية لمواجهة المغاربة وحرمانهم من هذه المادة لخلق مشاكل في صناعة السفن المغربية وبالتالي خلق التفوق الصناعي البحري عليهم. وقد أكد هذه المعلومة الكشاف البحارة خوان كايطان الذي أتى في مهمة استطلاعية قادته من سبتة الى مليلية وقال: بادس غمارة مكان يوجد به نحو 400 من السكان وبمرساه توجد صخرة.. يمكن تحصينها والاستفادة من الخشب المستخرج من شجر الأرز الموجود بكثرة بالقرب منها فهو إذن يعطي وصفا دقيقا للجزيرة ويتحدث عن مادة خشب الأرز سبب الطمع في احتلالها. 2 جزر كبدانة تقع جزر كبدانة على بعد أربع كيلومترات من الشاطئ المغربي أمام مصب نهر ملوية ولذلك تسمى أيضا جزر رأس سيدي البشير في عرض البحر الأبيض المتوسط وتتكون من ثلاث جزر أطلق عليها الاسبان اسم الجزر الجعفرية las Islas chafarinas وقد أطلق الاسبان على هذه الجزر الأسماء الآتية: ازابيلا الثانية وطولها 600 متر، كونكريسو وهي أكبرهم طولها 900 متر وعرضها 400 متر وأخيرا جزيرة الري أي الملك وقد بدأت اسبانيا تفكر في احتلال جزر كبدانة في نفس السنة التي احتلت فيها مدينة مليلية عام 1497 وبعد قرنين من الزمن اهتم التاج الاسباني وبلاطه من جديد بهذه الجزر وبأمر ملكي قام القبطان البحري فيسينتي دولس بوضع أول رسم تبوغرافي للجزر في سنة 1733 وعلى اثر الحصار الشديد الذي ضربه السلطان سيدي محمد بن عبدالله على مليلية عام 1774 اصدر الملك الاسباني كارلوس الثاني أمره الى قائد بحريته الكونت دي اوريلي ليقوم بدراسة عسكرية للجزر في سنة 1786 قام قبطان البحرية الاسبانية فيسينتي طوفينو بوضع خريطة مفصلة للجزر الثلاث. ويتضح مما سلف أن اسبانيا كانت تفكر في احتلال الجزر ولكنها لم تدعي يوما أنها ضمن ممتلكاتها في ما وراء البحار وفي سنة 1847 على عهد السلطان مولاي عبدالرحمان بن هشام وعلى اثر وصول الجيش الفرنسي المحتل للجزائر الى الحدود المغربية الشرقية قررت الحكومة الاسبانية في مجلسها المنعقد يوم 26 يونيو احتلال جزر كبدانة وإقامة حامية عسكرية بها ليغادر الاسطول الاسباني ميناء مالكا يوم 4 يناير 1848 براسة الجنرال سيرانو الذي حل بمدينة مليلية في نفس اليوم ليقوم باحتلال جزر كبدانة بعد يومين أن في 6 يناير 1848 وكان الهدف الرئيسي من احتلالها شعور الاسبان باستعداد الفرنسيين للنزول بها لموقعها القريب من الشواطئ الجزائرية ولم يسكت الغرب طبعا على هذا الاحتلال واحتج على ذلك مطالبا بالجلاء الفوري للقوات الاسبانية الغازية. 3 جزيرة النكور والمعروفة كذلك بحجر النكور ويطلق عليها الاسبان ومن سخرية الأسماء صخرة الحسيمة في اعتراف مباشر بمغربيتها أليست الحسيمة مدينة مغربية؟ وهي تقع بخليج هذه المدينة قبالة برج المجاهدين بقبيلة بني ورياغل الريفية وتبعد عن الشاطيء المغربي في البحر الأبيض المتوسط بحوالي 600 متر ويبلغ طولها 170 متر وعرضها 75 متر ولا يتعدى عمق البحر بين الشاطئ والجزيرة أكثر من 6 إلى 8 أمتار احتلها الاسبان في 28 غشت عام 1673 وكان لسقوطها وقع كبير في القرار الجريء الذي اتخذه السلطان المجاهد المولى إسماعيل بخصوص الثغور المغربية المحتلة الأخرى والتي كانت تتقاسم احتلالها كل من اسبانيا، البرتغال وانجلترا، والواضح وعلى عكس ما تدعيه أبواق الدعاية الاستعمارية فإنه لم يسبق أن كانت لاسبانيا فكرة احتلال الجزيرة بل كانت البرتغال هي أول من فكر في احتلالها سنة 1479 على عهد السلطان محمد الشيخ الوطاسي وبعد قرنين من الزمن فكر ملك فرنسا لويس الرابع عشر في استغلالها بإقامة حصن ومركز تجاري بها وكلف لهذه الغاية رونالد فريجوس وعينه قنصلا لذا السلطان مولاي رشيد – 1664 / 1672 – ووصل إلى الجزيرة في 9 أبريل 1666 وتوجه لمقابلة السلطان الذي رفض العرض الذي تقدم به لجلالته، ومما يؤكد رغبة لويس الربع عشر في الاستيلاء على الجزيرة انه أصدره يوم 4 نوفمبر 1699 مرسوما أذن بمقتضاه للسيدين سافيلي وجوليان بإقامة مؤسسة تجارية في كل من جزيرتي النكور والبرهان بالرغم انه كانت قد مرت 26 سنة على احتلالها من طرف اسبانيا. أما كيف احتلت فنقول بمحض الصدفة لا أقل ولا أكثر وهو ما يعترف به الأميرال رئيس الأسطول الاسباني بالمحيط الأميرال مونطيسارشو من خلال التقرير الذي رفعه إلى الملك كارلوس الثاني يوم 5 شتنبر سنة 1673 يعترف انه في منتصف غشت من نفس السنة كان يقوم بجولة روتينية عبر الشواطئ المغربية بالبحر الأبيض المتوسط فعثر على سفينتين للقراصنة المغاربة ويقصد المجاهدين البحريين وعندما حاول القبض عليهما فرتا إلى الجزيرة وأخذوا يقصفونه إذاك قرر وبإرادة منه الاستيلاء عليها وتقوم مدفعية الأسطول يوم 26 غشت 1673 بقنبلة القلعة الواقعة بالجزيرة والتي كانت بها حامية عسكرية مغربية مكونة من 25 فردا برآسة القائد عبد الرحمان طريف ولم تتحمل الحامية الصغيرة قصف الأسطول ليومي 27 و28 غشت فاضطرت مرغمة للاستسلام مخلفة ثلاث شهداء وجريحين ملتجئة إلى برج المجاهدين وخلفت في الجانب الاسباني قتيل واحد و8 جرحى وهي عملية لم توافق عليها الحكومة الاسبانية وهذا ما أكده المؤرخ الاسباني رافائيل فرنانديت دي كاسطرو بقوله – ان الحكومة الاسبانية لم توافق على الاحتلال الذي قام به الاميرال مونيطيسارشو بدافع جريء منه حيث أصدرت أوامرها إلى لوبيت مورينو بوجوب تحطيم قلعة الجزيرة غير انه في الوقت الذي شرع في تنفيذ الأمر الذي تلقاه توصل بأمر مضاد من الملك كارلوس الثاني يقضي بوجوب الاحتفاظ بالجزيرة والعمل على تحصينها. ولقد أدى احتلالها لاتخاذ مولاي اسماعيل قرار تحرير الثغور كافة فاسترجع المعمورة والعرائش وقلعة بادس من اسبانيا وطنجة من انجلترا ولم يستطع استرجاع سبتة مع أنه حاصرها لمدة 33 سنة. 4 جزيرة البرهان تقع جزيرة البرهان والمعروفة عند الاسبان بنفس الاسم في عرض البحر الأبيض المتوسط على بعد 56 كلم شمال رأس ورك الواقع بشاطىء قبيلة بني شيكار بناحية الكارت وهي جزيرة صخرية مثلثة الشكل ويقدر محيطها ب 3 كيلومترات وقد تم احتلالها الرمزي في 8 يناير 1848 ونظرا لبعدها النسبي عن الشاطئ لم تتم محاصرتها وتدعي أبواق الاستعمار عدم مغربية الجزيرة وزيف الادعاء الاسباني أنها تبعد عن الشواطئ المغربية ب 56 كلم، حقيقة أشفق على أصحاب هذا التبرير فمن سخريته وسذاجته أن الجزيرة تبعد عن الشاطئ الاسباني ب 90 كلم أي ما يقارب ضعف بعدها عن شواطئنا انه منطق غريب عفوا استعماري. إن إسبانيا لم تفكر في احتلال الجزيرة إلا بعد احتلال جزر كبدانة وكان رمزيا لا أقل ولا أكثر بعد يومين من احتلال جزر كبدانة ومما يدحض الدعم الإسباني أنه في 4 نوفمبر 1699 أصدر العاهل الفرنسي لويس الرابع عشر مرسوما يقضي بمقتضاه للسيدين سافيلي وجوليان بإقامة مؤسسة تجارية في كل من جزيرتي البرهان والنكور معترفا بمغربية الجزيرتين مشيرا على أنهما تقعان في شاطيء إفريقيا بمملكة ملك المغربي وبالتعبير الحديث داخل المياه الاقليمية المغربية. وقد اعتبر احتلالها رمزيا لأن الجنرال سيرانو اكتفى بزيارة قصيرة لها مصرحا أمام جنوده أنها أصبحت اسبانية دون أن يترك بها أي حامية عسكرية بدليل انه لم يتم إنزال مثل هذه الحامية إلا في 23 فبراير 1968 بعد 12 سنة على استقلال المغرب.