نظمت المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير في يوم 30 يناير الماضي ندوة علمية حول أيام 29 _ 30 -31 يناير 1944 في مدينة فاس وقد ساهم صاحب حديث الجمعة في هذه الندوة بعرض مرتجل تفضل الإخوة في المندوبية الجهوية بمدينة فاس باستفراغ الشريط مشكورين. وإسهاما في التعريف بنشاط المندوبية السامية وبأهمية يوم 31 يناير في تاريخ الحركة الوطنية وما قدمته مدينة فاس من تضحيات وما امتاز به من التكافل والتضامن ننشر فيما يلي ما جاء في هذا العرض. أنا جد سعيد لحضور هذه الندوة التي تنظمونها بمناسبة الذكرى66 ليوم 31 من شهر يناير 1944 وفي الحقيقة استمعنا في الجلسة الصباحية إلى مجموعة من العروض القيمة والتي أشبعت الموضوع بحتا وتدقيقا ولا سيما فيما يتعلق بمرمى ومغزى هذا اليوم أو الأيام التي نحتفل بها. وقد سعدت عندما اتصل بي الأخ النائب الجهوي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير لأكون من بين المساهمين في هذه الندوة العلمية كما أن الأساتذة والمختصين والباحثين في الموضوع تكفلوا بان يتناولوا كل ما يتعلق بالموضوع أو كثيرا من الجوانب المتعلقة به، ولكنني رأيت انه من المناسب ان أساهم ولو بجزء يسير تذكيرا واحتراما وإكراما كما قال الأستاذ سيدي عبد الوهاب التازي صباحا لأولئك الشهداء الذين بذلوا دماءهم الزكية في سبيل ان يتحرر المغرب وفي سبيل ان يرتفع لواء الإسلام والعقيدة الإسلامية واللغة العربية ومكونات الهوية المغربية الحقيقية، وقد آثرت أن يكون موضوع مساهمتي هو: «الحركة الوطنية والتكافل الاجتماعي مدينة فاس نموذجا». الحركة الوطنية وامتدادها التاريخي في الواقع أن الحركة الوطنية اعتدنا عندما نتحدث عنها أو نطلق هذا المصطلح أن نعتبر بداية هذا العمل من منتصف العشرينيات من القرن الماضي غير أن الحركة ليست محصورة في هذا التاريخ ولا منذ بداية العمل الذي انطلق من مدينة فاس في هذه المرحلة وفي هذا التاريخ بالذات، ذلك إن الحركة الوطنية امتدت كما سمعنا صباحا على امتداد طول تاريخ المغرب، ولكنه إذا أردنا أن نتكلم عن الحركة الوطنية بالنسبة للقرن العشرين فيمكن أن ننطلق وأن نبدأ من البداية أي منذ بداية القرن وبصفة خاصة لما تكالبت الأطماع الأجنبية على المغرب واضطر المغاربة في كل المدن وفي القرى وفي الجبال أن يتحركوا وأن يقوموا بالدفاع عن الوطن والدفاع عن مقدسات وتاريخ هذا الوطن ولكن الأطماع الأجنبية والتفكك الداخلي والمؤامرات الأجنبية من كل جانب استطاعت أن تتغلب رغم أن الوطنيين في أواخر القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين وبصفة خاصة العلماء والأعيان في هذه المدينة حاولوا بكل ما أوتوا من جهد ومن قوة أن يسدوا الطريق وأن يردوا التيار الجارف. فاس وجذور الحركة الوطنية فمنذ سنة أو خمسة عشر شهرا نظمت أكاديمية المملكة المغربية ندوة علمية حول مدينة فاس بمناسبة مرور اثني عشر قرنا على تأسيس المدينة وقد كان لي شرف المساهمة في تلك الندوة بعرض بعنوان: »دور فاس في تفعيل الحركة الوطنية« وجاء في مقدمة ذلك العرض الحديث عن المدينة ودورها التاريخي والوطني و نظرا للارتباط الموجود بين ندوتنا هذه وتلك فإنني استأذنكم لإعادة بعض ما جاء في تلك المقدمة وذلك أنه منذ أسس المولى إدريس هذه المدينة على تقوى من الله ورضوان وأراد من تأسيسها ان تكون دار علم، وموئل الإيمان والحضارة وتوجه إلى الله في الدعاء المشهور ليحقق رجاءه ومبتغاه أخذت هذه المدينة مسارها في الجهاد والكفاح حيث تنطلق منها حملات الجهاد إلى اتجاهات متعددة وكان الملوك والقادة والزعماء ينطلقون منها، وإذا لم يكن ذلك ممكنا أو غير ميسر سعوا إلى أن تحظى أعمالهم بمباركة هذه المدينة وساكنيها، وذلك لما يتميز به أهلها من علم وتقوى، وما خصوا به من حكمة ورجاحة عقل، ويرجع الفضل في أكثر ذلك كله إلى ذلك المسجد الجامعة الذي كان من أول ما أنشئ في هذه المدينة في سعته وهدفه، واعني بذلك مسجد القرويين، الذي أصبح بعد ذلك أول جامعة عالمية وأول جامعة في العالم الإسلامي استمرت في أداء وظيفتها المزدوجة: تلقين العلم بمختلف فروعه، وأداء الفرائض على مدار الأيام والسنوات، وهكذا كان علماء القرويين سفراء المغرب في العالم الإسلامي يأخذون منه ويعطون، وكانت هذه الجامعة منارة متلألئة، وعلما خفاقا في سماء المعرفة، وفي مجال الدفاع عن العقيدة الإسلامية السمحة، ولا غرابة ان يقصد المدينة والجامعة العلماء من مختلف الأصقاع، وبذلك استقطبت فاس أعلام المعرفة في مختلف فروعها وأعلام العرفان في التصوف والحكمة، وبمراجعة بسيطة لأولئك الأعلام الذين نشئوا في المدينة أو الذين قصدوها أو زاروها من الغرب أو الأندلس أو غيرهما يتأكد ما لهذه المدينة وجامعتها من إشعاع، واستمر هذا الإشعاع رغم كل التقلبات التي عرفتها الأوضاع السياسية والعلمية في المغرب وفي الشمال الإفريقي، وان شئت الدقة قلت في الغرب الإسلامي كما يحلو للناس أن يعبروا اليوم. لهذا كله وغيره نجد أن الحركة التحريرية التي اصطلح على تسميتها بالحركة الوطنية وجدت جذورها وأصولها الأولى في مدينة فاس. عن أي عقد للحماية نتكلم؟ ولكن الأمر قد انتهى وقضي الأمر وفرضت الحماية، هذه الحماية التي فرضت على المغرب في ظروف دقيقة وصعبة والتي تمت مقاومتها من طرف المغاربة بدون استثناء ونحن من خلال ما ندرس وما نقرأ نلاحظ أن هذه الوثيقة وثيقة الحماية، وثيقتان وإذا سلميا بذلك فما هي الوثيقة التي تم التوقيع عليها هل النص العربي و النص الفرنسي، أن المؤرخين والباحثين في هذه المرحلة يعتقدون أن هناك نصين نصا فرنسيا ونصا عربيا وأن الذي تم توقيعه أو على الأقل تم الاحتفاظ به هو النص العربي الذي يحدد عقد الحماية في 25 سنة هذا ما يقوله بعض المؤرخين وبذلك فالموضوع في حد ذاته يكتنفه الغموض الكثير لأن الباحثين الذين يتحدثون عن الوثيقة المعربة يتحدثون عن وثيقة لا وجود لها، وأن الفرنسيين حاولوا بكل الوسائل أن تبقى هذه الوثيقة إذا كانت موجودة سرية بل إن المؤرخين يحاولون ان يربطوا بين وفاة مولاي عبد الحفيظ في ابريل سنة 1937م وبين نهاية عقد الحماية الذي حدد في 25 سنة في نظر هؤلاء على الأقل، هذا الموضوع لا يزال بعض الباحثين يتناولونه بالدرس والتمحيص، وهو موضوع لم أقف شخصيا فيما كتبه زعماء الحركة الوطنية على إثارته والحديث عنه، وعلى أي حال فهي أسئلة مطروحة. الشعب يقاوم الحماية إن الحركة الوطنية ابتدأت بالفعل ومنذ توقيع الحماية وقبلها لأن العمل الوطني والشعور الوطني والإحساس بالدفاع عن الأرض والوطن كان موجودا طيلة قرون عند المغاربة ولم تجد الحماية التي فرضت على المغرب الا المقاومة والجهاد في كل مكان وهذا هو سر ما نعرفه وما نقرأ عنه في أن كل القبائل المغربية وكل المدن المغربية قامت بواجب الدفاع وبواجب الرفض ولكن مركز الثقل في البداية كان في مدينة فاس، وهذا ما جعل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تهتم بالدور الذي لعبته فاس بمجرد توقيع الحماية حيث عرفت تلك الانتفاضة العظيمة ضد الاستعمار الأجنبي ولاشك أن الندوة التي نظمتها المندوبية حول أيام فاس الدامية أيام 17و 18 ابريل عام 1912م وجيش التحرير يعتبر مجهودها في كونها ألقت الضوء سابقا على أيام 17 و 18 و 19 أبريل 1912. هذه الأيام التي تعتبر فيها مدينة فاس مدينة محاصرة مدينة مقاومة مدينة مجاهدة مدينة رافضة الرفض الكلي للاستعمار وللحماية ولما يترتب عنه، إذ في هذه المرحلة ظهرت مدينة فاس حتى في سنة 1913 مدينة متضامنة مدينة متكافلة فيما بين أبنائها، ولكن الخرق اتسع على الراقع وسبق السيف العذل كما يقال. وإذا كانت فاس عانت في هذه الأيام ما يندى له الجبين والذي وصفه كثير من الباحثين والمؤرخين فإن شاهد عيان هو المرحوم عبد الله كنون كتب في مذكراته وصفا دقيقا ومروعا في نفس الوقت لتلك الجرائم التي ارتكبت في حق المدينة وشبابها وإذا كانت النهاية محزنة فإن فاس في هذه المرحلة والحركة الوطنية لم تنهزم لأنهم خسروا معركة، بل ان المعنويات كانت قوية والذي تبقى معنوياته قوية لا محالة ينتصر في المعركة الأخيرة المعركة النهائية. الانطلاقة الفعلية للحركة الوطنية السياسية إن الحركة الوطنية السياسية الجديدة كما اعتدنا أن نتكلم عنها انطلقت منذ نهاية ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي أي في سنة 1926 وسجل ثلاثة شعراء من الشباب في تلك المرحلة هذه النهاية وما تركته من خيبة أمل لدى الشعب ولدى الشباب وهؤلاء الشعراء الثلاثة من الشباب وهم المختار السوسي وعلال الفاسي والمدني العلوي هؤلاء الذين رأوا في استسلام محمد بن عبد الكريم الخطابي رأوا في ذلك الاستسلام نهابة لما كانوا يتطلعون إليه بأن الثورة ستنتصر وان الاستعمار سيندحر ويعبروا عن ذلك بقولهم: بدأ المختار السوسي فقال: اليوم حق لشعبك الإحداد قضي القضاء وفازت الفساد فأجاب علال الفاسي: ضاعت مقاصد أمة ترنو إلى العلياء إذ ضاعت بك الأسياد وقال المديني العلوي: كنتَ المُمِدَّ لها بسر عزيمة فاليوم لا سر ولا إمداد ولكنهم كانوا شبانا يملؤهم الطموح وتملؤهم العزيمة وتملؤهم الإرادة فهم ليسوا من الشبان القنع الذين قال الشاعر فيهم: شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحين أي أنهم لا يرجى من الخير ولكنهم من الشباب الذي قال في شأنهم علال الفاسي رحمه الله: كل صعب على الشباب يهون هكذا همة الرجال تكون قدم في الثرى وهمة فوق الثريا هناك قدرها مكين هكذا كان هؤلاء الشباب وبهم مع إخوانهم انطلقت الحركة على بركة الله. الشباب في الميدان وإذا نظرنا إلى وضع هؤلاء الشباب نجدهم طلبة في الثانوية الإدريسية أو في القرويين كانوا يعقدون اجتماعاتهم في المدارس التي يسكن بها الطلبة، فقد ذكر الأستاذ المختار السوسي رحمه الله في كتابه ذكريات، أن تقديم المطالب الأولى في سنة 1926 المتعلقة بمدينة فاس أن الوفد الذي قدمها انطلق من بيته في المدرسة العنانية، إذا فهؤلاء الشباب الذين التقوا في جامعة القرويين وفي الثانوية الإدريسية والذين كانوا من مختلف المدن والقبائل المغربية هؤلاء الشباب كانوا لا يملكون مالا ولا جاها ويملكون الإرادة والعزيمة والرغبة في الحرية والاستقلال والتحرر وكان عملهم انطلاقة موفقة وانطلاقة جبارة لذلك فنحن نتكلم عن الحركة الوطنية الحديثة أو المعاصرة أو الحالية ابتداء من هذه المرحلة. الشباب يخلق المفاجأة إذن الحركة الوطنية انطلقت من لدن شباب واعد مؤمن بقضية وطنية استطاع ان يصنع مفاجأة فانضم إليهم ومعهم رجال كانوا يرعون هؤلاء الشباب الذين كانوا كما قلنا لا يملكون إلا الإرادة والعزيمة لقد كان بجانب هؤلاء الشباب مجموعة من الوطنيين الذين اهتموا بطموحات الشباب الوطنية وسعوا ان يوفروا لهم ما يمكن ان يكونوا في حاجة اليه لدعم اندفاعهم الوطني وهكذا انطلقت الحركة وانطلق معها ما يمكن ان نسميه التضامن والتكافل الاجتماعي التطوعي، فهؤلاء الشباب يتطلب عملهم مصاريف لطبع بعض المطبوعات أو منشورات وغيرها مما يفرض بعض التكاليف ولو في حدها الأدنى ثم تطور الأمر بعد ذلك وفرض عليهم ان يتصلوا بالصحف وأرادوا أن ينظموا الوفود وأرادوا كثيرا من الأشياء والتنقلات وهؤلاء لم يكونوا إلا تلاميذ وطلاب التقوا في رحاب الدرس وبين جدران القرويين والمدرسة الإدريسية والزاوية أو المدرسة الناصرية. الحركة والتضامن وظهير 16 مايو 1930 إذا هنا يبرز كما قلت ما نسميه بالتضامن والتكافل فالطلبة يحتاجون إلى منح ويحتاجون إلى كتب ويحتاجون إلى وسائل والمدارس الحرة التي بدأ تأسيسها احتاجت هي كذلك إلى أساتذة والتلاميذ الذين يتوجهون إليها ليسوا جميعا من ذوي الإمكانيات المادية التي تساعدهم على تلقي الدروس وشراء لوازم الدراسة لكي يتابعوا دراستهم والشباب محتاج إلى الكتب والدوريات والنشرات التي كانت تجلب من الشرق هذه الأشياء كلها تكلفت بها الحركة الوطنية لمساندة ومساعدة الشباب وبتضامن المناضلين الذين استطاع هؤلاء الشباب ان ينسقوا معهم وكانت لهم هم أيضا الرغبة في المساعدة و أن يلتئموا وأن يتحدوا مع هؤلاء الشباب. لقد تمت الإشارة صباحا إلى البداية التي يعتبرها الكثيرون بداية واضحة بارزة وهي 16 مايو 1930 عندما أراد الاستعمار الفرنسي أن يقنن وقنن بالفعل السياسة البربرية التي كان الاستعمار قد ضبطها وحدها في الجزائر ثم قبل ذلك في قوانين 1914، بمعنى ذلك أن الظهير الذي صدر في 16 مايو 1930 لم يكن وليد الصدفة ولكن جاء بسياسة مرسومة مقننة ومحددة من طرف الإدارة الفرنسية وإدارة الشؤون الأهلية بالجزائر وفي المغرب كذلك. الحركة والتكافل الاجتماعي ومع بداية الحركة بدأت الاعتقالات كما بدأ فصل بعض الموظفين من مهامهم، وقد نتج عن هذا الفصل الكثير من المشكل والقضايا خاصة ما يتعلق بالجانب المادي من أجل ذلك تقدم إلى الميدان بكيفية قوية و واضحة الوطنيون ذوو الإمكانيات المادية، مع العلم أن أغلب فئات المجتمع المغربي في ذلك الوقت كانت إمكانياتها ضعيفة، وحصل الإجماع لدى الشعب المغربي الذي رسخ صف التضامن، إذ بادر هؤلاء إلى الرعاية والتكفل وتأسست الأمانة المالية للحركة التي تحملت المسؤولية بكل الإخلاص والأمانة، واهتمت بأسر وأبناء المعتقلين الذين زجت بهم سلطات الحماية في السجون والمعتقلات، تاركين وراءهم عائلات مكلومة في حاجة إلى من يرعاها. هنا يتجسد جانب من جوانب التكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي الذي نشأ مع الحركة الوطنية في مدينة فاس وفي غير فاس. ارتباط الحركة بالإسلام والواقع أن هذا الأمر ليس مستغربا ولا طارئا، لأن الحركة الوطنية المغربية ارتبطت منذ نشأتها بالإسلام بالعقيدة الإسلامية ومن بين أسس هذه العقيدة الاجتماعية التضامن. وكما نعرف جميعا كانت بداية العمل الوطني مرتكزة على الجانب الديني السلفي لتحرير الإنسان المغربي من الخرافة ومن التقليد ومن كل شيء يكبل أفكار الناس ويشل حركاتهم وخاصة الحركة الفكرية والذهنية، ولذلك كما كان يقول الأستاذ علال الفاسي رحمه الله، كانت الحركة من أجل تحرير وتجديد الآلية النفسية وتحرير الإنسان المغربي لكي يتحرك إلى الأمام. لقد كانت السلفية في المغرب وفق هذا التصور، سلفية جديدة وسلفية اندفاعية وليست سلفية الرجوع إلى الخلف، فهي إذن ثورة إلى الأمام، اندفاع إلى الأمام وتحرير للإنسان. ولذلك فلا نستغرب، إذا كان المرتكز الأساسي هو التمسك بالقيم الإسلامية وبالدين الإسلامي، ونحن نعرف جميعا أن الإسلام مبني على الأخوة وعلى المؤاخاة، إن أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينةالمنورة كان دعوته للتآخي بين المهاجرين والأنصار، حيث قال: تآخيا في الله أخوين أخوين. إذن فالتضامن جزء أصيل من عقيدتنا وخلق أصيل من خلق الإنسان المغربي، الإنسان الوطني بصفة عامة ولدى ساكنة فاس ونواحيها بصفة خاصة نظرا لوجود جامعة القرويين بها كما أسلفت ولاشك أنكم جميعا تستحضرون ما جاء في القرآن الكريم من التنصيص على الإخوة بين المؤمنين (إنما المؤمنون إخوة) والدعوة إلى التآخي والتضامن (واعتصموا بحبل الله جميعا) وقول الرسول عليه السلام (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وقوله (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم) 31 يناير وتاريخ الإسلام نظرا لضيق الوقت سامر على بعض المراحل لأصل إلى الفترة الزمنية التي نحن بصدد دراستها، فبالنسبة ليومنا يوم 31 يناير، فقد أشار الأستاذ المجاهد سيدي امحمد الدويري إلى مغزاه، مقارنة بالتاريخ الميلادي وتاريخ الإسلام وبصفة خاصة الحدث العظيم فتح مكة والحدث الكبير غزوة حنين التي لها مغزى ودلالة في تاريخ الإسلام، لأنها شكلت درسا للمسلمين»، ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين». إذن هذا الدرس نفسه الذي يأخذه الإنسان من هذه المقارنة يمكن كذلك أن يكون له إسقاط على هذا اليوم الذي نحتفل به، لاسيما والحركة الوطنية المغربية منذ بدأت وهي مرتبطة بالسيرة النبوية. إن أساتذة وقادة الحركة الوطنية أمثال سيدي علال وغيره من العلماء والأساتذة، كانوا يرون أن تلقين السيرة النبوية، أمر أساسي بالنسبة لخلايا الحركة الوطنية ولخلايا الحزب. وعندما نقول الحركة الوطنية في هذه المرحلة فإننا نعني بها كتلة العمل الوطني ومن بعدها الحزب الوطني ثم الحركة القومية، ورغم الاختلافات، فقد كان الوطنيون يلتقون ويتحدون في الشدائد، فمن شهداء 1937 1938 الشهيد المرحوم محمد القري رحمه الله الذي كان منتميا الحركة القومية، وهو شخصية لا يمكن أن تغيب أو أن لا تحضر في ذهننا عندما نتحدث عن الحركة الوطنية المغربية. الحركة الوطنية وحدة نضالية لا ينبغي أن نعتبر أن هذا الاختلاف خلق عدة حركات وطنية، بالفعل كانت هناك كتلة العمل الوطني فوقع سوء تفاهم أسفر عن تأسيس حركة قومية وحزب وطني ثم من بعد ذلك حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، إلا أننا حينما نتحدث عن يوم 31 يناير بمدينة فاس كنموذج، ندرك أن المدينة خرجت عن بكرة أبيها، دون تمييز بين هذا الانتماء وذلك الانتماء. ولكن مع تأكيد ان ذلك تم بدعوة من حزب الاستقلال الذي أسس لهذه الغاية قيادة تكفلت بتسيير الحركة وإعطاء التوجهات والتعليمات للمناضلين. نعم كانت هناك درجات حسب الدور الذي قام به كل واحد، إلا أن فاس بتجارها وأعيانها وعلمائها وحرفييها وطلبتها وعمالها، وكل ساكنتها رجالا ونساء، شبابا وشابات، كهولا وشيوخا، كانت في معركة واحدة، وكان الجميع في صف واحد. كما يجب التذكير بأننا عندما نقول سكان مدينة فاس لا نقصد السكان ذوو الأصول الفاسية فقط، ولكن كل سكان مدينة فاس بغض النظر عن عرقهم أو أصولهم القبلية، وكذلك القبائل والقرى المجاورة للمدينة، لأن الإسلام لا يعترف بهذا الحدود. فكل مسلم أخو المسلم وكل مؤمن أخو المؤمن، وكما يقال في مدينة فاس: لا أحد خرج من خصة مولاي إدريس أو القرويين. وعلى كل حال فقد كان الوطنيون ينتمون الى كل جهات المغرب، والاعتقالات التي تمت تؤكد ذلك إلا أننا لابد من الاعتراف بالدور الطلائعي الذي لعبته مدينة فاس والوطنيين في مدينة فاس الذين قدموا التضحيات الجسام، وقد أخبرنا شهداء عيان صباحا ومنهم سيدي محمد الدويري وسيدي عبد الوهاب التازي، بما كانت عليه مدينة فاس من منع للكهرباء والماء والتموين وكيف كان يعيش سكانها ومن أين كانوا يتدبرون المواد الغذائية. لقد دون ابن خلدون ظاهرة لا تزال قائمة في هذه المدينة وهي أن سكانا يمتازون بالتأمل في العواقب ويمتازون بالحفاظ على (العولمة) ويمتازون كذلك بادخار ما يحتاجونه من مواد، لذلك كانت كل الدور التي تتوفر على مواد غذائية من إيدام وزيت وعسل أو أي شيء آخر من التموين تتضامن وتتكافل مع جيرانها. لقد كان أهل مدينة فاس في ذلك العهد، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأشعريين: إنهم إذا أغموا ونفذ زادهم في المدينة جمعوا ما عندهم ووضعوه في ثوب وأتوا به فاقتسموه فيما بينهم فأنا منهم وهم مني. والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.