ساكنة المداشر المحيطة بالمنطقة التي سيقام عليها ميناء طنجة المتوسط أشبه ما تكون ببركان راكد يكظم غيظه رغم النيران التي تنهش أحشاءه، فما أن تُقرّب من أحدهم آلة التسجيل وتطلب منه أن يحكي لك عن وجه وقيمة الضرر الذي خلفته له عملية نزع الملكية حتى يغلبه الضغط الذي يموج به قلبه فينفجر معبرا بالحركات والملامح والأوداج قبل الكلمات والعبارات. وبالإضافة إلى ما أوردته التجديد في عدد يوم أمس من تصريحات حول عدة خروقات شابت عملية نزع الملكية وفجرت غضبا عارما بين سكان المنطقة، وقفنا على حالات أخرى من السكان المتضررين الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها أمام مصير مجهول، وأملاكهم تُنزع منهم مقابل تعويضات لا تساوي حتى نصف قيمتها الحقيقية. في الملف التالي صفحة أخرى من معاناة ضحايا مشروع مهم وحساس تكاد تفسد مقاصده التنموية عشوائية نزع ملكية أراضي وأملاك السكان وسوء تقدير التعويض عنها. نحن أولى بالمشاريع لن نقبل بمعاينة أو نزع ملكية أي شبر من أراضينا أو ممتلكاتنا إلا بعد أن يوقع معنا المعنيون على التزام واضح في الموضوع، وسنعتبر بالأخطاء التي وقع فيها آخرون قبلنا، لن نستبدل دريهمات بأراضينا التي وجدنا فيها أجدادنا وتوارثناها عنهم منذ ما يزيد عن ثلاثة قرون، وإذا كانت ستنزع منا أراضينا من أجل أن يقيم عليها آخرون مشاريع فنحن أولى بها، ونحن مستعدون لأن نمول فيها ونشرف فيها بأنفسنا على أي مشروع يقترحه علينا المسؤولون، كلمات أرسلها محمد المرابط، أحد أبناء المنطقة، ويداه تعبران أكثر من لسانه عما ينتابه من انفعال وتوتر، مضيفا: أنا أقطن في سبتةالمحتلة وبحوزتي وثائق وأوراق العمل والإقامة فيها، ويمكنني أن أستفيد من أي تمويل أطلبه مهما كان حجمه، وهناك العديد من جيراني وأصدقائي مستعدون للتعاون والتكاثف من أجل تمويل أي مشروع تقترحه علينا وكالة طنجة المتوسط أو غيرها، أما أن تنزع منا أراضينا بأثمان هزيلة ونُرمى إلى المجهول، فذاك ما لن نقبله ولن نرضى به. ويعبر من جهة أخرى عن حنقه وغضبه تجاه المسؤولين المحليين، سواء في السلطة المنتخبة أو السلطة المحلية: لم نعد نثق في المسؤولين هنا، نسمع منهم كلاما في الصباح ويتراجعون عنه في المساء، ولما نطالبهم بوثيقة مكتوبة تتضمن التزاماتهم والضمانات التي يوفرونها للسكان، يتملصون بكل الطرق والوسائل. أما سائق طاكسي فيعبر بحرقة كبيرة وجسمه يهتز وسط جلبابه الصوفي وبلهجة جبلية حادة، ويستنكر الأضرار التي لحقت أبناء الدوار قائلا: قلّبوا التراب هنا في كل مكان وأفسدوا الطرق التي أنشأناها بسواعدنا وقالوا إنهم سينشؤون هنا سكة حديدية وطريقا سيارا، هذه الأشغال منعتنا من الطرق التي ندخل منها إلى بيوتنا، كما أن المياه بسبب هذه الأشغال مقطوعة عن منازلنا وكذا الكهرباء، والأخطر من هذا هو أن هذا الوادي الجاف الذي يعبر المنطقة تم إغلاق مجراه بسبب الأشغال، وإذا تساقطت الأمطار في هذه الفترة بالذات فستقع ساكنة المنطقة كلها ضحايا الفيضانات لا قدر الله. ويصيح متحسرا وهو يشير إلى طريق غير معبدة عبثت بأتربتها وأحجارها آليات الحفر الثقيلة التابعة لإحدى الشركات التي باشرت الأشغال للبدء في بناء ميناء طنجة المتوسط: هذه طريق أنفقت الساكنة أربعة ملايين سنتيم من أجل شقها، وأفرغت فيها الجماعة القروية ما قدره 14 مليون سنتيم من خليط الرمال والحصى (التوفنا) وهاهي ذي قد تم إفسادها بهذه الأشغال وتعطلت بسبب ذلك العديد من مصالح السكان. وكلما زاد تعمق محدثنا السائق في المشاكل التي تسبب فيها سوء تسيير أشغال الميناء، زاد انفعاله واستنكاره، وهكذا يصرخ منددا: كل من تحدثنا إليه في الموضوع من المسؤولين يهددنا بالقول إن هذا مشروع سيدنا وإننا نعرقله، ويتهمنا بأننا ضد المصلحة العامة، لسنا ضد مشروع الميناء، لسنا ضد مد خطوط السكة الحديدية، لسنا ضد الطريق السيار، نحن أول من يفكر في المصلحة العامة، ولولا ذلك ما شققنا هذه الطرق التي ترى على نفقتنا، جلالة الملك لم يقل لهم أن يرمونا إلى البحر، ولم يرسلهم لكي يشردونا، هم الذين يسيئون تسيير مشروع سيدنا، أما نحن فلا نطالب إلا بحقوقنا ونريد الحفاظ على أرزاقنا. يشترون منا الأرض ب30 درهما ويبيعوننا أخرى ب200 درهم ومما يثير غضب سكان المنطقة الذين نزعت ملكياتهم، بالإضافة إلى هزالة التعويضات التي عرضت عليهم، ذلك التفاوت الصارخ في التقدير لدى القائمين على نزع الملكية وعلى التعويضات، فهم عندما يقدمون على شراء الأرض من المواطنين يعرضون عليهم أثمانا بخسة جدا، لا تتعدى أحيانا 30 درهما للمتر المربع رغم قربها من البحر ووجودها في منطقة واعدة من الناحية الاقتصادية، ولكنهم بالمقابل عندما يقترحون عليهم قطعة أرضية في ما سمي التجزئة وفي منطقة جبلية تبعد عن البحر وعن المرافق الاستراتيجية المحتمل استحداثها في المنطقة، يبيعونهم إياها ب200 درهم للمتر المربع. أحد المتضررين وقف حائرا لم يستطع أن يفهم ما يحدث: نزعوا لي ملكية نصف أرضي ولم يرخصوا لي بالبناء في النصف الثاني، وقد بلغت المساحة التي نزعت لي ملكيتها حوالي 5 أو 6 هكتارات، وكذا ثلاثة بيوت، والغريب أنه ليس بين أرضي وأرض أخي إلا الحدود، ورغم ذلك عوضوه ب150 درهما للمتر المربع وعوضوني أنا ب50 درهما فقط، ولست أدري ما المعيار الذي اتبعوه، وقبل خمس سنوات جاءني من يعرض علي البيع ب1200 درهم للمتر المربع ورفضت. عبد الله الزايدي بدوره يؤكد في استغراب: نزعوا لي ملكية نصف بيتي وتركوا لي النصف الآخر، وعوضوني بمبلغ 31 مليون سنتيم، ومنعوني من البناء في ما تبقى لي من الأرض، فماذا سأفعل، عوضوني ب160 درهما للمتر المربع وعرضوا علي قطعة أرضية ب200 درهم للمتر المربع في مكان قالوا إنه تجزئة وليس فيها ماء ولا كهرباء ولا طرقات ولا صرف صحي، وأمهلوني أسبوعين وإذا لم أفرغ البيت سيطردونني منه بالقوة، فما مصيري؟ أمضيت عشرين سنة وأنا أعمل في البحر لأوفر ثمن ما بنيت به هذا البيت، وفي الأخير ينزع مني بهذه الطريقة وبهذا الثمن البخس الذي لا يبلغ حتى نصف ما أنفقته فيه. ما يحدث الآن في المنطقة فتح شهية المضاربين العقاريين الذين نشطوا في شراء الأراضي والأملاك، حسب تصريحات بعض السكان، فعبد الله الزايدي مثلا يؤكد: النصف الثاني الذي تبقى لي ومنعت من البناء فيه، جاءني أحد السماسرة يعرض علي أن أبيعه إياه ب40 درهما للمتر المربع، والثمن الحقيقي للأرض يفوق ذلك بأضعاف. تجزئة في الجبل ومن الجماعات التي تعتبر نفسها متضررة كثيرا من أشغال المشروع، الجماعة السلالية ظهر الخروب، التي تم السطو على أرض خاصة بها، حسب تصريح نائبها الشرعي عبد القادر الناجي، الذي قال إنه اشترط على المسؤولين إذا أرادوا استغلال هذه الأرض أن يجهزوا منها خمس هكتارات لفائدة أبناء وشباب الجماعة السلالية، أو يتم استغلالها عبر مسطرة نزع الملكية. يقول الناجي: اقترح المسؤولون عن المشروع قطعة أرضية تعود للجماعة السلالية التي أنوب عنها لتنجز فيها تجزئة ينتقل إليها الذين نزعت ملكية منازلهم، رغم أن الفصل 11 من ظهير 1919 لا يمكن بموجبه تفويت أراضي الجماعة السلالية إلا عن طريق نزع الملكية أو التراضي، وقد اتفقنا معهم على أن نفوت لهم الأرض ليقيموا عليها تجزئة شريطة تخصيص وتجهيز خمس هكتارات من الأرض المذكورة لصالح سكان دوار ظهر الخروب، ولكننا لم نتلق أي جواب في الموضوع، وقد انطلقت الأشغال في التجزئة دون أن تتم الاستجابة للشرط الذي تراضينا عليه. ويؤكد الناجي أنه راسل وزير الداخلية في الموضوع يطلب منه تحديد ملك الجماعة السلالية بظهر الخروب قيادة تغرمت بسبب الترامي الذي يطال هذه الأرض، وقال إنه لم يتلق أي جواب. ويحاول الناجي تصوير حجم الضرر واتساع رقعته بالقول: هذه أرض يستفيد منها حوالي 1773 من السكان، في أعمال الرعي والفلاحة، فما الذي سيفعلونه الآن؟ أما أحد أبناء المنطقة الآخرين فقد حاول أن يشرح الموضوع أكثر، حيث صرح متحمسا: هناك ثلاثة مداشر شملتها المرحلة الثانية من نزع الملكية، وهي واد الرمل والدالية والحومة، وكلها تجمعات سكنية محيطة بالموقع الذي سيقام فيه الميناء، ويطالب سكان هذه المداشر الثلاثة بأن تجهز الدولة أرضا في المنطقة وتسكن فيها المواطنين الذين تريد تهجيرهم إلى طنجة وتطوان. الأرض التي اقترحتها وكالة طنجة المتوسط لإعادة إسكان المواطنين يقولون عنها إنها لا تحمل من نعت التجزئة إلا الاسم، فلا ماء فيها ولا كهرباء ولا قنوات صرف صحي... هذه الأرض يشرح أحد المتضررين معروفة بكثرة الانجرافات، أو ما يعرف في المنطقة بالسيخ، وأكثر من ذلك، فهذه التجزئة المزعومة لا تتوفر فيها إلا 194 قطعة أرضية في حين فاقت الطلبات لحد الآن 300 طلب، ويضيف مستغربا: لست أدري أين ستسكن حوالي 14000 أسرة التي ستأتي مع الميناء، لأنه سيوفر هذا العدد من مناصب الشغل، ثم مادام سكان المنطقة الذين نزعت ملكياتهم لم يجدوا مساكن بعد، لماذا سيهجّر أبناء المنطقة ليسكن فيها آخرون.