يبسط الأستاذ العلمي الهبطي، الذي ينوب، بمساعدة الأستاذ سعيد الخمليشي، وهما محاميان بهيأة طنجة، عن متضررين من نزع الملكية في إطار مشروع ميناء طنجة المتوسط، عددا من الخروقات القانونية التي شابت عملية نزع الملكية، ويِؤكد أن بعض موكليه تعرضوا للمساومة والضغوط ليقبلوا بالتعويضات المعروضة عليهم، وأن بعض المعترضين على الطريقة التي يتم بها نزع الملكية يتم ترهيبهم بالقول إنهم بذلك يقفون ضد رموز الدولة. ما هي أهم الخروقات التي وقفتم عليها في عملية نزع الملكية لأجل المنفعة العامة في ملف ميناء طنجة المتوسط؟ أخطر ما في مسطرة نزع الملكية هو المرحلة الأولى المتعلقة بالبحث الإداري، التي يتم فيها تحديد البقع الأرضية ووضع تصميم تجزيئي لها والبحث في مراجعها العقارية، أي هل هي محفظة أم غير محفظة أم في طور التحفيظ، كما يتم تحديد مساحتها بالأمتار المربعة وكذا المنشآت السطحية الموجودة عليها (مباني مشاريع أغراس...) وأسماء وعناوين الملاّكين، وهذه الأعمال تشرف عليها لجنة إقليمية تتكون من السلطة المحلية ومن مكتب دراسات ومن نازع الملكية، الذي هو في الحالة التي نتحدث عنها الوكالة الخاصة طنجة المتوسط، وبعدما تقوم هذه اللجنة بجرد الممتلكات والمساحات المنزوعة ملكيتها والمنشآت السطحية الموجودة عليها... (مقاطعا) يلاحظ غياب تمثيلية الجهة المنزوعة ملكية أراضيها في اللجنة الإقليمية المكلفة بنزع الملكية، أليس هذا فراغا تشريعيا؟ هذه قضية مهمة تشغل فقهاء القانون الإداري، وخصوصا بعض مستشاري المحكمة الإدارية، الذين يحبذون حضور المالك وكذا السلطة المحلية المنتخبة بدل السلطة المحلية الإدارية المعينة، لأن ممثل هذه السلطة الإدارية في اللجنة المكلفة بتحديد الأراضي التي تقتضي المنفعة العامة نزع ملكيتها غالبا ما يكون مفروضا عليه نظرا لإكراهات موضوعية أن ينحاز إلى الجهة نازعة الملكية، التي في الغالب الأعم تكون سلطة إدارية، وهناك أساتذة في القانون يودون لو يعيد المشرع النظر في قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ويغير تشكيلة اللجنة المكلفة بالبحث الإداري وبتحديد القطع الأرضية أو المنشآت اللازم نزع ملكيتها في اتجاه التنصيص على حضور صاحب الملك المعني أو من يمثله لكي يصحح منذ البداية الأخطاء التي يحتمل أن يقع فيها من يقومون بالتحديد، ويسجل اعتراضاته ويثبت مطالبه لتؤخذ بعين الاعتبار، خاصة وأن عمليات نزع الملكية غالبا ما تتم بالبودي أو في ضواحي المدن، ونحن نعرف جيدا حجم الأمية في البوادي وما يمكن أن يتسبب فيه من خروقات في هذا الموضوع. ومن جهة أخرى هناك ملاحظات في ما يخص نشر وإعلان المراسيم المتعلقة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، فغالبا ما يتم نشرها في الجريدة الرسمية أو في الجرائد المعهود لها بنشر الإعلانات الإدارية والقضائية، ونحن كما قلت نعلم جيدا أن الأمية تسجل نسبا مرتفعة جدا في البادية، كما أن عدد قراء الجرائد في المدن محدود جدا فما بالك بالقرى والمداشر، لهذا تساءلنا نحن مثلا، في ما يخص ملف نزع الملكية في إطار مشروع ميناء طنجة المتوسط، لماذا لم يتم اللجوء إلى طريقة البرّاح في الأسواق الأسبوعية لإخبار السكان بدل تعليق مراسيم نزع الملكية في مقر الجماعة، حيث يصعب على المعنيين الاطلاع عليها وقراءتها بسبب الأمية كما أسلفنا. ما هي أهم الأضرار التي نتجت عن العملية التي تم بها تحديد ونزع الملكية لموكليكم؟ النتيجة التي أوصلنا إليها شكل نزع الملكية الذي تحدثنا عنه سالفا هي أن قطعا أرضية مبنية جاءت في المرسوم المنشور بالجريدة الرسمية على صيغة أراضي عارية نظرا لغياب التواصل والإخبار الحقيقي والفعال للمعنيين، ومعلوم أن أخطر الخروقات التي يمكن أن تقع في عملية نزع الملكية تقع بالدرجة الأولى في مرحلة البحث الإداري، فغالبا ما يكلف رجال السلطة أعوانها بتمثيلهم في الموضوع، وهؤلاء تجد بعضهم تغلب عليهم الأمية أو يخضعون لنزعات انتقامية من بعض الأفراد، أو من بعض المجموعات، وهذا مما يتسبب في الإضرار بالمالكين أحيانا بقصد وأحيانا بغير قصد ، هذا بالإضافة إلى أن نازع الملكية كثيرا ما يكون من خارج البلد المنزوعة فيه الملكية، وفي حالة موكلي مثلا، وجدنا أن مكتب دراسات بالرباط هو الذي قام بالبحث الإداري. لاحظنا كذلك في ما هو منشور بالجريدة الرسمية أنه يعلن أن كل الذين نزعت ملكياتهم يسكنون بمنطقة وادي الرمل، وهي فقط مدشر واحد من 12 مدشرا تهمها هذه العملية، وهكذا نشرت عناوين خاطئة، ومن نتائج ذلك أن العديد من المواطنين لم يتوصلوا باستدعاءاتهم من المحكمة في الموضوع رغم مرور عدة جلسات في القضية. وبالإضافة إلى هذا وقفنا على خروقات لا يمكن إلا أن نعتبرها خروقات متعمدة، لأن طبيعتها يصعب معها افتراض كونها ارتكبت بغير قصد أو عن جهل، فمثلا المتضرر محمد الدواس له أراضي وممتلكات عليها بنايات لعدة مشاريع اقتصادية ويشغل فيها العديد من العمال، ووردت في الجريدة الرسمية على أنها أراض عارية، كما أن ورثة أحمد الشلاف الذي مات بمدينة سبتة رحمه الله منذ 10 فبراير 2002 بعد تعرضه لحادثة سير، فإذا بنا نفاجأ بوثيقة ورد فيها أنه حضر رفقة ممثل السلطة المحلية وممثل مكتب الدراسات وممثل الوكالة الخاصة طنجة البحر الأبيض المتوسط بناء على الاستدعاء الموجه عن طريق السلطة المحلية، ومما يدل أيضا على التدليس أن هذه الوثيقة لا تحمل تاريخا محددا، كما أن السيد أحمد الشلاف مات قبل صدور مرسوم نزع الملكية، والأملاك التي خلفه رحمه الله عديدة، منها 11 دارا للسكنى ومسبح وفيلا ومقشدة ومقهى وأملاك أخرى، وكل هذا وقع تقييمه من طرف اللجنة المعنية ب34 مليون سنتيم فقط، ويواجه الورثة الآن حكما بالتنفيذ للحيازة، وفي مثل هذه الحالات يكون المتضررون أمام حلين أحلاهما مر، فإما القبول والإمضاء على مبلغ التعويض على هزالته، وإما المنازعة فيه أمام القضاء وانتظار سنوات أخرى، وفي هذه الحالة يكون المتضررون أمام خيار القبول بنصف الخسارة عوض خسارة كاملة، وورثة الشلاف هؤلاء تعرضوا لضغوط ومساومات للصلح يقول أصحابها إنها ستتم بناء على محضر سري جديد للمعاينة يصحح أخطاء المحضر الأول ويقولون إنه أنجز بمقر عمالة الفحص أنجرة ورفضوا إطلاعنا عليه، وقيل لموكلِيّ (ورثة الشلاف) إنهم بتوجههم إلى القضاء يواجهون رموز الدولة، ونحن نعتبر أن جلالة الملك منزه عن هذه المسائل، وهو ملك الجميع. لقد أصبحنا في مثل هذه الحالات أمام عقود إذعان تفرض على المالكين عوض عقود تراضي، فموكلي الحاج محمد الدواس مثلا بعد حديثنا إلى ثلاثة خبراء، تم تقييم أملاكه التي سيشملها نزع الملكية بما يزيد عن ملياري سنتيم، وعرض عليه تعويض حوالي 50 مليون سنتيم فقط. هل من قضية أخرى وقفتم فيها على خروقات؟ هناك قضية أخرى تهم موكلي السيد عبد السلام بن عياد، حيث أن المسؤول القانوني لمديرية التجهيز المكلف بإنجاز مساطر التراضي يستعمل حيلا مختلفة لهذه الغاية، ومن بينها أنه زار بيت موكلي وطرق بابه فلم يجده ووجد أباه فقط، وهو رجل عجوز وأمي، فسأله: هل أنت موافق على ميناء طنجة المتوسط؟ فأجابه الأب أنه مواطن مغربي ولا يمكنه إلا أن يوافق على الميناء، ثم سأله: هل توافق على إقامة الطريق السيار؟ فأجاب: نعم، فطلب منه بعد ذلك أن يسمح له بتحديد مساحة البيت لأنه ستنزع ملكيته لفائدة الطريق السيار، فأخبره الأب أن البيت في ملك ابنه، فأجابه أن لا بأس في ذلك، وطلب منه أن يمضي على المحضر واصطحبه كذلك إلى مصلحة التصديق على الإمضاءات حيث وقّع أيضا، وبعدما حضر عندي موكلي وضعنا أمام المحكمة مسطرة استعجالية لتحديد القيمة الحقيقية لعقاره، وأصدر السيد رئيس المحكمة أمره وعين خبيرا حدد قيمة العقار في حوالي 120 مليون سنتيم، وعرض عليه نازعو الملكية مبلغا لا يتعدى 50 مليون سنتيم، وفوجئنا بدفاع وزارة التجهيز ينتقل إلى عين المكان مع عون قضائي صحبة إنذار لموكلي مفاده أنه تعاقد معهم وسلموه نسخة من إيداع وديعة بمبلغ التعويض في المحكمة ونسخة من شكاية لدى السيد وكيل الملك بطنجة تتهم موكلي بعرقلة أشغال أمرت بها السلطة العامة، ولما بحثت الضابطة القضائية في الأمر وجدت أن الأمر لا يعني موكلي، وأن لا أحد عرقل أشغالا أمرت بها السلطة العامة، لا موكلي ولا أبوه، كما اكتشفوا أن الذي وقع على المحضر ليس موكلي المسمى عبد السلام بن عياد، بل أبوه المسمى عبد السلام بن قاسم عياد، واحتالوا عليه وكتبوا في الوثيقة الموقَّع عليها اسم عبد السلام بن عياد، وكان عليهم أن يتأكدوا من هوية الشخص وأن تكون مطابقة لبطاقته الوطنية وحالته المدنية وشهادة المحافظة العقارية، وقد اضطررنا إلى أن ننتقل إلى الرباط ووضعنا إنذارا نجيب فيه على الإنذار الذي تلقاه موكلي، ونؤكد أنه إنذار لا يعنينا كما لا تعنينا الوديعة المذكورة فيه. وبالإضافة إلى كل هذا فوجئنا، كما فوجئ المواطنون، بوثيقة وقع عليها نائب رئيس جماعة قصر المجاز يقول فيها إنه سيحدث تجزئة تسمى تجزئة الميناء الجديد ليستفيد منها المتضررون، لكن دون تحديد المكان الذي ستنجز فيه هذه التجزئة، وفوجئنا أخيرا بإنجازها على أرض الجماعة السلالية ظهر الخروب، فالتجأنا إلى المحكمة الإدارية وعرضنا عليها الموضوع، لأن الجماعة السلالية، طبقا للفصل 11 من ظهير ,1919 لا يمكن تفويت أراضيها إلا عن طريق نزع الملكية أو التراضي، والوصي عليها هو وزير الداخلية، والتجزئة الآن تنجز فوق هذه الأرض السلالية، ونحن ننتظر كلمة القضاء في القضية. هناك أيضا من بين الأماكن التي يشملها نزع الملكية في هذا المشروع مقابر وأماكن للعبادة، ما رأي القانون في هذا؟ هناك مقبرة معنية وهي مقبرة وادي الرمل صدر فيها رأي فقهي من المجلس العلمي الأعلى يقول إنه يمكن نقل رفاة الموتى إلى أماكن أخرى شريطة احترامه، ولكن هذا إذا كان لا بد من ضم هذه المقبرة ولم يوجد بديل لذلك ولم توجد بقعة أخرى تصلح لهذه المهمة، ولكن هذا الاجتهاد الفقهي، إضافة إلى أنه مقيد بهذه الشروط، لا يرقى إلى مستوى النص القانوني، حيث إن الفصل الرابع من قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ينص على أنه لا يجوز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر وكذا المقابر والعقارات التابعة للملك العام والمنشآت العسكرية، والنص القانوني في هذه الحالة هو الغالب ما لم يصدر تشريع يغيره أو يتممه، ومن بين المنشآت المنزوعة ملكيتها كذلك هناك ضريح، ولم يشر إليه في الجريدة الرسمية. ما وجه تضرر البحارة من أشغال مشروع ميناء طنجة المتوسط؟ كان هناك ما يزيد على 100 براكة يضع فيها البحارة الذين يقارب عددهم في المجمل ألف بحار معداتهم واتفقت معهم الشركة المكلفة بمشروع ميناء طنجة المتوسط على بناء حاويات في مكان معين وفق مواصفات معينة، ووقعوا مع الشركة بحضور السلطات المحلية والسلطة المكلفة بالصيد البحري، عقدا تلتزم فيه الشركة بإنشاء الحاويات المذكورة في أجل معين، وقد مر على هذا الأجل أزيد من سنة ونصف ولم تنجز ولا حاوية واحدة، وقد قمنا بتوجيه إنذار للشركة ونحن الآن نستعد لوضع الملف أمام القضاء الإداري ليقول فيه كلمته.