افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم 13 فبراير 2025 المُعْجم الذي نعيش كوارثه هذه الأيام، لا يكْتنِف إلا مفردات القحْط وينزف بالألم، فهاتيك يا مُرقِّص الأفاعي في جامع الفناء، زلازل وجفاف وبطالة وعنوسة وطلاق وعزوف عن الزواج، ليس فقط بين بني البشر، بل حتى بين التي أرحامها في الدُّبُر بعد أن شحَّ بيض الدجاج، ناهيك عن غلاء الأسعار الذي لا يخفِّض ارتفاعه أنْسولين الشِّعار، ولا أحد أمام هذه النّوازل المُنْذرة بالزّلازل في البلاد، يدلي بصوته إذا كان عذْبا يشنِّفنا ولو بالغناء، ألم تنظروا للأعين غيضت من الدّمع يا قُلوب الحجر، فما لنا بمن يُدلون بالحبل لسانا طويلا بدون سطْلٍ أو صوت، ما لَنا بِمنْ أدْمنوا التلاعُب بالعُقول، عجباً للآذان كيف ما زالت تسْتطيل مع اللغة الخرساء! لستُ مِمَّنْ يصْطفُّون مع الأرانب تأهُّباً لخوض سباق محْفوف بالأوراق من كل الألوان، ولا أحبُّ التقيُّد بمسؤولية لسْت أهْلاً لمِعْطفها المقلوب، فما أكثر ما يمْسي المرء عضوا ويصبح عدوا، ولم يطُفْ بِخَلَدي لحظة أن أرشِّح نفسي لغير ما خُلِقتُ له في قصيدة ببرٍّ أو بحر أُحاذِرُ أن لا تنتهي بطوفان.. ولكن أحب أن أسمع بلدي يوماً يستجمع في صوتٍ واحد وحاشدٍ قِواه، ليختار لحياته مصيراً آخر غير هذا الذي يجعل صانعوه من فراغ، يتعيَّشُون من فقرنا ليزدادوا فَحْشاً في مُراكمة الثروات، أريد أن نملأ الفراغ بقوة الرَّأْي الذي يقلب موازين القوى إلى كفَّة الشعب، وما أكثر ما أريد ويحدوني الأمل، أنْ لا تبقى أصواتنا في سوق السياسة أو الثقافة، مُجرَّد نداء لاسْتجلاب الزبائن، فلم يُفْسد بلدنا سوى (برَّاحين) يبيعون مع السِّلَع المغْشوشة الوطن! ولا أعجبُ إلا للأصوات التي ترتفع مكتومة في أنفس أصحابها، تحسبها ستنفجر في أي لحظة بالغضب، لتتلاشى مع الأيام أو تصبح مجرّد رنين في آلاتٍ لقياس الضغط، ومن الأصوات ما تستطيع بصريخها أن تثقب طبلة أذْن سامعها ولو كانت دون قرْعٍ يُذكر، ومَهْما جلْجلتْ في الأنحاء لا تُحرِّك ساكناً فبالأحرى تحرِّكُ كرسياً لصالحها في المواقع حيث تُدبَّر القرارات، وذلك لعمري حال أصواتنا التي ظلت في تكتُّمِها حبيسة الحناجر لا تنطق بخير أو شر كلما حلت مناسبة الانتخابات مثلا، صحيح أنَّ الصمت يعتبر أيضاً موْقفاً بليغاً في بعض المواقف، ولكن تجربة سنوات عِجاف مع السياسة الفاشلة لحكومات تعاقبت لتُعاقِب الشعب، أثبتتْ أن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس، وأن السُّكوت الذي هو علامة الرضى، لم يزد أفراد المجتمع في معيشتهم إلا ضنكاً، ويكاد اليوم يُضيِّع كل البلاد ! ولأنَّنا نعْلَم أن ثمة من يلجأ لجداول السِّحْر ليغشي في الشَّعب الأعين ويخرس الألسن، فلا حاجة لجداول الحساب نتتبَّع من خلال مُؤشِّراتها المُتدنِّية الوضعية الاقتصادية المأْزومة للقُفَّة المُعلَّقة من أذنيها في كل منزل، لا نحْتاج مع كل هذه الطلاسم السِّحْرية التي تأكل الأمْخاخ نيِّئةً، أن نفْطن إلى أن من بيدهم الحلَّ والعَقْد كانوا في جداول الحساب كسالى بحافظة ضعيفة، لذلك أخطأوا وهم يسْتظهرون عن ظهر غيب القسمة العادلة بين المواطنين اليوم، ولن ينالوا من أصواتهم في استحقاقات قادمة، إلا ضرباً مبرِّحاً لا يخلو من جرح، وينتهي في مزبلة التاريخ بالطَّرْح ! نحن في بلدنا لا نصوِّت إلا إذا أردنا الصراخ والعويل، لا نثق في أحدٍ، وقد نسْتبدِل أنفُسَنا كارهين أنفُسَنا عِوض الرئيس ونحن ننظر ببلاهة في المرآة، بل إن الدولة بدأتْ تفكِّر بجدِّية في ابتكار وردة اصطناعية للديمقراطية وتعميم إجبارية التَّصْويت، لكن أغلب المواطنين يُترجمون ثورتهم السِّلمية بالاحتفاظ بأصواتهم مبْحُوحةً في الحناجر، مِمَّا يفسح المجال شاسعاً للبيع والشِّراء في أصوات عديمي الذِّمَّة والضمير، ومن يسيء استعمال صوته ليس كمن يُجيد رفْع عقيرته سواء بالولولة أو بالغناء، وما أحوجنا اليوم مع الوضعية المأزومة التي يعيشها المواطن في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، إلى أن نضع إرادة التغيير في أصواتنا، وشتَّان بين الأخرس ومن يدلي برأيه تصويتاً في الانتخابات، والصوت موضعه القلب إذا كان صادقاً، ومنْ كان لا يتجاوز في التعبير حنجرته لينطلق من فؤاده نابضاً بالمصلحة العامَّة، فهو بين الأصوات من أنْكرها يسُومُه الهوانَ إما نخَّاسٌ أو سائس !