على الرغم من الثغرات الكبيرة التي شابت عملية تدبير أزمة كورونا، حاول الجميع تجاوز ذلك والتركيز على التفكير في كيفية تجاوز الأزمة، دون الوقوف على التفاصيل الصغيرة التي قلل الجميع من أهميتها وجعلها ثانوية أمام معركة معقدة لا يمكن كسبها إلا عن طريق الإجماع الوطني في صورة شبيهة بالملحمة الوطنية. وإذ غلَّب الجميع أفرادا ومؤسسات هذا السلوك الحضاري في التعامل مع هذه الأزمة المستجدة، فعلى الحكومة أن تستثمر في ذلك، وتعمل على إعادة بناء أسس مثينة لثقة المواطن في المؤسسات، لا أن تعمل من أجل جعل المواطن في تناقض تام مع الدولة. منذ بداية الأزمة والحكومة شاردة وغير قادرة على الظهور بشكل مقنع أمام المغاربة، بل إن جل الملفات التي دبرتها كانت ميزتها الأساسية هي الإرتباك، وكل ما يصدر عنها من إجراءات سرعان ما يتضح أنها صادرة عن أيادي مرتعشة تفتقد القدرة على البناء، ولكم أن تصوروا ذلك بالإنطلاق من تجاربكم الشخصية ودون حاجة إلى إعطاء الكثير من الأمثلة. لقد سارع المغاربة إلى القيام ببذل مجهودات عظيمة في قراءة الأرقام ومحاولة تقريب بعضهم البعض من الحالة الوبائية ببلادنا، وملؤوا ذلك الفراغ الذي تركته الحكومة على مستوى إعطاء معنى ودلالة للأرقام التي سجلت خلال المرحلة الأولى من الحجر ( إلى حدود 20 أبريل). في الوقت الذي ينبغي على الحكومة أن تتواصل مع الرأي العام، بأرقام وإحصاءات وتقديم السيناريوهات الممكنة والغير الممكنة مستقبلا، وما حجم الربح الذي حققه المغاربة خلال فترة الحجر الصحي؟ وما التحفيزات والتشجيعات التي تقدمها الحكومة للمواطنين المتقيدين بالإجراءات الصارمة للحجر الصحي؟.. إن اللحظة التي يمر منها العالم وبلادنا تمثل شرطا تاريخيا حاسما، سوف لن يكون كذلك في ظل وجود حكومة لا تثقن إبداع أدوات ابتكار فن إدارة الأزمات بل تبدع في كيفية خلق الأزمات. ساهمت أزمة كورونا في خلق إجماع عظيم رفع من الشعور الجمعي الإيجابي للرأي العام، ولما يتحقق ذلك، فإن مسألة بناء رأي عام قوي وواع قد أصبحت يسيرة، ولكم أن تتخيلوا حجم تأثير ذلك على الفرد داخل المجتمع، والفائدة التي تجنيها بلادنا إجتماعيا وسياسيا. لكن الحكومة للأسف مصرة عن طريق سلوكها السياسي، على عدم الوصول إلى التماسك السياسي المطلوب من أجل استكمال بناء دولة المؤسسات. فهل من المنطقي والمقبول إقتراح مشروع قانون رقم 22.20 الخاص بمواقع التواصل الإجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة في هذه الظرفية؟ وهل المسودة تعكس بالفعل المجهودات المبذولة من أجل استكمال بناء المؤسسات؟ لقد شكلت قنوات التواصل الإجتماعي قنوات حقيقية للتنفيس الإجتماعي، وتعتبر مرآة لسياسات الدولة، عن طريقها يمكنها أن تسد الثغرات والثقوب، وبدل التفكير في آليات توجيه مستخدمي هذه القنوات اتجاه إنتاج ثقافة بديلة، اختارت الحكومة الطريقة الأسهل باقتراح مشروع قانون رقم 22.20، أقل ما يمكن أن يقال عنه، أنه مجزرة في حق الدستور واعتداء صريح على حرية الرأي والتعبير. إن النضج الذي عبر عنه المغاربة خلال هذه الأزمة ينبغي أن يتم تعزيزه عبر تشريعات قانونية تقدرهم وتحترم ذكاءهم، وليس تشريعات تسعى إلى تكميم أفواههم وتقتل ملكة النقد فيهم، والحقيقة أن بلادنا لا يمكن أن تحقق الإقلاع بدون وجود نقد. هذا الإعتداء على حرية الرأي والتعبير الذي يشبه عملية السرقة بالنسبة لي، من حيث السياق والظرفية، كان قد سبقها مس خطير آخر بحقوق الموظفين، لما قرر السيد رئيس الحكومة الإقتطاع من أجورهم دون الرجوع إليهم، من أجل المساهمة في صندوق مواجهة تداعيات فيروس كوفيد 19، وهو أمر غير مقبول أخلاقيا ولا قانونيا، لأن تلك المساهمة لم تعد طوعية بل تحولت إلى إكراه. ومن الصعب أن تدرك الحكومة قيمة الفرق بين الإختيار والإلزام، فكما يقال الأفضل أن يفعل الإنسان نصف الخير مدفوعا برغبة داخلية، من أن يفعل الخير كله مضطرا، فالخيار الأول تربية على الإلتزام، بينما الخيار الثاني إلزامي وسوف ينفر الإنسان من فعل الخير . إن الحكومة من خلال هذه الخطوة الخالية تماما من النفحة السياسية، تريد أن تذكر المغاربة على أنه من الصعب أن يتساكن الذئب مع الشاة، حتى خلال أشد الأزمات وأعنفها، بل لربما الجو الذي تعيشه بلادنا زاد من تعطشها إلى الزحف على هوامش التعبير عن الرأي. وهذا مؤشر واضح على أنها حكومة تحسن الإشتغال على افتعال الأزمات وتكريس الواقع القائم كما هو، بدل أن تكون حكومة لإدارة الأزمات.