السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بادو: الدولة احتكرت الفضاء العمومي وعسكرته في فترة الحظر الصحي.. وعليها أن تتصالح مع عمقها الثقافي والهوياتي
نشر في لكم يوم 29 - 05 - 2020

يدعو عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة “أزطا أمازيغ” الدولة لأن “تتصالح مع عمقها الثقافي والهوياتي وتنكب على تعزيز حضور كل القيم الإنسانية الراقية ضمن منظومة القيم المؤطرة للمدرسة المغربية والإعلام العمومي، بما يخدم مصلحة البلاد والعباد”.
ويؤكد بادو، في حوار مع موقع “لكم”، أن كورونا فرصة بالنسبة للدولة لإعادة بسط سيطرتها وهيمنتها على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعودة لاحتكار الفضاء العمومي وعسكرته بشكل مبالغ فيه أحيانا، وأنها لجأت على مستوى القرار العمومي إلى إعادة مركزة القرار في دائرة ضيقة حيث تدار وتدبر كل الجهات من العاصمة الرباط”.

ويرى بادو أن “الأفق غامض بالنسبة للغة والثقافة الأمازيغيتين لأن الصيغة الحالية للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لن يضمن لها الشروط والمقومات الأساسية لضمان رسمية اللغة الأمازيغية.. كما أن الصيغة الحالية للقانون التنظيمي المحدث للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أفرز هندسة مؤسساتية لا تنصف الأمازيغية ولا يرتقي بها لتلعب أدوارها ووظائفها حاليا ومستقبلا، وأن اختصاصات المعهد في صيغته الحالية من داخل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ضعيفة بالمقارنة مع حاجيات اللغة الأمازيغية في المرحلة الراهنة والمستقبلية”.
ويتمنى بادو لأن “يكون هذا النكوص الحقوقي والديمقراطي في بلادنا ظرفيا وأن لا يمتد في فترة ما بعد كورونا”.
وفي ما يلي صحته:
ماذا يعني لك الحجر الصحي؟
اعتبر الحجر الصحي في سياقه إجراء استباقي وقائي اضطراري لجأت إليه الدولة لحماية مواطنيها من جائحة كورونا، كما أنه مناسبة لنقف عند مستوى هشاشة بنياتنا الصحية، حيث كشفت الظرفية أننا نعيش مستوى كبيرا من الهشاشة في قطاعات جد حيوية كالصحة والتعليم، كما أن هذا التدبير دليل قاطع على فشل كل المخططات التنموية السابقة بحكم أنها لم توفر لنا من البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية ما يكفي لنصمد ولو قليلا. بالإضافة إلى أنه كشف أننا دولة ضعيفة بدون رؤية أو استراتيجية لتدبير الطوارئ والأزمات، حيث انهارت العديد من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية من أول اختبار لها.
واللجوء إلى الحجر منذ أولى الإصابات خير دليل على ذلك، وهو إجراء كانت تقوم به الدول من أكثر من قرن.
رب ضارة نافعة، كما أن الحجر كان فرصة قسرية للاستراحة والراحة والخلوة ولو لفترة للتوقف المؤقت عن كثرة التنقلات للعمل والسفر لأغراض مهنية وجمعوية.
ما الذي تنشغل يه في الحجر الصحي؟
أثناء فترة الحجر الصحي تتعدد الانشغالات والاهتمامات، ولكن لا تخرج عن إطار الانشغالات الأساسية والاعتيادية، وإن اختلف سياقها وطريقة إنجازها، كما أنه أثناء الحجر الصحي يصعب أن تتوفر على برنامج يومي خاص، بقدر أننا في الغالب نقوم بتدبير المهام والمسؤوليات المهنية والشخصية والجمعوية والمنزلية أحيانا حسب الحاجة أو الآجال والمواعيد الخاصة. عمليا فإن وقتي يتم تقسيمه في الغالب وإن بشكل غير متساو بين كل ما سبق ذكره، حيث أعمل على تدبير المهام والمسؤوليات بالشكل والإمكانيات التي يتيحها فضاء وزمن الحجر الصحي، من خلال الاستمرار في:
أولا: تأدية التزاماتي المهنية كمفتش تربوي ومنسق جهوي تخصصي للغة الأمازيغية حيث أسهر على تتبع مهامي عن بعد كعملية التعليم والتكوين عن بعد من خلال المساهمة في تتبع وتقييم الإنتاجات الرقمية التي تنتج على صعيد الجهة، ومواكبة عملية الاستمرارية البيداغوجية وتقديم الاستشارات التربوية والبيداغوجية للمؤسسات التربوية.
ثانيا: العمل على تتبع عمل الجمعية التي أرأسها وأقصد الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة-أزطا أمازيغ، من خلال مواكبة وتتبع وبرمجة أنشطتها والتواصل مع الأعضاء والشركاء (اجتماعات، اتصالات، ندوات وأنشطة رقمية عن بعد …)
ثالثا: استثمار بعض الوقت في مجال البحث الأكاديمي والقيام ببعض القراءات في مجال تخصصي في علم الاجتماع أو مجالات تدخل الجمعية، إلى جانب المساهمة في العديد من الندوات والأنشطة عن بعد.
وأخيرا، حتى لا أنسى القيام أحيانا ببعض المهام المنزلية: التسوق وأشغال منزلية من طبخ ونظافة وغيرها.
ما قراءتك لما يقع اليوم وما الذي كشفته هاته الأزمة؟
تتشكل لدي انطباعات شخصية أولية بخصوص ما يقع، حيث ويصعب تقديم تقييم حول الوضعية الراهنة للبلاد لأنني لا أتوفر على ما يكفي من المعلومات بخصوص آثار الإجراءات المتخذة من طرف الدولة، مما يعقد الأمر نوعا ما، حيث أن الوضعية الحالية نظرا لطبيعتها الاستثنائية والتي فاجأت الجميع، يبدو أنها كانت فرصة بالنسبة للدولة لإعادة بسط سيطرتها وهيمنتها على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث عاينا وبالملموس عودة الدولة إلى احتكار الفضاء العمومي وعسكرته بشكل مبالغ فيه أحيانا، على الأقل وفق ما رصدته في الرباط بحكم أنني أقطن بها. كما أن الظرفية أبرزت بجلاء ضعف الخطة التواصلية للحكومة وشابتها اختلالات وكانت مرتبكة ومسومة بعدم تقاسم مختلف مكوناته لنفس التصور ولنفس المعلومات مما جعل رئيس الحكومة وبعض الوزراء خارج التغطية وتصريحاتهم متناقضة ولا تنم عن اطلاع كاف بدقائق الأمور وتتبع مؤشرات ما يقع.
كما أن السرعة التي اتخذت بها الدولة زمرة من الإجراءات والتدابير المتخذة في كافة المستويات (الصحة، التعليم عن بعد، الدعم المالي للأسر، التعويض عن فقدان الشغل…)، حيث انتقلت إلى السرعة القصوى لاستثمار ما توفره الوسائط الرقمية من إمكانات للتواصل والعمل كان له آثار سلبية كبيرة من أهمها: تهميش نسبة كبيرة من المواطنين وعزلهم عن الولوج لتلك الخدمات، فضح مستوى الهشاشة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي. كم أنها فضحت ضعف البنيات التحتية في مجال الاتصال والتواصل الرقمي وعدم تملكها من طرف نسبة مهمة من موظفي واطر الدولة ، بالإضافة إلى ضعف رقمنة الإدارات العمومية واعتماد أساليب تدبير الإجراءات لا يتناسب مع خريطة توزيع الربط الاليكتروني (إقصاء فئات عريضة من المواطنين من الخدمات والدعم بسب عدم توفرهم على المعلومات أو عدم ولوجهم إلى الخدمات الإليكترونية).
هناك من يعتبر أن سلوك التضامن والتآزر التي تنامى خلال الأزمة، سيدفع السلطات لتمرير قرارات أو مواقف والإجهاز على الحقوق والحريات كما نبهت إلى ذلك الأمم المتحدة. هل لديك هذا التخوف؟
غالبا ما تلجأ الدول إلى استغلال الظروف الاستثنائية لتمرير بعض القرارات والسياسات مقتنصة فرصة انشغال المواطنين والفاعلين أو صعوبة تحركاتهم وتقييد حركتهم أو عدم ولوجهم للمعلومات. وبالفعل كانت هناك محاولة لتمرير قانون للحد من حرية لتعبير في ظل حالة الحجر الصحي من قبل وزارة العدل، ولحسن الحظ أن المجتمع المدني كان يقضا وتصدى للعملية وتم وقف تمرير ذلك القانون المشؤوم الذي يروم تكميم المواطنين والمواطنات وسلب حريتهم في التعبير ويكبل حرية الرأي.
البعض يرى خلال هاته الأزمة، أن دور الأحزاب محدود ومقلص ومهمش. أين يكمن الخلل؟
اعتبر أن الأمر تحصيل حاصل نظرا لغياب إطار قانوني وتشريعي لتدبير حالات الطوارئ والوضعيات المشابهة، وهذا لا يعني أن الدولة ليس بإمكانها بلورة تصور يسمح بإشراك الجميع في تدبير الأزمة، ولا أظن أن الأمر يقتصر على المغرب فقط، حيث أن غالبية الدول نهجت نفس السياسة ولو بنسب متفاوتة، وأظن أن هذا السيناريو ليس الوحيد بل هناك سبل تدبير أخرى ممكنة.
ففي ظل غياب الإطار القانوني والتنظيمي ينظم مختلف تدخلات الفاعلين، لوحظ أن الدولة لجأت على مستوى القرار العمومي إلى إعادة مركزة القرار في دائرة ضيقة حيث تدار وتدبر كل الجهات من العاصمة ونلامس أحيانا أن تلك القرارات لا تتناسب مع الخصوصيات الجهوية ومع وضعيتها الصحية ووضعية انتشار كرونا بها، مثلا ما الداعي إلى تطبيق نفس إجراءات الحجر الصحي وتعميمه على كل جهات المملكة، علما أن بعض الجهات لم تسجل فيها ولو حالة إصابة واحدة ولعدة أسابيع.
هناك نزوع ونكوص نحو تعزيز أدوار وزارة الداخلية، أم الوزارات، على المستوى المركزي والترابي بالموازاة الإمعان في إقصاء وتهميش باقي الفاعلين والمتدخلين خاصة المنتخبين والأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، الشيء الذي نتج عنه التضييق على الحريات والحقوق، كما أن بعض رجال السلطة وأعوانها سعوا إلى استرجاع أمجاد البطش والتعسف ضدا على ما تم تحقيقه من تراكمات على مستوى الحريات والحقوق.
كل هاته الأمور وأخرى تعيد السؤال بخصوص مآل المكتسبات الحقوقية ومستقبل الديمقراطية ببلادنا، حيث أفرز الوضع عن هشاشة النظام السياسي وقابليته للنكوص والتراجع واستغلال أي ظرفية لضرب كل المكتسبات، كما أن الوضعية تعيد سؤال علاقة المركز بالجهات، وما مدى التقدم المحرز في مجال تعزيز اللامركزية واللاتركيز الإداري. وأتمنى أن يكون هذا النكوص الحقوقي والديمقراطي ظرفيا وأن لا يمتد في فترة ما بعد كورونا.
صدر القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة خلال فترة الأزمة.. كيف ترى موقع الامازيغية ومستقبل هذه المؤسسة؟
يبدو الأفق غامضا بالنسبة للغة والثقافة الأمازيغيتين نظرا لعدة اعتبارات من أهمها أن الصيغة الحالية للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لن يضمن لها الشروط والمقومات الأساسية لضمان رسمية اللغة الأمازيغية، ولن تؤهلها لتعلب وظائفها كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية بعد انقضاء كل الآجال المحددة في القانون التنظيمي.
كما أن الصيغة الحالية للقانون التنظيم المحدث للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أفرز تصورا للهندسة المؤسساتية لهذا المجلس لا ينصف الأمازيغية ولا يرتقي بها لتعلب أدوارها ووظائفها حاليا ومستقبلا باعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، باعتباره مؤسسة مرجعية دستورية في مجال السياسة اللغوية، لا تكرس مأسسة متكافئة بين اللغتين الرسميتين للبلاد، بشكل لن يضمن المساواة مستقبلا بينهما، حيث أن الملاحظ أن اختصاصات المعهد في صيغته الحالية من داخل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ضعيفة بالمقارنة مع حاجيات اللغة الأمازيغية في المرحلة الراهنة والمستقبلية.
إلى جانب الصعوبات التي تعيق تحقيق المساواة بين اللغتين الرسميتين في باقي المجالات والسياسات العمومية حيث اللاتكافؤ سيد الموقف في العديد من القطاعات والمرافق والخدمات (القضاء، الإعلام المؤسسات الجامعية والتعليمية والإعلامية … ) كما أن الحكومة والمؤسسات الرسمية لم تشرع بعد في وضع وتنزيل مخططاتها القطاعية لتفعيل الطابع الرسمي مخلة بذلك بالتزاماتها الدستورية.
وما الذي سيرهن مستقبل الأمازيغية بعد أزمة كورونا خاصة وأن رهانات ايمازيغن أكبر؟
تزامنت الجائحة مع ظرفية خاصة بورش تنزيل القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية، ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن تفرج القطاعات الحكومية عن خططها لتفعيل “الطابع الرسمي” نهاية شهر مارس الماضي كما هو منصوص عليه في القانونين التنظيميين 26.16 و14.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وإدماجها في المجالات ذات الأولوية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، حيث لحدود الساعة لم تفصح ولم تعلن كل الوزارات المعنية بالورش أية مخططات ولم تتخذ أية تدابير أو إجراءات ذات الصلة بالموضوع، مما يدعونا للتساؤل إلى أي مدى تسهر الحكومة على احترام التزاماتها ودستور المملكة وما المانع من إخراج المخططات إلى حيز الوجود والإعلان عنها؟.
ومن محاسن كورونا أنها كشفت أننا في حاجة ماسة إلى تطوير استعمال اللغة الأمازيغية في كافة المجالات حيث لامسنا التهميش والعزلة التي عاشتها مناطق وفئات عريضة من المواطنين بسبب ضعف وندرة المواد الإعلامية الموجهة إلى غير الناطقين باللغة العربية، إلى جانب الصعوبات التي واجهت رجال وأعوان السلطة في إيصال مضامين خطابهم وتعليماتهم باللغات التي يتقنها المواطنون والمواطنات، حيث رصدنا ما يلي:
– المسؤولون بمختلف مستوياتهم لا يمتلكون قدرات تواصلية تساعدهم على تدبير مختلف الوضعيات المرتبطة بمهامهم المتعلقة ليس فقط على فرض الحجر الصحي وضعف تملكهم للغات الساكنة المحلية يجعلهم عاجزين على التواصل معها وتحقيق الغايات من إخبارها مما قد ينجم عنه تعريض حياتهم للخطر وحرمانهم من الاستفادة من التدابير والإجراءات التي قامت بها الدولة ‘التعويض عن فقدان العمل، النصائح والتوجيهات العملية للوقاية من الفيروس…)
– المسؤولون الترابيون يلجؤون أحيانا إلى استعمال خطاب عنيف يفتقد لمقاربة حقوقية، ويتمادون في تنفيذ الإجراءات والتوجيهات بشكل يخل بمهامهم في حفظ الأمن وحماية حقوق الساكنة وحماية سلامتهم البدنية.
– في تغييب للدستور وللخصوصيات السوسيولغوية يسجل ضعف استعمال استبعاد استعمال الأمازيغية في أغلب القنوات العمومية ومن طرف المسؤولين الترابيين (رجال وأعوان السلطة، الدرك الملكي، الأمن، المنتخبين…) مما قد تكون له آثار سلبية مستقبلا في احتواء الجائحة وتطويقها خاصة في المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية ولدى الفئات التي لا تتقن غير الأمازيغية حتى بالمدن الكبرى والمتوسطة.
– لا يتم استحضار خصوصية اغلب المناطق القروية والجبلية والتي تفتقر للبنيات التحتية والآليات (أنترنيت، طرق، صيدليات، متاجر، وحدات صحية وأحيانا حتى لرجال وأعوان السلطة وغيرهم…).
– قلة المادة الإعلامية والتوعوية باللغة الأمازيغية وباللهجات الجهوية وتعبيراتها المختلفة (تريفيت، تمازيغت، تشلحيت)، ماعدا المجهود الاستثنائي الذي تبدله القناة الأمازيغية والإذاعات الأمازيغية رغم محدودية إمكانياتها المادية والبشرية، بينما القنوات العمومية الأخرى لم تبذل جهدا في هذا الاتجاه واكتفت بفقرات نادرة كلما تيسر لها ذلك وهنا يسائلنا الى أي مدى تحترم هذه المؤسسات الإعلامية مسؤوليتها ورسالتها في التوعية والتحسيس.
– النشرات الإخبارية تقدم بالعربية والفرنسية دون أن تعمل القنوات الإعلامية العمومية بالخصوص إلى ترجمتها وتخصيص حيز زمني للغة الأمازيغية وباللهجات الجهوية والمحلية، في إطار تمكين المواطنين من المعلومة.
– أغلبية الوصلات الإشهارية يتم تقديما باللغتين العربية والفرنسية ونسبة قليلة باللغة الأمازيغية مما يحرم نسبة كبيرة من المغاربة من حقهم في الولوج إلى المعلومة والأخطر أن ضعف الإخبار والإعلام باللغة الأم قد يمس حقهم في السلامة البدنية ويعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس لجهله بالتدابير والإجراءات الحمائية والوقائية لتجنب الإصابة بالفيروس.
ومن أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من ظرفية الجائحة والحجر الصحي أن تسريع وتيرة تعليم الأمازيغية وتطوير الإعلام العمومي الناطق بالأمازيغية وتوفير كل الخدمات التواصلية وخدمات المرافق العمومية بالأمازيغية صار على قائمة أولوية الأولويات للتصدي مواجهة الجائحة، لأنها ستساهم في التوعية والتحسيس وتعبئة عموم المواطنين للتصدي ومواجهة الجائحة واستيعاب ما يقم من حولهم من تحولات وإجراءات وتدابير أمنية وصحية.
من بين القيم التي عرف بها “إيمازيغن” مبادرات “تيويزي”. كيف يمكن استثمارها ورسلمتها وتنميتها في زمن ما بعد “كورونا” ولأجيال المستقبل؟
كانت وما تزال القيم الأمازيغية والكونية ذات العمق الإنساني ملهمة للشعوب في مواجهات الكوارث والطوارئ التي تتهدد المجتمعات الإنسانية و”تويزي” كقيمة وسلوك وآلية للتضامن والتعاون والتآزر بين الناس كانت حاضرة بقوة عبر التاريخ، إلا أننا نلاحظ تراجع قيمي كبير وانتشار قيم الفردانية واضمحلال الرابط الاجتماعي بين الفئات الاجتماعية وتفكك البنيات الاجتماعية الحاضنة لمثل هذه القيم كالقبيلة والعائلة والأسرة الممتدة. إلى جانب تغييب تدريس مثل هذه القيم والتنشئة عليها في مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالمدرسة والجامعة، والإعلام..
ما رصدناه من تنامي عمليات التضامن الواسعة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي خلال فترة الحجر الصحي، يمكن أن نعتبره مؤشرا إيجابيا على استمرار تشبت المغاربة بقيم التضامن والتعاون والتطوع، إلا أن ذلك لا يمكن أن يحجب عنا واقع آخر بدأ يتشكل تدريجيا وينتشر في غفلة منا، ويبتعد عن القيم الأصيلة للشعب المغربي و”إيمازيغن” بشكل خاص كتويزي وغيرها من القيم الانسانية، حيث أصبحنا إما فردا متشبعا بقيم الفردانية من جهة، وممارسات أفرغت كل مبادرات التضامن من قيمتها وصيرتها طقوس احتفالية لخلق البوز أو لتلميع الصورة بسيلفيات (شوفوني كنتضامن وكانعاون المحتاجين)، أي أننا أمام سلوك “تضامن احتفالي” له غايات أخرى غير المساعدة والدعم للفئات المحتاجة أو المعوزة افرغ تلك العملية من عمقها وأبعادها الإنسانية.
نتمنى أن تسعى الدولة وكل المؤسسات إلى التصالح مع عمقها الثقافي والهوياتي وتنكب على تعزيز حضور كل القيم الإنسانية الراقية ضمن منظومة القيم المؤطرة للمدرسة المغربية والإعلام العمومي بما يخدم مصلحة البلاد والعباد.
في ظل هاته الأزمة، كيف تنظر لمستقبل عيشنا المشترك؟
أظن أن من أهم خلاصات هذه الظرفية أن المغرب مطالب بإعادة النظر في نموذج الدولة وفي اختياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية من خلال الحرص على توفير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وتغذية، وبنيات تحتية قوية ومتطورة تساير متطلبات العصر وتحقيق التنمية المستدامة، مع العمل على استعادة منظومة قيمنا القائمة على التضامن والتآزر والتعاون وعلى رأسها تيويزي وتضمينها لمنظومة قيم مؤسسات التنشئة الاجتماعية وتعزيزها عبر أوراش مفتوحة للشباب وتعزيز قيم التطوع والعمل الإنساني.
كما نتمنى أن تأخذ الدولة الدروس والعبر من الجائحة بالاعتبار، وأن تعمل على تكريس نهج تدبيري قائم على قيم ومبادئ الديمقراطية وتعزز آليات وفضاءات الإشراك والمشاركة الفعلية للجميع، لأننا مدعوون إلى الانفتاح أكثر على كل الفئات والمكونات الثقافية للمجتمع المغربي وتعزيز قيم الانتماء والمواطنة من خلال إعادة الاعتبار لكل المكونات الثقافية وتمكينها من الحماية الضرورية وشروط التطور والنمو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.