إدريس لشكر: جائحة كورونا فرصة لانطلاق النموذج التنموي الجديد على أسس سليمة
لقد أبانت جائحة "كورونا" على صعيد العالم أن المخاطر التي كنّا نتأهب لمواجهتها ونتسلح لحماية أنفسنا وأوطاننا منها ليست هي المخاطر الحقيقية أو على الأقل لن تكون هي المخاطر التي قد تفتك بالبشرية. فالتهديد الأكبر لحياتنا يأتي من كائن مجهري لا يميز بين فقير وغني ولا أبيض وأسود ولا يأبه بالحدود ولا جوازات السفر. إنه يفتك بنا لمجرد أننا بشر. لذلك فأي حرب ضده لا يمكن إلا أن تكون بمجهود مشترك للبشرية جمعاء، أي بتوحيد صفوفنا على مستوى البحث العلمي والتعاون اللوجستي والتشاور والتدبير الاقتصادي والاجتماعي. إلا أن ما لاحظناه على المستوى الدولي هو ارتباك في التعاطي مع الجائحة في الأسابيع الأولى سواء على مستوى حكومات دول عظمى أو التكتلات القارية أو حتى منظمة الصحة العالمية وهيئة الأممالمتحدة بمجلس الأمن وكل منظماتها الموازية، الشيء الذي يدل على أننا غير مؤهلين للتعاطي مع هذا النوع من المخاطر وأننا لم نرتق بعد لتجاوز أنانياتنا الفردية أو الوطنية في حل هكذا أزمات، خاصة بعد تنامي الشوفينية والعنصرية لدى مجتمعات الدول العظمى في العقد الأخير. هذه الجائحة لها تبعات أقوى من الحروب والأزمات الاقتصادية، وتدفعنا بالتالي إلى مساءلة منظماتنا الدولية والإقليمية التي عجزت عن التعامل مع هذه الأزمة الجديدة بكل المقاييس. فإذا كانت البشرية قد أبدعت جهازا كعصبة الأمم إبان الحرب العالمية الأولى لتفادي الحروب في أوروبا ثم طورت هذا الإطار إلى منظمة الأممالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لطي صفحة الامبريالية ونشر قيم حقوق الإنسان والحريات، فإننا اليوم محتاجون لتطوير هذا الإطار مجددا سواء من حيث هيكلته أو صلاحياته وحتى أهدافه. إننا محتاجون لتعاقد عالمي جديد يتجاوز الدفاع عن الحقوق السياسية والسوسيو-اقتصادية والثقافية إلى الدفاع عن حقوق الكوكب والأجيال الصاعدة وإلا فإن هذه الجائحة قد تصبح الضربة القاضية لمنظمة تتعالى مند مدة الأصوات المنددة بعجزها عن الدفاع على القيم التي أسست لأجلها. ولذلك سأعمل على المبادرة عبر إطاري الأممية الاشتراكية والتحالف التقدمي من أجل الترافع في هذا السياق. أما على المستوى الاقتصادي العالمي، فيبدو أننا دخلنا في أزمة اقتصادية فريدة من نوعها، أزمة افتعلتها دول العالم بشكل إرادي لأننا نعتبر الحق في الحياة أسمى من أي حق آخر. خصوصية هذه الأزمة الاقتصادية أنها أزمة عرض وطلب في نفس الوقت. وهذا ما يجعلها أقوى أزمة اقتصادية يواجهها العالم في المائة سنة الماضية. حتى الدول العظمى بدأت تتأهب لعيش أيام عصيبة خاصة مع ما أعلنه صندوق النقد الدولي و حكومات بعض الدول من توقعات ركود اقتصادي قد يصل إلى% -8 في منطقة الأورو و -14 % ببريطانيا و فقدان لمناصب الشغل بلغ 20 بالمائة بل و30 بالمائة في بعض القطاعات. الشيء الذي يفسر السياسات الإرادوية التي تنهجها هذه الحكومات وأبناكها المركزية، بل منها من بدأ ينادي بسياسات اقتصادية سيادية. هذا الانغلاق على الذات مفهوم وضروري في ظروف الحجر الصحي ولكنه غير مستدام بالنظر إلى الترابط الذي يطبع اقتصاد الدول. لذلك فنحن لسنا مضطرين للاختيار بين الليبرالية المتوحشة من جهة والسياسات الحمائية المنغلقة (الشوفينية) من جهة أخرى. فمن الممكن إعادة النظر في سلاسل الإنتاج العالمية في المستقبل مستحضرين ضرورة (1) تأمين حد أدنى من الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات وتكوين مدخرات استراتيجية من المواد التي يستحيل انتاجها محليا، (2) تخفيض بصمة الكربون للسلع، (3) تجاوز منطق السلع الأرخص لصالح السلع الأجود والأكثر استدامة بيئيا واجتماعيا. إننا نتابع ما يعيشه المجتمع الدولي من تداعيات جراء انتشار هذه الجائحة وما تقوم به بلادنا من مجهودات جادة، في سبيل محاصرة هذا الوباء والتخفيف من حدة انتشاره، في أفق القضاء عليه. وإن قراءة سريعة في بعض تقارير المنظمات الدولية والإقليمية عن إفريقيا والشرق الأوسط تظهر أن المغرب متقدم جدا في التدابير التي أعلن عنها كما أنه من ضمن الدولة الأكثر تفعيلا لما تعلنه وهو شيء مطمئن ينم أولا على أن لدينا إمكانيات ذاتية تمكننا من مواجهة الأزمات وثانيا أن الحكومة واعية بدقة المرحلة. فمع البدايات الأولى لانتشار جائحة "كورونا"، جسدت الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك طابعها الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، وبشكل جعل بلادنا مضرب الأمثال في مختلف أقطار العالم. لقد كان للمبادرات الملكية عظيم الأثر في تجنيب بلادنا مآس غير محسوبة العواقب، فقد تفاعلت الدولة المغربية مع تقارير المنظمات الدولية (منظمة الصحة العالمية، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة الأممالمتحدة) بكل عقلانية ورصانة، فتوالت المبادرات الملكية بقيام جلالة الملك باستعمال كل ما منحه الدستور من صلاحيات، سواء على مستوى إمارة المؤمنين، أو رئاسة الدولة، أو القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية لإطلاق المبادرات اللازمة للحد من انتشار الفيروس. الشيء الذي سهل انخراط كل مكونات المجتمع لمكافحة هذا الداء والحد من تبعاته، كل من موقعه. ولنا أن نفخر بقرار إنشاء "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد – 19" لتغطية النفقات الطبية، وتأهيل الآليات والوسائل الصحية، ودعم القدرة الشرائية للأسر ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة والحفاظ على مناصب الشغل. صندوق فاقت مداخيله كل التوقعات، حيث تجاوزت 33 مليار درهم (حوالي 3% من الناتج الداخلي الإجمالي)، بفعل الحس الراقي للتضامن الذي أبانت عنه كل مكونات الشعب المغربي. كما أحدثت "لجنة اليقظة الاقتصادية" لمواكبة انعكاسات الوباء والمبادرة بالإجراءات اللازمة لمعالجتها. وفي هذه الظرفية الاستثنائية أبانت الإدارة العمومية المغربية بكل مكوناتها من أطر وموظفين على قدرة كبيرة على التأقلم والإبداع من جهة وعلى تفان ونكران ذات في أداء مهامها من جهة أخرى. وفي حين كانت تشير أصابع الاتهام للإدارة العمومية وموظفيها قبل هذه الجائحة إلا أن ظروف الحجر الصحي أظهرت للجميع أهمية القطاع العمومي وفعاليته بل وحيوية الأدوار التي يقوم بها والتي يستحيل على القطاع الخاص تأمينها. فجزيل الشكر للعاملين بقطاع الصحة والنظافة والأمن والسلطات المحلية والساهرين على اشتغال البنيات التحتية واللوجيستيك، الذين يجازفون بحياتهم لحمايتنا وتوفير حاجياتنا. كل هؤلاء وجب الالتفات إليهم ومكافأتهم على جهودهم. في هذا السياق وجب التذكير بوضعية المغاربة العالقين في الخارج والمجهود الذي تقوم به قنصليات المملكة لمواكبتهم. إلا أن طول مدة الحجر الصحي وغياب أفق قريب لفتح الحدود يستدعي التدخل العاجل للحكومة من أجل إرجاعهم لذويهم. إن الخطة الوطنية المتعددة الأبعاد التي باشرها المغرب، والتي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية. إنه التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها، والمجتمع الذي يلتزم بقرارات وإجراءات مؤسساته. يجب الحفاظ على هذه اللحمة وحمايتها من أي تشويش لأننا أمام فرصة تاريخية قلَّ ما تتاح للأمم. فرصة إعادة البناء على أسس سليمة. فرصة ترسيخ المكتسبات وتقوية الخصوصية المغربية. فنحن أمة متعددة الروافد، متشبثة بالعيش المشترك، متمسكة بتوابتها الدستورية. إن هذه الروح هي التي سهلت على الحكومة تدبير الأزمة وأبرزت تناغما وتنسيقا قل نظيره في عمل مختلف قطاعاتها. هذا الرصيد لا يجب هدره بسبب تجاذبات أو حسابات سياسية ضيقة قد تعصف بمصلحة البلاد. كاشتراكيين ديمقراطيين، جعلنا شعار مشروع النموذج التنموي الجديد لحزبنا الذي أعلننا عنه بعد مشاورات ومداولات داخلية في ندوة دولية في أبريل 2018: "دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن". واليوم وبلادنا على المحك، يعي الجميع معنى الدولة القوية العادلة: دولة ذات مصداقية تحرص على تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها، ومؤسسات ملتزمة بممارسة اختصاصاتها ومهامها كيفما كانت الظروف. ويعي الجميع معنى المجتمع الحداثي المتضامن: فئات مجتمعية متضامنة فيما بينها بغض النظر عن انتمائها الطبقي أو الفئوي أو الجغرافي أو النوعي. لا مجال للذاتية كيفما كان نوعها، إذ علينا اليوم أن نشكل كتلة وطنية لا تستثني أحدا (أغلبية ومعارضة، أحزابا ونقابات، جمعيات وأفراد…)، وأن نكون جبهة متراصة لتقديم التضحيات اللازمة من أجل الخروج من هذه الأزمة. نحن كديمقراطيين متشبعين بقيم الحرية وحقوق الانسان أكيد منزعجون من حالة الحجر التي يترتب عنها تقزيم حقيقي لحرية المبادرة والتحرك ولكننا واعون بأن الحق في الحياة والدفاع على استمرار هذا الوطن والبشرية جمعاء يضطرنا جميعا لبعض التنازلات الظرفية إلى حين السيطرة على هذا الوباء. وما يجعلنا مطمئنين هي الطريقة الحضارية التي دبرت بها السلطات المحلية تنفيذ قرار الحجر وكذلك السرعة التي أخرجت بها الحكومة والبرلمان القوانين والمراسيم التي تخول تدبير المرحلة بطريقة مثلى. إن المرحلة المقبلة مرحلة دقيقة تقتضي منا مواصلة الالتزام بالتدابير الاحترازية والوقائية المتخذة والانضباط المستمر للإجراءات والقرارات المؤسساتية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية من جهة، وتستلزم، من جهة أخرى، المحافظة على روح التضامن التي سادت بين مختلف الفئات المجتمعية. فالتوجه نحو الرفع التدريجي للحجر الصحي في العديد من البلدان التي اختارت ذلك لم يكن هينا، لأنه كشف أن الأمر أعقد من إقامة الحجر الصحي من حيث الاحتياطات والتدابير الاحترازية التي يتعين اتخاذها والتي يتفق على أغلبها عموم المسؤولين على المنظومة الصحية. نذكر من بينها استقرار الحالة الوبائية، انخفاض حالات الإصابة الجديدة، تراجع مؤشر انتشار الفيروس "R1"، الرفع من الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، التوفر على وسائل تتبع ورصد الحالات المرضية هذا فضلا على التزام الجميع بالتدابير الوقائية الصارمة فيما يتعلق بالنظافة والتباعد الاجتماعي. في هذا الإطار تعرف بلادنا نقاشا مؤسساتيا ونقاشا عموميا موازيا، حول موضوعين أساسيين، يهم الأول منهما طريقة تدبير الأزمة في أفق الحد من انتشار جائحة "كورونا" أو حتى القضاء عليها، ويهم الثاني محاولة استشراف آفاق ما بعد هذه المرحلة. وخلال هذا النقاش بشقيه، برزت العديد من الأفكار التي طالما دافع عنها حزبنا، بل والتي لا زالت تمثل جوهر تميزه. ورغم أننا لا نستطيع القيام بتقييم موضوعي نهائي لجائحة مازالت ملامحها العامة لم تتشكل بالوضوح اللازم، ومازالت آثارها ومضاعفاتها الاجتماعية والاقتصادية تزداد بين الفينة والأخرى. غير أننا، كاشتراكيين ديمقراطيين يستحضرون منطق العلم ويعتمدون التحليل الملموس للواقع الملموس، يمكن أن ندلي ببعض الملاحظات الأولى ونحن في خضم هذه المعركة التي لا نعرف متى ستنتهي. إن اقتصاد بلادنا – على غرار باقي اقتصادات دول العالم – تأثر بما فرضته جائحة "كورونا" من توقيف للآلاف من المقاولات بمختلف أصنافها (الصناعية، الفلاحية، الخدماتية…). وقد أظهرت تقارير مؤسسات وطنية كالمندوبية السامية للتخطيط انخفاض في النمو الاقتصادي لهذه السنة. إن هذه الملاحظة الأولية مبنية لحد الآن على فترة محدودة من حالة الطوارئ الصحية، والحال أن مآل هذه الجائحة غير مرتبط بنا لوحدنا كدولة، بل بكل المجتمع الدولي، وبالتالي لا يُمكننا التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع بشكل دقيق، ولا المدة التي ستستغرقها، وما نحن متأكدين منه، هو أن الآثار ستكون سلبية ووخيمة على الاقتصاد الدولي، وأن تداعياتها ستزيد من حدة الآثار الداخلية. حماية صحة المواطنين وضمان العيش الكريم "إن هذه الجائحة ما هي إلا حافز يضعنا أمام مسؤولياتنا جميعا للنهوض بهذا القطاع وطي صفحة الماضي المتجاهلة للاختلالات في الخريطة الطبية وقلة الموارد البشرية وضعف الإمكانيات المادية وغياب التغطية الاجتماعية الشاملة" إن انخراط الاتحاد الاشتراكي في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية للمواطنين ليس وليد هذه الأزمة بل انه مترسخ في ثقافتنا ومرجعتينا الاشتراكية الديموقراطية وأبننا عنه في ممارستنا للشأن العام وواظبنا على تضمينه في برامجنا الانتخابية واعتبرناه مدخلا أساسيا لمنظورنا للنموذج التنموي الجديد. لذلك لن نعالج هنا كل القطاعات الاجتماعية ولكننا سنركز على المجالات التي ابرزت هذه الجائحة اهميتها والنواقص التي تعاني منها. فعلى سبيل المثال لو كان السجل الوطني جاهزا، لكان أسهل بكثير وأنجع توجيه المساعدة لمن يستحق بالقدر الذي يحتاجه بالضبط. ولو أن عدد الأطباء والممرضين ضعف ما نتوفر عليه ومنتشر بشكل أكثر عدالة عبر التراب الوطني ألن يخفف ذلك من وطأة الجائحة على المستشفيات ويجعلنا أكثر ثقة بقدراتنا الصحية لمواجهتها؟ المنظومة الصحية ها نحن اليوم نقف بالملموس في هذه الظروف الصعبة على حيوية تمكين المغاربة من نظام صحة جيد في متناول الجميع. فلا بد من معالجة اختلالات المنظومة الصحية عبر إقرار نظام شامل للمساعدة الطبية يقوم على الإنصاف والعدالة الترابية واعتماد تصور شمولي في معالجة المجال الصحي لا يقوم على النموذج الطبي ذي التوجه الباثولوجي والعلاجي المحض. للإشارة فبلادنا ليست في وضعية الدول التي تتوفر على أنظمة صحية قوية والتي لا تحتاج إلا لتقوية إمكانياتها أو الرفع من طاقتها الاستيعابية لمواجهة أزمة "عابرة". هذه الدول قد ترى في الاستثمار الإضافي في مجال الصحة أولوية ظرفية. لكننا في المغرب نعاني هيكليا من ضعف منظومتنا الصحية. وبالتالي فإن هذه الجائحة ما هي الا حافز يضعنا أمام مسؤولياتنا جميعا للنهوض بهذا القطاع وطي صفحة الماضي المتجاهلة للاختلالات في الخريطة الطبية وقلة الموارد البشرية وضعف الإمكانيات المادية وغياب التغطية الاجتماعية الشاملة. في هذا الإطار حري بنا أن نستغل هذه الفرصة لتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام الضمان الاجتماعي من جهة ولتسجيل كل الفئات الأخرى في نظام "راميد". هذا الأخير محتاج لعملية تبسيط مساطر التسجيل وتحيين المعلومات لتدبيره بسلاسة وبما يخدم مصلحة المواطنين ويصون كرامتهم وكذا بتوعية المستفيدين منه بحقوقهم وتوعية المستشفيات وأطقمها بواجباتهم اتجاه هذه الفئة المجتمعية. شبكات الأمان الاجتماعي أخيرا حلت هذه الجائحة "عقدة" المساعدة الاجتماعية المباشرة التي نطالب بها من عقود. اليوم ورغم عدم جاهزية السجل الوطني ولا الوكالة الوطنية للسجلات إلا أن وزارتي المالية والداخلية أبانتا على قدرة كبيرة للتجاوب مع الظرفية وتوزيع إعانات مالية (بمتوسط 1000 درهم) على أزيد من أربعة ملايين أسرة. الشيء الذي يطمئننا على قابلية العمل بنظام شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف الفئات المعوزة أو الفئات التي تعيش في وضعية هشاشة. حتى على مستوى التمويل تُظهر الأرقام أن المبالغ المطلوبة معقولة في حدود ميزانية الدولة إذا تمت معالجة صندوق المقاصة، ودمج الصناديق التي توفر إعانات تدخل في نفس الباب وتدقيق وضعية المستفيدين وتحيينها. المنظومة التربوية لقد سلطت الجائحة وما تبعها من حجر صحي الضوء على قدرة المنظومة التربوية على التأقلم. وهو الأمر الذي يحسب للوزارة والأكاديميات والجامعات والأساتذة على حد سواء. بحيث وضع الحجر الصحي المنظومة التربوية أمام تحديات جديدة تضاف إلى مهامها المعتادة كالتعليم عن بعد، أو البحث العلمي في الميادين المرتبطة بالوباء ومخلفاته. مما بين بالملموس الدور المحوري لمنظومة التعليم العمومي من جهة ومحدودية الاختيارات النيو-لبرالية في السنوات الأخيرة من جهة أخرى. وبغض النظر على التشويش الذي جاء من بعض أرباب المدارس الخاصة وعن إشكاليات تكافؤ الفرص أمام الولوج للإنترنت والحواسيب، فإن أسرة التعليم المغربية كانت في مستوى اللحظة سواء من حيث اتخاذ القرار في الوقت المناسب أو تجنيد كل الإمكانيات التقنية لمباشرة الدراسة عن بعد وأخيرا قرار جدولة الامتحانات والدخول المدرسي المقبل. مما يدل على أن الإصلاح ممكن وأننا لا نحتاج إلا للإرادة السياسية القوية واللحمة الوطنية واستحضار مسؤوليتنا اتجاه الجيل الصاعد. هذه الوضعية الصعبة برهنت كذلك أن التعليم العالي العمومي ليس مجرد قمة لهرم المنظومة التعليمية، بل يجب اعتباره الدعامة الأساسية التي تساهم في تقدم البلاد وفي دمقرطة مؤسساتها وفي بناء مجتمع حداثي تسود فيه العدالة الاجتماعية. فالتعليم العالي العمومي هو الذي ينتج المعرفة الجديدة اللازمة لتكوين الكفاءات الضرورية التي تحتاج إليها البلاد كالأطباء والممرضين والمهندسين والتقنيين والأساتذة والمفكرين والموظفين والمقاولين والفنانين وغيرهم. من هنا وجب التذكير بمنظورنا في الاتحاد الاشتراكي لمنظومة التربية التي نعتبرها الوسيلة الأساسية لبناء المواطن. لذلك نعتبر أن مجانية التعليم حق للشعب المغربي والتزام وتعاقد من طرف الدولة مع المجتمع، ونشدد على ضرورة توفير العدالة الرقمية واللغوية لكافة فئات الشعب المغربي. وبخصوص مسألة اللغة فإننا مع تعزيز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين: العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت الانفتاح على اللغات الأخرى التي تعتبر مفتاح العلوم في عالم اليوم. إن محو الفوارق الطبقية يمر عبر تكافؤ الفرص في التعليم لتمكين كل أبناء الشعب من الحصول على أدوات المعرفة ذاتها وبنفس الطريقة والوسيلة، مع اعتماد برامج ومناهج لتملك أدوات الفكر العقلاني والنقدي ووضع بين أيدي الجيل الجديد الوسائل والمفاتيح لانخراطه في الثورة العلمية راهنا ومستقبلا. وضع الحجر الأساس لاقتصاد وطني جديد "بالطبع نحن لا نطالب بتنفيذ مخططات جاهزة لدى المنظمات الدولية بل نأمل في أن الإبداع المغربي سيظهر مهارته من جديد في هذا المجال وأن رأس المال الوطني- بتحفيز من الدولة- سيرقى ببعض التجارب الجنينية إلى مستوى أكبر وأكثر فعالية بحيث تحسن سبل العيش وتخلق فرص العمل وتحد من الفقر والهجرة" بما أننا أمام أزمة اقتصادية فريدة من نوعها، هي في آن واحد أزمة عرض وأزمة طلب فإن الخروج منها في حالة المغرب خصوصا لا يمكن أن يكون عبر سياسة إنعاش اقتصادي تقليدية تقتصر على ضخ الأموال في المنظومة المالية وتوزيع المساعدات على المقاولات المتضررة. إننا مطالبون بالقطع مع ممارسات الماضي اليوم أكثر من أي وقت مضى. أولوية التصدي لمخاطر السيولة لا يجب أن تخفي المخاطر المحدقة الأخرى إن الإغلاق التام والمفاجئ للبلاد والذي كان و ما يزال ضروريا لحماية أرواح الناس، أربك سير أغلب المقاولات المغربية وأجج مخاطر السيولة لديها. لذلك فإن رد فعل الحكومة خاصة عبر "لجنة اليقظة الاقتصادية" كان سليما وحيويا للتخفيف من هذه المخاطر. ولكن علينا أن لا نكتفي بهذا القدر ونلتفت الى مخاطر الملاءمة المالية التي ستتفاقم مع تأخر عودة الدورة الاقتصادية. وقد تضطر الحكومة إلى شراء ديون بعض المقاولات أو حتى الدخول في رأسمالها لتخفيف عبء المديونية على ميزانيتها والسماح لها بالاستمرار في الاستثمار والتشغيل، وربما تأميمها كليا ولو بشكل مرحلي لحمايتها من الإفلاس. وللإشارة، فاللجوء إلى التأميم هنا لا يستند إلى مرجعية إيديولوجية بقدر ما يتوخى إنقاذ آلة الإنتاج الوطني وحماية مناصب الشغل. وعلى سبيل المثال، ها نحن نقف اليوم أمام نموذج لسوء تدبير القطاع الخاص لشركة وطنية والتي قد يكون مفيدا التفكير في تأميمها للاستفادة من أصولها خاصة بالنظر إلى وضعية سوق المحروقات، نخص بالذكر شركة سامير. مشكلة السيولة تمس كذلك ميزان الأداءات. فتقارير مكتب الصرف حول التجارة الخارجية تظهر الآثار الأولى لأزمة "كورونا" على الميزان التجاري المغربي حيث أن قيمة تراجع الصادرات أكثر بكثير منها في الواردات. وإذا أضفنا إلى ذلك التراجع المرتقب في عائدات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج وتراجع الاستثمار الأجنبي فإن الوضع لا يمكن إلا أن يوصلنا إلى صدمة لن يخففها حتى انخفاض الفاتورة الطاقية، لذلك فمن المستعجل اتخاذ تدابير للحد من واردات المواد الكمالية ومراجعة اتفاقيات التبادل الحر التي فيها غبن للفاعل الاقتصادي المغربي. السياسة الجبائية والخروج من القطاع غير المهيكل ستظل مجهودات الحكومة ناقصة المفعول بسبب شيوع القطاع غير المهيكل وتواجد أغلب المغاربة خارج إطار النظام الجبائي وصناديق الضمان الاجتماعي. السياسة الجبائية ومعها آليات الحماية الاجتماعية – ما هي إلا وسائل لتدبير المجتمع والحفاظ على تماسكه عند الأزمات. ولولا انخراط المغرب منذ استقلاله في ترسيخ هذه الميكانزمات (رغم محدوديتها) لكنا اليوم في عداد الدول "الضعيفة" التي لا تحتاج الدعم المالي والولوج للقروض فحسب، ولكنها في حاجة لمن يدبر معها الأزمة ويوصل لقمة العيش لأفواه مواطنيها. لكل ذلك فإن سن سياسة جبائية منصفة ومتوازنة له ضرورة حيوية في مغرب ما بعد "كورونا" حتى نكون مؤهلين لمواجهة أزمات مستقبلية بشكل أنجع وأقل كلفة على المالية العمومية وليكون لسياستنا الاقتصادية مفعول أكبر. علينا إذا أن نتعامل مع الاختلالات التي تعتري المنظومة الجبائية وذلك خاصة عبر: (1) توسيع التعريف الضريبي ليشمل كل الأنشطة التجارية بما في ذلك الجديدة منها (الاقتصاد الرقمي مثلا)، فقد أظهرت الأزمة حدود ظاهرة "لبريكول" وأجابت الذين كانوا يتسألون عن جدوى دفع الضرائب أو جدوى تقييد الشغيلة في صناديق الحماية الاجتماعية، وهو ما سيسهم من توسيع الوعاء الضريبي (2) معاقبة التهرب الضريبي و (3) مراجعة العتبات الجبائية بالنسبة للضريبة على الدخل والضريبة على الشركات لتشجيع الخروج من القطاع غير المهيكل. هذه هي الشروط السبقية لإعادة التوازن للمالية العمومية من جهة وتمكين الحكومة من آليات تحفيز القطاعات المتضررة وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات جديد، من جهة أخرى. دعم الانتاج الوطني حتى لا يجرنا دعم الاستهلاك إلى الرفع من الواردات النهوض بالإنتاج الوطني حتمي في زمن "كورونا" وما بعده، بالنظر إلى ارتباك سلاسل الإنتاج العالمية وما ترتب عنه من تراجع للمبادلات التجارية الدولية من جهة، وباعتبار أن أغلب الحكومات واعية اليوم أن حدا أدنى من الاكتفاء الذاتي صار ضروريا لمواجهة أزمة عالمية كهاته، من جهة أخرى. في هذا الإطار، سبق وأن ترافعنا في مذكرتنا حول النموذج التنموي الجديد وفي برنامجنا الانتخابي لتشريعية 2016 على أهمية استرجاع المبادرة الوطنية وعدم المراهنة على الفاعل الخارجي فحسب (سواء كان مستثمرا أو سوقا لبيع سلعنا). واعتبرنا أن المقاولة الصغيرة والمتوسطة يجب أن تكون في مركز السياسات النقدية والاستراتيجيات القطاعية وهاجس تدبير مناخ الأعمال، كي نطورها ونحميها ونرفع من قدرتها التنافسية بما يمكن من ضمان مناصب الشغل وتوفير حاجيات السوق الداخلية ثم التوجه للتصدير. ولنا في الأحداث الحالية خير مثال على قدرة الآلة الصناعية المغربية على التأقلم وقدرة العامل المغربي على الإبداع حيث تمكننا في غضون أسابيع من تطوير صناعة الكمامات وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها بل والشروع في تصدير الفائض. إن تشجيع رأس المال الوطني المنتج والمشغل والمبدع يقتضي القطع التام مع اقتصاد الريع والمضاربة والاحتكار وغيرها من ظواهر الربح السريع الذي يخلق الثروة للقلة القليلة لكنه لا يخلق أية قيمة مضافة للوطن أو المواطن. أية سياسات قطاعية جديدة؟ وبما أننا بصدد وضع الحجر الأساس لنموذج تنموي جديد فلا بد من ابتكار أساليب جديدة لإنتاج الثروة خاصة مع الارتباك الذي أحدثته الجائحة في بعض القطاعات الاقتصادية والذي يستحيل معه عودتها لسابق عهدها. ولأن المجتمع الحداثي المتضامن الذي ننشد ليس متضامنا هنا والآن فقط وإنما هو متضامن جيلا بعد جيل، فإننا نعتبر الاقتصاد الأخضر أحد الروافع الأساسية التي يمكن أن نأسس عليها نموذجنا التنموي. إن نهج النمو الأخضر هو فرصة لتجاوز أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة والمهدرة. والأمر هنا لا يقتصر على إدراج القضايا البيئية في قرارات الاستثمار في البنية التحتية مثلا، وإنما هو تصور شامل لكل السياسة الوطنية يتوخى التنمية المستدامة التي تحمي رأس المال الطبيعي وتضمن العيش الكريم للمواطنين أينما تواجدوا بالتراب الوطني خاصة سكان المناطق المعزولة في الجبال والواحات والمواطنون الرحل. كما أنه ليس نزولا عند رغبة بعض المؤسسات الدولية أو مكاتب الدراسات بقدر ما هو حاجة ملحة بالنظر إلى ما نعيشه في بلادنا من ندرة الموارد المائية وهشاشة المنظومة البيئية والتي كان لها في السنين الأخير آثار وخيمة على مواطنينا. وبالطبع نحن لا نطالب بتنفيذ مخططات جاهزة لدى المنظمات الدولية بل نأمل في أن الإبداع المغربي سيظهر مهارته من جديد في هذا المجال وأن رأس المال الوطني- بتحفيز من الدولة- سيرقى ببعض التجارب الجنينية إلى مستوى أكبر وأكثر فعالية بحيث تحسن سبل العيش وتخلق فرص العمل وتحد من الفقر والهجرة. وكمثال على ما يمكن تطويره في هذا المجال نذكر (1) تطوير سلسلة إنتاج الأعشاب الطبية التي تزخر بها بلادنا لنتحول من مصدر للمواد الأولية إلى مصدر للعناصر النشيطة التي تدخل مباشرة في صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل، (2) تعميم مبادرات استغلال الطاقات المتجددة و الذي يستلزم تقنين بيع الطاقات المتجددة من الخواص إلى الشبكة الوطنية للكهرباء و (3) تطوير مبادرات تحويل النفايات و غيرها. وللإشارة فإن هذا التوجه سيسهل الحصول على التمويل في السوق العالمية خاصة بعد هذه الجائحة التي غيرت منظور المؤسسات المالية لدور الاقتصاد الأخضر وأقنعت الكثيرين بضرورة تفادي الاستغلال الجشع لموارد كوكب الأرض وحماية نمط عيشنا. ولذلك نقترح في المغرب أن يكون مدخلنا لاقتصاد أخضر عبر قطاع الفلاحة وذلك بتشجيع الزراعات العضوية ودعم الفلاحين الصغار بتمليك الأراضي وتوفير التمويل والمواكبة التقنية. الشيء الذي سيكون له مفعول مزدوج، من جهة توفير مواد غذائية بجودة أكبر للسوق الوطني بما يحسن صحة المواطنين ويمكن حتى من تصدير الفائض بالنظر الى تزايد الإقبال على هذه المواد، ومن جهة أخرى الرفع من مدخول الأسر في العالم القروي والتخفيف من ضغط الهجرة على المدن التي تعاني أحياؤها الهامشية من الاكتظاظ وظروف عيش متدنية. وفيما يخص القطاعات المتضررة من تبعات الحجر الصحي فإننا سنحتاج لشجاعة كبيرة وقدرة على الابداع لإخراجها من الأزمة. فقطاع السياحة على سبيل المثال تأثر كثيرا بإغلاق الحدود وتعطل حركة المسافرين، حيث تُقَيم الكونفدرالية الوطنية للسياحة خسائر القطاع ب 46 مليار درهم في أفق 2022. علما أن القطاع يوفر حوالي 500.000 منصب شغل وأن رجوعه لسابق عهده في غضون سنة أو سنتين أمر مستحيل، فإن دعم المقاولات بالقطاع لن يكفي طالما أن العرض سيكون لا محالة أهم بكثير من الطلب الشيء الذي سيأدي إلى إغلاق بعض الوحدات الفندقية والشركات السياحية. لذلك وجب من جهة تشجيع السياحة الداخلية عبر تطوير منتوج سياحي يتناسب مع انتظارات واهتمامات السائح المغربي، ومن جهة أخرى الالتفات الى الشغيلة المعنية وتحضير برامج لإعادة تأهيل جزء منها وتوجيهه لقطاعات أخرى ستكون بالمقابل مستفيدة من تغيرات ما بعد "كورونا". كذلك بالنسبة لقطاع الخدمات والتجارة الذي سيتأثر بتغير أنماط الاستهلاك وتحول جزء منها الى العالم الرقمي (في الصين بعد رفع الحجر انتقل حوالي 30 بالمائة من نفقات التبضع الى الانترنت عوض المحلات التجارية التقليدية). وأخيرا ضرورة تطوير الإمكانيات المحلية للجهات والأقاليم استشرافا لمستقبل تحفه المخاطر كالتي نعيشها اليوم. ويمر هذا التمكين عبر آليتين: تطوير شبكة لوجيستيكية بهدف تعزيز قدرات الجهات والأقاليم على توفير نوع من الاكتفاء الذاتي في المجالات الحيوية كالطاقة والمواد الغذائية الأساسية والصحة، حماية الأراضي الفلاحية المجاورة للحواضر من التوسع العمراني وتشجيع استغلالها فلاحيا. واعتبارا لكل ما سبق نأكد أنه من المستعجل طرح تعديل قانون المالية 2020 على البرلمان والبدء بإعداد سيناريوهات مشروع قانون المالية 2021. فنحن في سباق دائم مع الزمن لتدبير هذه الازمة وتبعاتها. التقييم والتحيين والمراقبة مواردنا محدودة وتستلزم الاستعمال المضبوط والفعال. بالتالي فإن أي ضخ للأموال لا يجب أن يعتبر شيكا على بياض توقعه الدولة لأرباب العمل. بل هو العكس تماما، على الحكومة أن تكثف من وسائل المراقبة والتتبع وأن تقوم بدورها بتقديم تقارير دورية للبرلمان بخصوص تدبير الجائحة وتبعاتها وبمآل كل درهم يصرف من ميزانية الدولة أو من "صندوق كوفيد19". علينا كذلك أن نكون مسلحين لتتبع ومراقبة ما سيجري في مرحلة رفع الحجر واستخلاص الدروس والتجاوب بسرعة لإعادة النظر إذا استدعى الأمر، في الإجراءات التي نتخذ. حماية النساء وجعل النهوض بأوضاعهن في قلب مشروعنا التنموي "ليس من حل إلا أن نعيش زماننا وأن نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من النساء اللواتي يعتبرن – كما أثبتت تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة – فاعلا محوري في البناء الديمقراطي وطرفا أساسيا في معادلات التنمية والرقي المجتمعي" إن المجتمعات العقلانية والحداثية والمتضامنة هي التي أبانت على قدرة كبيرة في التعامل مع هذه الجائحة وتبعاتها. لذلك فإقامة مجتمع حداثي، عقلاني ومسؤول يتسع لجميع الطاقات أمر حيوي بالنسبة لبلادنا والشيء الذي يقتضي من جملة ما يقتضيه، ترسيخ المناصفة والمساواة والكرامة الإنسانية من أجل محاربة الإقصاء والتهميش وترسيخ الشعور بالانتماء لدى مختلف الفئات الاجتماعية. للأسف، الرصد الأولي لتبعات الجائحة عبر العالم أظهر (وهو ما كان متوقعا) أن النساء والفتيات يعانين أكثر من سلبيات الحجر الصحي سواء على المستوى الاقتصادي (لأنهن أكثر تمثيلية في القطاع غير المهيكل) أو الاجتماعي (الضغط عليهن أكثر في ظروف الحجر للحفاظ على توازن الأسرة ومراقبة دراسة الأطفال والمسؤولية على مستلزمات البيت) والصحي (تدهور الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية)، بل وقد لوحظ تزايد خطير في العنف المنزلي عموما و العنف ضد النساء خصوصا. ولأن ثقافة المساواة لم تتجاوز مستوى الشعارات في بلادنا ولأن المرجعية الذكورية لازالت تتحكم في عقول رجال الإدارة وأحيانا حتى نساءها، فإن إجراء جيد كتوزيع مساعدة مالية للأصحاب رامبد وغيرهم من الأسر اقتصر على تمكين رب الأسرة فقط من هذا التمويل. والحال أن أكثر من ثلث الأسر تعولها نساء (رغم وجود الأب وقدرته على العمل) وأن الدول المتقدمة عندما وزعت الإعانات وزعتها مناصفة بين رب البيت وربة البيت، بل إن دولا نامية في أمريكا اللاتينية تصرف الإعانات للنساء فقط لأنهن أكثر رعاية لأسرهن وأكثر حرصا على أطفالهن. ودون الوصول إلى هذه النماذج كان على الحكومة أن تمكن النساء كما الرجال من الإعانة حتى تحافظ للنساء على كرامتهن وللأسر على توازنها. وفيما يخص معضلة العنف ضد النساء، فإننا نطالب بتأمين حياة وصحة المغربيات وتجنيد إمكانية الشرطة والنيابة العامة وجمعيات حماية النساء لتفادي حدوث مآسٍ. ففي ظروف الحجر الصحي لا تتمكن هؤلاء من مغادرة البيت أو اللجوء لأي كان وعليه يجب تقوية مراكز الاستماع وتوفير مأوى للنساء المعنفات خارج بيت الزوجية (الفنادق الشاغرة مثلا). أما بعد الخروج من حالة الحجر الصحي فيجب الانكباب بشكل مستعجل على مراجعة المقتضيات والقوانين التي تمس النساء بما يتناغم مع الوثيقة الدستورية خاصة الفصل 19 منها. فليس من حل إلا أن نعيش زماننا وأن نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من النساء اللواتي يعتبرن – كما أثبتت تجارب الدول الديمقراطية المتقدمة – فاعلا محوري في البناء الديمقراطي وطرفا أساسيا في معادلات التنمية والرقي المجتمعي. الجانب المؤسساتي "دفاعنا عن دور الدولة في تحسين ظروف معيشة الفئات الأكثر تضررا داخل المجتمع ودعم المقاولات المحققة للنمو ليس وليد الأزمة وليس شعارا فضفاضا ولا موقفا انتهازيا. فاليوم، اتضح جليًا للجميع أننا في حاجة لدولة تعمل على توفير فرص متكافئة لنجاح كل مواطنيها سواء تعلق الأمر بصحتهم أو تعليمهم أو متطلباتهم الأساسية وهذه هي الدولة العادلة" لقد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينهل من الفكر الاشتراكي الديموقراطي معتبرا إياه بديلا حقيقيا عن الليبرالية المتوحشة التي تتبنى القضاء على أي تدخل للدولة. لذلك فدفاعنا عن دور الدولة في تحسين ظروف معيشة الفئات الأكثر تضررا داخل المجتمع ودعم المقاولات المحققة للنمو ليس وليد الأزمة وليس شعارا فضفاضا ولا موقفا انتهازيا. فاليوم، اتضح جليًا للجميع أننا في حاجة لدولة تعمل على توفير فرص متكافئة لنجاح كل مواطنيها سواء تعلق الأمر بصحتهم أو تعليمهم أو متطلباتهم الأساسية وهذه هي الدولة العادلة. وأداء هذه الأدوار سيعطي لا محال الشرعية للدولة للمبادرة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يضمن حقوق وحريات الأفراد في المبادرة والفعل والاستثمار والتفكير للقيام بما يلزم لضمان توازن البلاد. هذه هي الدولة القوية. إن التعبئة الوطنية الأخيرة، التي بدأت مع الدعوة إلى نموذج تنموي جديد وترسخت في زمن الطوارئ الصحية، تقتضي من بلادنا مواصلة الإصلاحات السياسية ومن أهمها: مراجعة المنظومة الانتخابية تهدف هذه المراجعة الى تكريس تمثيلية سياسية حقيقية وإفراز نخب كفأة ونزيهة. ولذلك، نؤكد، انسجاما مع مذكرات الحزب في هذا الشأن، على ضرورة تجاوز الأزمة المزمنة للمنظومة التمثيلية والسلبيات المتراكمة، وخاصة ضعف أداء المؤسسات المنتخبة واستفحال الفساد الانتخابي باستعمال المال أو الإحسان واستغلال النفود، وذلك من خلال ضمان التنافس السياسي المتكافئ والشريف والاقتراع النزيه والشفاف. إننا نجدد الدعوة مرة أخرى إلى إجراء حوار شامل مع الهيئات السياسية، أغلبية ومعارضة، من أجل معالجة اختلالات المنظومة التمثيلية وتعزيز نزاهة العملية الانتخابية. كما ندعو "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" و"الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها" إلى المساهمة في الإصلاحات الانتخابية المرتقبة وكذا مراقبة نزاهة العمليات الانتخابية والإعلان عن ذلك في آنه، انسجاما مع المهام الموكولة لهما، دستوريا وقانونيا. توسيع مجال تقاسم السلط بين مراكز الدولة والمجالات الترابية اللامركزية، وذلك بتسريع تنفيذ ميثاق اللاتركيز الإداري الذي نص عليه الدستور وأصدرته الحكومة بمرسوم في دجنبر 2018، وهو ما سيسمح بدعم جهات المملكة ببنيات إدارية تتوفر على الاستقلالية الكافية لبلورة سياسات عمومية جهوية تستجيب لخصوصيات المجالية لكل جهة وكذا تفعيل وتطوير مخططات التنمية الجهوية التي بقيت أغلبها بعد مضي أزيد من أربع سنوات على الانتخابات الاخيرة مجرد حبر على ورق او لم يتم اعدادها الى الآن. التفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية التفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية خدمة للمواطن والقانون والتنمية بالمعنى الذي أكد عليه جلالة الملك، في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة بتاريخ 2 أبريل 2018، من "أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي." والإسراع بتطوير رقمنة إدارة المحاكم قبل التفكير في رقمنة المحاكمات (التي تتطلب كما صرح بذلك وزير العدل مجهودا تشريعيا لضمان الحقوق الدستورية للمتقاضين في إطار الرقمنة) لأن بلوغ هدف التسريع عبر التسرع في دراسة الملفات بالمحاكم كما نرى حاليا في بعضها، يضرب حق المواطن في المحاكمة العادلة، بينما تسريع وتحديث الإجراءات الإدارية عبر الرقمنة والتمكين من المعلومة يجعل إدارة المحاكم أكثر نجاعة ويحمي المتقاضين من الفساد ووسطائه من سماسرة المحاكم. هذا الورش يستدعي بلورة برنامج واضح المعالم للتحول الذي يجب أن تعرفه المحاكم خاصة في المجال الرقمي، فإنجاح هذا التحول يتطلب مجهودا تشريعيا وتقنيا. كما يتطلب اسهاما وانخراطا من كل الهيئة القضائية ومساعدي العدالة. التسريع بتفعيل القرارات والإجراءات المتعلقة برقمنة الإدارة العمومية بغية تعميم وتحسين الخدمات الأساسية لفائدة المواطن والمقاولة. لكن مجهود الرقمنة يجب أن يواكبه مجهود للسماح للأشخاص الغير قادرين على التعامل مع هذه التقنيات للاستمرار في الحصول على ما يحتاجونه من الإدارة بشكل تقليدي حتى لا يتحول مجهود الرقمنة الى عامل جديد للإقصاء. على المستوى الحزبي " تقوية البيت الاتحادي وتطوير أدائنا الحزبي بما يمكننا من الاستيعاب العقلاني للتحولات العالمية والمحلية التي نتجت عن انتشار "كوفيد 19 " إن المرحلة المقبلة تتطلب منا، كحزب ديمقراطي فاعل في المجتمع، ليس فقط الدفاع عن المبادئ والقيم الديمقراطية والعمل السياسي والمؤسساتي المسؤول، بل أيضا تقوية البيت الاتحادي وتطوير أدائنا الحزبي بما يمكننا من الاستيعاب العقلاني للتحولات العالمية والمحلية التي نتجت عن انتشار "كوفيد 19 ". نعم، ونقولها بدون أية مزايدات، تأكد، على محك أزمة الوباء، صواب اختيارنا الاشتراكي الديمقراطي الذي لطالما دافعنا عنه، وتأكد إجماع الاتحاديات والاتحاديين بالانخراط الواعي والمسؤول في التعبئة الوطنية التي نعيشها اليوم. لكن، علينا أن نتحلى في الحزب باليقظة والحرص على متابعة التغيرات الجارية، وأن نستثمر الدينامية الحزبية بمناسبة مبادرتنا حول الانفتاح والمصالحة والأجواء الإيجابية التي خلقتها من خلال تعزيز الحوار الداخلي والتحاق أطر وكفاءات حزبي وسياسية من الطيف اليساري. علينا أن نحرص جميعا على مواصلة الحوار بين كل الكفاءات الحزبية الذي أطلقنا في إطار المنتديات الاشتراكية: منتدى "التطور الاقتصادي بالمغرب: رؤى متقاطعة" (18 دجنبر 2019 بالرباط)، ومنتدى "الحريات الفردية في مغرب اليوم" (17 يناير 2020 بفاس)، ومنتدى "الثقافة حق أساسي ورافعة للتنمية" الذي كان مقررا (14 مارس 2020 بتطوان) والذي تم تأجيله بسبب جائحة "كورونا". سنواصل الحوار بين كل الطاقات الحزبية، الموجودة اليوم في مؤسسات الحزب وخارجها، حتى نتمكن من إثراء عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر المقبل التي سندعو إلى عقدها بمشاركة كل الكفاءات الاتحادية من أجل بلورة أرضية متوافق عليها تمثل التصور السياسي والمجتمعي لحزبنا لمرحلة ما بعد "كورونا". إن مبادرة المصالحة والانفتاح ليست غاية في حد ذاتها، بل إنها تشكل رافدا من روافد دعم الدينامية التنظيمية التي شهدها حزبنا في الآونة الأخيرة بناء على خارطة الطريق التنظيمية التي اعتمدها المجلس الوطني للحزب (29 يونيو 2019) واجتماع كتاب الجهات والأقاليم (20 شتنبر 2019). لقد استطاع حزبنا تفعيل المقررات التنظيمية التي تم اعتمادها، سواء على مستوى العديد من الأجهزة الحزبية جهويا وإقليميا ومحليا، أو على مستوى مجموعة من التنظيمات والقطاعات الحزبية الموازية. فقد عقدت الشبيبة الاتحادية مجلسها الوطني يوم 28 شتنبر 2019 بالرباط، وانعقد اللقاء الوطني للنساء الاتحاديات بتاريخ 29 فبراير 2020 بالرباط كانت له امتدادات في مختلف الأقاليم بإحياء اليوم العالمي للنساء 8 مارس. كما بذلت العديد من القطاعات الحزبية جهودا مهمة على مستوى هيكلة أجهزتها، حيث اجتمع المجلس الوطني لنساء ورجال التعليم الابتدائي والثانوي بعد سنوات من الجمود وأطلق القطاع برنامجا تنظيميا للاشتغال على المستوى الوطني. كما التأمت قطاعات المحامين وأساتذة التعليم العالي والمهندسين والصيادلة والتجار والحرفيين. وكان لقطاع التجار والحرفين دور أساسي في معركة تعديل مشروع قانون المالية في شقه الجبائي. كما أشرفنا على عقد المجلس الجهوي لجهة الشرق بتاريخ 18 يناير2020 والذي تدارس مختلف الجوانب المتعلقة بالوضع التنظيمي على الصعيد الجهوي، ووضع خريطة الطريق التنظيمية للمرحلة المقبلة. وكان مقررا عقد اجتماع مماثل للمجلس الجهوي لجهة طنجةتطوانالحسيمةبتطوان يوم 14 مارس 2020، لكن تم تأجيله بسبب جائحة "كورونا". وسنعمل على عقد اجتماعات باقي المجالس الجهوية من أجل التداول بشأن خلاصات العمل الحزبي الإحصائي المتعلق بنتائج الحزب في الانتخابات الجماعية والتشريعية، وبلورة الاقتراحات العملية لخوض غمار الاستحقاقات المقبلة بالجدية المطلوبة. وفي أفق التئام المجلس الوطني الذي كان سينعقد في شهر دجنبر 2019و تم تأجيله لتزامنه مع المناظرة الوطنية لأكادير، ثم تم تأجيله مجددا بسبب نهاية السنة والعطل المدرسية. وفي سنة 2020 التأم المكتب السياسي في اجتماعات متعددة وقرر الدعوة للمجلس الوطني في مارس وبدأت التحضيرات خاصة منها التداول حول تقرير المكتب السياسي، وفُوِضْتُ لصياغته حتى فاجأتنا هذه الجائحة. لذلك لا بد لكل الأجهزة الحزبية، الجهوية والإقليمية والمحلية، وجميع القطاعات المهنية من تكييف طريقة اشتغالها مع الظرفية الحالية والتواصل عن بعد من أجل ضمان استمرارية تعبئة المناضلات والمناضلين وهو ما سنقوم به على مستوى المكتب السياسي. ويتعين على هذه الأجهزة الحزبية أن توافي القيادة الحزبية بمدى التقدم في تفعيل المقررات التنظيمية استعدادا للاستحقاقات المقبلة وبالمقترحات التي تراها مناسبة لضمان نزاهة العملية الانتخابية سواء القوانين أو التقطيع الانتخابي وكذا مسطرة الترشيح والبرنامج الانتخابي المحلي. وهو ما يستدعي من كافة الأجهزة الحزبية مواصلة الانفتاح وتوسيع القاعدة الحزبية ومعالجة مختلف المعطيات المتعلقة بالتبطيق والفروع والمقرات، ومواصلة إعادة هيكلة الأجهزة التسييرية الجهوية والإقليمية والمحلية وهيكلة القطاعات المهنية، وتكثيف العمل الإشعاعي والتعبوي للحزب. إننا نلتزم بدعوة المجلس الوطني للحزب، بتنسيق مع الأخ رئيس المجلس الوطني، فور توفر الشروط لحضور كافة عضواته وأعضائه. أنتظر أن يتفاعل كل الاتحاديات والاتحاديين مع هذه المساهمة ويدلوا بوجهة نظرهم بشأنها ويقدموا الاقتراحات والإضافات التي يرونها كفيلة بتطوير أداء مؤسستنا الحزبية وإعداد أرضية للجنة التحضيرية التي سنحرص على انتخابها وإعطاء الانطلاقة لأشغالها وفق الضوابط والقوانين الحزبية تحضيرا للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب.