قال أحمد مفيد أستاذ القانون الدستوري بجامعة “سيدي محمد بنعبد الله” فاس، إن الحياة السياسية لا ترتبط بشكل كلي بالأحزاب السياسية، فالمواطنات والمواطنون غير المنخرطين في الأحزاب لديهم أيضا فعل سياسي وقدرة على التأثير في صناع القرار أي على السياسيين. وأكد مفيد الذي تحدث في الندوة الرقمية المنظمة من طرف مركز “تكامل للدراسات والأبحاث”، ليلة أمس الأربعاء، حول “الحياة السياسية خلال وبعد الأزمة الوبائية”، أن الأحزاب السياسية دعامة للديمقراطية، ولا يمكن أن نكون دولة قانون دون تعددية سياسية، مشيرا أن هذه الأخيرة بما تفرضه من تعددية حزبية أمر محمود ويجب أن نسعى إليه.
وأشار أنه مادام أن اللحظة التي نعيشها حاليا غير عادية واستثنائية فبكل تأكيد الممارسة السياسية أيضا لن تكون عادية، فجميع الدول التي ظهر فيها وباء “كورونا” اتخذت مؤسساتها إجراءات وتدابير استثنائية غير عادية لمواجهة هذه الأزمة الطارئة. وأبرز أنه على مستوى الممارسة السياسية يجب أن تظهر لنا آليت غير عادية، لمساندة السياسات العمومية في مختلف التدابير المتخذة لمواجهة هذه الجائحة، والمبادرة بمجموعة من الأفكار والبرامج التي يمكن أن تنير السلطات العمومية. وشدد مفيد على أن الإشكال الحقيقي يكمن فيما بعد الفيروس، وماهي طبيعة البرامج الحزبية والمشاريع المجتمعية التي يمكن أن يقدمها الفاعل السياسي لمواجهة تداعيات جائحة “كورونا”. وأضاف ذات المتحدث أن جائحة “كورونا” ستكون لها تداعيات خطيرة جدا، لذلك فالحياة السياسية في اللحظة الراهنة يجب أن تنكب على أمرين اثنين، أولهما كيفية الخروج من حالة الطوارئ الصحية، لأن إعلان الحجر كانت له كلفة، الهدف منها ضمان الأمن الصحي وحماية السلامة الجسدية للأشخاص، والأحزاب السياسية يجب أن تفكر في كفيات الخروج من هذه الحالة. والأمر الثاني حسب مفيد، هو ما بعد هذه الحالة، والذي يستلزم التفكير في إعداد برامج ومشاريع تأخذ بعين الاعتبار تداعيات هذه الحالة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وأوضح مفيد أن الفاعلين السياسيين انخرطوا بشكل مباشر في الفعل السياسي خلال حالة الطوارئ الصحية، وهناك مؤشر إيجابي على هذا منه التصويت بالإجماع على مجموعة من مشاريع القوانين، ومراسيم القوانين، التي اتخذت في إطار اللحظة الفاصلة بين الدورتين، والتي تحيل على إشارة سياسية قوية مفادها أنه في لحظة مثل هذه يجب التخلي عن كل الحسابات السياسية التي ممكن أن تكسبهم نقاط معينة، ويتحقق إجماع وطني لمواجهة جائحة “كورونا”. وأكد أن هذا مؤشر إيجابي ويجب التنويه به، لكن مع ذلك يجب أن نناقش مظاهر الممارسة السياسية على مستويات متعددة من بينها الجهات، فعلينا أن نتساءل ونحن منكبين على تنفيذ ورش الجهوية المتقدمة عن ماذا تقدم الأحزاب السياسية للتفاعل مع هذه الجائحة، التي تفرض بناء نظام جهوية متقدمة، تعطى فيه الأهمية لقطاعات الصحة والتعليم. وأعطى مفيد المثال ببداية الفيروس، التي كان فيها عدد المراكز التي تتولي إجراء الفحوصات على صعيد الجهات قليل جدا، حيث كان مركز “باستور” في الدارالبيضاء، ومعهد الصحة في الرباط لوحديهما، وبعد ذلك اتخذت السلطات العمومية عدة إجراءات لتوسيع وزيادة قاعدة المراكز التي تتولى إجراء الفحوصات والكشف. وخلص مفيد أن هذا يفرض أن يكون لنا تفكير ليس فقط على المستوى الوطني، بل أيضا على المستوى الترابي، بما يفضي إلى ضمان وجود بنيات صحية على مختلف جهات المملكة المغربية، وأيضا ضمان تقديم الخدمات العمومية في القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم لكل المواطنين والمواطنات على مستوى الجهات، وهنا يجب استحضار أدوار الجماعات الترابية أي المنتخبين باعتبار أنهم فاعلين سياسيين إلى جانب السلطات العمومية التي لها اختصاصات في هذا الباب. وشدد على أنه يجب على الجميع العمل على إعادة الثقة للسياسة والممارسة السياسية، والفعل السياسي، مشيرا أن الأحزاب السياسية مطالبة بالقيام بإصلاحات داخلية، فصحيح لا يمكن تعميم هذا على جميع الأحزاب، لكن هناك أحزاب تحتاج إلى إصلاحات جذرية بنيوية من داخلها، وهناك أحزاب لم يسبق لها أن عبرت على أي موقف، ويجب أن تشرح ما هو دورها داخل المجتمع. ودعا مفيد الأحزاب السياسة أن ترجع لممارسة القرب مع المواطنين، والتواصل والعمل اليومي معهم عبر كل ربوع المملكة المغربية، من أجل إعادة الثقة وإرساء معالم ممارسة سياسة جديدة، لأن هذه الجائحة تفرض معالجة جذرية لطبيعة الفعل السياسي.