ينشغل العالم في الآونة الأخيرة بفيروس كورونا المستجد، الذي ظهر في الصين في مطلع هذا العام، والكل يتابع باهتمام تطورات الأوضاع المتعلقة بجهود وإجراءات السيطرة على انتشار هذا الفيروس وتتابع وسائل الإعلام عن كثب الأخبار المتعلقة بهذا الوباء الخطير، وهي متابعة ضرورية ونافعة شرط أن تكون ضمن الإطار المعروف لنقل الأخبار والمعطيات والأرقام الصادرة عن مصادر موثوقة، بلا تهويل يثير الذعر في نفوس المواطنين. ولقد علمتنا جائحة الكورونا وتعلمنا كل يوم عدة دروس وعبر نوجزها في ما يلي: الدرس الأول: العالم قرية صغيرة علمتنا جائحة الكورونا أن العالم قرية صغيرة, فمخلوق ضئيل لا يرى بالعين المجردة قادر على الانتقال من طرف العالم لطرفه الآخر في غضون ساعات، مما يدل على فكرة كم نحن مرتبطين بعضنا ببعض بشكل كبير وأنه بالرغم من اختلاف الثقافة و الجغرافيا و التاريخ فان مصيرنا بات في النهاية واحدا وأمسى من الضروري نبذ كل الأفكار العنصرية و نظرية التعالي و النظر بشكل مختلف لأفكار الآخرين... كما علمتنا الكورونا إن الأخبار أصبحت في عالمنا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر كالنار في الهشيم و لو تم حكم الشعوب بالحديد و النار ، وسائل الاتصالات الحديثة التي عملت على تسهيل تناقل الأخبار، والمعلومات بين الناس، حيث تضاعفت أهمية وفائدة هذه الوسائل، وقدراتها بعد أن تطورت شبكة الإنترنت؛ التي عملت على إضافة بعض الخدمات لها، وبالتالي النهوض بمختلف القطاعات الهامة، والحيوية. فبعض الدول، التي تعتبر عالميا نقطا سوداء، تمرر أخبارها عبر قبضة قوية من الرقابة الحكومية مثل إيران، لم تصمد أكتر من أسابيع حتى عرف العالم كله أخبارها وتأكدوا من أعداد المرضى والوفيات. الدرس الثاني: الصين تجربة فريدة في مواجهة المرض واحتوائه أثبتت الصين كدولة للعالم بأسره ان شعبها شعب الجبارين وأن لا مستحيل يعترض طموحات هذا البلد العظيم وبأن الشعب الصيني شعب مميز أيضا باعتزازه بوطنه وتاريخه، وهو اعتزاز يجعله منضبطا وصبورا ومتعاونا سواء في السراء أو الضراء. لقد أشاد العالم بأسره واعترف بجهود الصين في مكافحة فيروس كورونا المستجد والسعي لكبحه، وإظهارها روح المسؤولية ليس تجاه شعبها فقط، بل نحو العالم أجمع وهنا يمكن الرجوع الى تصريحات المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدانوم غيبريسوس، ورأي منظمته بالإجراءات الصينية في مكافحة الفيروس وجهودها لكبح تفشيه داخليا وخارجيا. ويمكن البحث والتأكد أيضا من آراء العديد من خبراء الصحة في العالم، غربيين وشرقيين، وتأكيدهم على أن الصين اتخذت الإجراءات المناسبة والناجعة للتعامل مع هذه الأزمة الطارئة. يستحق الشعب الصيني فعلا كل التقدير والإعجاب، وأن يكون مثلا يحتذى من قبل شعوب العالم، ليس لصبره وجَلده وجهده الحثيث وتفانيه، ثم تطور قدراته العلمية وإسهاماته فحسب، وإنما أيضا في ثقته الواضحة بوطنه وحكومته والتزامه التام بكل التوجيهات والإجراءات، لأنه يدرك تماما أن وحدة البلاد عموما هي المفتاح لأمنه وسلامته ومصلحته، ولا سيما في ظل الأوقات الصعبة، كما هو الحال الآن في التصدي لفيروس كورونا الجديد الذي ظهر في ووهان حاضرة مقاطعة هوبي، وانتشر إلى عدة مدن أخرى. لقد أصبحت مدينة ووهان الجبهة الأمامية للحرب ضد فيروس كورونا الجديد، وصار الكثير من الصينيين يتسابقون للتطوع ليكونوا في الخطوط الأمامية لمواجهة هذا العدو اللعين، غير مبالين بسلامتهم، تاركين وراءهم الأهل والأبناء؛ لأنهم يؤمنون بأنه لا حياة لأي مواطن من دون وطن سالم وآمن ومعافى، وأن مساهمتهم هذه ليست من أجل مساعدة المرضى على الشفاء فحسب، وإنما أيضا من أجل ضمان حياة كريمة لجميع الصينيين، ولشعوب العالم أجمع. فعلا لقد نجحت الصين في ما فشلت فيه أمريكا و الدول الغربية . الدرس الثالث: اختلال في المنظومات والسياسات الصحية لمعظم دول العالم صحيح أن الأوبئة لا تدمر المجتمعات فقط، ولكنها تكشف أيضا عن نقاط ضعفها وتبرز وهنها وكما قال المؤرخ الطبي فرانك سنودن مؤخراً لصحيفة New Yorker: «الأوبئة ليست مصائب عشوائية تصيب المجتمعات بشكل غير متوقع ودون سابق إنذار، بل العكس، تظهر الأوبئة نتيجة نقاط الضعف ومكامن الخلل الخاصة بكل مجتمع «. كشف فيروس كورونا المستجد عن تأثير الانخفاضات المتتالية في ميزانية خدمات الصحة، وهو ما جعلها تعاني من نقص الموارد وسوء التجهيزات في مواجهة الجائحة. ومثل الأوبئة الأخرى السابقة، سوف يحصد فيروس كورونا أرواح الفئات الأكثر تهديداً: كبار السن، والمشردين، والسجناء، والمهاجرين المحرومين من الحصول على الرعاية الصحية، ومن يعانون من حالات مرَضية وصحية مثل السرطان والإيدز. لقد سلّط الفيروس الضوء كذلك على نقطة ضعف قاتلة في نظامنا الصحي: "نموذج الابتكار الدوائي" القائم على الربح والذي نعتمد عليه لتطوير لقاحات وأدوية منقذة للحياة. الأرباح هي التي تتحكم في صناعة القرار بعالم الأدوية، ولهذا السبب ليست لدينا أدوية لعلاج السل الذي يقتل ملايين من الفقراء في العالم كل عام. ولهذا السبب أيضاً لسنا قريبين من اكتشاف مصل لفيروس كوفيد-19. هذا ليس أول فيروس من عائلة كورونا يهدد العالم، كان الباحثون قريبين من الوصول إلى مصل واعد لعلاج فيروسات مثل سارس وفيروس كورونا في 2016، ولكن مع انخفاض الأرباح المتوقعة، قررت شركات الأدوية تركيز جهودها على خطوط الإنتاج الأكثر ربحاً. في الولاياتالمتحدة، يدعو بيرني ساندرز إلى طرح أي مصل لفيروس كورونا مجاناً. ولكن محاولة ترمب شراء حقوق الاستخدام الحصرية للمصل المحتمل لصالح الأمريكيين لا تبشر بخير. بالطريقة نفسها التي نرى بها الضرورة الأخلاقية لأن تضمن خدمات الصحة الوطنية حصول الجميع على رعاية صحية عادلة ومنصفة، نحتاج إلى تطبيق شروط على تمويل البحوث تمنع منطق الربح من وراء فيروس كوفيد-19 بحيث يتمكن جميع من يحتاجون إلى العلاج في العالم من الحصول عليه ويجب أن تكون هذه هي الخطوة الأولى تجاه إعادة تنظيم نموذج صناعة الدواء، نحو الصحة العامة وبعيداً عن الأرباح. إذا كانت هناك دروس مستفادة من جائحة كورونا الحالية، فهي ضرورة رفض محاولات ترمب الأنانية استغلال الأزمة، وتبنّي نموذج ابتكار دوائي مدفوع بالمصلحة العامة، يعمل على توفير أدوية متاحة للجميع في مواجهة الوباء. ومجمل القول، فقد عرت هذه الجائحة أيضا بوضوح الأنظمة الصحية العالمية. وهكذا علمتنا دولة الصين درسا كبيرا ومهما جدا ويمكن لبقية دول العالم الاستفادة منه وهو أهمية أن يكون لدينا نظام صحي قوي، إن الإعداد لمثل هذا التفشي هو أمر تحتاجه جميع الدول، ففي وقت السلام من السهل أن ننسى الاستثمار في القوى العاملة في القطاع الصحي وفي وضع خطط للاستعداد والاستثمار في المختبرات والمستلزمات الوقائية الشخصية. إنه درس نأمل أن تتعلمه جميع الدول كي لا تضطر إلى تعلمه بطريقة قاسية عندما تواجه جائحة مثل كوفيد-19. الدرس الرابع: الجميع "سواسية" أمام جائحة كورونا لم يعد اليوم فرق بين الصين وفرنسا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا والمغرب والجزائر والسعودية وإيرانوأمريكا وكندا، وبين دول أخرى في الساحل جنوب إفريقيا أو في آسيا الفقيرة، إذ أضحى الجميع "سواسية" أمام وباء يوزع فيروساته بعدالة كبيرة على سكان المعمور. اضافة الى ذلك، فإنه لا يوجد أي شخص في العالم فقيرا كان ام غنيا في منأى عن الفيروسات والأوبئة المتطورة، ما يفرض ليس، فقط، التكتل في حرب دولية شاملة ضدها، بل كذلك التفكير في إرساء نظام عالمي للتضامن بين الشعوب وترك الخلافات الجانبية، واعتبار أن العدو الحقيقي قادم من قارات أخرى "غير مرئية"، عدو لا يؤمن بالتكتيك، بل باستراتيجية واحدة، هي القضاء على الجنس البشري وإبادته. علمتنا جائحة الكورونا أن الإنسان ضعيف مهما كانت سلطته وشهرته أو غناه، فهذا الفيروس لا يهاجم الفقراء ولا الضعفاء ولا المهمشين فقط، بل أصاب ويصيب حتى رؤساء دول ملوك وأمراء، مشاهير فما الفائدة من التعالي والتفاخر فكلنا مجموعة من الخلايا قادر على هزيمتها شيء لا نراه بالعين المجردة الى درجة ان البعض بات يسميه بالعدو الغير مرئي. الدرس الخامس: تعزيز روح التضامن والتأزر بين المواطنين في خضم جائحة كورونا التي تعصف بالعالم برمته في الوقت الراهن ظهرت ثمة جوانب إيجابية، فقد عززت من روح المسؤولية والتضامن بين السكان بعدة مبادرات، وهكذا أصبح التضامن" شعارا للمرحلة" ، كثيرة إذن هي الدروس الأولية المستفادة من بين ثنايا التدابير الوقائية والاحترازية التي عرفتها بلادنا، لكن يبقى في نظري أول وأقوى الدروس المغربية هو صندوق التضامن لمواجهة فيروس كورونا ، فهو صندوق مخصص لتأهيل المنظومة الصحية ودعم الاقتصاد الوطني والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لجائحة كورونا، يبرز الشخصية المغربية الحقيقية المتفردة من خلال التفاعل التلقائي لمختلف مكونات الشعب مع هذه المبادرة الحكيمة. في المغرب مثلا، علّمتنا جائحة كورونا دروساً كثيرة، فقد ولّدت لنا تلاحماً أكبر وتآلفاً غير مسبوق وتفاعلاً اجتماعياً جديراً بأن يكون نبراساً لمشروعات مستقبلية، كما ابرزت بجلاء الدور المتميز الذي لعبته جمعيات المجتمع المدني في حملات التوعية والتحسيس لفائدة المواطنين. سيتغير العالم حتما بسبب هذه الجائحة وحين تنتهي -بإذن الله -ستظهر ثقافة ما بعد كورونا جلية فقد تعلمنا الكثير، حيث أصبح المجتمع المغربي متضامنا ومتآزرا أكثر من أي وقت مضى ، انها لحظة تاريخية من قيم التضامن طالما افتقدناها نظرا للأنانية والفردانية التي تربي بها الرأسمالية الإنسان التي تريد من أجل الاستغلال والربح على حساب القيم الإنسانية النبيلة المتجذرة في الإنسان ، هكذا تمرد الجميع ضد هذه الفردانية والأنانية ضمن شروط تاريخية استرجع فيها الإنسان إنسانيته متضامنا ومتصالحا حتى مع الذين يختلفون معه من أجل الحفاظ على استمرارية الحياة وحمايتها بقيم التضامن في زمن تغزو فيه كورونا العالم. الدرس السادس: هشاشه الاقتصاد العالمي العبرة السادسة، تتعلق بهشاشة الاقتصاد العالمي، إذ رغم الملايير التي تصرف سنويا على شركات ومؤسسات وبورصات وصناديق تمويل دولية لتحصين هذا الاقتصاد ضد الأزمات والكوارث الكبرى، نجحت الضربات الأولى ل «كورونا"، في توقيف الحركة في نصف الكرة الأرضية، ووصلت الخسائر المالية إلى عشرات تريليونات من الدولار، وبدأ الحديث، منذ الآن، عن جائحة مجاعة تضرب العالم. الدرس السابع: الفيروسات لا دين لها ولاحدود عند وقوع كل كارثة طبيعية ا وعند تفشي وباء ما في بقعة من بقع العالم وانتشار صور الموت والدمار، تتعالى أصوات رجال الدين وتنتشر تعليقات المؤدلجين من المسلمين بأن ما حدث إما عقوبة إلهية وانتقام رباني من الكافرين أو ابتلاء منه واختبار لصبر المؤمنين ومدى قوة إيمانهم، إلا أنها وللأسف الشديد تجد رواجا كبيرا في أوساط المسلمين ولذلك لم يدهشني أبدا ادعاء رجل الدين السوري عبد الرزاق المهدي في خطبة الجمعة أن الله سلط فيروس "كورونا" على "الملاحدة الشيوعيين والبوذيين" بسبب اضطهادهم للمسلمين في الصين والهند وأن الفيروس جنديا من جنود الله. في مقابل دعاة الكراهية، صحح لنا فيروس كورونا المتجدد بعض المفاهيم المغلوطة وعلمنا ان الفيروسات لا دين ولاحدود لها والمسلم أيضا مصاب وبأن الله لا يعاقب بريء على جرم لم يفعله، فماذا فعل المصابون؟ فالمملكة العربية السعودية أصيبت بكورونا منذ خمسة أعوام وتوفي أكثر من 500 ضحية فهل الله غاضب على السعوديين؟ وحتى لو سلمنا بنفس طرحهم المبني على ربط كل شيء بالدين فالصين بها أكثر من 120 مليون مسلم على حسب بعض المصادر وربما يقل أو يزيد، فهل معنى ذلك أنه انتقام إلهي منهم كما هو انتقام من الأبرياء وفق زعمهم؟ الدرس الثامن: هشاشة وضعف الاتحاد الأوروبي لا يمكن النظر إلى أزمة الاتحاد الأوروبي المتصاعدة بفعل انتشار جائحة «كورونا»، باعتبارها توتّراً عابراً للعلاقات بين دوله، يمكن تجاوزه متى تمّ القضاء على الفيروس. في العصر «ما بعد الكورونا»، ستقف بلدان التكتُّل أمام نوع مختلف مِن التحديات. تحدياتٌ مِن شأنها أن تَهزّ دعائم الاتحاد ووحدته، وسط غياب مظاهر التضامن بين دوله وانكفائها ضمن حدودها الداخلية، وتَجلّي حدود السياسات النيوليبرالية. وربّما يتبيّن أن الاتحاد الذي استطاع تجاوز تداعيات «بريكست» وأزمة اللاجئين والأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، بات أكثر هشاشة وضعفاً مِن ذي قبل، بعدما أعاد اختبار انتشار الوباء الاعتبار إلى الدولة القومية: الملاذ الأخير للشعوب في وقت الأزمات الكبرى. لقد شكّلت إيطاليا الاختبار الأصعب في هذا السياق؛ الاستجابة البطيئة، معطوفةً على غياب الوحدة بين دول تكتُّل اليورو، بدّدا الآمال بانحسار الوباء قريباً، وجعلا من أوروبا بؤرة جديدة للأزمة. أقرّت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، متأخرةً، بأن المسؤولين السياسيين «قلّلوا من أهمية» حجم الخطر الذي يشكّله «كورونا»، بينما أطلق البنك المركزي الأوروبي، متأخراً أيضاً، خطة «طوارئ» بقيمة 750 مليار يورو لشراء الديون العامة والخاصة، في محاولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية للوباء. خطةٌ جاءت بعدما تصرّفت مديرة «ا البنك المركزي»، كريستين لاغارد، استناداً إلى أن الجائحة الحالية مختلفة كونها أزمة صحة عامة، وليست أزمة سياسية أو مالية. وهكذا، عانت إيطاليا من غياب الدعم الأوروبي وكان عليها «اختيار» مَن يبقى على قيد الحياة نظراً إلى نفاد الإمدادات، تمّ توجيه الأطباء بهدف ضمان العلاج لأولئك الذين لديهم فرص أعلى للنجاة. توسّلت السلطات الصحية الإيطالية أصدقاء البلاد وحلفاءها للحصول على إمدادات الطوارئ. لكن، وصلت المساعدات من شنغهاي: فريق طبي و31 طناً من الإمدادات. عزّزت لفتة بكين غياباً ملحوظاً في الدعم المُتوقَّع مِن أوروبا، تجلّى بعدما أشارت لا غارد إلى أن وظيفتها لم تعد إبقاء إيطاليا في منطقة اليورو. جلُّ ما فعله هذا الرفض، هو تغذية استياء. بيد أن هناك تصوّراً ترسّخت جذوره على مدى عقد من الزمن، مِن اتّحاد اوروبي يفتقر إلى التضامن الجماعي ويعيق النمو، بينما كانت إيطاليا تواجه تدفّقات المهاجرين، ما أدّى إلى صعود القوميين المتشكّكين في أوروبا، أمثال اليميني المتطرّف ماثيو سالفيني.مما سيذكي رغبة بعض الدول الأوربية الأكثر تضررا من جائحة كورونا في مغادرة الاتحاد ان عاجلا ام اجلا. وكخلاصة، فإن هناك عبر ودروس كثيرة لقنتها جائحة كرونا لكل بلدان العالم ولعل أهم درس يمكن استخلاصه حتى اللحظة هو أنه لا غنى عن الدولة، وهذا ما يعنى أن كل النظريات التي تطالب الدولة بالانسحاب من إدارة الأنشطة الصحية والاقتصادية وغيرها والتحول إلى مجرد شرطي يطبق القوانين هي نظريات غير واقعية ولا تستطيع أبدا الصمود أمام كارثة بهذا الحجم. دور الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي مطلوب، حماية الفقراء والارتقاء بمستوى الصحة العامة، والتشغيل والتوظيف تظل واحدة من مسؤوليات الدولة حتى لو تم ذلك بمساعدة القطاع الخاص. بات الجميع يعول على الدولة ومؤسساتها لضبط الأوضاع والتحكم في الجائحة وضمان تموين ومد الأسواق بالغداء والدواء والطاقة. كما أظهر وباء كورونا أخيرا أنه ورغم أي عيوب تعترى النظام الدولي القائم على التعاون بين الدول وبين المنظمات الدولية والإقليمية، إلا أنه لا يمكن أبدا الاستغناء عن نظام الحكامة الدولي الذى تقوده الأممالمتحدة والمنظمات التابعة لها، فهذا التنظيم الدولي الذى ازدادت أهميته بعد الحرب العالمية الثانية ورغم ما به من عيوب، لكنه يظل هو عامل الأمان الدولي الأول للتعامل مع القضايا العابرة للحدود مثل القضايا البيئية والصحية والجرائم الدولية وغيرها، هذا نظام دولي لابد من إصلاح منظومته المعطوبة، لكن لا يمكن أبدا الاستغناء عنه أو تجاهل دوره في سلامة البشر المعاصرة. يحتاج العالم إلى وقفة طويلة لإصلاح سياساته الاقتصادية والسياسية بعد زوال خطر الوباء وهو أمر لم يعد من الممكن تجاهله، فلعل وباء كورونا يكون بمثابة فرصة لترتيب دولي جديد يدشن مرحلة جديدة للعلاقات الدولية كما كانت الحربين العالميتين الأولى والثانية مدشنتين للنظام الدولي في القرن العشرين بالإضافة الى ان هذه الجائحة قد وقعت شهادة وفاة لزمن الغطرسة الأمريكية ولزمن العولمة الاقتصادية وكذا الاعلان عن ميلاد نظام دولي جديد بقيادة دولة الصين الشعبية. بقي ان نتساءل في الختام: هل تتنازل أمريكا عن العرش اقتصاديا لفائدة الصين؟ وهل سيكون ذلك بمثابة أقسى درس سيلقنه وباء كورونا للدول الغربية بشكل عام وللولايات المتحدةالأمريكية بشكل خاص؟