يرى النقابي عبد الحق حيسان أن “الحجر الصحي شكل بالنسبة إليه فرصة إيجابية منحته الوقت لمراجعة الذات، وللتفكير فيما سبق، وفيما سيأتي، لكي نعيد قراءة واقعنا وتاريخنا والتهيئ لمستقبلنا”. يؤكد حيسان، وهو مستشار برلماني بالغرفة الثانية، في حوار مع موقع “لكم، أن “الجائحة كشفت جشع بعض أرباب العمل، ونبل بعضهم الآخر، وأن هناك من لا يهمهم إلا الربح و من بينهم من خاطروا بحياة الأجراء”.
وبينما ينبه حيسان، عضو المجموعة الكونفدرالية بمجلس المستشارين المغربي، إلى أن “الجائحة كشفت أيضا عدم استعداد المغرب لأي طارئ أو كارثة لا قدر الله”، يشير إلى أن “تاريخ الأوبئة في العالم كان فاصلا بين فترتين، فما قبلها ليس هو ما بعدها، فعلى الدول أن تراجع مواقفها واصطفافاتها”. وفيما يلي نص الحوار: ماذا يعني بالنسبة لك الحجر الصحي؟ الحجر الصحي شكل بالنسبة لي فرصة إيجابية منحتني الوقت لمراجعة الذات، وللتفكير فيما سبق، وفيما سيأتي. الحجر الصحي فرصة أتيحت لنا لكي نعيد قراءة واقعنا وتاريخنا والتهيئ لمستقبلنا. وما الذي غيره الحجر في تدبير وقتك اليومي؟ بعد أسبوع من الحجر الصحي، اتضح لي أن الأمر قد يطول وعلي أن أسطر برنامجا، وأن لا أرتكن للكسل. وهو ما فعلت، حيث وضعت برنامجا، وكانت لدي عدد من المشاريع مؤجلة، وحان الوقت لبرمجتها. قسمت الوقت، فيه العمل العادي البرلماني والنقابي، ووقت أخصصه للقراءة بعدما كنت جافيتها منذ مدة، بسبب انشغالات السفر الأسبوعي والعمل البرلماني، حيث خصصت لها ساعتين يوميا خلال الحجر الصحي، إضافة إلى تخصيص وقت صباحي للرياضة في البيت. أقرأ اليوم كتاب المهدي بن بركة “جدلية الفكر والممارسة” لمجموعة من الكتاب، وهو مجموعة مقالات صادرة عن مجلة “أمل”، بعد مرور 50 سنة على اختطافه. وقبله قرأت كتاب “نصف قرن في السياسة” لعبد الهادي بوطالب. أتابع أيضا مع ابنتي دراستها عبر التعليم عن بعد، وأطلع على ما يقدم ويدرس. وهو ما منحني فرصة للتعرف أكثر على التعليم، وعلى اجتهادات بعض الأساتذة الذين يبذلون مجهودات. حقيقة أثار اهتمامي، وغنمت ملاحظات من كل ذلك. في بعض المرات، ألج المطبخ للمساعدة والدعم والمؤازرة، ولا أكون رئيسا في هاته “المهمة الشاقة”. بالعودة إلى زمن الحجر الصحي في بلادنا، ما الذي كشفت عنه هاته الأزمة؟ على الصعيد الدولي، كشف الوباء هشاشة عدد من الاتحادات، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وأنانية العديد من الدول، حيث صارت كل واحدة تشتغل لذاتها. الأزمة كشفت أيضا أن الإنسان أول قيمة في هذا الكون، والمواطنون في كل الدول أبانوا عن حس التضامن والتآزر. وهو ما يكشف طبيعة الإنسان في الأزمات. وفي بلادنا، كشفت الأزمة عن أشياء عديدة. أولها وضعية قطاع الصحة في المغرب، حيث صار الجميع متأكدا مما كنا نقوله سابقا، على أنه يجب الاهتمام أكثر بهذا القطاع ومنحه الإمكانات الضرورية. فمنذ قانون المالية لسنة 2018 ، ونحن نتقدم بمقترحات للزيادة في ميزانية وزارة الصحة لتواكب تطلعات المواطنين، وكنا أيضا ننبه الوزراء إلى هاته المسألة، لكن دوما كانت ترفض الاقتراحات التي نقدمها. اليوم الجميع مقتنع أن الصحة العمومية لا بد من الاعتناء بها. الجائحة كشفت أيضا عدم استعداد المغرب لأي طارئ أو كارثة لا قدر الله، ومنها كارثة الوباء، علما أن أزمة “كورونا” أتيح لنا قبل أن تصل للمغرب قليل من الوقت للاستعداد لها، ولو لم يكن ذلك لكان الوضع اليوم أكثر فضاعة، حيث أن تأخر إصابة المغرب بالوباء جعلنا نستعد، لكن ليس بالشكل الذي ينبغي أن يكون. وهنا لا بد من تسجيل أن المغرب والمسؤولون انتبهوا في وقت مبكر، فلا قدر لها لو كانت كوارث فجائية، لكانت نتائجها وخيمة وكبيرة جدا. الجائحة كشفت أيضا جشع بعض أرباب العمل، ونبل بعضهم الآخر. وأنه ليس الكل من نفس الطينة. هناك بعض أرباب العمل يستحقون التنويه لما قاموا به في هاته الجائحة تجاه العمال. وهناك بعض أرباب العمل لا يهمهم إلا الربح وخاطروا بحياة الأجراء. حقيقة بعض أرباب العمل فاجئوني بما قاموا به تجاه العمال، حيث طلبوا من عمال وعاملات مصابين بأمراض مزمنة أو لديهم أطفال في المنازل، أو ممن لديهم التزامات ترغمهم على المكوث في منازلهم، وأن تؤدى لهم أجورهم. وهناك من غيروا التوقيت واشتغلوا على أفواج ووفروا كل الحماية والوقاية لعمالهم. فلا بد من التنويه بهم في هاته الظروف الصعبة، وفي ظل الجائحة. ما الذي تقترحه لتجاوز هاته الأزمة مستقبلا بعد الجائحة؟ بعد الخروج من أزمة يجب الانتباه للعديد من القضايا. أولها الاهتمام بالصحة العمومية، وثانيها الاهتمام بالتعليم، لأن المستقبل للتعليم عن بعد والتعلم الرقمي، وجائحة كورونا وضعت حدا للتعلم عن قرب، وفرضت ضرورة الدخول في التعلم عن بعد، الذي يجب من الآن التفكير فيه للمستقبل. علينا أيضا التهيء لاقتصاد وطني قوي يعتمد على الصناعة الوطنية، وفلاحة عصرية تستطيع أن توفر احتياجات المغرب. فلا يمكن القبول بأن نستورد القمح كأساسيات، ونحن يلزمنا 100 مليون قنطار. على الدولة أن تفكر في الإنتاج من الحاجيات الأساسية للمغاربة وأن تعتمد على اقتصاد وطني يثمن المنتوجات المحلية، لأنه يحز في أنفسنا، أن يتم استنبات أشجار الأركان في دول أخرى إلى جانب منتجات أخرى. علينا أن نؤسس لاقتصاد مدعوم بتعليم جامعي قوي، يعتمد على البحث العلمي ويمنحه أولوية ، فلا يمكن أن نطور مستقبلنا بلا بحث علمي وبلا معرفة. تعليم عمومي قوي ذي جودة ومنصف لجميع المغاربة، ويؤسس لمجتمع قادر على مواجهة تحديات المستقبل. لا بد من الاهتمام بقضايا الثقافة وتثقيف المجتمع، لأن المجتمع الذي لا يهتم بالثقافة ليس له مستقبل. قضايا أخرى تستلزم التفكير فيها من قبيل إيجاد شغل للشباب الذي يتوقع أن ترتفع أعدادهم بشكل تصاعدي وكبير. ولا بد من التفكير من الآن في خدمات عمومية في المستوى، فالجائحة فضحت من ينادون اليوم بنهاية الخدمة العمومية، وأكدت أنهم على جانب كبير من الخطأ. وعليه فيجب أن نهتم بخدمة عمومية في المستوى. صدر منشور رئيس الحكومة لاقتطاع من أجور موظفي الدولة لفائدة صندوق “كورونا”، مما أثار ضجة لم ترض أشخاصا وهيئات.. كيف تنظر إلى هذا القرار؟ نحن في ظرف استثنائي ليس عاديا، ولا أحد يمكن أن يكون ضد المساهمة في صندوق مواجهة جائحة كورونا. لكن، أنا أختلف مع رفاقي الذين أبدوا اعتراضا على الاقتطاع. صحيح أن الموظفين يعانون من القروض وارتفاع المعيشة وغير ذلك. بالمقابل هناك من توقف قوت يومه. يجب أن لا نكون أنانيين وأن نفكر في أنفسنا. فنحن كبرلمانيين ساهمنا بشهر كامل اقتطع من المنبع وحول لصندوق “كورونا”. وأنا شخصيا لا دخل لي غير تعويض البرلمان وليس لي غيره. لكن لم أتردد بل بالعكس كنت مقتنعا بضرورة التضحية. وهذا أقل ما يمكن أن نفعل في هاته الظروف. نعم التضامن والمساهمة يكون اختياريا. أنا متفق مع هذا الطرح، لكن الظروف الحالية تتطلب التضحية، والدستور يمنح الصلاحية لرئيس الحكومة بمقتضيات الفصل 40. لكن ما نبغي التأكيد عليه، أنه يجب أن لا يقتصر الأمر على الموظفين، وعلى الحكومة أن تحدث ضريبة على الثروة، وعلى أغنياء المغرب أن يساهموا، وليس الأجراء والموظفين كلما حلت أزمة. أنا لا أرى أية ضجة أو داع لهاته الضجة أوداع لكل هاته الاحتجاجات، على اعتبار أن أغلب الموظفين لا يذهبون للعمل. على الأقل تخصيص ما كانوا يخصصونه للتنقل سيكون أكثر من اقتطاع يوم عن كل شهر. طفت قيم التضامن والتآزر خلال الأزمة، لكن هناك تخوفات من تمرير قرارات أو الجهاز على بعض الحقوق والحريات. ما تعليقك؟ من الإيجابي جدا ما رأيناه من قيم التضامن والتآزر ، أيان عنها أشخاص ومؤسسات وهيئات وهذا أمر جد إيجابي. لكن أيضا بدت بعض الممارسات من بعض المواطنين ومن بعض رجال السلطة الحاطة بكرامة الإنسان، والتي لا يمكن قبولها في القرن ال 21 من قبيل صفع مواطنين وإهانتهم. وبالتالي لا يمكن أن نقبل أن في فترة اصطفاف وطني، ولحظة تضامن وتآزر، أن يتم الحط من كرامة المواطنين وتمرير بعض القرارات ضد حقوق الإنسان. هناك من يتنقد دور الأحزاب في الجائحة ويصفه بالسلبي لأنه ترك فراغا جعل الناس تتسائل ما الغرض من وجودها. ما قولك؟ صحيح، بدا دور الأحزاب ضعيفا خلال هذه الأزمة، لكن لا يمكن أن تلغي دورها بالمرة فمازلنا في حاجة إلى أحزاب قوية وفاعلة. والمؤكد أن العمل الحزبي قبل كورونا ليس هو العمل الحزبي بعد الجائحة. القول بأنه لا حاجة لنا بالأحزاب، قول مجانب للصواب، وأنا على قناعة أن هناك دور للأحزاب، ولا يمكن للدول أن تكون دولا بالمعني الحقيقي من دون أحزاب سياسية تؤطر المواطنين. كيف ستؤثر التجربة الحالية على مستقبل عيشنا المشترك؟ جائحة كورورنا لها تداعيات يمكن التكهن ببعضها، ولا يمكن التكهن ببعضها الآخر. طبعا ستؤثر على العيش المشترك، فتاريخ الأوبئة في العالم كان فاصلا بين فترتين، فما قبلها ليس هو ما بعدها. نتمنى أن تظل الأشياء الإيجابية في زمن انتشار وباء كورونا مستمرة، وأن يراجع الإنسان ذاته، وأن يراجع تصرفاته، كما على الدول أن تراجع مواقفها واصطفافاتها.