تؤكد المحامية والناشطة الأمازيغية النسائية عائشة ألحيان أن “جائحة كورونا أماطت اللثام عن أمكامن الضعف والقصور في المنظومة القانونية والمؤسساتية ذات الصلة بحقوق النساء، وأن فرض الحجر الصحي دون توفير بدائل وآليات للحماية تناسب هذه الظرفية أدى إلى تعميق معاناة مجموعة من النساء وأجبرهن على تحمل ظروف الحجر الصحي بكل إكراهاته”. وبرأي ألحيان، العضو السابق بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في حوار مع موقع “لكم”، أن “جدوى القوانين والمؤسسات والاستراتيجيات تظهر وقت الأزمات، وفي أول محك ظهر عجز القانون وبعض المؤسسات عن ضمان أبسط حق من الحقوق الأساسية للنساء ألا وهو ضمان أمنهن وسلامتهن”.
وبينما تشير ألحيان، عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط سابقا، إلى أنه “رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها غالبية الأسر المغربية خاصة في الأحياء الشعبية، وفي أحزمة الفقر، فإن الحجر الصحي يزيد من تعميق معاناتهم وحرمانهم”، تنبه إلى أن “استغلال هذه الظرفية الحرجة لتمرير قوانين من قبيل المشروع 22.20 يكرس غياب المسؤولية السياسية والاستخفاف بذكاء المغاربة”. وفيما يلي نص الحوار: ماذا يعني لك الحجر الصحي؟ الحجر الصحي هو لحظة استثنائية ألزمت ملايين الأشخاص بيوتهم عبر العالم، وليس في المغرب فقط بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية، وهي لحظة رهيبة لما تطرحه من توجسات وأسئلة بخصوص مستقبلنا على كل المستويات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية و الثقافية . والحجر الصحي وإن كان يدخل في إطار التدابير التي اتخذتها الدولة لحظر تفشي وباء كرونا وحماية صحة وسلامة المواطنين والمواطنات فإن أهم ما فيه أنه أبان عن نضج الشعب المغربي واستعداده للالتفاف حول كل المبادرات التي تصون كرامته وحقوقه وتخدم مصالح بلده. كيف تستتمرين وقتك وماذا تقرئين؟ رغم أن ظروف الحجر الصحي قد فرضت علي التوقف مؤقتا عن عملي والبقاء في البيت، إلا أنه حتى من داخل البيت هناك الكثير مما يمكن القيام به فانشغالاتي تتوزع بين تدبير شؤون البيت والحرص على متابعة ابني لدراسته بعد إقرار التدريس عن بعد ، كما أخصص حيزا من الوقت لمتابعة العمل الذي تقوم به الأخوات المستمعات بمراكز النجدة التابعة لاتحاد العمل النسائي، والمتمثل في استقبال مكالمات النساء ضحايا العنف وتقديم التوجيه والدعم القانوني لهن. أما بخصوص المطالعة لدي لائحة من الكتب والمراجع المرتبطة باهتماماتي كثيرا ما تم تأجيلها والحجر الصحي فرصة للاطلاع عليها. وما هي المشاريع التي تشتغلين عليها؟ بحكم أنني عضو بجمعية اتحاد العمل النسائي فان أهم مشروع أشتغل عليه مع الأخوات في الاتحاد هو حملة – مراكز النجدة معك- ، وهي حملة تهدف مساعدة النساء ضحايا العنف عبر وضع خطوط هواتف مراكز النجدة على المستوى الوطني رهن إشارة النساء المعنفات لاستقبال شكاياتهن، وتقديم مجموعة من الخدمات كالتوجيه القانوني والدعم النفسي والتنسيق مع مجموعة من المتدخلين في المجال لحل الإشكالات المستعجلة. وقد تتبعنا جميعا كل التدابير الإستباقية والاحترازية التي اتخذتها الحكومة للحماية من فيروس “كورونا” فرغم أهميتها، فإنها لم تستحضر عند فرضها للحجر الصحي ما يمكن أن تتعرض له النساء من عنف جسدي أو نفسي أو اقتصادي بسبب تواجدهن طوال الوقت مع رجل معنف، علما أن البحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء الذي أنجزته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة خلص إلى أن نسبة العنف الزوجي تتجاوز 52 بالمائة. ولذلك، فان فرض الحجر الصحي دون توفير بدائل وآليات للحماية تناسب هذه الظرفية أدى إلى تعميق معاناة مجموعة من النساء وأجبرهن على تحمل ظروف الحجر الصحي بكل إكراهاته وعنف الزوج أو الأخ أو أحد أفراد الأسرة، خاصة و أن أغلبهن لا تتوفر على رخصة الخروج من البيت لكونها تسلم لرب الأسرة. يوميا نستقبل مكالمات عديدة مؤلمة، ومن مناطق مختلفة لنساء تعرضن لواحد أو أكثر من أشكال العنف ( الجسدي – النفسي واللفظي – الطرد من بيت الزوجية – سحب الوثائق الشخصية – التهديد..)، وأهم الصعوبات التي تعترض تلك النساء وتحول دون انتصافهن، هو صعوبة التبليغ عن العنف في ظل الحجر الصحي أو استحالته في أحيان كثيرة ، كما أن خدمة تقديم الشكايات للمحاكم عبر البريد الالكتروني أو الفاكس ليست متاحة للجميع، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة الأمية والهشاشة في صفوف النساء وعدم تمكنهن من التطبيقات الالكترونية والتقنية. وأكيد أن هذه الصعوبات هي إحدى الأسباب التي تفسر انخفاض عدد الشكايات المسجلة لدى النيابات العامة خلافا للأيام العادية، حيث لم يبلغ عددها حسب الدورية رقم 20 لرئاسة النيابة العامة سوى 892 شكاية عن المدة من 20 مارس الى 20 ابريل ماهي قراءتك لوضع حقوق النساء خلال أزمة كورونا؟ أكيد أن جدوى القوانين والمؤسسات والاستراتيجيات تظهر وقت الأزمات ، لما يفترض أن تلعبه من أدوار حاسمة في حماية حقوق الإنسان الأساسية، و في ما يتعلق بحقوق النساء فإنه للأسف، وفي أول محك ظهر عجز القانون وبعض المؤسسات عن ضمان أبسط حق من الحقوق الأساسية للنساء ألا وهو ضمان أمنهن وسلامتهن. فإذا ما استثنينا بعض المجهودات الفردية لبعض المتدخلين، فالنساء ضحايا العنف يجدن أنفسهن وحيدات معزولات مجبرات على تحمل كل أشكال العنف لغياب إجراءات خاصة استثنائية وفورية للتعامل مع الاعتداءات التي تطالهن في هذه الظرفية بدءا من تيسير طرق التبليغ عن العنف كما هو الحال في بعض البلدان مثلا التي جعلت من الصيدليات و المتاجر نقط للتبليغ لتخفيف العبء عن الضحايا، تم التعامل مع الشكايات بالجدية والحزم اللازمين، فمواجهة المشتكية بعبارة “سيري صبري”، وهو مصادرة لحقها في حياة آمنة بدون عنف ، إضافة إلى أن النساء المطرودات من بيت الزوجية يواجهن بتدبير المنع من التنقل بين المدن وما يحتاجه الحصول على رخصة التنقل من إجراءات ، إضافة إلى أنه يضعهن أمام جشع من سينقلهن إلى عوائلهن في غياب فضاءات للإيواء في كل المناطق. كما أن أزمة كورونا أبانت عن ضعف التنسيق بين آليات التكفل المنصوص عليها في القانون 103-13 ، والتي كان يفترض فيها وضع مخطط استثنائي يناسب شروط وصعوبات وتعقيدات المرحلة لتسهيل استفادة ضحايا العنف من الخدمات وتدابير الحماية التي حددها هدا القانون على علاتها، إضافة إلى مشكل العنف المسلط على النساء في المجال الأسري، فإنهن لسن أكثر أمنا في مجال العمل، والدليل ما تعرضت له العاملات بالمصانع والضيعات الفلاحية في الأيام الأخيرة بسبب اشتغالهن في ظروف صعبة وغير آمنة، رغم قساوة ما أسفرت عنه هذه الجائحة للعديد من النساء، فإنها أناطت اللثام عن مكامن الضعف والقصور في المنظومة القانونية والمؤسساتية ذات الصلة بحقوق النساء. ماذا كشفته أزمة كورونا وكيف تنظرين للمستقبل؟ أزمة كورونا كشفت عن حقائق مؤلمة على المستوى الدولي، حيث غابت أواصر التضامن الإنساني وأغلقت الحدود وتقوقعت الدول على ذاتها دون اعتبار لما يدور في محيطها ، كما أن العديد من المؤسسات الدولية توارت و أبانت عن عجز في مواجهة جائحة مست العالم بأسره. وهذا الأمر ستكون له لا محالة أبعاد مؤثرة في صياغة مستقبل جديد على مستوى العلاقات الدولية. أما على المستوى الوطني، فان الجائحة كشفت عناصر قوة في بعض مؤسسات الدولة خاصة في اتخاذ تدابير احترازية بشكل استباقي جنب المغرب الوضعية المأساوية التي عرفتها دول الجوار. كما أن هذه الجائحة أبرزت الوجه الحضاري للمجتمع المغربي الذي تجاوب بشكل كبير مع الإجراءات المتخذة رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها غالبية الأسر المغربية خاصة في الأحياء الشعبية، وفي أحزمة الفقر، حيث يزيد الحجر الصحي من تعميق معاناتهم وحرمانهم. وفي نفس الوقت، فإن هذه الجائحة عرت على النقص الحاد والخصاص الذي يعرفه قطاع الصحة، وعدم تكافئ الفرص في التعليم بين المجالين الحضري والقروي، وبين التعليمين الخصوصي والعمومي. أتمنى أن نستخلص الدروس من هذه الوضعية الحرجة، ويتم إعادة ترتيب أولوياتنا بجعل التعليم و الصحة في صلب التحديات التي ينبغي رفعها و مواجهتها بروح وطنية ومسؤولية تاريخية للخروج من وضع التردي والتردد الذين تعيشها هذه القطاعات. كما أن ما عشناه هذه الأيام يجب أن يكون دافعا لبناء مغرب جديد على أسس صحيحة ومتينة تتمثل في تعميق البعد الديمقراطي وتعزيز احترام الحقوق والحريات. طفت قيم التضامن و التآزر خلال الأمة لكن هناك تخوفات من تمرير قرارت أو الإجهاز على الحقوق و الحريات ما تعليقك ؟ لتخفيف آثار الحجر الصحي، ونظرا لتوقف العديد من المواطنين والمواطنات عن عملهم عمدت الدولة لاتخاذ مجموعة من الإجراءات، أهمها توزيع دعم مالي للأسر المعوزة. وهذا يندرج في إطار مسؤوليات الدولة وواجباتها ويشكل تجسيدا لدورها الاجتماعي الذي ينبغي أن يكون هو الأصل في تعاملها مع قضايا المجتمع في كل الأوقات. كما أن المجتمع المدني لعب أدوارا مهمة وأبدع صيغا منوعة للتحسيس بخطورة الوباء وأهمية التقيد بشروط السلامة، وكذا في تقديم العديد من الخدمات كل في مجاله، وأن هذه التعبئة والتضامن أرجعت الثقة نسبيا في مؤسسات الدولة لكن سرعان ما تبددت بتسريب مشروع القانون 20 -22 الذي يشكل تراجعا خطيرا عن المكتسبات وتقييدا لحرية التعبير المضمونة بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية، كما أن استغلال هذه الظرفية الحرجة لتمرير مثل هذه القوانين يكرس غياب المسؤولية السياسية والاستخفاف بذكاء المغاربة. كيف ستؤثر التجربة الحالية على مستقبل عيشنا المشترك؟ أكيد أن آثار هده الجائحة ستكون ثقيلة على عدة مستويات. وأتمنى أن نغتنم جميعا هذه الفرصة دولة ومجتمعا وأحزاب سياسية لننطلق بعد انتهاء الحجر على أسس جديدة في تدبير مستقبلنا بما يفرضه ذلك من القطع مع الكثير من سلبيات الماضي وتوفير شروط التنمية المستدامة يكون جوهرها الإنسان والبيئة.