قام أول أمس الاثنين 17 يونيو 2013 السيد ميشيل فوزيل، رئيس جهة بروفونس آلب كوت دازير، مبعوث الوزير الأول الفرنسي، جون مارك أيرول حول الاتحاد من أجل المتوسط، بزيارة إلى المغرب أجرى خلالها مباحثات في الرباط مع الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية والتعاون، السيد يوسف العمراني، وهي المباحثات التي رمت إلى تعزيز وضوح الرؤية والنجاعة العملية للاتحاد من أجل المتوسط باعتباره إطارا إقليميا واعدا يمتلك المؤهلات الضرورية من أجل تأسيس نظام إقليمي جديد، قادر على خلق دينامية شراكة طموحة وتنافسية وتضامنية في المنطقة المتوسطية، حيث أن كل مكونات الدول الأورو-متوسطية، خاصة منها الحكومات والبرلمانات والممثلون المحليون وممثلو الجهات والمجتمع المدني أصبحوا مدعوين لتقديم دعمهم وبذل مجهودات بهدف تمكين الاتحاد من أن يصبح قاطرة للتنمية السوسيو-اقتصادية في المنطقة والنهوض بهذه الأخيرة والجعل منها منطقة متوسطية للمشاريع تكون لها أهميتها في مواكبة المجتمع المدني والشباب في البلدان المتوسطية، وتكون لها مساهمة في تكريس ديمقراطية تشاركية قادرة على الاستجابة لتطلعات هذه الفئة من المجتمع. لقد تأسس الإتحاد من أجل المتوسط في شهر يوليوز سنة 2008 بمناسبة قمة باريس لأجل المتوسط. جمعت هذه القمة 27 دولة عضوا في الإتحاد الأوروبي و 12 دولة في الشراكة الأورومتوسطية إضافة إلى كرواتيا والجبل الأسود، والبوسنا والهرسك، وموناكو، التي أصبحت عضوا كاملا في هذه الشراكة مما جعل عدد بلدان الاتحاد من أجل المتوسط يصل في مجموعه إلى 43 بلدا. وكان الهدف من هذه القمة تقوية وتوطيد العلاقة بين ضفتي المتوسط، حيث حققت نجاحا بفضل مشاركة جميع الدول المعنية و اعتمادها لمقاربة ترتكز على المشاريع. فقد تمكنت هذه القمة من توطيد مبدإ الحكامة التمثيلية (عقد قمة، تعيين ممثلي الرئاسة المشتركة، وتأسيس الأمانة العامة ذات استقلالية وشخصية قانونية). وتوصل وزراء الشؤون الخارجية للدول الأعضاء خلال اجتماع نوفمبر2008 المنعقد بمدينة مارسيليا، إلى تفاصيل ولاية الأمانة العامة حيث تقرر اتخاذ مدينة برشلونة كمركز لها. كما تم تعيين السيد فتح الله سجلماسي أمينا عاما للإتحاد. من الناحية العملية، يهدف الإتحاد من أجل المتوسط إلى تعزيز ستة مجالات تتعلق بالتنمية الإقتصادية والتجارية، والنقل والتنمية الحضرية، والطاقة، والماء والبيئة، والتعليم العالي والبحث العلمي، والشؤون الإجتماعية والمدنية. في هذا الإطار، بادرت المملكة المغربية إلى احتضان الجامعة الأورومتوسطية بفاس مشاركة منها في المجهودات الرامية لتجسيد المشاريع البنّاءة على المستوى الجهوي. كما يشارك المغرب في عدد من المشاريع التي تمت المصادقة عليها وهو يساهم أيضا بنشاط مكثف في تحريك آليات الإتحاد من اجل المتوسط من خلال التركيز على مبادئ الملكية المشتركة والتعاون والدعوة إلى نهج شراكة أورومتوسطية شاملة، مع التركيز بصفة خاصة على مبدإ الهندسة المتغيرة. لقد دعا المغرب دوما إلى أن يقوم الإتحاد من اجل المتوسط بدور مركزي داخل ديناميات التكامل الجهوي، وذلك من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية ومستقبل أفضل للشعوب الأورومتوسطية. فالمفهوم الجديد للإتحاد من أجل المتوسط يتجسد من خلال مشاركة "الفعاليات الإقليمية" بين الفاعلين الإقليميين من كلا الجانبين، حيث ينبغي على جميع الفاعلين الرئيسيين ببلدان الحوض المتوسطي استغلال الفرصة لتعزيز التنسيق فيما بينها بشكل يرمي إلى تجانس الأنشطة التي يكون لها تأثير إيجابي على المواطنين. فالسياق الحالي يشكل فرصة نادرة لبلدان جنوب وشمال المتوسط٬ وكذا الشركاء المؤسساتيين لتحقيق الهدف الرئيسي المشترك المتمثل في إنشاء منطقة اقتصادية مزدهرة وآمنة حول المتوسط. إن تعزيز الروابط ومضاعفة الجسور بين البلدان الأورو متوسطية يشكل ضرورة جغرافية واقتصادية٬ وحاجة استراتيجية تدعو أصحاب القرار السياسي٬ والفاعلين الخواص٬ والفاعلين المحليين والمجتمع المدني٬ إلى دعم هذه الدينامية الجديدة التي بدأت ترتسم مظاهرها في الجهة المتوسطية٬ وذلك بسبب الانتظارات الملحة لدى سكان هذه الجهة من العالم. يلاحظ أن هناك اليوم تقدم قد أحرزته المشاريع التي أطلقت في المغرب بشراكة مع الاتحاد من أجل المتوسط٬ وخاصة منها مشروع الجامعة الأورومتوسطية بفاس٬ والمخطط الشمسي للمتوسط٬ إلى جانب مشاريع أخرى للبنيات التحتية. وقد التزم المغرب بالمضي قدما في التعاون مع الاتحاد من أجل المتوسط لإنجاز هذه المشاريع وإحداث أوراش أخرى في المسبتقبل. وللتذكير، تعتبر الآليات القانونية التي اعتمدت في إنشاء وتسيير مؤسسة الاتحاد من أجل المتوسط آليات حديثة ومركبة مما هو متضمن في التشريعات الأوربية من جهة، ومما هو من صميم القانون الدولي العام من جهة مقابلة، وكل هذه التشريعات توخت البلوغ من خلال أبعادها الروحية إلى تحقيق ثلاثة أهداف : أولها العمل بمقتضى مفهوم الشراكة المتقدمة، وثانيها العمل وفق التعاقد المتعدد الأطراف، وثالثها تفعيل مبادرات المجتمع المدني المتوسطي ومبادرات الجماعات المحلية المتوسطية والقطاع الحر المنتمي للجهة الأورومتوسطية. وتروم هذه الأهداف الثلاثة إلى نوع من المرونة والليونة بخلاف ما تعرفه الهيئات الدولية والجهوية التقليدية المتعددة الأطراف من بطئ في المساطر وتماطل في التفعيل وتعثر في أذاء المهام المنوطة بها على الصعيدين الدولي والإقليمي. ونظرا لما أبدته مصر وفرنسا في تسييرهما المشترك في بادئ الأمر من تحمس للنهوض بالاختصاصات والمهام المنوطة بالاتحاد من أجل المتوسط، فإن عملية مأسسة هذا الأخير قد شكلت فرصة لتحيين القانون الدولي العام في جوانب مختلفة ومتعددة منه بعدما قرر رؤساء الدول والحكومات المنخرطة في هذا الاتحاد تأكيد العزم على إقامة مشاريع رامية إلى تحقيق إنجازات مشتركة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، كما صمموا العزم خلال اللقاءات التي جمعت بينهم في المرحلة التأسيسية على أن يكون التعامل في دائرة الاتحاد من اجل المتوسط قائما على أساس قدر من العدالة في إطار التشريعات القانونية الدولية. وقد صدرت بالفعل مباذرات متعلقة بميدان التشريع عن عدد من الفاعلين من المجتمع المدني المنتمي إلى الجهة المتوسطية، وعن بعض الفاعلين ضمن السلطات القضائية لبعض الدول الأوربية وعلى رأسهم بعض القضاة والمحامين الفرنسيين، مع تأكيدهم على ضرورة تمكين رجال القانون والتشريع في بلدان الدائرة المتوسطية من الضمانات المخولة مبدئيا للسلطة القضائية، والمتمثلة في ضمان شروط الحياد والحرمة والاستقلالية في إصدار القرارات والأحكام والتشريعات في إطار الاتحاد من أجل المتوسط دون ضغط أو تحريض من أي طرف حكومي كان. وقد رأت بعض الأطراف القضائية الفرنسية أنه من المنطقي أن يكون هناك في المرحلة التأسيسية للاتحاد المتوسطي حوار منظم ونشيط في المجال التشريعي بين رجال القانون المتوسطيين، وأن يكون هذا الحوار قائما في جو تسوده المرونة وسعة الصدر والانفتاح على الآخر، وأنه من الأولى أن يتم ذلك في إطار نسيج مركب من قضاة ورجال قانون متوسطيين متخصصين في التشريعات الجنائية والمدنية، بحيث ينظر هذا النسيج القانوني والقضائي في التشريعات المرتبطة بالعلاقات التجارية والاقتصادية وفي الاستثناءات التي يفرضها المجال الثقافي لكل بلد بلد داخل الدائرة المتوسطية. وقد فضل البعض أن يكون من بين أهداف الفرق والمجموعات المكونة لذلك النسيج القضائي المركب القيام بالعمل التشريعي المؤطر للتعامل المشترك بين البلدان المتوسطية والسعي إلى إحداث غرفة للتحكيم تجعل من بين اختصاصاتها الحرص على إعداد وإحداث واحترام معاهدة الاستثمار التي رأوا أن من الواجب تضمينها نصوصا تراعي حماية المستثمرين وتمكينهم من الضمانات اللازم احترامها داخل الدائرة المتوسطية. وقد كان من المفيد جدا وضع إطار للحوار بخصوص النصوص والأعراف المتداولة بين البلدان المعنية في باب العقود والالتزامات بخصوص ما سيجرى به العمل مبدئيا بين البلدان والمؤسسات المتوسطية. فلا شك أن المشاريع والأشغال الكبرى، التي ينتظر من الجهة المتوسطية تفعيل أوراشها وإنجازها في إطار الاتفاق المبدئي القائم بين بلدان الحوض المتوسطي على أساس محوره التشارك والتضامن، تستدعي حوارا متواصلا وتفاوضا مستمرا من أجل التوصل إلى التوافق المنشود بخصوص المعايير وشروط المنافسة المتعلقة بأسواق المال والطاقة والاتصال السلكي واللاسلكي، وبالصفقات العمومية وطلبات العروض الدولية والإقليمية ... . لقد وعى عدد من المهنيين العاملين في مجالات القضاء والتشريع ببعض بلدان الدائرة المتوسطية هذه الضرورة الحتمية التي عقد عليها رؤساء الدول والحكومات وأهل القرار السياسي عزمهم، فبادروا الى خلق شبكات متعددة الأطراف تستبق الأحداث بالتأسيس لها عبر التشريع القانوني، فصرنا نرى ضمن هذه التجمعات مثلا شبكة الموثقين المتوسطيين، وفدرالية الخبراء في المحاسبة وعمداء الحسابات المتوسطيين إلى غيرها من مؤسسات المجتمع المدني، كما عبر مجمع المقاولات المتوسطية الذي اجتمع بالموازاة مع انعقاد أشغال مجلس وزراء خارجية البلدان المتوسطية في سنة 2008 عن رغبته في مساندة ميدان التشريع القضائي المتعلق بمجال المبادرة المقاولاتية، علما بأن المؤسسات الحكومية والهيئات المنبثقة عن التعاون الدولي، المتعدد الأطراف في المنطقة المتوسطية، لا مناص لها من الاعتماد على التشريعات الهادفة إلى تأطير المبادرات المقاولاتية الخلاقة. إذا كان هناك مجال للحوار بين المشرعين ورجال القانون، وأخذ ورد بين المدونات والأعراف، ومد وجزر بين شبكات الفاعلين المدنيين من أجل التأسيس الفعلي للتعامل بين الدول والجماعات داخل دائرة الاتحاد من أجل المتوسط ، فإن المغرب – بحمله لمسؤولية الأمانة العامة للاتحاد – يعمل على تنمية قدراته وإغناء رصيد بلاده السياسي والدبلوماسي عبر تسيير دواليب هذا التكتل الدولي الإقليمي الذي سيكون له في المستقبل دور كبير لا على صعيد ضفتي المتوسط الشماليةوالجنوبية فحسب، وإنما على الصعيد العالمي أيضا بحكم جواره وتعامله عن كتب مع مجموعة الاتحاد الأوربي من جهة ومع دول الاتحاد المغاربي من جهة ثانية ومع دول شرق المتوسط من جهة ثالثة. فالآن وقد برزت إلى الوجود جمعيات وهيئات غير حكومية ومؤسسات فرعية مهنية تنتمي إلى المجتمع المدني المتوسطي، أصبح من الضروري أن تنضم إليها فعاليات مغربية متخصصة في مختلف المجالات لتشارك بدورها في إرساء البنية القانونية والترسانة التشريعية التي سوف تبرمج وتنجز على أساسها مجموعة البلدان 43 المكونة للاتحاد من اجل المتوسط مشاريعها السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية وما إليها من المشاريع التي تظل مختلف ساكنات بلدان الجهة الأورومتوسطية محتاجة إليها في الحاضر والمستقبل. إن المغرب يعتبر اليوم عضوا فاعلا في دواليب الاتحاد من أجل المتوسط وليس مجرد عضو ملاحظ أومتفرج. ليس في الأمر شك مادام التعاون القائم بين المغرب وفرنسا، البلد المؤسس للاتحاد، يشكل امتدادا للتميز الذي يطبع العلاقات بين الدولتين والشعبين. فمن المعلوم أن التأثير الفرنسي علي الحياة العامة بالمغرب يشمل مختلف الميادين بحيث أنه يتجلي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية نظرا للتاريخ المشترك بين البلدين، والتقارب الحاصل بين الشعبين والتعاون الوثيق القائم بين الدولتين. وإن الشراكات الثنائية المبرمة في مختلف الميادين تسمح بتبادل الآراء وتوافق الرؤى بين الجانبين المغربي والفرنسي حول الأحداث السياسية التي تشهدها الساحة الدولية علي العموم والرقعة المتوسطية علي الخصوص. لقد كان هناك منذ البدء تطابق بين وجهتي نظر فرنسا والمغرب بخصوص بناء الاتحاد من اجل المتوسط الذي يعد من بين أهدافه تمكين بلدان الدائرة المتوسطية من تحقيق تعاون مشترك فيما بينها من جهة ومع الاتحاد الأوربي والتكتلات المحيطة به من جهة ثانية، وإن بإمكان المغرب وفرنسا أن يعملا معا من أجل انبثاق فضاء متوسطي متجانس سياسيا، ومتضامن اقتصاديا، وخصب ومعطاء في المجال الثقافي. ومن خلال تطابق وجهتي نظر المغرب وفرنسا في هذا الشان، بإمكانهما الإسهام معا في إعادة قراءة وتأهيل الشراكات المبرمة مع الاتحاد الأوربي في إطار اتفاقيات برشلونة، و توسيع مجالات التعاون بقصد جعلها مشروعا شاملا هادفا إلي تحقيق مصالح مشتركة بين مجموع بلدان الجهة المتوسطية، خاصة وأن الشراكات القائمة اليوم مع الاتحاد الاوربي قد تم إبرامها منذ ثمانية عشر سنة مضت، بحيث أنه في سنة 1995 تم بمبادرة من المغرب واسبانيا وفرنسا انعقاد القمة التي أعطت الانطلاقة لمسلسل برشلونة تحت الرئاسة الدورية الاسبانية للاتحاد الأوربي، كما تم في تلك السنة نفسها انعقاد القمة الاقتصادية لمدينة الدارالبيضاء بحيث عزمت الأطراف المشاركة فيها علي التأسيس لبناء شراكة استراتيجية تهم الأمن الإقليمي، وشراكة اقتصادية ومالية تؤازرها شراكة شاملة هادفة إلي إنعاش البرامج التنموية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. عملية بناء الاتحاد من أجل المتوسط - بالاضافة إلى كونها ترمي إلى تمكين بلدان الدائرة المتوسطية من تحقيق تعاون مشترك فيما بينها - ينتظر منها أن تحدد الإطار المؤسسي والبعد الاستراتيجي والعمق السياسي للفضاء الأورومتوسطي الذي يتعين أن يجمع بين البلدان المتوسطية ويضبط أهدافها المشتركة. إن مؤسسة الاتحاد من أجل المتوسط التي تجتهد بعض بلدان الحوض المتوسطي وتعمل جادة لإرساء أسسها - والمغرب يعتبر اليوم من ضمن هذه البلدان - سوف تحرز مصداقيتها السياسية ومبررات وجودها على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية والبيئية إذا هي اندرجت في إطار شراكات شاملة كفيلة بإعطاء الأولوية لمحفزات الاستثمار العمومي والخاص، وإذا هي سعت إلى إنجاز أوراش ومشاريع مستقبلية كبري مشتركة بين بلدان ضفتي المتوسط. لا شك أن هذه المقاربة تتطلب تخصيص وسائل وإمكانيات مادية وبشرية مهمة من طرف الجانب الأوربي، لكن هذا الأخير مؤهل حتما إلي تحقيق مكتسبات مهمة نتيجة للاستثمارات المنتظر منه توظيفها في بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط وعلى رأسها بلدان المغرب العربي الكبير، حيث ستوفر له شراكاته مع هذه البلدان علي المدي المتوسط والبعيد مكانة سياسية وقوة اقتصادية تجعلانه قادرا علي البروز كفاعل رئيسي علي الساحة الدولية، والظهور في وضعية صلبة وقوية إلي جانب القوي السياسية والاقتصادية التي برزت في أمريكيا اللاتينية وآسيا وشبه القارة الملحقة بها مثل البرازيل والمكسيك والصين الشعبية والهند وما يحوم في فلك هذه القوى البازغةمن تكتلات. إن تحقيق هذا الطموح يستوجب إرادة سياسية حقيقية ووسائل تمويلية هامة ومتابعة دائمة ودؤوبة. فالمغرب مدعو إلى العمل بما فيه الكفاية في إطار مجموعة البلدان التي تعمل بحزم وقوة على جعل ملف الاتحاد المتوسطي من الملفات ذات الأهمية القصوى في الحاضر وخلال السنوات القليلة المقبلة. إذا كان المغرب قد بادر إلي مؤازرة فرنسا واسبانيا من أجل إعطاء الانطلاقة لمسلسل برشلونة في سنة 1995، فإن بإمكانه اليوم أن يتصدر قائمة البلدان الرائدة التي تجعل ملف الاتحاد من أجل المتوسط ضمن أولويات سياستها الخارجية وفي صميم قضاياها المستقبلية. فالمغرب بإمكانه القيام بدور فاعل في باب التأسيس لإطار شامل يخدم المصالح المشتركة داخل الدائرة الأورومتوسطية. هذا كفيل بتمكينه من استشراف الوسائل والإمكانيات اللازمة لإعطاء مشروعه المجتمعي والتنموي دينامية أكبر وأسرع، لاسيما وأن مشروعه هذا يطمح إلي التماشي من خلال أبعاده ومضامينه مع المشروع الذي تتوخاه جملة من البلدان الأوربية والمغاربية الساعية إلى إقامة مصالح مشتركة في الجهة المتوسطية. الأهمية التي يكتسيها الاتحاد من أجل المتوسط تكمن في كونه تأسس لأجل إنجاز مشاريع كبرى مشتركة، وذلك بعدما قرر رؤساء الدول والحكومات المشاركة في قمة باريس المؤسسة لهذا الاتحاد أن يضم هذا الأخير ما لا يقل عن43 دولة متوسطية وأن يندرج تكتلها في إطار مؤسسي يمكنها من تسخير جهودها المادية والتقنية والبشرية من أجل إنجاز أوراش ومشاريع تنموية كبرى بشكل مشترك ومتضامن خلال السنين والعقود المقبلة، ويكون الغاية منها إحداث مزيد من وسائل النقل والاتصال البحرية والجوية للربط بشكل مكثف بين مختلف الموانئ والمطارات المتوسطية، كما قرروا العمل على تهيئ الوسائل والإمكانيات اللازمة للحفاظ على النظام الإيكولوجي للبحر الأبيض المتوسط والمحافظة على البيئة الطبيعية المتواجدة على امتداد شواطئه وضفافه، وتكريس الإجراءات الرامية إلى تنمية الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في البلدان المعنية، وتشجيع فرص الحوار بين الثقافات وتمثين أسباب التواصل والتفاهم بين مختلف الأطراف الفاعلة في الحياة العامة للمجتمعات المتوسطية. لم تخلف السنوات التي شهدت تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط صدى قويا يذكر لأن الظروف التي تزامنت مع فترة تأسيسه لم تكن ظروفا مواتية لقراءة موضوعية ومتجردة من شأنها أن تترك لفكرة إنشاء الاتحاد من أجل المتوسط حظها من المصداقية المستحقة بحيث ظلت الأزمة الحاصلة في الشرق الأوسط وعلى أرض فلسطين تسيطر على الأذهان. ولاتزال الحاجة ماسة إلى حوار من المفروض أن يكون منظما ومؤطرا بين مختلف الأطراف الراغبة في بناء الاتحاد من أجل المتوسط على أسس متينة، للإسهام في وضعه على قاعدة صلبة تجنب الدول المنخرطة أو المرشحة للانخراط فيه متاهة الإنسياق وراء الحسابات الإستراتيجية السلبية المتعلقة بالأزمة في الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، خاصة لما نعلم بأن هذا الصراع ليس هو الوحيد الذي تعرفه الجهة المتوسطية، بحيث أن هناك صراعا قائما منذ زمان بعيد بين تركيا واليونان حول الخط الحدودي الفاصل بينهما في قبرص، وأن هناك أيضا صراعا قائما بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية منذ ما يقرب من أربعين سنة بخصوص الأقاليم الجنوبية للمغرب التي حررها هذا الأخير من قبضة الاستعمار الإسباني. ففيما يخص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يمكن القول بأن اللجنة الرباعية المكلفة برعاية خطة السلام في الشرق الأوسط – معهود إليها بأن تقوم بدور الوسيط الساعي إلى إيجاد مسار متوافق حوله لإعادة إسرائيل والسلطة الفلسطينية نحو خارطة الطريق المسطرة بموافقة الأطراف المعنية تحت إشراف هيئة الأممالمتحدة والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا والاتحاد الأوربي، ثم إن استحضار فصول ما يروج حاليا على ساحة الشرق الأوسط من مبارزات دبلوماسية ومناورات استراتيجية يؤكد بشكل واضح أن الأزمات الحاصلة هناك تؤججها تقاطعات وتشابكات سياسية وأمنية معقدة لا تتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، وإنما هي تشمل منطقة الشرق الأوسط ككل. وفيما يخص الخط الحدودي المتنازع في شأنه بين تركيا واليونان، فإن الاتحاد الأوربي يعمل على التوسل إلى الطرفين بوسائل سوف تتحالف مع تاثيرات الزمن على تدويب هذا النزاع، مهما طال الزمن المخصص لهذا التوسل. أما بخصوص النزاع المفتعل القائم حول الأقاليم الصحراوية المغربية، فان البث فيه يبقى من مسؤولية الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة ومبعوثه الخاص إلى المنطقة، حيث أن المغرب تقدم إلى المنظومة الدولية باقتراح يتمثل في مشروع الحكم الذاتي الذي من شأنه أن يخول لسكان الأقاليم المعنية إمكانية تسيير شؤونهم بأنفسهم مع احترام السيادة الوطنية للمغرب على أقاليمه المذكورة. إنها نزاعات وصراعات من الأهمية بمكان، لكنها من المفروض ألا تؤثر من بعيد ولا من قريب على المسار التأسيسي للاتحاد من أجل المتوسط الذي يهدف إلى فتح أوراش ومشاريع صناعية واقتصادية وبيئية كبرى من المفترض إنجازها بشكل تشاركي ومتضامن بين مجموع دول جهة المتوسط، ويسعى المختصون في المجال التشريعي المتعلق بها إلى تفعيل المبادئ الأساسية المضمنة في القانون الدولي العام. إن الاتحاد من أجل المتوسط بحكم جواره مع الكتلة الأوربية ممتلة في مجموعة الاتحاد الأوربي وبحكم تعامله عن كتب في المستقبل مع بلدان الاتحاد المغاربي سوف يكون مؤهلا حتما للإرتقاء إلى مقام قد يجعله من أكبر التكتلات الاقتصادية والسياسية تعاملا، ومن أكثر التجمعات الثقافية والاجتماعية تواصلا خلال السنين والعقود المقبلة، خاصة إذا هو سعى بشكل متضامن وتشاركي إلى تحقيق مشاريع وأوراش كفيلة بأن تعود بالفائدة العميمة على مختلف شعوب وساكنات بلدان الحوض المتوسطي. الزيارة التي قام بها إلى المغرب يوم الاثنين 17 يونيو 2013 السيد ميشيل فوزيل، رئيس جهة بروفونس آلب كوت دازير "باكا"، و مبعوث الوزير الأول الفرنسي جون مارك أيرول حول الاتحاد من أجل المتوسط تعتبر زيارة من الأهمية بمكان خاصة لما نعلم أنه بتاريخ 14 مارس الماضي تمت إعادة تعيين هذه الجهة الفرنسية كسلطة وحيدة منوط بها تسيير برنامج التعاون الأورومتوسطي "ميد" الذي سيمتد مابين سنتي 2014 و 2020. وستكون هذه الجهة الفرنسية خلال الفترة المذكورة مصدرا للقرار المتعلق ببرنامج "ميد" المخصص من طرف الاتحاد من أجل المتوسط للفاعلين المتوسطيين في مجالات الاقتصاد والبيئة والنقل والجماعات المحلية. وقد تطلب برنامج "ميد" تعبئة غلاف مالي قدره 200 مليون أورو لتغطية سبع سنوات من الاشتغال، وذلك بعدما شهدت الفترة مابين سنتي 2007 و 2013 تعبئة غلاف مالي أوربي قدره 20 مليون أورو خصصت لإنجاز 132 مشروعا من طرف 63 مقاولة منتمية للجهة الأورومتوسطية.