دعا باحث مغربي، أول أمس الجمعة ببيروت، إلى مقاربة بديلة للعلاقات الأوروبية العربية تقوم على أسس التآزر والتعاون بدل التبادل الحر ، وعلى فضاء أوروبي اقتصادي واجتماعي وثقافي وإنساني مع احترام السيادة الوطنية في ما يخص إقرار الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع الدمقرطة. ورأى محمد سعيد السعدي المستشار لدى شبكة المنظمات العربية، في مداخلة له حول موضوع "المستجدات المتعلقة بآليات الشراكة الأورومتوسطية وآثارها على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية" خلال اليوم الثاني من أشغال المنتدى الإقليمي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمات العالمية، أن شروط هذه المقاربة البديلة تتمثل في بروز أوروبا اجتماعية. كما اعتبر ، خلال جلسة نقاش حول "الشراكة الأوروبية مع دول المتوسط والخليج: قراءة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية"، أن هذه الشروط تتمثل أيضا في مد الجسور بين منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في ضفتي المتوسط ، وبلورة مقاربات بديلة من قبل المنظمات المدنية العربية للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وبخصوص دور المجتمع المدني في تطوير العلاقات الأورومتوسطية، أكد السعدي أن لمنظمات المجتمع المدني فاعلية محدودة في متابعة آليات الشراكة تتجلى من خلال الاعتراف على مستوى الخطاب بالدور الرئيس الذي بإمكان المجتمع المدني القيام به في عملية تنمية كل جوانب المشاركة الأورومتوسطية (إعلان برشلونة)، وهو الخطاب الذي ينسجم مع إرادة الاتحاد الأوروبي في تصدير "القيم المشتركة". وتحدث السعدي ، الذي اعتبر أن هناك بونا شاسعا بين الخطاب والممارسة، عن ظهور العديد من المبادرات (لقاءات، ندوات، محاضرات..)، وتشجيع تكوين شبكات للمجتمع المدني (المنتدى المدني الأورومتوسطي والشبكة الأورومتوسطية مثلا) مع غياب مأسسة العلاقات بين منظمات المجتمع المدني في البلدان العربية وهياكل الشراكة الأورومتوسطية ، مشيرا إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية تساهم في عدم فاعلية المجتمع المدني العربي. وبخصوص ضعف مراقبة المساعدات، أشار الباحث المغربي إلى وجود إمكانيات لإشراك منظمات المجتمع المدني من أجل إعمال مبدإ "الملكية الوطنية" (إعلان باريس حول فاعلية المساعدات من أجل التنمية لسنة 2005) ، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المغرب دخل في حوار في ماي الماضي مع منظمات المجتمع المدني من أجل تحيين برنامج العمل الذي يربط الاتحاد الأوروبي بالمغرب. أما بخصوص تقييم الأجندة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة المتوسط ، فقد أكد الباحث أن الدول العربية المتوسطية لم تستفد من العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي إذ لم تحسن هذه البلدان وضعها التجاري تجاه الاتحاد، وما زال الجهود الاستثماري غير كاف لخلق دورة كفيلة بتعزيز التصدير والنمو الاقتصادي، علاوة على أن جاذبية البلدان العربية المتوسطية لم تتحسن بالشكل المطلوب ، كما أن التبادل الحر لم يدفع بوتيرة النمو إلى الأمام. وأضاف أن الهوة تزداد تفاقما على مستوى الدخل الفردي بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية المتوسطية، ومستويات متباينة في مجال التنمية البشرية . وفي ما يتعلق بتعامل أطراف الشراكة مع الأزمة العالمية، أشار إلى أن استقطاب الاتحاد الأوروبي لاقتصادات البلدان العربية المتوسطية سهل انتقال الأزمة إليها، مضيفا أن المقابلة المقارنة لتعامل كل من الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية المتوسطية مع الأزمة العالمية تتمثل في المقاربة الشمولية مقابل المقاربة القطاعية وبين التدخل المالي القوي والمساعدات المتواضعة وتنسيق الجهود مع التدخلات القطرية دون مساعدة من الاتحاد. وتطرق الباحث المغربي ، من جهة أخرى، إلى مضمون وآليات العلاقة بين الاتحاد الأوربي والبلدان العربية والمتوسطية، وإلى تقييم الأجندة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة المتوسط، وكذا إلى دور المجتمع المدني في تطوير العلاقات الأوروالمتوسطية من جهة ثالثة. وتناول أسس ومنطلقات السياسة المتوسطية لأوروبا، من خلال هيمنة العامل الاقتصادي والمخاطر البيئية، والعوامل السياسية . وتحدث عن تطور السياسة الأوروبية تجاه البلدان العربية المتوسطية من مرحلة الستينات إلى أواسط التسعينات (اتفاقيات الجيلين الأول والثاني من الاتفاقيات) ومسلسل برشلونة والجيل الثالث : إطار جديد للشراكة وأحداث 11 شتنبر وما تلاها وعودة الهاجس الأمني إلى السياسة الأوروبية المتوسطية (تنامي مشاعر الريبة والشك في أوساط الرأي العام الغربي ومشاعر الرفض والتنديد في أوساط الشارع العربي). وأشار الى اعتماد السياسة الأوروبية للجوار وتفعيل الاستراتيجية الأمنية الأوروبية والتركيز على التهديدات الجديدة التي تحيط بالأمن الأوروبي (الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والنزاعات الإقليمية وتحلل الدول مما حدا بأوروبا إلى السعي إلى ربط علاقات وثيقة مع "دائرة الأصدقاء"). وبعد أن أجرى مقاربة مقارنة للسياسات الأورومتوسطية ( مسلسل برشلونة – السياسات الأوروبية للجوار – الاتحاد من أجل المتوسط)، أكد أن أهم مضامين هذه السياسات تتمثل في مسلسل برشلونة والمقاربة الشمولية للشراكة الأوروعربية متوسطية ، وفي السياسة الأوروبية للجوار ، مبرزا أن هدفها هو دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجارية في ستة عشر بلدا مجاورا للاتحاد الأوروبي من أجل اشاعة السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي للمنطقة ومباديء إجرائية ثلاثة هي التميز والدعم المشروط والتعاقد. وبخصوص أوجه التشابه بين السياسات الثلاث، رأى السيد السعدي أنها تتمثل في المقاربة الأوروبية المتمركزة على الذات ومسلسل برشلونة كمرجع لتفعيل السياسات الخارجية والفصل الصريح بين الفضاء الاقتصادي والفضاء البشري واعتماد مسلمة مفادها بأن الفوارق الثقافية بين الطرفين عميقة تجعل التقارب والتفاهم بين الشعوب صعب المنال إن لم يكن مستحيلا. أما أوجه الاختلاف فتتمثل ، حسب الباحث، في التخلي عن المقاربة الشمولية للشراكة وأولوية الهاجس الأمني واسبقية المقاربة التقنية للتنمية على حساب قضايا أخرى (انتهاكات حقوق الإنسان والديموقراطية) والسلام والأمن الاقتصادي يسبق السلام والأمن على الأرض .