مغرب العهد الجديد بعد مرور أزيد من عقد على توليه العرش، استطاع جلالة الملك محمد السادس إدماج المغرب ضمن فضاءات التبادل الحر، واستقطاب موارد غنية جديدة، وتشجيع خلق مناصب الشغل، وتعزيز التوافق الاجتماعي على الخصوص، عبر إطلاق أوراش واسعة للعصرنة الاقتصادية. ونجح المغرب في تحقيق إقلاعه الاقتصادي وحقق « تقدمًا كبيرًا» في العديد من المجالات، فإلى جانب الطرق السيارة وخطوط السكك الحديدية، تم إنجاز ميناء طنجة المتوسط الذي يعد الأول إفريقيا، وهو في الطريق ليصبح الأول متوسطيًا مع إنجاز طنجة المتوسط 2، بالإضافة إلى أوراش كبرى لا تقل أهمية عن الأوراش المذكورة. وتحت قيادة صاحب الجلالة أصبحت المملكة، خلال العشرية الأخيرة، «بلدًا واعدًا» وذلك بالنظر إلى حجم الاستثمارات التي ارتفعت مساهمتها في الناتج الداخلي الخام من الربع إلى الثلث. أما بخصوص العلاقة مع الإتحاد الأوروبي، لم تكن القمة التي جمعت بين المغرب والاتحاد بغرناطة، الأولى على مدى تاريخ الجارين، لكنها الأولى منذ بدء العمل بمقتضيات اتفاقية لشبونة، والأولى، التي تُعقَد مع بلد عربي. حيث جاءت هذه القمة لتؤكد على الأهمية التي يوليها الاتحاد الأوروبي لعلاقاته مع المملكة المغربية، وتتويجا لعقدٍ من التقدم، الذي تحقق منذ اعتلاء صاحب الجلالة العرش، وتمهد هذه الشهادة، كذلك، لمرحلة جديدة من مراحل الشراكة، وتتيح أهم الوسائل لضمان استمرارها وتوطيدها. وكان لمسار الإصلاح الجريء، الذي نهجه المغرب قبيل سنوات، دور كبير في تأهيله ليكون شريكا متميزا للاتحاد الأوروبي. ورحب الاتحاد بالتقدم الذي أحرزه المغرب في كل من شفافية الانتخابات، وتحسين وضعية المرأة وتمثيلها السياسي، وفي مجال الجهوية، الإصلاحات الكبرى، الاجتماعية منها والاقتصادية المختلفة، مثل النقل، والسكن، الضرائب، التعليم، والحماية الاجتماعية، وغيرها. وإذ حصل المغرب، في أكتوبر 2008، على الوضع المتقدم في سياسة الجوار الأوروبية، فهو يعلن عن إرادته مواصلة َالتقارب مع أوروبا، والتقدم أبعد من الالتزامات السابقة. وجاءت الرسالة الملكية لتؤكد أيضا على ضرورة بناء علاقة وثيقة قوية ومتينة مع الاتحاد الأوروبي من خلال »الوضع المتقدم« الذي منحه الاتحاد للمغرب، موضحة تشبث المغرب وإصراره وعزمه على «بناء مجتمع منفتح ديمقراطي ومتضامن». ومعتبرة في نفس الوقت أن هذا «الوضع المتقدم» يجب أن يأخذ شكل »شراكة متميزة« لتوجه المغرب نحو أوروبا. وأكد جلالته في الرسالة التي كان قد بعث بها إلى قمة غرناطة، أن المغرب، الذي «يشاطر الاتحاد الأوروبي نفس التشخيص لشتى التحديات المطروحة، على الصعيدين المتوسطي والإفريقي، سيستمر في النهوض بدور الفاعل المشارك الذي يؤهله للقيام به، ليس فقط موقعه الاستراتيجي كملتقى بين القارتين، وإنما أيضا تواجده على واجهتين بحريتين، وانفتاحه الطبيعي على مختلف هذه الفضاءات. وبالتالي فالمغرب يتطلع إلى ما هو أرحب من مجرد إقامة منطقة للتبادل الحر، ويدعو إلى الرفع من حركية تدفق الاستثمارات، وتعزيز أساليب التكامل والتجانس في المجالين الزراعي والصناعي، وإعادة انتشار الأنشطة الخدماتية، وتطبيق سياسات مشتركة في مجالات البحث من أجل التنمية، واقتصاد المعرفة»، وأكد أنه من الضروري أن يتطلب هذا التوجه تفعيلا سريعا وناجعا، لكافة الالتزامات المتفق عليها من قبل الطرفين. كما دعا جلالته الاتحاد الأوروبي إلى إقامة فضاء مشترك في مجال اقتصاد المعرفة يجيب عمليا على الرهانات الجديدة، الطاقية والبيئية، وذلك بتشجيع البحث العلمي، في مجال الطاقة الإيكولوجية، والطاقات النظيفة، والاقتصاد الأخضر، والبحث في مجال الأرصاد الجوية، والتنوع البيولوجي، وتحلية مياه البحر، والوقاية من الطوارئ، كالفيضانات والجفاف. كما طالب جلالة الملك بالإسراع بتنفيد الاتفاق الفلاحي المبرم مؤخرا مع المغرب، وتجاوز التأخير المسجل في تطبيقه، داعيا إلى شراكة إستراتيجية بين إفريقيا وأوروبا وفق مقاربات تشاورية ومتضامنة. كما أكد جلالته دعم المغرب للاتحاد من أجل المتوسط كإطار لتنفيذ المشاريع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والهدف يجب أن يكون هو بناء فضاء آمن ومزدهر تسود فيه مثل احترام الكرامة الإنسانية واحترام سيادة الدول. وعلى المستوى العملي، وفي المجال الاقتصادي، تتجسد أهداف الوضع المتقدم، كما حددها المغرب والاتحاد الأوروبي، في الارتقاء باندماج تدريجي للمغرب في السوق الداخلية للاتحاد، ليكون بذلك الوضع المتقدم مطالبا بتسريع سلسلة من الإجراءات التحفيزية والدينامية، التي ينخرط فيها حاليا الاقتصاد المغربي، في أفق أن يؤدي هذا الوضع إلى ربط أكبر للمغرب بمختلف الشبكات الأوروبية.