اعتبرت فيدرالية رابطة حقوق الإنسان النقاش العمومي المتعلق بموضوع مراجعة مدونة الأسرة رأسمالا إيجابيا ينبغي الحفاظ عليه وتطويره وتأطيره في الاتجاه الصحيح، و هو المسار الذّي لا يمكن إلا أن يؤدي إلى إحقاق الحقوق الإنسانية للنساء المغربيات، وذلك وفق بيان توصلت به " رسالة 24 ". وثمنت الفيدراليّة المقاربة التشاركية التّي أصغت إلى جميع الأطراف، و عدّت ذلك من مظاهر التطور الديمقراطي، وترى ضرورة توجيه النقاش الوجهة الصحيحة المطابقة لدستور البلاد و كذا لالتزامات الدولة المغربية في إطار منظومة حقوق الإنسان التي انخرطت فيها بشكل طوعي. وفي هذه الصدد، استعرضت الجهة الحقوقية ثلة من الملاحظات تتمثل في أن الهدف من مراجعة مدونة الأسرة، ليس النّكوص القهقرى إلى الوراء والإمعان في إلحاق الظلم بالنساء وحرمانهن من حقوقهن الأساسية وهدر كرامتهن، بل الهدف الأسمى لهذا الورش الذي انطلق عقب خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش، هو تقييم التجربة السابقة ومعرفة نقائصها والعيوب والثغرات الكبيرة التي أبانت عنها الممارسة طوال السنوات السابقة، والتي تظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن مدونة الأسرة لا يمكن أن تكون في مستوى وضعية المرأة المغربية وكفاءتها وعطائها وتطلعاتها في الوقت الراهن، و بالتّالي، فإن المطلوب اليوم مراجعة مدونة الأسرة مراجعة شاملة وعميقة تخرجها من منطق وصاية النزعة الذكورية إلى فضاء المساواة الرحب والمواطنة الحقة. وأكدت الفيديرالية على حجر الزّاويّة الذي ينبغي الانطلاق منه من أجل المراجعة الشاملة لمدونة الأسرة، و هو ليس شيئا آخر عدا واقع معاناة النساء المغربيات، وليس الفقه التراثي القديم وقواعده وضوابطه الذكورية التي ارتبطت بسياقات اجتماعية وسياسية قديمة لم تعد قائمة اليوم، وذلك نظرا للتحولات التي طرأت على البنية السوسيو اقتصادية للمجتمع المغربي وتواجد النساء في جميع المجلات الاقتصادية وتحملهن مسؤولية تسيير الأسر وإعالتها والمساهمة الفعالة والكبيرة في تنمية الموارد والممتلكات. وركزت الجهة الحقوقيّة على نقطة مهمة مفادها أن مراجعة مدونة الأسرة يجب أن تعتمد على مقتضيات وفلسفة دستور المملكة ولاسيما الفصل التاسع العاشر منه، وأن تحقيق العدل والمساواة بين النساء والرجال في المجتمع وضمان توازن واستقرار الأسرة يقتضي اجتهادا فقهيا حيا مبنيا على المساواة انطلاقا من قراءة دينية متنورة ومتجددة. ومن تمّ وجب جعل مدونة الأسرة نصا مدنيا يرتكز على منظومة حقوق الإنسان التي اعتبرها الدستور المغربي كلا غير قابل التجزيء، و جعلها من أسمى التشريعات الوطنية. ونبهت الفيديرالية إلى مسألة في غاية الأهمية تتجلى في الخلط المتعمد خلال النقاش بين المرأة والأسرة، واعتبار حقوق النساء مضادة ل"تماسك الأسرة واستقرارها"، و هذا نوع من التضليل الذي يهدف إلى إخفاء حقيقة أن المرأة شخص وفرد مواطن ذو حقوق، قيمته في ذاته قبل الأسرة أو وجود أطفال، وأن التماسك الحقيقي للأسرة لا يمكن أن يكون على حساب حقوق النساء وسلامتهن النفسية والجسدية بأنه لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المساواة بين النساء والرجال باعتبارهما معا مسؤولين عن مؤسسة الأسرة، لا بإخضاع أحدهما لوصاية الآخر. وفي الأخير، أكدت الفيديرالية على أن الانخراط الطوعي للمغرب في منظومة حقوق الإنسان تقتضي تفاعله مع التقارير الصادرة عن مختلف الآليات الدولية والمتعلقة بمدى التزامه بتفعيل المواثيق الدولية ومنها التقرير الأخير للجنة مناهضة التمييز ضد النساء في دورته الثانية والثمانين و الصادر في يونيو 2022، والذي حث المغرب من خلال توصياته على مراجعة تشريعاته وملاءمتها مع المواثيق الدولية ومنها مدونة الأسرة.