تسارع الحكومة الزمن من أجل نزع فتيل الإضراب العام الذي تهدد به النقابات بعد المسيرة الوطنية المقررة يوم الأحد المقبل بالدار البيضاء،احتجاجا على تجاهل الحكومة لملفها المطلبي القاضي بفتح مفاوضات حقيقية حول الزيادة العامة في الأجور والمعاشات والتخفيف من الضغط الضريبي على الأجور ورفع سقف الأجور المعفاة من الضريبة إلى 6000 درهم شهريا، بالإضافة إلى تنفيذ ما تبقى من بنود محضر اتفاق 26أبريل 2011 الذي وقعته الحكومة السابقة مع النقابات وإصلاح شامل وعادل لمنظومة التقاعد . وكانت قيادات المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية قد أعلنت رزنامة من الخطوات النضالية التصعيدية تمتد من نهاية نونبر الجاري إلى نهاية دجنبر المقبل، بدءا بتنظيم مسيرة وطنية وتجمع عمالي ، وانتهاء بخوض إضراب عام بقطاعات الوظيفة العمومية ، وذلك في مواجهة تعنت الحكومة وإخلالها بالمنهجية التي تدار بها جولات الحوار الاجتماعي والمتمثلة في عقد دورتين ، الأولى عشية الإعداد لكل سنة مالية جديدة ، من أجل بلورة وترجمة المطالب الاجتماعية ،والثانية عشية فاتح ماي من كل سنة من أجل التقييم والتقويم. وفي محاولة لانتزاع هدنة من النقابات وإعادة ترتيب طاولة الحوار الاجتماعي وفق أجندة حكومته وأولوياتها ، خصص بنكيران مجلس حكومته المنعقد يوم الخميس الأخير للمصادقة على مشاريع المراسيم المتعلقة بالشغل والمفاوضة الجماعية، والتي من شأنها معالجة حالات الاحتقان والغليان في أوساط الشغيلة والتوترات المشهودة في العديد من القطاعات الإنتاجية ، وتفعيل آليات التفاوض الجماعي والوقاية من نزاعات الشغل الجماعية عبر تكريس الاتفاقيات الجماعية . هذا وكانت النقابات الأربع الأكثر تمثيلية قد طالبت الحكومة في ردها حول الظرفية الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر منها البلاد ، باحترام الالتزامات والتعاقدات التي لا تكلف خزينة الدولة تحملات مالية تذكر،من قبيل فرض احترام مدونة الشغل وإجبار المشغلين على التصريح بالأجراء وتقنين العمل بالعقود ، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي واحترام حرية العمل النقابي، و فتح الباب أمام الحوارات القطاعية، مع إحداث خلية وزارية لتنقية الأجواء الاجتماعية في الوحدات والقطاعات وإيجاد الحلول المناسبة لضمان السير العادي لدورتها الإنتاجية. حوارات من شأنها التوافق حول ضرورة إطلاق حوار وطني حول التعاقدات الاجتماعية و الإصلاحات الكبرى المرتبطة على الخصوص ،بالحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وتنافسية المقاولات، والحماية الاجتماعية ووضع آليات لفض مختلف نزاعات الشغل التي تؤثر سلبا على التوازنات الاجتماعية والمجتمعية، وعلى التنمية والاستقرار والتماسك الاجتماعي،ووفق ما سبق أن أوصى به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير، والذي حذر فيه من مغبة تجاهل المضاعفات الاجتماعية والسياسية لأمر واقع تجميد الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف بين الباطرونا والنقابات والحكومة. فهل تعمل الحكومة على تنزيل توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفي مقدمتها مأسسة الحوار الاجتماعي المفضي إلى اتفاقات وتعاقدات ملزمة تكون لها قوة القانون، على غرار ما تم مع الحكومات السابقة في شأن ملفات كبرى، كمدونة الشغل ومدونة التغطية الصحية واتفاق 26 ابريل2011..؟ هذا ما يجب وبقوة ، اللهم إن كانت الحكومة تنزع للمخاطرة بالسلم الاجتماعي ، حسب ما تذهب إليه بعض الأوساط النقابية ،وبما يضع تنسيقية النقابات الأربع الأكثر تمثيلية أمام اختبار قوة وتحد في وجه خروجها إلى الشارع ، وبالتالي قياس مدى حجم تعبئتها للشغيلة المغربية وقوة تواجدها وعمقها الجماهيري ، لتقرير السرعة القصوى من عدمها لفرض سيناريو إصلاحها لصناديق التقاعد بدعوى الإفلاس الذي يتهددها ، والذي يجري تهويله بخلفية تمرير "الإصلاحات"، على حساب الحلقة الأضعف أي المنخرطين، حسب ما جاء في البيانات الصادرة عن أعضاء من المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد. ومعلوم أن حكومة بنكيران كانت قد أقدمت ، على سحب مشروع إصلاح صناديق التقاعد من إطار المفاوضات الجماعية وأحالته على رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، و في تجاوز وخرق تامين لمقتضيات اتفاق فاتح غشت 1996،في الوقت الذي انفردت فيه بقرار اعتماد إجراءات «مقياسية» لإصلاح أنظمة التقاعد وتضمينها في قانون المالية لسنة 2014،دون أن تكلف نفسها عناء التفاوض القبلي مع المركزيات النقابية في ملف مصيري يهم كل الأجراء المغاربة، حالا ومستقبلا. وكان أن أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي فتواه التي سطرت على ضرورة إدراج هذا الإصلاح في إطار إرساء قطب عمومي وإصلاح شامل لمجموع الأنظمة، مع اتخاذ إجراءات عاجلة على الفور، وتحديد جدولة دقيقة وملزمة بالنسبة لمختلف الأطراف، وإرساء مبادئ الحكامة التشاركية والشفافية القائمة على توضيح صلاحيات التدبير والحكامة، من خلال التأكد من التمثيلية الفعلية لجميع الأطراف المتدخلة، ولا سيما الدولة والمشغلين والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية. فبخصوص إجبارية تمديد مدة مساهمات المنخرطين في نظام المعاشات المدنية، أوصي المجلس برفع سن التقاعد إلى 63 سنة، على أساس 6 أشهر في السنة خلال السنوات الست القادمة. وتتيح هذه المقاربة الإمكانية للراغبين في اختيار الإحالة على التقاعد في سن 65 سنة. وعلاقة بمقترح الرفع من معدل المساهمة من 20 إلى 28 بالمائة، فإن مقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يتجه في منحى توزيع النسبة الشمولية للمساهمة بالنسبة للأجور التي تقل عن السقف بمعدل 5،12 بالمائة بالنسبة للأجير و5،15 بالمائة بالنسبة للدولة/المشغل، وذلك تطبيقا لمبدأ التوزيع العادل للجهود،يساهم الأجير بنسبة الثلث، بينما تساهم الدولة/ المشغل بنسبة الثلثين بالنسبة للأنظمة الأساسية. وحسب المجلس، يتعين مواكبة تفعيل الإصلاح الذي اختارته الحكومة بتفعيل، في مرحلة أولى، لإصلاح النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، ففي ما يتعلق بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يقترح المجلس تحسين مستوى المعاشات الموزعة بفضل مراجعة قاعدة احتساب المعاش، عبر اعتماد معدل أفضل 10 سنوات عوض معدل مدة العمل كاملة، وإتاحة إمكانية الرفع من سن الإحالة على التقاعد إلى 65 سنة بالنسبة للمنخرطين بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. بيد أن هذا الرأي الاستشاري الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلق بالتقاعد والذي تم التصويت لصالحه من قبل الباطرونا والمعينين على رأس بعض مؤسسات الدولة بالإضافة إلى رئيس المجلس و أعضاء نقابة رئيس الحكومة، ووجه برفض النقابات الأربع الأكثر تمثيلية ، الإتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، الإتحاد العام للشغالين بالمغرب و الفيدرالية الديمقراطية للشغل، التي صوتت ضد كل الإجراءات المقياسية بما فيها رفع سن التقاعد وضد الزيادة في المساهمة وضد تغيير أخر أجر لاحتساب المعاش في معرض الجمع الاستثنائي للمجلس،من منطلق أن المجلس غير معني بالدخول في هذا النقاش وبأن إطار مناقشة هذه الإجراءات هو الحوار الاجتماعي. وبالوقوف على الملفات المطلبية والاجتماعية الكبرى وذات الأولوية ، وبالإقرار بحقيقة أن الاستقرار السياسي وفي ظل مناخ إقليمي مضطرب مشروط بتحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة تمكن من تحسين عيش الساكنة المغربية ، كما جاء في التقارير السنوية الأخيرة لبنك المغرب ، فلا خيار عن تفعيل السلم المتحرك للأجور والأسعار وفرض احترام مقتضيات مدونة الشغل ومختلف القوانين الاجتماعية وتكريس الاتفاقيات الجماعية في علاقات الشغل والحفاظ على الحقوق والمكتسبات التي يتضمنها النظام الأساسي الحالي للوظيفة العمومية، كما لا خيار عن سن إصلاحات مهيكلة لاقتصاد البلاد وماليتها ونظامها الجبائي، لتحفيز الاستثمار وضمان العدالة الاجتماعية، وإصلاح منظومة الدعم وتوسيع الحماية الاجتماعية ٬ وذلك عبر إطلاق حوار وطني حول التعاقدات الاجتماعية الكبرى.