المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي اصلاح لأنظمة التقاعد في غياب المقاربة التشاركية مع النقابات
نشر في خريبكة أون لاين يوم 18 - 09 - 2014

إذا كان لعقود الشغل بداية، فإنها تنتهي عموما وكيفما كانت طبيعتها القانونية، إما لأسباب خاصة ترتبط أساسا بالتميز بين عقود الشغل المحددة المدة وعقود الشغل غير محددة المدة أو لإنجاز شغل معين، حسب المادة 16 الفقرة الأولى من مدونة الشغل، وقد تنتهي بأمر من المشرع نفسه وهو حالة التقاعد، الذي هو موضوع دراستنا.
وعقد الشغل يعتبر من عقود المدة، وليس بعقد أبدي، وهذا ما أكدتها مقتضيات الفصل 728 من قاتون الالتزامات والعقود المغربي، الذي ينص على أنه ((يبطل كل اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص بتقديم خدماته طول حياته أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته)).
لقد أصبح التقاعد الذي هو نهاية لمسار وظيفي أو شغلي، يحظى باهتمام واسع ومتزايد في أوسط الموظفين والمستخدمين والأجراء وداخل المنظمات النقابية والادارات العمومية والمقاولات والقائمين على المؤسسات المسؤلة عن نظام التقاعد.
وانطلاقا من المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الشغل، لا بد من الاشارة ولو بإيجاز لأنظمة التقاعد التي يعرفها المغرب وما يشوبها من اختلالات، وقد سبق أن جاء خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش (30 يوليوز 2004) واضحا بعد أن دق ناقوس الخطر من أجل إنقاذ أنظمة التقاعد قبل فوات الأوان، حيث جاء فيه (...كما يجب تفعيل وتوسيع الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، ومكافحة كل أشكال الفقر والإقصاء، وترسيخ التضامن بين الأجيال باتخاذ التدابير اللازمة والمستعجلة لإنقاذ مستقبل أنظمة التقاعد، قبل فوات الأوان،...).
إن أنظمة التقاعد بالمغرب تتسم بالتتعد وعدم تقاربها والانسجام فيما يخص الجوانب المؤسساتية (أي أن كل نظام يتوفر على إطار قانوني خاص ويخضع لسلطة وصاية مستقلة) ونظام الحكامة ومقاييس العمل المعتمدة، وهذه الأنظمة وقف المجلس الأعلى للحسابات على اختلالاتها([1])، وعمل على اصدار في يوليوز2013 تقرير([2]) يتعلق ب"منظومة التقاعد بالمغرب التشخيص ومقترحات الاصلاح"، حيث خلص التقرير إلى ضرورة التعجيل بالقيام بمسلسل من الاصلاحات العميقة لنظام التقاعد على المدى القصير والمتوسط والطويل، كما خصص مجلس النواب يوم 23 يونيو 2014 جلسة عمومبة لمناقشة العرض، والذي تقدم به الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات.
وحسب تقرير المجلس فإن وضعية الانظمة الأكثر هشاشة ستزداد سوء إذا لم تتدخل السلطات العمومية بشكل عاجل للقيام باصلاحات شاملة وعميقة وجريئة.
وللإشارة، فإن هذه الأنظمة المتنوعة تم إنشاء كل واحدة منها في مرحلة معينة بهدف تغطية شريحة خاصة من الساكنة، إلا أن تغطية هذه الأخيرة نسبتها ضعيفة، حيث أن مجموع الأنظمة (حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات) لا تغطي سوى 33 بالمائة من مجموع الساكنة النشيطة، أي ما يناهز 3.4 مليون نسمة من أصل 10.5 مليون نسمة.
وهذه الأنظمة المتنوعة والمختلفة أحدثت خلال فترات وبشكل تدريجي والتي امتد من سنة 1930 إلى سنة 1977 وهي:
· الصندوق المغربي للتقاعدCMR
· الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR
· الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS
· النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCAR
أولا: الصندوق المغربي للتقاعدCMR
أحدث الصندوق المغربي للتقاعد في فاتح مارس من سنة 1930 كأول نظام إجباري للتقاعد بالمغرب لفائدة الموظفين الفرنسيين العاملين بإدارة الحماية، وبتاريخ 31 ماي 1931([3]) أحدث أول نظام التقاعد لفائدة الموظفين المغاربة([4]).
والصندوق يعمل بنظام التوزيع ليشمل جميع الموظفين المدنيين التابعين للدولة والجماعات المحلية، كما تم إنشاء نظام جديد لفائدة العسكريين.
وقد أسفر تقرير المجلس الأعلى على تشخبص وضعية نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد على أنه يعاني من إختلالات مالية عميقة وهيكلية وتزداد تفاقما مع مرور الزمن، بالرغم من وضوح الوضعية الصعبة للنظام منذ سنوات، فإنه لم يتم القيام بأي إصلاحات هيكلية تحت ذريعة انتظار نتائج الدراسات والاستشارات([5]).
كما أن كل التقارير تجمع على أن الصندوق المغربي للتقاعد سيعرف صعوبات مالية ابتداء من سنة 2014، وستعرف الاحتياطات المالية للنظام انخفاضا لتصبح سلبية إبتداء من سنة 2021.
ومن أجل إنقاذ الصندوق المغربي للتقاعد، يقترح المجلس الأعلى للحسابات حاليا، رفع سن التقاعد إلى 65 سنة على مدى 10 سنوات، عوض 60 سنة المعمول بها حاليا، مع منح المنخرطين إمكانية تمديد فترة نشاطهم حتى تتسنى لهم الاستفادة من تقاعد كامل في المعدل الأقصى، وفي حدود سن يتم تحديدها لاحقا. مع وجوب أن يخضع الاستمرار في العمل لتأطير ملائم([6] ).
كما عملت الحكومة بشأن معالجة أزمة نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد على طرح مقترحات في الموضوع على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء رأيه بشأنها.
والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كهيئة دستورية مستقلة يضطلع بمهام استشارية لدى الحكومة ولدى مجلسي البرلمان، ويحدد القانون التنظيمي رقم 60.09 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي([7]) صلاحياته من خلال الباب الثاني، وتركيبته من خلال الباب الثالث، وتنظيمه من خلال الباب الرابع، وطريقة تسييره من خلال الباب الخامس، والتنظيم الاداري والمالي من خلال الباب السادس، بالاضافة إلى أحكام مختلفة وانتقالية من خلال الباب السابع والأخير.
وتنص المادة الثانية من هذا القانون على أنه ((طبقا لأحكام الفصل الرابع والتسعين من الدستور، يضطلع المجلس بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين.
ولهذا الغرض، يعهد إليه على الخصوص القيام، وفق الشروط والكيفية المنصوص عليها في أحكام هذا القانون التنظيمي، بمايلي:
- الإدلاء برأيه في الاتجاهات العامة للإقتصاد الوطني والتكوين؛
- تحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها؛
- تقديم اقتراحات في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛
- تيسير وتدعيم التشاور والتعاون بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي؛
- إنجاز الدراسات والأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته)).
أما المقترح الحكومي المطروحة على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فإنه يتعلق بمايلي:
· رفع سن التقاعد إلى 62 سنة ابتداء من فاتح يوليوز 2015، ورفعه تدريجيا بستة أشهر كل سنة ليصل إلى 65 سنة ابتداء من 01 يوليوز 2021.
· رفع نسبة الاقتطاع من الأجور لتمويل صندوق التقاعد ب 4% (2% في 1 يوليوز 2015، و2% في فاتح يوليوز 2016) لتصل إلى 14% بدل 10% حاليا مع مساهمة مماثلة للدولة.
· تقليص مقدار معاش التقاعد عبر آليتين، الأولى هي احتسابه على قاعدة معدل الأجرة للسنوات الثمانية الأخيرة بدل آخر أجرة حاليا، والثانية هي استبدال نسبة 2.5% من الأجرة عن كل سنة من العمل بنسبة 2% فقط.
· رفع مدة العمل للتوفر على إمكانية الاستحقاق للتقاعد النسبي (شريطة إذن الإدارة وفي حدود عدد محدد من المناصب) من 21 سنة كحد أدنى بالنسبة للرجال و15 سنة بالنسبة للنساء إلى 26 سنة للرجال و20 سنة للنساء، ورفع مدة العمل للحصول على التقاعد النسبي غير المشروط إلى 36 سنة بدل 30 سنة حاليا، كل هذا مع تخفيض مقدار معاش التقاعد النسبي باحتسابه على قاعدة 1.5% عن كل سنة من العمل بدل 2% حاليا.
وبقرائتنا للمقترح الحكومي ومقارنة مع ما هو جاري به العمل حاليا بالصندوق المغربي للتقاعد، يظهر جليا على أن الحقوق ومكاسب الموظفين والمستخدمين سيعرف تراجعا كبيرا، بحيث في الوقت الذي كان المنخرطون ينتظرون مكاسب جديدة أكثر فائدة، وعلى سبيل المثال تحمل الدولة لنسبة ثلثي من اقتطاعات الأجور مقابل ثلث يتحملها الموظف والمستخدم، كما هو المعمول به في معظم الدول، عوض المساهة بالتساوي أي 50 بالمائة لكل طرف، وكذلك أن التمديد يبقى اختياري لإمتصاص غضب المعطلين والعمل على توظيفهم، أو على الأقل كان على الحكومة أن تحافظ على الحقوق والمكاسب كمرحلة الأولى.
لكن، هل لقي هذا المقترج إرتياحا لدى الحركة النقابية المغربية والمجتمع المدني؟
الحركة النقابية المغربية ورفضها للمقترح الحكومي
لقد عرف هذا الاقتراح رفضا كبيرا من طرف المركزيات النقابية الثلاث الأكثر تمثيلا([8])، واعتبرت عدم عرض المقترح عليها في إطار المفاوضات الجماعية هو إجهاز على المكتسبات،
ومن الملاحظ أن أغلب المركزيات النقابية توحدت حول عدم الموافقة والرفض التام للمقترح، وجلهم متفقون على ضرورة شمولية إصلاح أنظمة التقاعد ودون المساس بالحقوق المكتسبة للمنخرطين، أي أن حل الإشكال يكون وفق مبادئ الإصلاح الشامل، مع ضرورة إدراج إشكالية التقاعد ضمن جدول أعمال المفاوضة الجماعية الذي هو حق.
للتذكير، لقد اهتمت منظمة الشغل الدولية يمبادء حق التنظيم والمفاوضة الجماعية من خلال اتفاقية الشغل الدولية رقم 154 بشأن تشجيع المفاوضة الحماعية، والمنظمة العربية اهتمت هي الأخرى بالمفاوضة الجماعية من خلال اتفاقية رقم 11 لسنة 1979 والتي جاء في ديباجتها على ((أن المفاوضة الجماعية هي الوسيلة الفعالة لتنظيم علاقات العمل على أسس عادلة بما يتماشى مع التطور الاقتصادي والاجتماعي، وأنها تكتسي سمة خاصة حيث تلتقي فيها إرادة الطرفين لتنظيم شروط وظروف العمل وتحديد الحقوق والمزايا التي تقرر للعمال بما يحقق السلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية))([9])، لكن بالنسبة للتشريع الاجتماعي المغربي فالمفاوضة الجماعية لم يكن يوجد إطار قانوني ينظمها إلى حين صدور مدونة الشغل سنة 2003([10])، إذ من اهم المستجدات التي استحدثتها مدونة الشغل، هي إدراجها لأول مرة لمقتضيات قانونية تتعلق بالمفاوضة الجماعية من خلال المواد 92 إلى 103، وقد عرفتها المادة 92 على أن (("المفاوضة الجماعية" هي الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو الإتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، وبين المشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى، بهدف تحديد وتحسين ظروف الشغل والتشغيل، وتنظيم العلاقات بين المشغلين والأجراء، وتنظيم العلاقات بين المشغلين أو منظماتهم من جهة وبين منظمة أو عدة منظمات نقابية للأجراء أكثر تمثيلا من جهة أخرى)) وجاءت المادة 96 الفقرة الثانية من المدونة لتؤكد على إجراء مفاوضات بين الحكومة والمنظمات النقابية الأكثر تميثلا جيث جاء فيها على أنه ((تجري المفاوضات بين الحكومة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني، مرة كل سنة أو كلما دعت الضرورة إلى ذلك، من أجل تداول مختلف الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم عالم الشغل([11]).
مرتكزات الرفض النقابي: يرتكز الرفض النقابي أساسا ومن الدرجة الأولى على أن الأزمة التي يعيشها نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، لا يجب تحمل جميع أعبائها في إطار الإصلاح على كاهل الموظف والمستخدم بمفرده، لأن المنخرط ظل يؤدي واجبته المالية بانتظام وأن الدولة والحكومات المتعاقبة هي المسؤلة عن الازمة نظرا لعدم تأديتها لمستحقاتها للصندوق حوالي 40 سنة أي حتى سنة 2005، ولكن لجزأ منها فقط، وفي هذا الإطار جاء تقرير المجلس الأعلى واضحا حيث أشار فيه على أنه ((ونظرا لحداثة بنية النظام نسبيا، واعتباراً للأثر الإيجابي للعامل الديمغرافي فقد كانت اشتراكات المأجورين كافية لتأمين خدمات التقاعد إلا أن عدم أداء الدولة لمساهماتها .كمشغل. كان له أثر كبير في الحد من تكوين احتياطات لفائدة نظام المعاشات المدنية. وقد تداركت الدولة هذه الوضعية جزئيا سنة 2005 حيث قامت بدفع 6 ملايير درهم لفائدة نظام التقاعد المدني))([12])، إضافة إلى سوء استثمار الاحتياطات المالية للصندوق، وكذلك استعمال جزء من موارد نظام المعاشات المدنية ولمدة طويلة لحل أزمات نظام المعاشات العسكرية للصندوق المغربي للتقاعد...الخ.
إذا، هل الحكومة بصدد إرغام الموظفين والمستخدمين على تأدية فاتورة إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد؟
لقد اعتبرت المركزيات النقابية([13]) أن إصلاح الحكومة للنظام الحالي للتقاعد جاء لتلبية تعليمات وتوصيات صندوق النقد الدولي وتطالب بسحبه فوراً([14])، وأن أي إصلاح يستهدف منظومة التقاعد لا يمكن عزله عن إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية ككل.
مقترح المركزيات النقابية: في مذكرة مشتركة للمركزيات النقابية الثلاث([15]) الموجهة لرئيس الحكومة حول إصلاح أنظمة التقاعد بتاريخ 16 يوليوز 2014، جوابا على مقتراحات الحكومة فيما يخص نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد التي تقدم بها رئيس الحكومة في اجتماع مع اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، يوم 18 يونيو 2014، تضمنت أربع محاور أساسية وهي:
I. ضعف نسبة التغطية الاجتماعية وعدم إنسجام أنظمة التقاعد:
- ضعف نسبة التغطية الاجتماعية؛
- تعدد وعدم إنسجام أنظمة التقاعد؛
- إنعدام أي ممرات ومسالك بين الأنظمة؛
- التمويل؛
- المعامل الديمغرافي.
II. لا بديل على إصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد:
- الاصلاح المقايسي
- إنجاز الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد:
o قطب عمومي؛
o قطب خاص.
III. الاصلاحات المقاييسية جزء لا يتجزأ من الاصلاح الشمولي:
- المرحلة الأولى:
o الصندوق المغربي للتقاعد؛
o النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد؛
- المرحلة الثانية: تراجع المقاييس المعتمدة؛
- المرحلة الثتالثة: إنجاز قطب عمومي.
IV. الإجراءات المرفقة:
- المردودية؛
- الضمان؛
- السيولة؛
- المنفعة الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا، لم يمنع المركزيات النقابية من مراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رفض المشروع المحال عليها من طرف الحكومة ثم طرح عليها المقترح النقابي، حيث وجهت المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل بمذكرة إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتاريخ 27 غشت 2014 حول إشكالية أنظمة التقاعد بالمغرب، وذلك لوضع المجلس الاقتصادي والبيئي أمام امر الواقع، وتتضمن المذكر التأكيد من جديد على المحاور الأربعة السالفة الذكر، كما ختمت المذكرة بمطالبة أعضاء المجلس بإرجاع مقترح المشروع الحكومي إلى طاولة الحوار.
فضلا عن أن هنالك([16])من اعتبر أن مشروع إصلاح التقاعد المحال على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ينذر بكارثة خطيرة غير مسبوقة في تاريخ الوظيفة العمومية، مطالبة من أطراف المجلس برفض هذا المشروع جملة وتفصيلا.
وفضلا عن ذلك، فإنه في الوقت الذي تعلو فيه أصوات الرفض للمقترح الحكومي، وإذ بهذه الأخيرة تخرج إلى حيز الوجود مرسوم قانون جديد في غياب المقاربة التشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين والذي أدى إلى الزيادة في وتيرة درجة الغليان الاجتماعي.
مرسوم قانون يساهم بالزيادة في رفع من وتير الغليان الاجتماعي
في الوقت الذي كانت المركزيات النقابية الثلاث الأكثر تمثيلا([17]) تنتظر رد الحكومة عن المذكرة المشتركة، تتفجأ الحركة النقابية بإقدام الحكومة على إصدار مرسوم قانون رقم 2.14.596 بتاريخ فاتح شتنبر 2014 بتتميم القانون رقم 012.71 الصادر في 30 دجنبر 1971 المحددة بموجبه السن التي يجب ان يحال فيها على التقاعد موظفو وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامة المنخرطون في نظام المعاشات المدنية، والقانون رقم 05.89 المحدد بموجبه السن التي يحال إلى التقاعد عند بلوغها المستخدمون المنخرطون في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، المنشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 6287 مكرر بتاريخ 2 شتنبر 2014.
والمرسوم جاء بناء على الفصل 81 من الدستور المغربي والذي ينص على أنه ((يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بيم الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورنه العادية الموالية.
يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه، وإذا لم يحصل الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب)).
وأمام من جهة، غياب المقاربة التشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين وانفراد الحكومة بالقرار، سارعت أغلب المركزيات النقابية إلى إصدار بلاغاتها رافضة مبدئيا وتفصيليا مرسوم القانون السالف الذكر وتدعو إلى إلغائه فورا([18])، حيث اعتبرت قرار الحكومة هو إجهاز على الحقوق والحريات النقابية، كما تندد بالمقاربة الحكومية الأحادية في التعامل مع الملفات الاجتماعية التي عوض أن يتم طرحها في إطار المفاوضات الجماعية تطرح على مؤسسات ذات طابع استشاري (أي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي)، وفي نفس الوقت كذلك اعتبرت([19]) أن الحكومة تعمدت في خرق منهجيتين من جهة، منهجية الحوار الاجتماعي المتوافق حوله منذ حكومة التناوب والقاضية بعقد دورتين للحوار الاجتماعي في السنة وبالتوافق حول القضايا الاساسية التي تهم الشغيلة، ومن جهة أخرى، منهجبة العمل داخل اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد التي أحدثت سنة 2004 وتفرعت عنها لجنة تقنية والتي اشتغلت طيلة عقد من الزمان، ومن جهة أخرى، أمام ما وقع في صفوق الموظفين والمستخدمين والاعلام من غموض جعلهم ينتفضون من هذا المرسوم، مما دفع بالحكومة مع ارتفاع موجة من الغضب والغليان الاجتماعي من أن تتحرك لتهدئة الوضع، وذلك تفاديا للإنجار الاجتماعي.
لكن، هل نجحت الحكومة في تهدئة الوضع أم زادات في الرفع من الغليان الاجتماعي؟
الحكومة تعمل على طمأنة الموظفين والمستخدمين في شأن ملف التقاعد بعد صدور مرسوم قانون
مباشرة بعد تحرك النقابات المركزية وجمعيات المجتمع المدني بواسطة بياناتها بلاغاتها والندوات الصحافية، بادرت الحكومة عبر وزارتها الوصية على قطاع الوظيفة العمومية بنفي الخبر الذي يروج عن تمديد سن التقاعد إلى 65 سنة بالنسبة لجميع موظفي الدولة، وعلى أن المادة الأولى المتعلقة بالقانون المحدد لسن التقاعد تهم أساتذة التعليم فقط، حيث أكدت الوزارة الوصية على أن الحكومة تسعى من خلال هذا المرسوم إلى ضمان استمرارية خدمات المرافق التعليمية والجامعية بشكل دائم ومنتظم، وانجاح الموسم الدراسي الجامعي، وذلك باستمرار الموظفين المقبلين على التقاعد في مزاولة مهامهم إلى غاية متم الموسم الدراسي الجامعي، وأن القانون الذي تم نشره بالجريدة الرسمية هو إجراء تدبيري وخاص بالأسا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.