شكل إعلان وزير الداخلية الفرنسي، والذي أجرى مباحثات مكثفة مع نظيره المغربي محمد حصاد بشأن عدة ملفات وعلى رأسها ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب والتعاون الأمني بين البلدين، عن قرب توشيح بلاده للمدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف الحموشي بوسام جوقة الشرف بدرجة ضابط، تقديرا لعمله على رأس هذه المديرية في مجال محاربة الإرهاب. وبحسب عدد من المتتبعين، خاصة في ظل المرحلة الراهنة والدقيقة التي تمر بها البلاد والمنطقة في مواجهة خطر الإرهاب، فإن هذا التوشيح يعتبر اعترافا بالدور الذي تلعبه المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في مجال مكافحة الإرهاب، وتنويها بمهنية مصالح الاستخبارات المغربية، وتأكيدا على مكانة المغرب كشريك أساسي لفرنسا لضمان استتباب الأمن ومكافحة الإرهاب بالمنطقة، ومواصلة تعميق التعاون الأمني في المستقبل. ويعكس اعتراف وزير الداخلية الفرنسي الدور الوازن الذي يلعبه المغرب على المستوى الدولي والإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب، والتنسيق المنتظم والمحكم مع الدول الشقيقة والصديقة، في مجال تكريس دعائم الأمن والاستقرار بالمنطقة، كما يعتبر هذا الاعتراف عودة من فرنسا إلى الصواب، والاتجاه الصحيح، في الوقت الذي ظل فيه خصوم المغرب يسعون إلى تسميم علاقات البلدين الصديقين. وتأتي زيارة وزير الداخلية الفرنسي وكذا الإعلان عن توشيح عبد اللطيف الحموشي، ردا على هؤلاء الخصوم وجوابا على كل المغالطات والأراجيف والحملات الإعلامية المغرضة، التي أرادت الاصطياد في الماء العكر، بل وتعتبر إقبارا بشكل نهائي وواضح لكل المساعي والمحاولات اليائسة من قبل الخصوم لتشويه صورة وسمعة المغرب كدولة صديقة وشريكة لفرنسا، بل وكدولة محورية في الاتحاد المغاربي وشمال إفريقيا والساحل والصحراء والشرق الأوسط والقارة الإفريقية، وبل في عموم دول الجنوب. ولا غرابة أن تبادر الحكومة الفرنسية لتصحيح ما ارتكب من أخطاء في حق المغرب وبعض مسؤوليه، وإصلاح الأضرار التي نتجت عن تصرفات بعض الجهات الفرنسية المسؤولة، وذلك من خلال توشيح الحموشي بأهم وأكبر الأوسمة التي تمنحها الجمهورية الفرنسية لشخصية أجنبية، بعد أن وقع ضحية واقعة قضائية غريبة في فبراير 2014، فوق التراب الفرنسي، وهو ما يعني اعترافا واضحا وصريحا بمهنية وفعالية الأجهزة والمصالح الأمنية المغربية، التي أجمع كل الفاعلين، على دورها المحوري من أجل بلوغ هذا الهدف. فالمبادرة الفرنسية ، وكما سجل ذلك المراقبون، عقب المباحثات المثمرة، التي أجراها جلالة الملك محمد السادس الاثنين الماضي بقصر الإيليزيه، مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وبعدها زيارة كازونوف للمغرب جاءتا لتعكسا حرص البلدين على ترجمة سعي والتزام قائدي البلدين بشكل عملي وملموس من أجل تمتين أواصر "شراكة استثنائية" بين باريس والرباط، وتجديد عزمهما المشترك على "مكافحة الإرهاب سويا، وعلى التعاون التام في مجال الأمن"، والذي أضحى أولوية بالغة بالنسبة للسلطات الفرنسية، وذلك بعد الحوادث الإرهابية الظلامية التي ضربت قلب مدينة باريس. في هذا الإطار، وكما أكد كازونوف، خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره المغربي السيد محمد حصاد، يظل دور المغرب الاستراتيجي في مجال مكافحة الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة، "أمرا ثابتا بالدرجة الأولى في مجال الاستخبارات، وهو المجال الذي يتوفر فيه على تجربة مهمة، والذي أبانت فيه الأجهزة الأمنية المغربية عن فعاليتها من خلال تفكيك العديد من الخلايا والفروع الإرهابية خلال الشهور الأخيرة." ولعل تفاني وجدية الأجهزة الأمنية المغربية، جعلها تحظى في أكتوبر الماضي، بتقدير واحترام كبيرين من طرف بلد آخر صديق للمغرب، ويتمثل في إسبانيا التي وشحت المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومديرين مركزيين بالمديرية، تقديرا للدور الذي يضطلع به المغرب في مجال السلم والأمن في العالم، كما أن فرنسا سبق لها وأن وشحت عبد اللطيف الحموشي سنة 2011 بوسام جوقة الشرف من درجة فارس، تعبيرا منها عن تقديرها له، وإشادة ب "خبرة" و"فعالية" الأجهزة الأمنية المغربية. إن احترام فرنسا وتقديرها للمغرب ورجاله المخلصين، هو إضافة نوعية أخرى في مجال الاعتراف الدولي بدور المغرب المحوري في مكافحة الإرهاب ونجاح استراتيجيته الاستباقية ومقاربته الشمولية التي نهجها في ذلك تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف، إذ سبق لوزير الداخلية الإسباني "خورجي فيرنانديز دياز"، أن أعرب في أكثر من مناسبة عن تنويهه وإشادته بدور وجهود المملكة في هذا المجال، معتبرا أن تعاون المغرب "ضروري" من أجل مواجهة الإرهاب الدولي. فمساهمة المغرب، أضحت اليوم أمرا لا محيد عنه، نظرا لما تقوم به مختلف مصالح المخابرات المغربية في مواجهة التهديد الإرهابي على المستوى الداخلي، وكذا على الصعيد الدولي. وقد أفضى هذا الانخراط إلى تفكيك عدة شبكات إرهابية على مدى السنين الأخيرة، كانت تقف وراءها عناصر من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي انطلاقا من منطقة الساحل، حيث تنشط عدة فروع لها، لاسيما "فتح الأندلس" و "المرابطون الجدد"، والمكونة من عناصر من جبهة البوليساريو، علاوة على تنظيم "أمغالا"، الذي أفضى تفكيكه إلى ضبط ترسانة من الأسلحة كانت ستستعمل لاستهداف مصالح وطنية ودولية، وآخر هذه المحطات ما تعلق بمواجهة تهديدات تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).