لعل المتأمل في مصطلح العقل يجد أنه قد مر بأطوار ومراحل أثرت في جوهره وبنيته ومضمونه. فهناك مثلا العقل المثالي اليوناني؛ (أفلاطون...)، والعقل المنطقي اليوناني؛ (أرسطو...)، والعقل السوفسطائي اليوناني؛ (بروتاغوراس وجورجياس...)، والعقل التوفيقي اﻹسلامي المتفلسف؛ (الفارابي، ابن سينا، ابن رشد...)، والعقل الصوفي العرفاني؛ (ابن عربي الحاتمي...)، والعقل العقلاني أو الكوجيطو؛ (ديكارت...)، والعقل التجريبي؛ (بيكون...)، والعقل الجدلي؛ (هيجل...)، والعقل المادي؛ (ماركس...)، والعقل اللاشعوري الباطني؛ (شوبنهاور، فرويد...)، والعقل الجمعي؛ (دوركايم...)، والعقل البنيوي؛ (ليفي ستراوس...)، والعقل التفكيكي؛ (ديريدا...)، وغيرها من العقول اﻷخرى؛ مثل العقل الحداثي والعقل ما بعد الحداثي، والعقل اﻷداتي، والعقل الافتراضي وهلم جرا. إن كل فيلسوف من هؤلاء الفلاسفة ادعى أن حقيقة العقل هي تلك التي تصورها عنه، وصاغها ووضع حدودها ومعالمها، وذلك انطلاقا من فلسفته وثقافته وعقيدته. ثم إن الفلاسفة يعتبرون أنفسهم بمثابة اﻷنبياء من حيث رسالة الوعي واﻹصلاح الفكري والاجتماعي. لكن لماذا اختلفت عقولهم وتعارضت مضامين رسالاتهم، في حين لم تختلف عقول الأنبياء، بل كانت رسالاتهم واحدة ومتماثله ؟ لا شك إذن أن المطلع على تطور مفهوم العقل منذ اليونان إلى اﻵن، يجد اختلافا بين الفلاسفة في تحديد جوهره وماهيته بسبب اختلاف الثقافات والمعتقدات، ولذا تجدهم ينسخ دوما الﻻحق منهم فلسفة السابق ؟ وهذا الحال يذكرني بقول أحد الشعراء وهو أبو العتاهية: وكل يدعي وصلا بليلى * وليلى لا تقر لهم بذاكا