السوفسطائيون اسم يطلق على أعضاء حركة ثقافية وُجِدَتْ في المدن الإغريقية في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد. وهم أساتذة رحّالون يُدَرِّسون قواعد اللغة، وفن الخطابة الذي كان مهمًا في ظل الأنظمة الديمقراطية القديمة التي كانت سائدة في أثينا. ولم يكونوا مهتمين بالأفكار الفلسفية المتعلقة بمسألة الكون والطبيعة، بل على خلاف ذلك، كانوا ينتقدون المبادئ الأخلاقية المتوارثة والأديان. ويعتقدون أن الفضيلة تكمن في تحقيق نجاحٍ ما في هذا العالم. يعتقد السوفسطائيون أن القانون ليس من طبيعة الأشياء، بل هو عُرْف محض. ولهذا قالوا: إن الأشخاص الأذكياء لدرجة تكفي للتملص من القوانين ليس لديهم أي التزام أخلاقي للتقيّد به. ووصف أفلاطون سقراط بأنه عارض السوفسطائيين لأن أفكارهم كانت غامضة ومتناقضة، وخاصة أن تعاليمهم يمكن أن تدمِّر النظام الاجتماعي. من أشهر السوفسطائيين بروتاغوراس، وجورجياس، وأنتيفون. اعتقد بروتاغوراس بأنه يجب اتباع الأعراف والطقوس القديمة للمحافظة على تماسك المجتمع. واشتهر جورجياس بأفكاره الشكوكية المحرّضة فكريًا. أما أنتيفون، فقد ركّز على الفرق بين القانون المدني والسعي الفطري للإنسان للحصول على ملذّات الحياة، وكان يعتقد أن الناس غالبًا ما يستطيعون تحقيق منافع شخصية عن طريق التلاعب بالقانون والعمل وفقًا لنزواتهم الفطرية إذا ما استطاعوا الإفلات من العواقب. المصدر: منتديات ملاك روحي - من قسم: الفلسفة والعلوم النفسية والانسانية السوفسطائية sophism كلمة يونانية مشتقة من اللفظة «سفسطة» (سوفيسما sophisma)، التي تعني الحكمة والحذق. وقد أطلقها الفلاسفة على الحكمة المموهة والحذاقة في الخطابة أو الفلسفة، كما أطلقت على كل فلسفة ضعيفة الأساس متهافتة المبادئ كفلسفة الريبية [ر. الشكية] واللاأدرية[ر]. والسوفسطائية حركة فلسفية غير متكاملة ضمن نظام، ظهرت في القرن الخامس قبل الميلادي، ومركزها أثينا، وهي فلسفة عملية تقوم على الإقناع لا على البرهان العلمي أو المنطقي، وعلى الإدراك الحسي والظن، وعلى استعمال قوة الخطابة والبيان والبلاغة والحوار الخطابي، والقوانين الجدلية الكلامية بهدف الوصول إلى الإقناع بما يعتقد أنه الحقيقة، وبهذا المعنى أصبحت السوفسطائية عنواناً على المغالطة والجدل العقيم واللعب بالألفاظ وإخفاء الحقيقة. تعد السوفسطائية دعوة نسبية شكية وتمرداً على العلوم الطبيعية، فقد كانت في صميمها دعوة إلى الاقتصار في تفسير الكون على الظواهر وحدها، من دون الاستعانة بأي مبادئ خارجية أو عوالم أخرى، وكانت أيضاً دعوة ضد المدرسة الإيلية التي كانت تبحث عن الحقيقة خارج عالم الظواهر بوصفه عالماً وهمياً، فقد حولت السوفسطائية الفكر من الاهتمام بالطبيعة إلى الاهتمام بالإنسان، وقلبت أسسه، وغيّرت معاييره؛ إذ تركت الظواهر الخارجية جانباً وجعلت من الإنسان موضوعاً أساسياً للتفلسف والتفكير قبل الموضوعات الأخرى، فالإنسان الفرد هو معيار الحقيقة. لهذا اهتمت السوفسطائية بالمعرفة والذات والأخلاق. ولم ينبثق السوفسطائيون (المغالطون) عن تيار فلسفي واحد، بل عن مدارس فلسفية مختلفة، وكان نعت «مغالط» أو سوفسطائي يعني وصمة الازدراء والطعن والنقد، بيد أن بعض الباحثين عدوا المغالطين الأُُول رجالاً أجلاء محترمين لهم كلمتهم المسموعة ورأيهم النافذ في وطنهم، أخذوا على عاتقهم عبء تربية الأحداث وسعوا إلى تهيئة رجال الدولة. وكان من أشهر أعلام السوفسطائية: بروتاغوراس Protagoras وغورغياس Gorgias وهيبياس Hippias وبروديكوس Prodicus وبولوس Polos. تميز منهج السوفسطائيين بالجدل البناء الذي يطرح الموضوع للبحث، بغية استنباط العيوب والحسنات والنتائج، وتقوم هذه الطريقة أساساً على مبدأ الشك، الشك في الموجودات وفي الوجود بالذات، والشك في القيم وفي الأخلاق، إضافة إلى التشكيك في السياسة، فلا حقيقة ثابتة مطلقة ولا خير مطلق، وصار الرأي أو الظن والتخمين معياراً للحقيقة، وهذا معنى عبارة بروتاغوراس «الإنسان هو مقياس كل شيء». حمل السوفسطائيون على الدين وعلى المعتقدات الشعبية حملة عنيفة، وتلك الحملة المفعمة بالفردية والعقلية لم تكن إلا استمراراً للحملة التي قام بها هيراقليطس[ر] وديموقريطس[ر] من بين الفلاسفة، وأرستوفان من بين الشعراء، وهيرودوتس[ر] من بين المؤرخين. أما في ميدان السياسة والأخلاق، فقد فرق السوفسطائيون بين الطبيعة والقانون، وارتأى هيبياس أن الطبيعة هي الأصل والخير وأن القانون هو قيد أو نير يحمله الإنسان ويجب أن يتخلص منه، كما عدّ كل من كلكلس Calliclès وترازيماخوس Thrasymachus القوانين أنها من صنع الضعفاء، وقد وضعت للقضاء على الأقوياء، والدولة تبعاً لهذا من صنع الضعفاء، وهي شر والطبيعة هي الخير، والسير وفقاً للطبيعة هو الأساس لأن النجاح في الحياة هو عينه أكبر درجة من الظلم، إذن الظلم هو الشيء الطبيعي، أما العدالة فليست غير البطالة والخنوع والضعة، والطبيعة هي التي يجب أن تكون المشرع لنا، أما القانون فلا يجب أن يخضع له، والحرب والنزاع يجب أن يكونا العاملين الرئيسين اللذين يحكمان الناس، والقوة هي مصدر كل شيء، ولها يمكن أن يبرر كل شيء. وقد واجهت النزعة السوفسطائية هجوماً كبيراً، فيما يتصل بموقعها داخل التفكير الفلسفي العلمي، حيث عدّ أفلاطون وأرسطو الحركة السوفسطائية حركة هدم وتمويه، وضرباً من الجدل والتلاعب اللفظي، فهي بعيدة عن الحقيقة والفلسفة وغايتها الوصول إلى الإقناع تبعاً للطلب وحسب الحاجة، تباع فيه المعرفة وتشترى، فالسوفسطائي حسب رأي أفلاطون: «صورة زائفة للفيلسوف، همّه الوحيد تعليم فن الخطابة وأخلاق النجاح والمتعة والمنفعة، وتأكيد الذات، وذلك للارتزاق واقتناص الناس من ذوي الحب والمال». وعرفت الحركة الإسلامية القديمة السوفسطائية من خلال أفلاطون وأرسطو، فترجم كل من يحيى بن عدي وأبي علي إسحاق بن زرعة، وإبراهيم العشاري كتاب أرسطو «تبكيت السوفسطائية» عن السريانية، كما قام بعض الفلاسفة الإسلاميين بتحقيق هذا الكتاب وشرحه وتفسيره، فكتب الكندي رسالة يفند فيها السوفسطائية في الاحتراس من «خدع السوفسطائية»، وهي مفقودة. كذلك وضع الفارابي كتابين ينتقد فيهما الفكر السوفسطائي، وهما: كتاب «شرح المغالطة» وكتاب «المغالطين»؛ ووضع ابن سينا رسالة بعنوان «السفسطة» حدد فيها السوفسطائية بأنها نوع من الأغاليط والخداع والتمويه والاستدلال الباطل. أما هيغل فقد أعاد الاعتبار إلى هذه الحركة، فرفع من شأن الفلسفة السوفسطائية، كونها تمثل مرحلة أساسية من مراحل تطور الفلسفة اليونانية. ونظر أيضاً مؤرخو الفلسفة إلى السوفسطائية على أنها حركة ذات أهمية خاصة في تاريخ اليونان الروحي والحضاري، وفي تكوين الفكر الفلسفي الخلاق والإيجابي، وأنها «لم تكن حركة هدم بقصد الهدم المجرد، وإنما كانت حركة هدم لبناء من جديد لأنها كانت تعبر عن روح العصر». واستمر الأمر على هذا النحو حتى أوائل القرن العشرين حيث اكتسبت السوفسطائية صفة جديدة هي صفة التنوير. وكان أول الممثلين لهذه النظرة الجديدة تيودور غومبرتس Gomperz، وابنه هاينرش Heinrich. ووجدت هذه النظرة صداها لدى كل المؤرخين المجددين للفلسفة اليونانية حتى ظهرت في أول صورة جلية لها عند فرنر بيجر Byger في كتاب «بيديا». كما دافع جوزبه سئيتا Ceaitahعن السوفسطائية في كتابه «نزعة التنوير عند السوفسطائيين اليونان» (1938). وصفوة القول إن مضمون تعاليم السوفسطائية كان ديمقراطياً، يعتمد أساساً حرية التعبير والتفكير والمساواة في الحقوق، لهذا كانت السمة الأولى للسوفسطائية أنها ثورة معرفية، وفلسفة التحرر والنقد، وفلسفة نسبية المعارف والأخلاق، وفلسفة البحث المتواصل عن دعائم جديدة للحقيقة والأخلاق تجعل من الذات المفكرة محل اهتمام الفيلسوف، ومن العقل والقول والمعرفة موضوعات مهمة للتفكير والنقد، فهي فلسفة التنوير والتحرير، وفلسفة البحث والنقد والجدل، ولكنها لم تؤسس نسقاً مغلقاً (كالأفلاطونية والأرسطية)، بل كانت فلسفة الانفتاح والتشرد. عيسى بشارة http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=10712 Commenter --------------------------------------------------------- التعاليق : 1 - الكاتب : mlihe