وتبني لغة الإقصاء: المنطقة الشرقية ومهرجان الراي وسؤال الهوية. 7 دورات وسؤال تجاوز النمطية في الرؤية والتنظيم. رئيس الجمعية وتضخم الأنا والتراجع عن سؤال المحاسبة. الفضاء المحتضن للمنصة الذهبية وسؤال اللاءمة. البرمجة وسؤالي الأصالة المتفردة واحتجاجات فناني أبناء المنطقة الشرقية. د.عبدالكريم فاضيل المنطقة الشرقية ومهرجان الراي وسؤال الهوية. حينما ترفق كلمة الدكتور محمد اعمارة رئيس جمعية وجدة فنون التقديمية للمهرجان الدولي بين قوسين للراي بوجدة في دورته السابعة الممتدة حسب زعم اللجنة المنظمة من14 إلى 24 غشت 2013 بالتقديم غير الموقع للمهرجان الذي جاء فيه « شكلت فكرة تنظيم مهرجان فني وثقافي دولي بالمنطقة الشرقية على غرار المناطق المغربية الأخرى دعامة فنية وثقافية أساسية، تنضاف إلى الدعائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أرستها الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي يعرفها المغرب، بما يساهم طبعا في انطلاق تنمية حقيقية ومستدامة بالجهة الشرقية عموما ووجدة خصوصا » يستنبط قارئهما وكأنه أمام حدث مصيري، يشكل منعرجا أساسيا في التنمية، ويحقق حلم ساكنة تقدر بمليوني نسمة، ويعكس ثقافة وهوية منطقة بحالها، شأنه كشأن باقي المهرجانات الدولية سواء التي تقام بالمغرب أو بدول أخرى التي تستقطب آلاف المعجبين والمتتبعين والدارسين والمنخرطين من كافة فئات المجتمع، إلا أن واقع الحال يقول أن مثل هذه الأحكام القيمية لا تستند إلى أي دراسة علمية وموضوعية، أو على الأقل إلى أي تقارير صحفية مهنية محترفة بالرغم ما يرصد من مبالغ أجهل قدرها لاستقدام صحفيين يمثلون منابر إعلامية وطنية ودولية بغرض إضفاء نوع من المشروعية على تسمية المهرجان بالدولي، وإنما هي أحكام تلزم أصحابها لا أقل ولا أكثر صادرة من ذات حالمة غيورة تريد أن تؤسس لنفسها موقعا، وهو حق مشروع، لكن بالقابل لا ينبغي أن تتحول هذه الأحكام إلى مشروع يصادر من خلاله أصحابه حق أبناء المنطقة في تحديد العناصر الحقيقية المشكلة لهويتهم الثقافة التي تعود لقرون خلت. إن « الراي » ومن غير النبش في تاريخه، والبيئة التي نشأ فيها، ومن غير تشريح مضامين كلماته، ولا حتى إيقاعاته، لا يمكن أن يتحول بقدرة جمعية لا تملك رؤية واضحة للرسالة التي تريد أن توصلها للمغاربة كافة وأبناء المنطقة الشرقية خاصة إلى كتلة من القيم نتكئ عليها من أجل بناء مستقبل حياتنا الثقافية والفنية، وأذكر حتى لا أنعت بالمثبط أو الرافض لرسالة الفنون أن مجال هذه المساهمة ليس هو قراءة ل »الراي » بقدر ما هو إبداء بعض الملاحظات من متتبع وأحد أبناء المدينة حتى لا يزايد علينا أحد ولا نزايد على أحد حول مهرجان لأغنية الراي بمدينة وجدة يتم فيه استدعاء عدد من المغنين خاصة الجزائريون منهم قصد صبغ احتفالية مؤقتة بالمدينة تجلب سهراتها جمهورا معتبرا من الشباب والشابات، يجدون في بعض الأغاني لبعض الفنانين سلواهم بالنظر للفراغ الذي يعانون منه، نتيجة غياب استرتيجية واضحة المعالم لمجموع الأنشطة الهادفة والجادة بما فيها الأغنية المغربية الوطنية التي تستند على الكلمة المتخلقة، والتي تعبر في جزء كبير منها عن الهوية الحقيقية للمغاربة. ولي اليقين التام، ومن باب عدم تبخيس مجهودات الآخرين، لو تم استجواب عينات من جميع الطبقات من أبناء المنطقة الشرقية حول « الراي » وهل فعلا يشعرون أنه يجسد جزءا من هويتهم ومن ثقافتهم ومن فنهم لقوبلت بإجابات متباينة، وليس لي الحق الحديث نيابة عن الآخرين، لكن ومع ذلك يمكن الجزم وبحكم علاقاتي المتنوعة التي تبيح لي اسقراء الأفكار في مثل هذه الحالات لكان الرفض المطلق هو الجواب لفئة عريضة من الفئات المستجوبة، بل الأكثر من ذلك وفي إطار متابعتي لهذه الدورة فقد طرحت سؤالا على عدد من الزملاء الصحفيين والمثقفين حول رأيهم في هذه الدورة فكان الجواب صريحا ويكاد يكون مشتركا بأنه دون المستوى وأنه بلغ مستوى من النمطية. 7 دورات وسؤال تجاوز النمطية في الرؤية والتنظيم. الجاحد وحده من ينكر ما تبذله جمعية وجدة فنون المختزلة في شخص رئيسها الدكتور محمد اعمارة، باعتباره المهندس الوحيد الذي لا تنزل كلمته الأرض، فهو الذي يقترح المقترحات وهو الذي يؤشر عليها، فهو الذي يقدم الفنانات والفنانين للصحافة، وهو الذي يمتلك ناصية الكلام، يتحادث مع الصحافة، ويدلي بتصريحات للصحافة، فهو باختصار الكل في الكل، وهذا ليس عيبا مادام أثبت للجميع أنه أهل لهذه المسؤولية، وأنه قادر على استجلاب مؤسسات كبرى كمستشهرين وراعين للمهرجان، وهو أمر ليس بالأمر الهين أو السهل، كما أثبت للجميع أنه مؤهل لنسج شبكة من العلائق المتميزة مع كثير من الفنانين والفنانات، ومع جزء مهم من وسائل الإعلام الوطنية والدولية، إلا أن العيب في هذا التفرد في التسيير بالرغم من حسناته في الدورات الأولى، هو جعل الدورات المتوالية مستنسخة لما سبقها رغم الاجتهادات التي يبذلها صاحب القرار الأول والتي تبدو له ناجحة وستمنح لكل دورة تميزا عن الدورات السابقة، متناسيا أن أي اجتهاد يكون نابعا من ذات واحدة لن يخرج عن عمق الرؤية الواحدة التي يمتلكها أي واحد منا، حينها تغيب السيناريوهات المتعددة، نتيجة الاصطدام بنفس التفكير، ونتيجة غياب استراتيجة ورؤية واضحتين من هذا المهرجان، وعليه فإن العمل التشاركي مع الفاعلين في الحقل الثقافي والفني واستشارة الفنيين والتقنيين بل التنازل عن تلك الأنا العظمى، وفسح المجال للأفكار الجديدة من شأنه أن يمنح للمهرجان نفسا جديدا وحلة براقة، ولعل الدكتور اعمارة يعرف أكثر من أي أحد أن المهرجان عرف في عهده تلوينات وإضافات مهمة لم تكن في عهد من سبقوه في الإشراف على المهرجان، وأن انسحابهما سواء المؤسس فريد شوراق أو الدكتور الصيدلاني امرابط لم يوقف المهرجان، بل أن ما تركوه كان بمثابة المنطلق والأس الذي استثمره من جاء بعدهما. رئيس الجمعية وتضخم الأنا والتراجع عن سؤال المحاسبة. ليس هناك من سبب يجعل الدكتور اعمارة رئيس جمعية وجدة فنون يتراجع عن ذاك التقليد الذي وضع أسسه كل من السيد شوراق أو امرابط أو هو نفسه في بعض الدورات المتمثل في مجالسة الصحافة الجهوية والمحلية قبل وبعد أي دورة للكشف عن جميع المعلومات المتعلقة بالجانب المادي والفني واللوجستيكي هو تضخم الأنا واستصغار الصحافة المحلية والجهوية بما فيها ممثلو ومراسلو الصحافة الوطنية، واعتبار مجموعة من المنتسبين إليها مشوشين أو على أقل تقدير غير معنيين بالجوانب المالية والتنظيمية. عندما أثير مثل هذه القضايا الآن، فإنني أتذكر جيدا تلك الندوات الصحفية الساخنة التي جرت في عهد الأستاذ شوراق والدكتور امربط، والدكتور اعمارة نفسه في الدورات الأولى التي أشرف فيها على المهرجان، وأتذكر معها إجاباتهم الصريحة والشفافة حول ميزانية المهرجان، وتبرئة ذمتهم بالقول أن إدارة المهرجان مفتوحة في وجه كل من يريد معرفة المزيد بالطبع في حدود ما يقبله العقل ولا يتعارض مع العقود المبرمة مع الفنانين والفنانات، إلا أن التراجع عن مثل هذه اللقاءات من شأنه أن يفتح أبواب التأويلات، بالرغم من تنزيهي شخصيا للدكتور اعمارة عن أي شبهة، ومع ذلك فإن التاريخ لا يرحم، ويستحيل أن تبقى أمور تسيير وتنظيم مهرجان بحجم مهرجان وجدة تصرف فيه أموال كبيرة بعيدة عن المحاسبة من أي جهة، بذريعة وهي مغالطة حقيقية أن هذه الأموال جلبت من مستشهرين وليس من أموال الدولة، متناسين أن جهودا كبيرة تبذلها الدولة سواء من خلال توفير العدد الكافي لرجال الأمن والسلطة، أو تأمين الفضاء، بل فإن تلك الأموال التي تأتي عن طريق المؤسسات والشركات والخواص فهي أموال مغربية، ولا يجوز أن يقذف بها في حسابات لفنانين خارج الوطن بدون حسيب ولا رقيب. الفضاء المحتضن للمنصة الذهبية وسؤال اللاءمة. ماذا سيحصل للساكنة والمؤسسات العمومية المحيطة والقريبة من المكان الذي يحتضن ما يطلقون عليه بالمنصة الذهبية لولا العدد الهائل من رجال الأمن بجميع أصنافهم الذي يشغلون في مثل هذه المناسبة أكثر من عشرين ساعة من دون تعويضات عن الأتعاب؟.سؤال قد يجيب عن نفسه، ونحمد الله ونشكره على احترافية رجال أمننا، وأن الأمور تمر من دون حوادث كبيرة تذكر. لكن في المقابل أليس من حق ساكنة تلك الناحية أن تترافع وتدافع عن حقها في السكينة والهدوء؟، أليس من المغالطات أن ندعي أن الجميع يرحب بالمهرجان ويعتبره إضافة للمدينة؟ ألم يحن الوقت لتفكر الجهات المنظمة والسلطات المحلية في إيجاد فضاء بديل أكثر أمانا وأكثر انفتاحا، لأن الفضاء الحالي يكاد يكون مغلقا ولو لا قدر الله وقع حادث ستكون كارثة كبرى؟ ثم إذا كان المهرجان أصبح له رواده وصيته وجاذبيته لماذا لا يتم إخراجه من أسوار المدينة إلى فضاء مفتوح بعيد عن السكان والبنايات حينها يمكن قياس العدد الحقيقي للمتتبعين له؟. البرمجة وسؤالي الأصالة المتفردة واحتجاجات فناني أبناء المنطقة الشرقية. استغربت حينما قرأت أحد أهداف المهرجان الذي يقول « ..يختلف عن باقي المهرجانات فهو يعكس أصالة فريدة ويحتفظ لنفسه ببصمته المتأصلة... »، فقلت لنفسي عن أي أصالة وعن أي بصمة يتحدثون، والكل تابع ذلك المزج الهجين بين ما هو شعبي وغير شعبي له ارتباطات بمناطق أخرى من ربوع المغرب وبين أغنية الراي التي ولدت شاء من شاء وكره من كره بالقطر الجزائري، ونمت وترعرعت فيه، وتبلورت بفرنسا والجزائر معا، إلا أن هذا القول لا يلغي إطلاقا حضور وبروز فنانين من المنطقة الشرقية في هذا اللون من الغناء؛ كما إنني لم استسغ إطلاقا الغاية من تخصيص أمسية نسائية اختلط فيها الحابل بالنابل. وفي هذا السياق يجب التذكير أن مهرجان تلمسان لهذه السنة عرف نجاحا كبيرا بفضل تفضيل نجوم كبار من أمثال الشاب خالد والشاب بلال المشاركة فيه، وقد عملت إدارة هذا المهرجان على تجاوز مجموعة من الهفوات، معتبرة أن أغنية الراي ملك لهم، وهم أولى بتنظيم مهرجان ذات علامة دولية. أما الموضوع ذات الصلة فيتعلق بالوقفات الاحتجاجية التي تزامنت مع أيام المهرجان، وبالرغم من رفضي لأساليب الابتزاز والمساومة التي يكون قد لجأ إليها بعض المحتجين، فإنني أضم صوتي لصوتهم فيما يتعلق بضرورة طرح السؤال والإجابة عنه بكل جرأة وشجاعة وصراحة: من المستفيد من المهرجان؟ وما هو حجم استفادة مدينة وجدة من هذا المهرجان؟ ولماذا لا يسمح لبعض الفنانين من المنطقة الشرقية الصاعدين صعود المنصة الكبرى؟؛ وفي هذا الباب نريد أرقاما وليس كلاما إنشائيا يكون حصيلة دراسة وقراءة علمية دقيقة.