درجة حرارة مرتفعة ونهار طويل يتبعهما عدد ساعات صيام أطول. لم يكد يمض الأسبوع الأول من رمضان، حتى بدا على المواطنين، سيما المقيمين منهم في المدن الداخلية التي تناهز درجات الحرارة بها الأربعين درجة أو تتجاوزها، الإنهاك والتعب، فيما ارتفعت حدة الملاسنات والمشادات الكلامية، لتزيد بدورها من حرارة الأجواء. الشوارع في أولى أيام شهر رمضان تكاد تكون شبه خالية من المارة ومستعملي الطريق، خصوصا فترة الظهيرة، حيث ترتفع درجة الحرارة بشكل لا يطاق، وإن كان الحال أفضل، في مدينة كالسعيدية محاطة بشريط بحري يلطف أجوائها ويشكل ملاذا لسكانها، يقضون خلاله نهارهم، يسبحون، سيما الشباب منهم، في بحر لا يمكن إلا أن يصنف ضمن خانة الشواطئ السوداء في ترتيب الشواطئ الوطنية، إلا أن ذات اليد وارتفاع درجات الحرارة وحلول شهر رمضان الذي تزامن مع عز الصيف، لم يدع لسكان السعيدية وزوارها من مختلف مدن وقرى الجهة الشرقية وباقي جهات المملكة من خيار سوى الارتماء في مياه ملوثة تنبعث منها في بعض الأحيان والأمكنة روائح مياه الصرف الصحي، واكتراء دراجات نارية، وضعها أصحابها في مرآب كبير يطل على الشاطئ ، حتى ينعم مستعملوها برطوبة الأجواء التي تساعد عليها سياقة دراجة نارية بمقربة من مياه البحر. صحيح أن الجميع يدرك أن الفصل فصل صيف، وأن الشمس والحر هما سيدا الموقف ولا مهرب منهما، لكن «أن يجتمع الحر والصيام، فالغالب الله»، جملة، تكاد تتحول إلى لازمة يتغنى بها هذا أو ذاك، أثناء شجار عابر، في حافلة أو سيارة أجرة... الكل يتعذر بها لتعليل ضعف القدرة على التحمل وتوتر الأعصاب وسرعة «الترمضينة».وحده البحر والفضاءات الخضراء، على قلتها، من تجسد المتنفس الحقيقي للمدينة، يحج إليها الكبار قبل الصغار، بحثا عن نسمات هواء بارد وريح يساعد على تحمل ساعات الصيام الطويلة. لكن موجة الحر هذه لم تمنع من الإقبال على أسواق القرى والمدن المجاورة خلال الأيام الماضية لشراء المواد التي يحتاجونها في تحضير وجبات الإفطار والسحور رغم ارتفاع أسعار بعض المواد، إذ تشهد الأسواق الشعبية كما الواجهات الكبرى إقبالا منقطع النظير ورواجا كبيرا، سيما المنتوجات الغذائية من لحوم بشتى أصنافها وخضر وفواكه. ومع اقتراب مغيب الشمس يزداد منسوب العصبية في الشوارع ويصبح التوتر باديا على سائقي السيارات التي تجوب شوارع الجوهرة الزرقاء في شهر رمضان المبارك، فمع اقتراب موعد الافطار يزداد التوتر في الطرقات وتعلوا أصوات المنبهات وتلوح الأيادي من داخل زجاج النوافذ، مهددة ومتوعدة بشجار لا نهاية له، قبل ان يلعن أصحابها «الشيطان»، ويمضي كل منهم إلى حال سبيله.