تجتاح بلادنا منذ مدة، موجة حرارة شديدة تزامنت وشهر رمضان. وبالتهاب حرارة الجو عرفت الأسعار في الأسواق العمومية والمراكز التجارية بالدارالبيضاء ارتفاعا كبيرا. وبلغت أسعار بعض الخضر التي تعرف إقبالا واسعا عليها خلال شهر رمضان المنصرم زيادة أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية لفئة عريضة من المواطنين التي لم تعد تعرف التفريق بين ارتفاع حرارة الشمس وارتفاع الأسعار. قال محمد لكحل بائع خضر بسوق باب مراكش، إن «الطبقة المسحوقة صارت تكتوي بنارين، من جهة الحرارة المفرطة التي تشهدها البلاد وتؤثر في العباد الفقراء بالخصوص الذين لا يجدون منها مفرا ويواجهونها بوسائل تقليدية لا تتعدى نشاشات تحريك الهواء أو بخاخات الماء، ومن جهة أخرى، أسعار المواد الغذائية التي وصل ارتفاعها مستويات لا تطاق». وأضاف لكحل أن «الخضر التي تشكل أهم المكونات الغذائية لمائدة المواطن البسيط تميزت أثمانها بالارتفاع وعدم الاستقرار خلال رمضان الذي يعد مناسبة يتضاعف فيها حجم الإنفاق الأسري، وأن شريحة واسعة من المواطنين افتقدت موائدها لوجبات السمك التي ارتفعت أسعارها وغلاء اللحوم الذي أثر سلبا على استهلاك الأسر المعوزة. وعرفت أثمان بعض الخضر ارتفاعا ملحوظا خلال الأسبوع الأخير من رمضان، إذ وصل سعر البطاطس 6.50 دراهم، «الكرعة» البيضاء 11دراهم، الجزر 10 دراهم، اللوبيا الخضراء 15 درهما والفلفل 6.50 دراهم. وأشار محدثنا إلى أن الحرارة التي شهدها بلادنا والتي أتلفت عشرات الهكتارات من شتائل الخضروات وعلى رأسها الطماطم، التي تم زرعها مؤخرا، في مناطق مختلفة أبرزها منطقة سوس، إضافة إلى جشع المضاربين، رفعا من أسعار جميع السلع سواء كانت لحوم، بقول، خضر أو فاكهة، مرجحا أن يستمر ارتفاعها خلال الأيام القادمة. وتسببت الحرارة المفرطة في نفوق وإصابة عدد من رؤوس الماشية. ولم تفلح إلا بعض الأسر المعوزة التي اعتادت اقتناء وخزن مستلزماتها الخاصة قبل رمضان متجنبة بذلك تقلبات أسعار المواد الغذائية التي لا تخضع لمنطق العرض والطلب وإنما للظروف المناخية التي صارت متقلبة في السنوات الأخيرة، ولجشع المضاربين الذين لا يولون أدنى اهتمام لتحذيرات وزارة الداخلية التي سارت كصيحة في واد يتجاوزها بسهولة المحتكرون للأسواق الذين يلهبون أسعار المواد الغذائية كلما سنحت لهم الفرصة ويجنون من ورائها أموالا طائلة. مصانع تتخذ احتياطات بتغيير مواقيت العمل بسبب الحرارة وخلفت موجة الحرارة التي عرفتها بلادنا في الآونة الأخيرة بعض الأحداث المتفرقة هنا وهناك أبرزها حدوث وفيات في صفوف بعض كبار السن المرضى. وتحدثت مصادر مطلعة، عن نقل أربعة أشخاص تجاوزت أعمارهم 70 سنة إلى مستشفى ابن رشد على إثر إصابتهم بضيق في التنفس والحمى بسبب حرارة الجو، لم تنفع العلاجات المكثفة التي خضعوا لها في إبقائهم على قيد الحياة. فيما مصادر أخرى، أفادت باضطرار صاحب معمل لصناعة الأحذية بجماعة سيدي بليوط إلى تسريح العاملات وإغلاق المعمل، عقب إصابة عاملات بحالة إغماء بسبب الحرارة المرتفعة التي زاد من حدتها ضيق المعمل الذي لا يتوفر على أجهزة للتكييف. كما أجبرت الحرارة المرتفعة، أرباب مصانع صغيرة أخرى بنفس المنطقة على تغيير مواقيت العمل إلى الليل لتفادي الصهد خلال النهار في رمضان الماضي. وقالت نعيمة اسليات، عاملة بإحدى هذه المصانع «لا يتصور كيف تقضي العاملات النهار في عمل مضن يتطلب منها مجهود إضافي داخل معمل صغير المساحة لا يتعدى 4 م2، حرارته تتعدى 45 درجة». وأضافت المتحدثة، أن صاحب المصنع الذي تعمل فيه كخياطة للحقائب اليدوية، أجبر في المدة التي شهدت فيها الأجواء حرارة مفرطة، على العمل في الليل بعد أن لاحظ انخفاض وتيرة أداء العاملات خلال النهار، وتغيب بعضهن عن العمل بسبب مرض الحمى، موضحة، أن الحرارة المفرطة تزيد من احتمال الخطورة وإصابة العاملات باختناقات وأمراض مزمنة داخل مصانع صغيرة بدون مكيفات هواء تفتقد للشروط الوقاية والسلامة وتستخدم مواد خطيرة ك»الكولة».... الحرارة ترغم على إخلاء الشوارع والأزقة وخفت الحركة في أغلب شوارع وأزقة العاصمة الاقتصادية خلال فترة النهار جراء الحرارة الملتهبة التي اجتاحت أغلب المدن والقرى خلال الأيام القليلة التي صادفت شهر رمضان المنصرم. وأجبرت درجات الحرارة العالية عددا من المواطنين على لزوم منازلهم وعدم الخروج منها إلا لقضاء الحاجيات الضرورية فيما باقي المطالب تتم في اللحظات القليلة التي تفصلهم عن موعد الإفطار. واضطر التجار بزنقة موحى وسعيد إلى إغلاق محلاتهم التجارية خلال الصباح وعدم فتحها إلا بعد العصر. وتعرف زنقة موحى وسعيد بالمدينة القديمة عادة رواجا تجاريا على امتداد شهور السنة بدون انقطاع نظرا لتنوع معروضاتها السلعية وتلبيتها لحاجيات الزبناء التي يقبلون عليها من مناطق مختلفة. الصهد يقهر الموظفين في مكاتب بدون مكيفات لم تكن المؤسسات العمومية بمنأى عن موجة الصهد التي شهدتها المملكة في المدة الأخيرة،هذه الموجة الحارة التي أجبرت بعض الموظفين على زيارة العيادات الطبية، للحصول على شواهد طبية، حتى إن لم يكونوا مرضى، وذلك لتبرير تغيبهم عن مقرات عملهم خلال المدة المتوقعة لارتفاع الحرارة كما أعلنتها مديرية الأرصاد الجوية. وعانى الموظفون في الإدارات العمومية الأمرين بسبب الحرارة المفرطة داخل مكاتب غير مجهزة بالمكيفات، وجلب بعضهم مروحيات هوائية إلى مكاتبهم لكنها أظهرت عدم نجاعتها وسط حرارة مرتفعة وصلت 42 درجة، فيما البعض الآخر استغل قلة الإقبال المواطنين على مكاتبهم للهروب نحو أماكن أقل حرارة حتى اقتراب موعد الخروج. وقال (س-ز) موظف بمصلحة تصحيح الإمضاءات بإحدى المقاطعات بالدارالبيضاء، إن معاناة العمال وصغار الموظفين تتضاعف ليس فقط بسبب الحرارة في فصل الصيف وإنما أيضا خلال فصل الشتاء حيث تشتد برودة الطقس، لاسيما، بالنسبة للموظفين الذين تجبرهم طبيعة المهام التي يقومون بها على قضاء اليوم كله في مكاتب تقليدية لا تتوفر على الشروط التي تضمن للموظف أداء مهامه في أحسن الظروف، واصفا المؤسسات العمومية التي لا تتوفر مكاتبها على أجهزة لتلطيف الجو، بإدارات من العصور الوسطى. واستنكر الموظف المذكور عدم اكتراث المسؤولين بتجهيز مكاتب صغار الموظفين بالوسائل الضرورية في الوقت الذي تخصص فيه ميزانيات كبيرة لتجهيز مكاتب المسؤولين بكل الوسائل وحتى غير الضرورية منها. الحدائق العمومية والشواطئ ملاذ الهاربين من شدة الحرارة وأجبرت الحرارة المرتفعة خلال الليل البيضاويين على اللجوء إلى والحدائق العمومية والمساحات الخضراء والمقاهي خاصة المجهزة بوسائل التكييف، للترويح عن النفس، والهروب من المنازل المتشبعة بالحرارة. وعرفت النافورة (الخصة) المتواجدة بوسط العاصمة الاقتصادية والقريبة من ولاية الدارالبيضاء خلال الفترة المتزامنة مع اشتداد الحرارة، إقبالا كبيرا للبيضاويين، ولوحظ بعض الشبان وهم يغرفون الماء من النافورة ويصبونه فوق أجسادهم ورؤوسهم. وتحول شاطئ عين الذئاب إلى ملاذ للهاربين من حرارة الشمس، وغص البحر بأفواج المصطافين يستحمون بين الأمواج ولا يغادرون مياهها إلا لماما. وبدت الأجواء الصيفية في شاطئ البحر أكثر مرحا. وتحاشى المصطافون مختلف الألعاب فوق رمال البحر تجنبا للشمس الحارقة. مصلون يفضلون الصلاة في باحة المساجد عوض الداخل كما أجبرت الحرارة المرتفعة، المصلين على أداء صلاة العشاء والتراويح في شهر رمضان خارج المساجد. واضطر رواد بيوت الله إلى الإسراع إليها حتى قبل رفع أدان صلاة العشاء بأكثر من نصف ساعة وذلك لحجز أماكن لهم في باحات المساجد لأداء الصلاة فيها عوض الداخل حيث الحرارة مفرطة وتزداد بازدحام المصلين خصوصا وأن المساجد غير مزودة بمكيفات الهواء. الصهد يولد ظاهرة جديدة متمثلة في التهافت على المكيفات وان كان التعود والتأقلم مع الحرارة أصبح متعارفا عليه بسبب التقلبات الجوية وغياب وسائل الترفيه والراحة في العاصمة الاقتصادية اللهم بعض الحدائق والمساحات الخضراء المعدودة على رؤوس الأصابع، فإن الظاهرة الجديدة لدى أغلب الأسر البيضاوية تمثلت في التهافت على شراء المكيفات الهوائية بمختلف الأنواع والأحجام رغم أسعارها المرتفعة، لا سيما، وأن المروحيات الهوائية أظهرت عدم نجاعتها وسط حرارة مرتفعة وغالبا ما تتعرض للعطل. وساهم نظام البيع بالسلفات سواء بمحلات الأجهزة الكهرومنزلية أو المتاجر الكبرى في ازدهار تجارة بيع المكيفات الهوائية. ويقول مصطفى أدنان، عامل بمرجان، أن الطلب على المكيفات الهوائية ارتفع في الأيام الأخيرة بسبب موجة الصهد، مضيفا، أن مرفق الأجهزة الكهرومنزلية عرف إقبالا واسعا للمتبضعين الذين يختارون عينات من المكيفات تتراوح أثمانها بين 4000 درهم و10000 درهم.