لا يمكن للزائر لعاصمة الشرق وجدة أن يحل بالمدينة دون أن يتذوق أحد أفضل الأطعمة التي اشتهر الوجديون بإعدادها على مدى سنوات طوال إنها أكلة "كران التقليدية هذه الأكلة التي تعتبر موروثا ثقافيا محليا يتميز بنكهة خاصة ومنفردة. وتعد أكلة كران غذاء أساسيا ومهما لشريحة واسعة من أبناء مدينة وجدة وبصفة خاصة الأسر الفقيرة والمعوزة، التي تفضل تناول هذه الوجبة في الخارج حيث ينتشر باعتها المتجولون في مختلف أماكن وأحياء المدينة وقرب الإدارات والساحات العمومية والمؤسسات التعليمية والملاعب الرياضية. ومن أجل تقريب القارئ من "أكلة كران" التي تعتبر موروثا حضاريا مغربيا حل موقع "نون بريس" ضيفا على مهرجان "كران" بوجدة الذي نظم دورته الثالثة هذه السنة تحت شعار مهرجان كران عادات و تقاليد" وبهذه المناسبة كان لنا هذا الحوار مع السيد الحسن الخدير وهو أحد قدماء بائعي هذه الأكلة الشعبية بمدينة وجدة . بداية "السي حسن" حدثنا عن بداياتك وعن امتهانك لبيع أكلة "كران" ؟ بدايتي في هذه المهنة كانت سنة 1993 والله سبحانه وتعالى قدر لي أن اشتغل كبائع متجول لأكلة عزيزة على قلوب الوجديين هذه الأكلة التي أفتخر باختياري امتهان بيعها وهي التي تحمل في طياتها البركة والرزق الكثير رغم بخس ثمنها وأنا اليوم إذ أبلغ من العمر 54 سنة لايسعني إلا أن أخبركم أني أعيش سعيدا لا لشئ سوى لأني امتهن عملا حلال أحس فيه بأني سعيد حر ومرتاح . ماهو سر لذة أكلة كران التي تعدها منذ سنوات ؟ سر الأكلة يرجع بالدرجة الأولى لله تعالى الذي يزرع البركة في الأكل ويبارك في تجارة البائع وير جع بالدرجة الثانية للشخص بذاته والذي يتوجب عليه أن يكون صادقا في عمله ومتقنا له وأن تكون نيته إرضاء الزبون قبل كل شئ. ويتابع "باحسن" حديثه معنا قائلا " بائع كران مسؤول أمام الله عن الطعام الذي يقدمه للزبون فلذلك يجب أن يكون صادقا مع نفسه ومع الله والصدق في العمل يوجب على البائع أنت يتذوق طعامه قبل أن يقدمه للزبائن وهنا أريد أن أحدثكم عن أمر مهم وهو أني ومند أن امتهنت بيع كران أخدت على نفسي عهدا أن أتذوق الأكل فور إعداده ومن الأسرار التي لايعرفها الناس عني وهو أني بمجرد الانتهاء من إعداد أكلة كران أتذوق أول لقمة وأرفع يدي للسماء قائلا "يارب اذا كامن بهذا الطعام من ضر فضرني به قبل غيري يارب لانية لي في إيذاء غيري فأظهر علامتك قبل أن اعطيه للناس ". ويضيف "باحسن" قائلا "بعد هذا الدعاء أكون مرتاحا ونفسي متيقنة أن ما أطعم الناس إياه سليم لن يضرهم في شئ " . ويكمل المتحدث ذاته كلامه بالقول " السر الثالث مرتبط هذه المرة بجودة الحمص المستعمل في تحضير الأكلة فلابد أن يكون من النوع الجيد لأن الله يبارك في السلعة الممتازة تم أني أسهر بنفسي على تنقية الحمص من الأتربة والشوائب حفاظا على صحة الزبون الذي يبقى هو رأس مال المهنة . هناك جدل كبير حول أصل أكلة كران ماهو تعليقك ؟ أكلة كران مصدرها الأصلي من تركيا انتقل لاسبانيا ومن اسبانيا جاء للجزائر ومن تما دخلت لطنجة عبر المهاجرين المغاربة المقيمين بالجزائر ويطلق عليها الجزائريون اسم "كرانتيكا". والروايات التاريخية كذلك تؤكد أن أصل كران هي بلاد الأتراك وأخذها الإسبان فكانوا يستعملون فيها مادة الحمص المطحون والبيض زيادة على شرائح لحم الخنزير والجبن والزيت، ويتم طهو المقادير جميعها في صينية وتكون سميكة. لماذا بقيت أكلة كران حبيسة مدينة وجدة ولم تنتشر في باقي ربوع المغرب ؟ ببساطة أكلة كران لم تنتشر في وجدة لأنه قبل الخمسينات الناس لم يكونوا مهتمين بالشكل الكبير بالأكلة ربما نظرا لهزالة ثمنها لكن اليوم نلمس اهتماما غير مسبوق والدليل أن مجموعة من المدن كالدار البيضاء والرباط وفاس أصبحت تحتضن محلات لبيع هذه الأكلة الشعبية وهذا أمر يبشر بالخير . كيف ترى مستقبل أكلة "كران" التراثية وماهي رسالتك للباعة الشباب ؟ أكلة كران موروث غدائي صحي واقتصادي يجب الحفاظ عليه ومن هذا المنبر أدعو الشباب للتشبت بهذه الصنعة لأن في طياتها الخير الكثير والرزق الكبير . وبيتوقف باحسن عن الكلام للحظات وكانه يحاول تذكر شئ ما قبل ان يواصل كلامه نبرة حزينة "أنا أتساءل لماذا لانهتم بالأصل لماذا نحتقر أنفسنا نحتقر موروثنا الغدائي ونتعلق بالأكلات الغربية التي لاتفيد الجسم ولاتقدم لنا سوى المضرات والآفات . ويختم "باحسن" حديثه قائلا " كران أكلة شعبية مغربية أصيلة صحية للجسم و اقتصادية للجيب خالية من المواد مواد الكيماوية وهذا مايميزها عن غيرها ورغم ما ترونه من الانتشار الواسع لمحلات الأكلات السريعة والخفيفة، وكذا المطاعم العصرية فانها لن تستطيع القضاء على أكلة شعبية تعد من صميم تراثنا المحلي فكران ستبقى صامدة رغم لأنها الأكلة رقم واحد في وجدة ".