القرآن لا يستعمل المجاز في كلامه عن أجرام الكون كما يتوهم أكثر الدارسين له ، فهو كتاب مبين يتحدث عنها بوضوح وبصراحة ، فإن قال مثلا " أغطش ليلها" فقد أغطش ليلها ، وإن قال " أخرج ضحاها " فقد أخرج ضحاها ، وما المشكلة إلا في عقولنا التي ما زالت غير قادرة على استيعاب مثل هذه المعاني بتأثير تفسيرات الغرب البعيدة عن معاني القرآن ، فالغرب يفسر الليل بدوران الأرض وابتعاد وجهها عن الشمس ، إذن فتعبير أغطش هو تعبير مجازي ، وهكذا تنتهي عندنا مشكلة تعارض القرآن لعلم الفلك المعاصر ، ولا أحد منا بقادر أن يرفع التحدي ، فيتحقق أكثر في مظاهر الكون حتى ينجلي له الأمر ، فيجد أن دوران الأرض غير كاف لتحقيق الليل والنهار ، وأن هناك عوامل أخرى تتدخل لإتمام هذه العملية ما زالت غائبة عن أذهان فلكيي الغرب ، أليس ضوء النهار لصيقا بالأرض لا يتعدى سمكه 200 كلومتر مثله مثل جلد الحيوان على جسده تماما ؟ وأن طول المسافة التي بين الشمس والأرض والتي تبلغ 150 مليون كلمتر ، هي ظلام دامس سرمدي ؟ أفضوء الشمس يختفي حتى إذا اصطدم بجو الأرض أشرق بنوره ؟ هل من طبيعة الضوء أن يختفي عندما يكون قريبا من مصدره وعلى طول طريقه ولا يظهر إلا على هدفه ؟ أم هناك عامل آخر لا نعلمه يساهم في إخراج ضحى النهار ؟ أم هناك - كما سنرى في مواضع لاحقة - شيء إسمه الليل وشيء إسمه النهار ، وهما ملموسان ومستقلان بأنفسهما لم يكتشفهما الغرب بعد ، وهما اللذان يفعلان فعلهما بالضياء والظلام ؟ وأن النهار هو الذي يجلي الشمس ، وأن الليل هو الذي يغشى الشمس وليس العكس كما يظن الغرب ؟ وهكذا ينكشف لنا أن التفسير الغربي ناقص بادئ الفهم لا يستطيع أن يصمد أمام النقد العلمي ، وأن وصمنا لآيات القرآن مثل " أغطش ليلها "، ومثل " الليل نسلخ منه النهار" بالمجاز هو نوع من التحريف لجرها كرها لتكون تابعة ذليلة لتفسير غربي بشري ما زال في طور التوقعات . إن للقرآن تفسيره الخاص للكون ، هو تفسير صحيح لم يصل الغرب إليه بعد ، مع أنه غاد بتؤدة وروية إليه . وخطؤنا عظيم حين اخترنا أن ننظر إلى القرآن بمناظر غربية ، ونقتصر على تفسيره بتفاسيره ونظرياته . علينا أن نكون مثل الغرب في بحثنا وجدنا ونشاطنا ، ولا نرضى بوضعيتنا هذه المؤسفة ، وهي أن نتقوقع في أماكننا متقاعسين ، ثم نعمد إلى تفسير فكر الله بفكر الغرب ؟ ألسنا نحن بدورنا بشر ولنا عقل كما أن لهم عقل ؟ أرجوكم ، تعمقوا في تدبر القرآن ، فسيظهر لكم بداءة الفكر الغربي أمام قمة فكر القرآن .