"ربنا ما خلقت هذا باطلا" (استنتاج حكمة وتسخير) تمهيد ذوقي: "" - أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون فإذا شهدته كانت الأكوان معك. - جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته. - أباح لك أن تنظر ما في المكونات وما أذن لك أن تقف مع ذوات المكونات "قل انظروا ماذا في السموات" فتح لك باب الأفهام ولم يقل انظروا السموات لئلا يدلك على وجود الأجرام. - عنايته فيك لا لشيء منك وأين كنت حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته، لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن هناك إلا محض الأفضال وعظيم النوال . ما أبينت لك العوالم إلا لتراه بعين من لا يتراها فارق عنها رقي من ليس يرضى حالة دون أن يرى مولاها الشرط النفسي لسلامة النظر والاستنتاج إن التلازم بين البراهين على وجود الله تعالى وصفاته وأفعاله قائم بالضرورة والبديهة الحسية والعقلية والقلبية. إذ برهان الخلق يترتب عنه ويتوسع إلى إدراك الحكمة في مخلوقات الله ووجه الحق في الخلق، والتي يمكن التعبير عنها ببرهان الغاية، أو دليل العناية والقصد والتسخير والنظام والإتقان... إلخ. بحيث لا يمكن حصر البراهين على وجود الله تعالى في ظاهرة كونية دون أخرى، وإنما كل ذرة من ذرات الوجود وكل حركة أو سكنة أو اتصال أو انفصال أو فعل أو انفعال فيها أو منها أو بها إلا وهي دالة بالضرورة على وجود الله سبحانه وتعالى ومعرفته به وعلى لسان حالها أو مقالها مصداقا لقول الله تعالى: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" والقرآن الكريم يحدد لنا هذا التلازم على وجه برهاني قطعي وواضح بين مبدأ الخلق وظاهرة الحكمة والتسخير فيه، بآيات غاية في الدقة والدلالة على أن الخلق لم يوجد على وجه العبث أو اللهو والاتفاق العفوي أو ما يصطلح عليه بالصدفة كظاهرة من الظواهر المرضية والشاذة عند بعض المتناقضين مع فطرتهم و العبثيين في تفكيرهم ورؤيتهم للحياة. وإنما يقرر القرآن بأن المخلوق وجد لغاية وهدف سام وأجل مسمى تتحدد عنده تلك الغاية ويتبين له حينه وجه الحكمة منه. والتي يمكن إدراك بعضها أو كلياتها لدى الإنسان السليم الفطرة والمراجع لنفسه ومحيطه بعين بصيرة وفكر موضوعي رصين، كما يمكن فهمه من قول الله تعالى: "أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم كافرون" فربط التفكير في النفس بالسموات و الأرض يمكن الاستنتاج منه أن النظر في السموات والأرض، واستخلاص الحكمة والغاية من خلقها عن طريق التفكير في النفس سيؤدي إلى الإدراك السليم والموضوعي للرابطة ووجه التسخير القائم بين الإنسان والكون. وذلك من خلال انطباع هذا الكون بما فيه من عناصر وسعة آفاق في نفس الإنسان ووعيه وخياله كمؤشر على أن له القابلية لاستيعاب هذا الوجود المرئي، وأن الكون في قبضة وعيه وإدراكه، مما يعني أنه مسخر لصالحه ومذلل له لامتطائه من أجل الصعود نحو الأعلى، إذ استيعاب الشيء وحصره تصورا في الذهن قد يعني الاستيلاء عليه بوجه من الوجوه، لأن الإنسان يعذر عليه ذلك عمليا واشتمالا. في "السموات والكواكب والبحار والجبال، فاشتهى الاستيلاء على جميعها بالعلم. لأن العلم نوع استيلاء أيضا كما يقول الغزالي. وبما أن الإنسان في إمكانه أن يستولي على الكون من هذا الوجه فسيكون بذلك قد حصره في دائرة معرفته. وإذ أنه قد حصره في دائرة معرفته فإنه سيصبح قابلا لأن يسخره لمصالحه. ولهذا فالسموات والأرض رغم عظم خلقها إلا أنها بما فيها مسخرات للإنسان لغاية أرادها الله تعالى من الكون والإنسان على هذا الوجه . فالتفكر في النفس قد يؤدي إلى استعراض هادئ لما أعطته المشاهدة الحسية من خلال النظر في السموات والأرض وما فيها من أسرار وحكمة، وهذا الاستعراض ينبغي أن يتم على نغمات الفكر الرصين والقلب السليم والنظر الحاد. "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد". كما أن المقارنة بين النفس الإنسانية والكون كفيلة بأن تحدد نوع الحكمة من الوجود الممكن، إذ أن الإنسان سيشعر بأنه رغم صغر حجمه أمام سعة الكون باستطاعته أن يعكس الكون في نفسه فينظر إليه كأنه من خارج والكون من داخل. ولهذا فبإمكانه أن يعرج في أرجائه بمجرد فكره، فيكون بذلك قد استعمل الكون مطية حسية ومعنوية للاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى. ومن جهة أخرى فالتفكير في النفس المطلوب في الآية قد يفهم منه تصحيح النيات في البحث العقدي، وصدق الطلب في استكشاف الحق من وجود الخلق وذلك بإقصاء الذاتية والأوهام والأحكام الجائرة والجاهزة من دائرة النظر الموضوعي، القائم على ربط الأسباب بمسبباتها، وتعليل الظواهر تعليلا مناسبا ودقيقا يشمل بتطبيقاته تفسير الظاهر والباطن والشاهد والغائب والممكن الذهني والممكن الواقعي والمستحيل العقلي والمستحيل العادي، مما يتعارف عليه العقلاء ويتفاهمون به كلغة ضرورية واصطلاحية. فالظاهر في النظر هو السموات والأرض والباطن هو نفس الإنسان المنعكسة عليها من جهة الرؤية الحسية ومعطياتها والأحكام العقلية ومقدماتها والمشاعر الوجدانية وحدسياتها. فلربما قد ينفذ الإنسان من أقطار السموات والأرض ولكنه مع ذلك لا يدرك الحكمة ووجه الحق في خلقها لأنه لم يعد إلى نفسه ولم يعطها حظها من التفكير السليم. فيعود بعد النظر والتنقيب بخفي حنين أو صفر اليدين رغم استكشافاته الفضائية أو الأرضية والبحرية، بل حتى النفسية إذا كانت غير هادفة وذات نية سيئة أو قاصرة. فإذا روعيت شروط النظر السليم المؤسسة على المراقبة النفسية ترتب عنها إدراك وجه الحق والحكمة في خلق السموات والأرض وما بينهما. "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" . ملازمة برهان الحكمة للخلق بالحق فإدراك وجه الحكمة في الخلق مؤدي إلى التيقن الجازم بأن الخلق تم بالحق. وأن وجوده من صنع خالق حكيم مدبر له، أخرجه من العدم وصيره حسب إرادته وعلمه "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير،هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور، آمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور. أم أمنتم من في السماء وأن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير" "إن ربك هو الخلاق العليم" وهذا الاستنتاج سينفى العبثية حتما عن وجود الخلق كما أنه ينفي عنه الصدفة والاتفاق الأصم والأعمى بأي وجه من الوجوه. إذ العبثية والصدفة تتنافى مع الحق لأنها لا قصد لها ولا غاية، كما أنها لا تمثل إتقانا ولا يتم بتوهمها خلق بالمرة، لأنها لا نتيجة جادة لها ولا رابطة لها بالإبداع والصنعة المتناسقة، وما يضرب به بعض الملحدين للتمويه بوهم الصدفة من أمثلة كمثال الحروف الأبجدية وتنضيد إلياذة هوميروس أو قصيدة من المنظوم والكلام المفهوم . وكذلك مثال القراءة والآلة الكاتبة والضرب عليها لملايين السنيين لإنتاج قصيدة من قصائد شكسبير ....إلخ، مما يثير السخرية والاستهزاء بمثل هذا النوع من البشر الخسيس في تفكيره من طرف القردة أنفسهم بله الإنسان العاقل السليم الفطرة. فالعبثية عبارة عن لهو ولعب يستهلك من حيث العرف فيه الإنسان زمانه الخاص به، حتى إذا أهدره وجد أنه قد استهلك ذاته بذاته، إذ فوت على نفسه الاستفادة واستغلال زمانه لغاية وجوده. كما يقول الله تعالى "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون" . كما أن اللعب لا يفيد حقيقة ولا ينتج علما بل إنه يكون دائما مظنة العبثية والفراغ. ولهذا فهو غير منتج أصلا وغاية. ولا يتم به خلق أو قصد وحكمة. وهذا ما ينص عليه قول الله تعالى في نفي العبثية عن وجود الخلق "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين. لو أردنا أن نتخذ لهوا لا تخذناه من لدنا إن كنا فاعلين، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون" . "وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون" . "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق. وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل" . إذن فالحق في الخلق ظاهر جلي والعبثية والصدفة باطل ملغي، وبما أن الخلق موجود فعلا وحقيقة فإنه دال على وجود الخالق بمجرد أنه –أي الخلق- مشاهد ومرئي. ولهذا فبرهان الغاية كما يقول عباس محمود العقاد "هو في لبابه نمط موسع من برهان الخلق مع تصرف فيه زيادة عليه، لأنه يتخذ من المخلوقات دليلا على وجود الخالق ويزيد على ذلك أن هذه المخلوقات تدل على قصد في تكوينها وحكمة في تسييرها وتدبيرها" . وفي نفس السياق والاستنتاج نجد ابن رشد يصطلح على هذا البرهان بدليل العناية الذي عرفه بأنه "طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، وهو ينبني على أصلين: أحدهما أن جميع الموجودات التي هاهنا موافقة لوجود الإنسان. والأصل الثاني أن هذه الموافقة بالاتفاق ". وسواء عبرنا ببرهان الغاية أو دليل العناية فإن المعنى يبدو واحدا حسب تعريف العقاد وابن رشد، إلا أن هذا الأخير ربما يكون قد لا يرى التلازم ضروريا بين ما سماه بدليل الاختراع ودليل العناية والذي فهمه من الآيات التي تبدو وكأنها خاصة بكل دليل على حدة. إذ يقول في الموضوع بأن "الآيات التي في الكتاب العزيز في هذا المعنى إذا تصفحت وجدت على ثلاثة أنواع: إما آيات تتضمن التنبيه على دلالة العناية، وإما آيات تتضمن التنبيه على دلالة الاختراع وإما آيات تجمع الأمرين من الدلالة جميعا" . "فأما الآيات التي تتضمن دلالة العناية فقط فمثل قوله تعالى "ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا..إلى قوله ..ذو جنات ألفافا". ومثل قوله "تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا". ومثل قوله تعالى "فلينظر الإنسان إلى طعامه" الآية. ومثل هذا كثير في القرآن. وأما الآيات التي تتضمن دلالة الاختراع فقط. فمثل قوله تعالى "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" الآية...." . وتقسيم ابن رشد هذا يحتاج إلى وقفة تدقيق، ذلك لأن القرآن حينما يذكر الخلق تصريحا فإنه يضمنه دليل العناية أو الغاية، كما قلنا بأن وجود الخلق في حد ذاته يدل على الغاية لأنه موجود بحق. ولهذا فالفصل بين الخلق والحكمة أو الاختراع والعناية والغاية هو فصل متكلف، بل إن الآيات التي استشهد بها ابن رشد مثلا في اعتبار دليل العناية منفصلا عن دليل الاختراع قد تؤكد أن الاختراع وارد فيها صراحة بوجه من الوجوه. كما في قول الله تعالى "ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا" وقوله "تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا...". إذ كلمة جعل قد ترادف إلى حد ما كلمة خلق، لأنها تصرف وخلق من جهة وتدبير، وقد تحمل طابع التشكيل والصيغة. بحيث أن جعل الأرض مهادا من جهة يفيد دليل العناية، ومن جهة يدل على أن صنعة الأرض متقنة لحد أن أصبحت مثل المهاد في احتضان الإنسان وضمان استقراره، كما أن جعل الجبال أوتادا له نفس الإفادة، لأنه من جهة يدل على العناية من حيث ضبط الكرة الأرضية حتى لا تتزلزل وتتلاشى.ومن جهة يتضمن دليل الاختراع من حيث خلق الجبال على شكلها الذي يشبه وتدا مغروزا في الأرض على صورة كومة مرتفعة من سطحها. وهكذا لو تتبعنا الآيات التي يبدو فيها دليل العناية أو دليل الاختراع أكثر ظهورا في أحد الآيات دون أخرى فإننا سنجد التلازم قائما بين الدليلين في كل الحالات لأن الحكمة ملازمة للخلق والخلق مفيد للحكمة. وقد أدرك بعض المفكرين من المسلمين غير ابن رشد هذا التلازم القائم بين برهان الخلق أو دليل الاختراع وبين برهان الحكمة أو دليل العناية والغاية، فأخذوا يفسرون الآيات القرآنية من باب ربط المخلوقات بالحكمة من وجودها كاستقراء نسبي لما يبدو من ظواهرها. قد نجد لها نماذج في كتاب "الحكمة في مخلوقات الله" الذي ألفه أبو حامد الغزالي حيث يقول مثلا في الباب الأول وهو "التفكر في خلق السماء وفي هذا العالم". قال الله تعالى: "أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج" وقال سبحانه: "الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن. يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما". اعلم رحمك الله أنك إذا تأملت هذا العالم بفكرك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه، فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منصوبة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شئ من ذلك معد مهيأ لشأنه، والإنسان كالملك للبيت المخول لما فيه، فضروب النبات لمآربه وأصناف الحيوانات مصرفة في مصالحه، فخلق سبحانه السماء وجعل سبحانه لونها أشد الألوان موافقة للأبصار وتقوية لها، ولو كانت أشعة وأنوارا لأضرت الناظر إليها، فإن النظر إلى الخضرة والزرقة موافق للأبصار، وتجد النفوس عند رؤية السماء في سعتها نعيما وراحة لا سيما إذا انفطرت نجومها وظهر نور قمرها. والملوك تجعل في سقوف مجالسها من النفس والزينة ما يجد الناظر إليه به راحة وانشراحا. لكن إذا داوم الناظر إليها نظره وكرره مله، وزال عنه ما كان يجده من البهجة والانشراح، بخلاف النظر إلى السماء وزينتها، فإن الناظر إليها من الملوك فمن دونهم إذا ضجروا من الأسباب المضجرة لهم يلجأون إلى ما يشرحهم من النظر إلى السماء وسعة الفضاء، وقد قالت الحكماء "يحذوك عندك من الراحة والنعيم في ذلك بمقدار ما عندك فيها من السماء". وفيها أنها حاملة لنجومها المرصعة ولقمرها، وبحركتها سير الكواكب فيهتدي بها أهل الآفاق، وفيها طرق لا تزال توجد آثارها من المغرب والمشرق ولا توجد مجردة ولا مقبلة في صورة نور، قيل إنها- أي الكواكب- أنجم صغار متكاثفة مجتمعة يهتدي بها على السير من ضل وينظر في أية جهة كانت فيقصدها، وقيل إنها المشار إليها في قوله تعالى "والسماء ذات الحبك" قيل: الحبك: الطرق. وقيل ذات الزينة. فهي دلائل واضحة تدل على فاعلها. وصنعته محكمة صمدية تدل على سعة علم بارئها وأمور ترتيبها تدل على إرادة منشئها، فسبحان القادر العالم المريد. وقيل في النظر إلى السماء عشر فوائد: تنقص الهم وتقلل الوسواس، وتزيل وهم الخوف وتذكر بالله، وتنشر في القلب التعظيم لله، وتزيل الفكر الرديئة وتنفع لمرض السوداء وتسلي المشتاق وتؤنس المحبين وهي قبلة دعاء الداعين" . فالحكمة في الخلق إذن واضحة كل الوضوح، لكن هل يمكن إدراك كل الحكمة أم بعضها؟ فهذا يبقى رهينا بتفاوت المستويات المعرفية لهذا الشخص أو ذاك، وتفاوت القدرات الفكرية والاستعدادات النفسية وصفائها. وكإضافة أدبية في هذا الموضوع الخاص بالحكمة في مخلوقات الله والبحث في مظاهرها أورد هذه الأبيات للشاعر ابن الشبل البغدادي يقول فيها: بربك أيها الفلك المدار أقصد ذا المسير أم اضطرار؟ مدارك قل لنا في أي شىء ففي أفها منا منك انبهار؟ وفيك نترى الفضاء وهل فضاء سوى هذا الفضاء به تدار وعندك ترفع الأرواح أم هل مع الأجساد يدركها البوار؟ وموج ذا المجرة أم فرند على لجج الدروع له أوار وفيك الشمس رافعة شعاعها بأجنحة قوادمها قصار وطوق في النجوم من الليالي هلا لك أم يد فيها سوار بشهب ذي الخواطف أم ذبال عليها المرخ يقدح والغفار وترصيع نجومك أم حباب تؤلف بينها اللجج الغزار الحكمة في التسخير بين ضعف الإنسان وسعة الأكوان فلو تتبعنا مسالك الحكمة في مخلوقات الله تعالى لوجدنا أنها بحر لا ساحل له. ومن هنا يكون النظر بهذا الوجه يفيد العلم بالخلق والعلم بالحق. لأنه بقدر ما محص الإنسان النظر في مخلوقات الله لإدراك الحكمة فيها إلا وتجلت له أسرار وتحصل على علوم دقيقة وغاية في الدقة تلازم بين بنية المخلوق ووظيفته وغايته. كما أنه سيدرك وجه التسخير وفائدته لصالح الإنسان، وسيعلم حتما أن التسخير ليس ذاتيا له ولا أنه من مقدور الإنسان، إذا قيس بالكون حجما وبنية ووظيفة. وهو ما ضرب القرآن على أوتاره للدلالة بالبرهان القطعي أن هذا التسخير من جهة ليس عبثيا، ومن جهة ليس ذاتيا للإنسان أو أنه بكسبه من حيث هو إنسان مخلوق وعاجز ضعيف. وفي هذه المقاسية الدالة على العناية الإلهية بالإنسان وتكريمه نجد عدة آيات في القرآن الكريم تنص على هذا المعنى. من بينها قول الله تعالى "خلق السموات والأرض بالحق، تعالى عما يشركون، خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين. والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين. هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون. ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات. إن في ذلك لآية لقوم يتذكرون، وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه، إن في ذلك لآية لقوم يذكرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها. وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون. أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون؟ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم" "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" . وملاحظة هذا التسخير لا تحتاج إلى كبير عناء وتعقيد في الصيغ والمفاهيم، وإنما هو واضح كل الوضوح على مستوى المشاهدة البسيطة والحسية الواقعية كما عرضها القرآن الكريم ليستفيد منها العالم والعامي والمختص والعادي من الناس. لكن كما سبق وقلنا أن القرآن الكريم يضرب دائما على أوتار النفس في تخليص ذاتها من أنانيتها وانطوائيتها الوهمية والمتمثلة في التكبر على التسليم بالحقيقة، والذي ولد لديها شذوذا من خلال استشعارها بأن الكون مسخر لخاصية ذاتية لها، فيأتي الخطاب القرآني لكي يصحح للنفس أخطاءها القياسية الفاسدة والمؤسسة لديها على توهم العظمة في ذاتها. وذلك بقهرها بالقياس الواقعي الصحيح والمستند على الرؤية الحسية المباشرة والامتدادات الكونية المشاهدة فيقول الله تعالى: "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغين فاستعن بالله إنه هو السميع البصير. لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" "أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها" . إن هذه الآيات كلها براهين قطعية دالة على وجود الله سبحانه وتعالى لأنها من جهة تبرهن على أن الكون والإنسان مخلوقان، ومن جهة تبرهن على أن هذا الخلق فيه قصد وتسخير لصالح الإنسان. لأن الكون من حيث هو جماد متسع الآفاق ومتراص البنية عاجز عن الإرادة والحرية والوعي بحركته، مما يجعل كل حركة منه تخضع للتسخير والتوجيه بحسب إرادة المسخر الحكيم، كما أن الإنسان من حيث هو كائن عاقل ومدرك إلى حد ما عاجز عن أن يسخر من هو أكبر حجما منه إذا اعتبرت البنية والقدرة الذاتية في هذا التسخير، لأن القاعدة العلمية العادية تقول بداهة بأن الجرم الأكبر دائما هو الذي يجدب إليه الجرم الأصغر إذا تساوت عناصر تكوين ذرات هذا الجرم أو ذك، ولا يحدث العكس. لكننا نجد فيما يخص علاقة الإنسان بالكون أن هذه القاعدة قد تخترق فيصبح الجرم الأصغر هو الذي يستغل الجرم الأكبر ويوظفه لمصلحته رغم الضعف والدونية في كثافة البنية التي يتميز بها الإنسان من حيث الظاهر عن البنية الكونية العامة بشدتها وصلابتها وسعة آفاقها. وقد يتوهم الإنسان أن هذا التسخير ناتج عن قوته العقلية وإدراكه المتميز عن الحيوان والجماد، فيظن أن خضوع هذه الكائنات لمصلحته وتلبيتها لرغباته لامتياز ذاتي له عليها من هذه الجهة، وبذلك يفسر التسخير على وجه الارتقاء العنصري أو ما إلى ذلك مما يتوهمه الماديون المرضى بالكبر. فيأتي القرآن ليذكر بحقيقة الإنسان من حيث هو كائن ضعيف، مادته مأخوذة من الكون نفسه. يقول الله تعالى "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير. ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى، وأنه على كل شئ قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" . فالضعف الإنساني في مراحل تكوينه يقصي كل توهم للقدرة على التسخير من جهة رؤية الاستحقاق الذاتي له. إذ العقل والقدرة على البطش لدى الإنسان لم تظهر لديه إلا بعد مروره عبر عدة مراحل كان في بدايتها يتساوى مع الجماد في العجز عن الإدراك والعجز عن القدرة والإرادة، ثم خلقه الله على صورة كائن عضوي، ثم مميز ثم عاقل وذي شعور، ولهذا فالطفولة أو ما قبلها وبعدها ليست مؤهلة للإنسان لكي يسخر أعضاءه وملكاته لإدراك ذاته ونفسه، بله التصرف فيما هو خارج عنه وأكبر منه حجما أو ألطف منه بنية وسيولة كالهواء والماء والذي إذا فقده مات في الحين لو لا رحمة الله تعالى به ولطفه يقول الله تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون؟ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون" "قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن ياتيكم بماء معين" . برهان التسخير ووهم التدبير الذاتي عند الإنسان إذ رغم أن الإنسان قد أعطاه الله قسطا من الإرادة الخاصة به كمخلوق مميز ليتدبر أمره في هذا الكون ويستفيد من تسخيره له. فإنه يبقى عاجزا عن تسخير ما فوق إرادته وذلك برهان على أن التسخير منحة من الله تعالى للإنسان سواء في تسخير أقرب الأمور إليه أو أبعدها عن متناول يده، بحيث أن وهم الامتلاك قد يحصل لدى الإنسان غير المستبصر بسبب قرب المسخر له من متناول يده حتى يظن أن له القدرة على تسخيره ذاتيا، بينما الحقيقة أعقد من ذلك وأدق مما يتوهمه بعض العميان وقصيري النظر عن رؤية اليد العليا المسخرة للقريب والبعيد عن الإنسان كنفسه وبني جنسه، إذ تسخير الإنسان للإنسان ليس سوى مجازي وبتفضل من الله تعالى ليتم التعاون بين الناس على وجه تنتظم به الحياة الاجتماعية، يقول الله تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون" ويفسر الغزالي هذا الوجه من التسخير من خلال شرحه لحقيقة التوكل فيقول: "حقيقة التوكل إنما يستدعي توحيد الفعل ولا يستدعي الفناء في توحيد الذات، بل المتوكل يجوز أن يرى الكثرة والأسباب والمسببات ولكن ينبغي أن يشاهد ارتباط السلسلة بمسببها، وما عندي أن ذلك يخفى عليك فيما يدخل فيه اختيار الآدميين، فإنك إن رأيت المطر سببا في النبات فتعلم أن المطر مسخر بواسطة الغيم والغيم مسخر بواسطة الريح وأبخرة الجبال، وكذلك الجبال جمادات مسخرة إلى أن ينتهي إلى الأول لا محالة، وإن كنت لا تعرف عدد الوسائط فلا يضرك ذلك، وإنما الذي يخفى عليك أفعال الآدميين، فإنك تقول: من أطعمني طعاما فإنه يطعمني باختياره إن شاء أعطى وإن شاء منع. فكيف لا أراه فاعلا؟ وإنما مثلك في الالتفات إليه مثل النملة ترى سواد الخط على البياض يحصل من حركة القلم فتضيف ذلك إلى القلم، إذ حذقها الصغيرة الضعيفة لا تمتد إلى الأصبع، ومنها إلى القدرة المحركة لليد ومنها إلى الإرادة التي القدرة مسخرة لها ومنها إلى صاحب القدرة والعلم والإرادة" .ويظهر التوهم في التسخير والغرور بالامتلاك في قصة نمرود بن كنعان الذي توهم في نفسه الربوبية وادعاها باطلا، فحاجه سيدنا إبراهيم عليه السلام بالبرهان القاطع الذي بين له في الحين أنه مخلوق عاجز وخاضع لإرادة الله تعالى مهما تكبر وتجبر في الأرض، يقول الله تعالى: "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت. قال أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر. والله لا يهدي القوم الظالمين" . ويرى الغزالي عند تفسير هذه الآية في بعدها البرهاني "أن سيدنا إبراهيم حاج خصمه فقال "رب الذي يحيي ويميت" فلما رأى أن ذلك لا يناسبه وليس حسنا عنده حين قال "أنا أحيي وأميت" عدل إلى الأوفق لطبعه والأقرب إلى فهمه فقال "إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر" ولم يركب الخليل اللجاج في تحقيق عجزه عن إحياء الموتى إذ علم أن ذلك يعسر عليه فهمه، فإنه ظن أن القتل إماتة من جهته. وتحقيق ذلك لا يلائم قريحته ولا يناسب حده في البصيرة ودرجته، ولم يكن من قصد الخليل إفناؤه بل إحياؤه، والتغذية بالغذاء الموافق إحياء، واللجاج بالإرهاق إلى ما لا يوافق إفناء. فهذه دقائق لا تدرك إلا بنور التعليم المقتبس من إشراق عالم النبوة..." . فالحجة التي بهت بها سيدنا إبراهيم خصمه نمرود، فيها دلالة قاطعة على أن التسخير ليس من ذات الإنسان وقدرته، وأنه عاجز ومتوهم في تسخيره للقريب بله البعيد عنه. والذي تمثل في موضوع الشمس والإتيان بها من المشرق، بينما إذا تعلقت إرادة الإنسان بها لتأتي بها من المغرب فلن يقدر على ذلك مهما وصل إليه من تقدم علمي ومن حرية في التنقل واستغلال الطاقة واختراق المسافات. وهي -أي الشمس- مع عجزه عن التحكم فيها مسخرة لصالحه وهذا يدل برهانا على أن التسخير من فعل مسخر وأن استفادة الإنسان من الكون ليست لأن الإنسان مرتقى بذاته على عناصر الكون وإما المرقي له هو الله سبحانه وتعالى الذي عني به لغاية أرادها له والتي إن حققها ارتقى على كل الكائنات عروجا "وأن إلى ربك المنتهى"، وذلك لأن الله نفخ فيه سر العروج والامتياز على سائر المخلوقات يمكن استلهامه من قول الله تعالى."وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" . فالقرآن يؤكد أن التسخير عناية من الله بالإنسان وذلك بالتركيز على حجج حسية بارزة للعيان ومحيطة بالكيان الإنساني يدركها استنتاجا أو اضطرارا. بالضرب على مرحلة ما قبل وجوده أو مرحلة ما بعد وجوده، أو أثناء استفادته من هذا الوجود وحركته في إطاره للدلالة على عجزه عن أن يكون تسخيره لغيره مرتبطا بذاته وبتأثيراتها، إذ في مرحلة ما قبل وجوده مثلا، نجد الآية من قول الله تعالى "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا. إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا" . فغياب الإنسان عن الوجود في فترة كان الكون فيها موجودا مكانا وزمانا حركة وسكونا يدل دلالة قطعية على أن التسخير ليس من امتلاك الإنسان، وأن وجوده في الكون من حيث اعتباره كائنا عاقلا سميعا وبصيرا يدرك ما بالكون قد جاء بعد مراحل خلقه الله فيها حتى أصبح يعي نفسه ومحيطه. فأين كان الإنسان حينما كان الكون بأفلاكه وبحاره وسمائه يؤدي وظيفته المنوطة به؟. إذن فارتباط الإنسان بالسموات والأرض على مستوى التسخير هو ظرفي ومقصود لغاية ليس بالضرورة أن يكون ما في السموات مسخرا للإنسان وحده. ولكن تعيين الإنسان من بين سائر الكائنات لكي يصبح مستفيدا من الوجود الكوني على نطاقه الواسع ليس من ذات الإنسان وليس من اختيار السموات والأرض، إذ أن هذه الأخيرة لا اختيار لها في تعيين كائن دون آخر بالخضوع لمصلحته وحمله إلى غايته. كما أن بعض الكائنات العضوية الأخرى قد تستفيد مثلا من ضوء الشمس ودفئها والقمر ومياه البحار والأنهار والهواء والكلأ، لكنها مع ذلك تبقى استفادتها محدودة، إذا أنها بدورها ستصبح مسخرة للإنسان رغم أنه من ناحية القياس البدني أضعف منها وربما قد يكون أقل منها دهاء وحيلة في بعض المواقف والإجراءات...ولكن مع ذلك يسخرها الإنسان لصالحه وتهابه وتحترمه بوجه من الوجوه. فإذا كان تأخر وجود الإنسان عن وجود الكون يؤكد أن التسخير ليس عفويا أو ذاتيا للإنسان أو قصدا من الكون نفسه، فإن تأخر الكون عن موت الإنسان واختفائه عن ظاهره حركة واستفادة ستكون له نفس الدلالة والنتيجة، وهذا ما يمثل مرحلة ما بعد وجوده، إذ قد يذهب الإنسان ويغيب عن مظاهر الكون ويبقى الكون بعده يؤدي وظيفته إلى حين، ما دام الإنسان قد استنفذ أجله وأدى امتحانه، وعن هذا الانسحاب المبكر للإنسان عن الوجود الحسي قبل الكون وإمكانه، يقول الله تعالى: "ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق، إن يشأ يذهبكم ويات بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز" . "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون" . وإذا كان بعض العبثيين يتوهمون جهلا أو تضليلا أن الكون وجد على سبيل العبث بنية ووظيفة وغاية لتبرير سعيهم في الأرض فسادا فإن الرد القرآني هو الحاسم في هذا الموضوع بالدلالة القاطعة على أن الذي يعرف الاستقرار والاستمرار إلى أجل مسمى مع تناسق الأركان والعناصر لا يمكن أن يكون وجوده إلا بالحق، ويستحيل أن يكون لعبا أو لهوا أو صدفة، لأن كل هذه الأوهام الكاذبة تدخل في حكم الباطل الذي لا قرار له. يقول الله تعالى: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار" صدق الله العظيم.