الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها. الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك ، مسخر الرياح ، فالق الإصباح ، ديان الدين رب العالمين. والصلاة والسلام على نبي الرحمة وإمام الهدى الصادق الأمين الذي ما ضل وما غوى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى*) ( النجم 3-4).البشير النذير الذي دنا فتدلى (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى )(النجم 9 ) ... الذي أرسله الله للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا .. ( وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً )(الأحزاب 46). وأنزل عليه كتابا لا ريب فيه هدى للمتقين.. كتابا يهدي للتي هي أقوم أنزلته يا رب بلسان عربي مبين (قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (الزمر28). (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ( هود1) . اللهم اجعل القران لنا في ظلم الليالي مؤنسا ومن نزغات الشيطان وخطرات الوساوس حارسا. ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابسا.. ولألسنتنا عن الخوض في الباطل مخرسا.. ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا.. حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله .. التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله. ولكون إن القران هو كلام الله عجز البشر عن الإتيان بمثله (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( الإسراء 88) وكما نعلم أن كل نبي وكل رسول من رسل الله قد أوتي عددا من المعجزات الحسية في الأمور التي برع فيها قومه لتشهد له بصدق نبوته أو رسالته. فنبي الله موسى (عليه السلام) بعث في زمن كان السحر قد بلغ مبلغا عظيما فاتاه الله المعجزات ما أبطل به سحر السحرة، ونبي الله عيسى (عليه السلام) بعث في زمن كان الطب قد بلغ مبلغا عظيما فاتاه الله تعالى من المعجزات ما تفوق به على أطباء عصره فأحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله. وان القران قد انزل على خاتم الأنبياء والمرسلين في زمن كان العرب في قمة الفصاحة وحسن البيان.. والبلاغة في التعبير شعرا ونثرا. وقد اعترف العرب بروعته وبلاغة معانيه فذاك الوليد بن المغيرة يقول في القران الكريم .. رغم كفره (إن له حلاوة وان عليه لطلاوة وان أسفله لمغدق وان أعلاه لمثمر وانه ليعلو ولا يعلى عليه). ما المعجزة؟ المعجزة في لسان الشرع أمر خارق للعادة يعجز البشر عن الإتيان بمثلها والمعجزة إما أن تكون حسية تجابه الحواس وتتحدى المقاييس المعروفة واغلب المعجزات التي سبقت معجزة القران كانت من هذا النوع. وإما أن تكون المعجزة عقلية تواجه العقل وتتحداه بكل ما فيه من قوى الإدراك والاستبصار ولان القران الكريم منزل من رب العالمين فيه علم الأولين والآخرين فقد احتوى على إعجاز في جميع المجالات في اللغة والبلاغة والبيان في الفكر والقصص والأمثال لا بل نجده يتضمن الكثير من الحقائق العلمية والمفاهيم والظواهر الكونية .. دفع الكثير من العلماء إلى البحث عن تفسير آياته والبحث في معانية وكيفية الاستفادة من هذا المنهج الفكري العظيم الذي هو بحق شريعة المجتمع والمصدر الأول للتشريع. هناك شرطين أساسيين عند الإبحار في موضوع الإعجاز العلمي، الشرط الأول أن الحقائق العلمية التي توصلنا إليها من خلال التجربة لا تتعارض مع الحقائق العلمية المذكورة في القران لان مصدر الحقيقتين هو الله الواحد احد ، ولأنه جل وعلا هو من وضع تلك القوانين الطبيعية والفيزيائية لهذا الكون. وأما الشرط الثاني فلا يجوز توظيف القران وآياته والتلاعب بتأويله لخدمة أهداف أو إثبات حقائق معينة وإنما ما جاء في القران هو تصحيح للكثير من المعتقدات الخاطئة حيث احتوى على حقائق كثيرة قد لم يتوصل الإنسان إلى إثباتها وليس بالضرورة إن جميع ما توصل إليه الإنسان من حقائق ونظريات قد جاء ذكرها في القران الكريم لان الكثير من تلك الحقائق والنظريات والقوانين قد يثبت بطلانها بعد حين إلا أن القوانين والحقائق القران ثابتة لا تتغير. ما هي المفاهيم و الحقائق الفيزيائية المذكورة في القران الكريم؟ هناك دلالات أو إشارات على مفاهيم فيزيائية أو ظواهر طبيعية مثل البرق ، الرعد ، السحاب ، النور ، ضياء الشمس ،نور القمر، والكواكب ... الوزن ،المثقال ،و الذرة وكذلك دلالات أو إشارات على حقائق فيزيائية قد ورد ذكرها في آيات من القرآن الكريم والله أعلم وهي كما يلي :- 1- حقيقة اتساع أو تمدد الكون ونظرية الانفجار العظيم (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْد وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )( الذاريات47) 2- ابتداء خلق الكون من جرم سماوي واحد (مرحلة الرتق) 3- انفجار الجرم السماوي حسب النظرية (مرحلة الفتق) ( أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء30) 4- نشأة السماء من الدخان الذي نتج على أثر الانفجار العظيم والأرض على شكل كتلة ملتهبة ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ )(فصلت 11 ) 5- نشأة المجرات والنجوم والكواكب بما فيها الأرض 6- خضوع جميع من في الكون إلى قانون الجاذبية ونشوء الأنظمة الشمسية ومسارات الكواكب والنجوم) ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) (النازعات27-29) 7- سبع سموات والنجوم والكواكب في السماء الدنيا (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ )( الصافات6) (.. فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (فصلت 12) 8- تصلب قشرة الأرض و تكور الأرض أثر حركتها بعد ملايين السنين ( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) ( النازعات30) 9- ضياء الشمس ونور القمر (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً) ( نوح16) ، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ )( يونس6) 10- في المستقبل يحدث تكور للشمس (انكماش) قد ينشأ عنها ثقب أسود يبتلع جميع الكواكب والنجوم هذه مرحلة العودة من جديد إلى الخلق الأول على شكل جرم واحد (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) ( الأنبياء104) (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * (التكوير) 11- إذا انفجر هذا الجرم من جديد سوف ينشا عن ذلك مجرات جديدة وتخلق أرض غير أرضنا وحياة غير حياتنا )يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار)(إبراهيم 48) 12- الموقع الحقيقي والظاهري للنجوم ومبدأ انحناء الضوء بالجاذبية ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة 75-76) 13- خسوف القمر وكسوف الشمس وإمكانية تصحيح الحسابات وتحديد بداية الشهر العربي (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الإسراء 12 ) ، (أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) (الفرقان 45) 14- الثقوب السوداء التي تكنس ما موجود من أجرام سماوية بالقرب منها عند حركتها (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ ( التكوير16) 15- انعكاس الأشعة الكونية عند طبقة الأوزون ضمن طبقة الستراتوسفير من الغلاف الجوي (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) ( الطارق11) 16- جاذبية الاجرام السماوية ( أقمار وكواكب ونجوم وشهب ومذنبات ..) للأرض، وجاذبية الأرض لتلك الأجرام (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( الحج65) ، (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً )( فاطر41) 17- علاقة الجاذبية بعمود الهواء النازل من أي نقطة في السماء إلى الأرض . هذه الأعمدة يبقى طولها ثابت طالما إن الأجرام السماوية تجري في مسارات محددة (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (الرعد2) 18- للكواكب والنجوم مسارات ثابتة وسرعة محددة يتحرك فيه ، مثله مثل جريان ماء النهر بين ضفتين لا يحيد عنهما مما يبقي المسافات بين الأجرام ثابتة لا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس40) 19- العلاقة العكسية بين الضغط الجوي و الارتفاع عن سطح الأرض وظاهرة ضيق التنفس ( .. وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ..) (الأنعام125) 20- الحديد منزل من السماء والوزن الذري والعدد الذري له مذكور في القرآن (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( الحديد25). 21- النسبية في القرآن الكريم (..وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج47) ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة5) 22- معراج الملائكة والروح والسرعة في المنظور الإلهي ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )( المعارج4) النسبية وتعاظم الكتلة - للأحجار المرمية على أصحاب الفيل ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل5) 23-المادة وقرين المادة (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات49) (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ * وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * وهناك حقائق أخرى والله اعلم.. وما أوتيت من العلم إلا قليلا