السيد النائب المحترم : قيل لي انكم رجل طيب ، لا زلت أذكر جيدا أنني التقيت بحضرتكم قبل مدة مضت أمام مكتبكم الفاخر بشارع الجيش الملكي . ( انتبه جيدا سيدي النائب : لقد قلت أمام مكتبكم الفاخر وليس داخل مكتبكم ، من أكون لأحظى بشرف الجلوس داخل مكتبكم سيدي النائب ؟! ) ، حينها قصدتكم بمعية صديق عزيز من خيرة أبناء البلدة ، هذه البلدة البائسة التي لا تعرفونها إلا في مواسم الطبخات ، حيث تطبخون وجبات متبلة بأشهى البهارات المنتقاة بدقة محسوبة ، بهارات تقايضون بها أغراضا معينة مع أعيان المنطقة . بلدة لا تسكنونها ولا يدرس أبناؤكم مع أبنائها الفقراء في نفس مدرستها ، كما لا تطأ أقدامكم تربتها إلا في مواسم الطبخات . ..هل قلت طبخات ؟! عفوا لم أنتبه ، لابد انني جائع جدا وإلا لما ذهب خيالي إلى الطبخ ، أو ربما شاهدت للتو برنامج شهيوات شميشة ، تلك الشهيوات التي تستفز شهيتنا لأطباق مستحيلة لا يعرفها غير أمثالكم سيدي النائب . عفوا ينبغي أن نتحلى ببعض من الفهم المتبادل . التوضيح الأول : قلت سهوا الطبخات وأنا أقصد الانتخابات . التوضيح الثاني : تحدثت عن شهيوات شميشة التي تطبخونها في منازلكم سواء على المستوى السياسي أو البطني . تأكد سيدي النائب ، لن أحسدكم على أية لقمة تدخل بطنكم ، سواء كانت قطعة لحم أو ورقة تصويت دسمة ، أليس كل ما تأكلونه سيدي حلالا زلالا ؟! لماذا أحسدكم إذن ؟ أما أنا وأمثالي ، يكفينا العدس والبطاطس إن استطعنا إليهما سبيلا ، لكننا نحمد الله على نعمه الكثيرة ، والله يزيد في رزقكم الحلال ، آميييييييييييييين . الصراحة انني لم أصوت أبدا في حياتي ، لماذا أفعل ؟ هكذا أقول لنفسي ببلاهة ، لم أجد أبدا مسوغا أو حافزا للإدلاء بصوتي ، على كل حال انتم تتكفلون بالمهمة ، لن أقول مشكورين ، لأنني اخترت بوعي عدم المشاركة في مسرحية سخيفة تذبح فيها الديمو..خرا..طية ( عفوا سيدي ، حينما يدخل حرف الخاء في أية كلمة فانه يفسدها ) قد تقول عني سيدي النائب بأنني ماركسي لينيني ، أو أنني إسلامي سلفي متشدد أعتبر الديموقراطية ( هل نطقتها جيدا هذه المرة ؟! ) حسنا ، موبقة من الموبقات ، أحرم صناديقها والمصوتين فيها والناخبين والمنتخبين والمواطنين الذين يذهبون إليها ولا يعلمون منها أو عنها أي شيء . يمكن أن تقول عني ذلك سيدي النائب . لن أستطيع إقناعكم بالعكس ، اللهم إلا الثقة التي آمل لو ملكتم بعضا منها في شخصي المتواضع جدا ، وهو الأمر الذي أشك في حصوله . ولكن يمكن أن أقول بمنتهى السذاجة بأنني رأيت دوما أنه من العبث وضع ورقة تافهة في صندوق لن يغير من أمري وأمر بلدتي ومدينتي شيئا ، ورقة ليست أفضل من ورقة مراحيض صحية حاشاكم .... إنكم مستاؤون سيدي النائب من كلامي البذيء . معلهش لقد تربينا في الشارع ، هذا هو نوع الخطاب المتداول بين ولاد الزنقة . عليك أحيانا أن تجلس في مقاهي الشعبية ، _ مقهى المنزه مثلا _ أو تختلط مع الباحثين عن العمل في الموقف لتفهم سيكولوجية المجتمع الذي تعيش فيه ( أو بالأحرى خارجه ) ... انك تعترض ..لم تستسغ كلامي ؟!! عفوا سيدي النائب ، كلامكم هو الكبير ، وأنتم أصحاب الدار الكبيرة وأياديكم البيضاء ستبقى دينا أزليا يطوق أعناقنا . تصور أنكم لا تجشموننا حتى عناء تحمل مشقة الذهاب لمقر الانتخاب للإدلاء بأصواتنا ! لا أزال أذكر مرة كنت رفقة ثلة من الأصدقاء ، التقينا صدفة رجلا من ... تحدث إلينا بمنتهى الرقة والتهذيب ، ملاحظة : ( تحدث بمنتهى الرقة على غير عادته ، انفرجت أسارير وجهه فجأة وهي التي كانت دوما تشبه الكرشة ، لا تفهم معنى الكرشة ؟!! إنها الدوارة سيدي النائب ، هل قلتم سيدي الدائرة الانتخابية ؟ لا ..الدوارة ليست الدائرة بل الكرشة .. لا أقصد طبعا كروش لحرام ، هذه العبارة التي مللتم سماعها من أعدائكم . الدوارة أو الكرشة هي معدة الخروف ...آه ..أعذرني إذن ، لا يمكنكم معرفتها طبعا ، شميشة لا تدخل هذه الكلمة في طقوس مطبخها ، يا لغبائي ، ثم ان رائحتها ..أوف .. لا أقصد رائحة شميشة ، رائحة شميشة تعرفونها أيها العفاريت النفاريت .. دير عين ميكا سيدي النائب واجعل نفسك وكأنك لم تسمع الملاحظة ، يجب أحيانا أن نتجاوز بعض الانزلاقات الجانبية .. اللسان ما فيه عظم ) قال لنا حينها ذلك الرجل الظريف : لا داعي لتذهبوا لصناديق الاقتراع ، لقد فعلنا بالنيابة عنكم . تصور الخدمة الجليلة التي قدمها لنا ! حتى التصويت يشفق رجالكم علينا من أن نتحمل مشقة الذهاب وتضييع وقتنا لأجل وضع الورقة في الصندوق الزجاجي الجفاف ( عفوا مرة أخرى ، أقصد الشفاف سيدي ) . ذلك الرجل قال لنا أنه صوت بالنيابة عنا ، حسنا ، ولكن السؤال الذي باغتني فجأة : كيف استطعتم التصويت بالنيابة عني وأنا لم أستخرج ورقة التصويت أصلا ؟ وهي ورقة كما تعلمون كانت ضرورية قبل العمل بالبطاقة الوطنية في الانتخابات الأخيرة . حينذاك فقط أدركت أنكم عفاريت نفاريت حقا ... هل ظننتم سيدي النائب انني أقصد سوءا بكلمة عفاريت نفاريت حين كررتها مرة أخرى ؟! ... لا ، حاشا سيدي النائب ، أقصد أنكم أذكياء جدا ، ذكاء يفوق ذكاء الثعالب ...أفهم بأنكم سيدي عشتم وتعيشون في بيئة بعيدة عن بيئتنا ، وأنكم تعيشون في وسط راق جدا بحيث لا تسمعون كلمة عفاريت نفاريت أو ثعالب أو .. ولكن يجب أن تفهمني ، أنا مجرد عروبي ، لن أستطيع تغيير مصطلحاتي حتى لو بذلت أقصى مجهوداتي . لذلك أتمنى التفهم من سيادتكم ، وأنا أدرك أنكم ستفهمونني حتما سيدي النائب ، فأنتم طيبون ، طيبون جدا . ألست أنت بالذات سيدي النائب شخصا طيبا ؟! هكذا قيل لي ، إذن يجب أن أصدق ، لقد تعودنا تصديق برامجكم الانتخابية ، وتعودنا تصديق وعودكم وتعودنا كل شيء منكم . فلماذا لا أصدق أنكم سيدي رجل طيب ، بل سأضيف من عندي : انكم رجل طيب جدا .. جدا .. وهذه الأخيرة نكاية بأعدائكم الكثر سيدي . هل تظنني أنا أيضا من أعدائكم ؟!! لا ، لا ينبغي أن يذهب خيالك إلى أبعد مما ينبغي ، لقد وجدت فقط الفرصة مواتية لأذكركم بحادثة وقعت قبل مدة معينة . أعرف انك لن تتذكر ، شخص بمثل أجندته المليئة بالأشغال والمواعيد مع السيد فلان ورجل الأعمال فلان ومع فرتلان صاحب شركة... كيف له أن يتذكر حادثة تافهة تلاشت من ذهنه بمجرد دخوله حينها إلى مكتبه ؟!! سأذكرك بالحكاية ليس بتفاصيلها حفاظا على الخصوصية الشخصية : حدث ذلك سنة ..... لا أذكر بالتحديد ، وقفت آنذاك أمام مكتبكم سيدي النائب ، ذلك المكتب الذي كنتم تسيرون من خلاله شركاتكم وأعمالكم ومقاولاتكم . طرقت الباب الزجاجي وبجانبي رفيقي ، فعلت ذلك لأطلب الإذن لدخول مكتبكم ، كنت أتوقع أنكم ستشيرون إلينا لندخل ، لكنك قمت من مكتبك . قلت في نفسي ، الرجل يريد استقبالنا كما ينبغي لرجل مهذب جدا أن يفعل ويدعونا إلى داخل مكتبه ليستمع إلينا ، لكن الذي حصل هو أنكم تبادلتم معنا تحية باردة ارتسمت معالمها على وجهكم الوسيم سيدي ، ابتسامة وكأنكم استنسختموها من القطب الجنوبي ( يا لقدرتكم على تقمص أدوار الميميك ، لماذا لم تنضموا لفرقة تمثيل مسرحية من صنف المسرح التجريبي خصوصا وأننا نفتقد لمثل هذا النشاط الفني في مدينتنا بدل فرقة تمثيل مسرحية سياسية ؟! عفوا .. انكم سيدي تؤمنون بالمدرسة الواقعية في التمثيل ، وبالتالي تمثيلكم في البرلمان يدخل في هذا الإطار .. يا لغبائي ! انكم فعلا عفاريت نفاريت ) ماذا حدث في ذلك اللقاء ؟ لا جواب الآن سيدي النائب لأسباب خاصة .. ورغم كل شيء أشفق عليكم اليوم ، لفتة بسيطة من لدنكم كانت كفيلة بأن تجعلني ورفيقي طول عمرنا نذكركم بالخير والكلام الطيب ، ولكن في المقابل هل يهمك أن أذكرك أنا أو غيري بالخير ؟!! لا طبعا ، هناك جهات أخرى من طرفكم سيدي تفعل المستحيل لأجل إرضاء فئة من المنتخبين تدفعون لهم مقابل أتعابهم ( هل قلت أتعابهم ؟!! نعم انني أشفق عليهم هؤلاء المساكين أصحاب السيارات المرسيدس السوداء الفارهة التي تنبعث منها روائح مصانع برلين ، تتكدس جيوبهم بأموال عملة صعبة ، أقول صعبة وهي كذلك صعبة جدا لأنهم لا يستطيعون حملها لشدة ثقلها . ولكنني أعتب عليكم سيدي ، لماذا لم تطلبوا مساندتنا لنحمل عنهم تلك الكمية الهائلة من العملة الصعبة ؟!! هل قصرنا يوما في المساعدة ؟!! ) كما انكم سيدي كنتم وخصومكم تهربون أغلبية المنتخبين كلما تعلق الأمر بانتخاب رئيس البلدية إلى فنادق مدن بعيدة من فئة خمسة نجوم ، وهناك كان يحدث .. و .. و... و...، أظنك قرأت أفكاري التي لا أرغب الإفصاح عنها علانية . انك تقول سيدي النائب بأنني أتحدث عن خمور وشيخات وكمنجات وتدليك أجساد في حمامات ساونا حارة تحت أياد ناعمة لطيفة تحيي الميت ..لست أدري ..، لن أجزم .. لم أكن بينكم طبعا . .. ولكنني سمعت على كل حال كما سمع الجميع سيدي . [email protected]